إن فكرة الحقوق الخاصة بالطفل مستمدة من الاعتراف العالمي بأن الأطفال، بسبب عدم نضجهم الجسدي والعاطفي، يعتمدون، لضمان رفاههم، على عائلتهم ومجتمعهم وعلى بنى السلطة السياسية والاقتصادية التي يقيمها الكبار. وثمة سلسلة من الصكوك الدولية التي تنظِّم قضية الحماية والحقوق التي يتمتع بها الأطفال، وهي: الحق في الحماية من جميع أشكال العنف الجسدي أو العقلي؛ ومن آثار النـزاعات المسلحة؛ ومن الاستغلال الجنسي وغيره من أشكال الاستغلال. وتتضمن الحقوق الخاصة للأطفال: الحق في التعليم؛ واللعب؛ والراحة ووقت الفراغ؛ والحماية من العمل الخطير أو المؤذي، بما في ذلك الخدمة العسكرية؛ والحق في عدم التعرض للحجز أو السجن إلا في ظروف استثنائية، أو كملجأ أخير ولأقصر مدة ممكنة. وللأطفال الحق في الحصول على حماية الكبار، ولكنهم ليسوا ملكية لهم: إذ أن لهم الحق في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم وفقاً لسنهم ودرجة نضجهم. ولهم الحق في أن يتم الاستماع إلى آرائهم، وأن تُولى هذه الآراء المتعلقة بالمسائل التي تمسهم الاعتبار الواجب، وذلك "وفقاً لسن الطفل و نضجه". ويعتمد الأطفال الصغار جداً على الآخرين للتعبير عن آرائهم وحماية مصالحهم الفضلى؛ وعندما يكبرون، يصبحون أكثر قدرة على التعبير عن أنفسهم والمشاركة في اتخاذ القرارات. ويتمثل أحد المبادئ الأساسية لاتفاقية حقوق الطفل في أن "مصالح الطفل الفضلى" يجب أن تُولى الاعتبار الأول في جميع القرارات والإجراءات المتعلقة بالطفل.
التعريف القانوني للطفل
"الطفل"، وفقاً لمعظم المعايير القانونية الدولية، هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة. وقد حددت معظم بلدان العالم السن القانونية للرشد أو البلوغ بثمانية عشر عاماً. وتستخدم منظمة العفو الدولية هذا التعريف، شأنها شأن معظم المنظمات غير الحكومية وجماعات حقوق الأطفال. فالميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهه يعرِّف الطفل بأنه "كل إنسان دون الثامنة عشرة من عمره"، بينما اتفاقية حقوق الطفل تُعتبر أقل تحديدً للسن؛ إذ ترى أن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز 18 عاماً، إلا إذا بلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون الوطني المنطبق عليه. ويبدو أن هذا الاستثناء يمكن أن يُستخدم من قبل بعض الدول لتبرير رفض الحقوق الواردة في الاتفاقية للأطفال الذين لا ينطبق عليهم تعريف الطفل بموجب القانون الوطني، أي في الحالات التي تُحدد فيها دولة ما سن البلوغ بأنه دون الثامنة عشرة. إلا أن لجنة حقوق الطفل انظر أعلاه كانت متسقة في تطبيق هذه الفقرة، بحيث تعني أنه يجوز تحديد سن البلوغ بأقل من 18 عاماً، فقط بشرط ألا يعِّرض ذلك للخطر أياً من الحقوق التي تحميها اتفاقية الطفل. ويظهر تعبير "الحدث" أيضاً في نصوص حقوق الإنسان، مع أنه ليس تعبيراً متعارضاً. فهو يشير، عادة، إلى أولئك الذين يمكن اتهامهم ومحاكمتهم بموجب القانون القضائي للأحداث. ووفقاً لقواعد بكين، ثمة طائفة واسعة من الأعمار تنضوي تحت تعريف "الحدث"، وتتراوح بين سبع سنوات و 18 سنة أو أكثر، بينما تنص قواعد الأمم المتحدة لحماية الأحداث المحرومين من حريتهم على أن "الحدث هو كل شخص دون سن الثامنة عشرة"، وتضيف أن السن التي لا يجوز دونها حرمان الطفل من حريته يجب أن يحددها القانون. وفي بعض البلدان يُشار إلى جميع المذنبين الأحداث أو الذين تأويهم مؤسسات المذنبين الشباب بأنهم "أحداث"، حتى لو بلغ بعضهم 21 عاماً أو حتى 24 عاماً.
إن المفاهيم التي تساعد على تحديد الطفولة، مثل النضج وسن المسؤولية الجنائية، تعتمد إلى حد كبير على العوامل الاجتماعية والثقافية. وتختلف سن النضج، اختلافاً كبيراً من مجتمع إلى آخر. فاتفاقية حقوق الطفل غامضة، عن قصد، فيما يتعلق بسن المسؤولية الجنائية، والمبدأ المتعلق بإيلاء الاعتبار الواجب لآراء الطفل يأتي وفقاً لنضج الطفل وليس لسنه. وفي بعض المجتمعات، تُعتبر الطفولة حالة يحددها وضع الطفل في المجتمع وليس سنه. فالأشخاص الذين لا يزالون تحت سلطة والديهم يُعتبرون أطفالاً، بصرف النظر عن سنهم، في حين أن أولئك الذين يقومون بأدوار البالغين ومسؤولياتهم، يُعطون حقوقاً وواجبات اجتماعية وفقاً لذلك. وفي كثير من أنحاء العالم، يضطلع حتى الأطفال الصغار بمسؤوليات اقتصادية مهمة: فهم مضطرون للعمل، إما لإعالة أنفسهم، أو كجزء من اقتصاد الأسرة، ولذا لا يتبقى لديهم كثير من الوقت للمدرسة أو اللعب. وأشار أحد النشطاء والمربين في جنوب أفريقيا إلى أن الفرد المجرد من معظم المسؤوليات والمعتمد على غيره اقتصادياً، والذي لا يشارك سياسياً، وغير الناضج عاطفياً ومعنوياً، والذي تؤمِّنه العائلة وتمثله، لا ينطبق إلا على عدد قليل من الأطفال في العالم. ومع ذلك، فإن أولئك الذين يضطرون لحمل الأعباء المالية والمسؤوليات العاطفية لسن البلوغ أكثر تعرضاً لمخاطر الانتهاكات، لأنه لا يُنظر إليهم كأطفال. وربما لا يدرك الكبار أن هؤلاء الأطفال ما زالوا غير ناضجين عاطفياً وجسدياً، وبالتالي بحاجة إلى الضمانات وأشكال الحماية الإضافية للمعايير القانونية ذات الصلة.
حقوق الطفل
3
سن المسؤولية الجنائية
إن سن المسؤولية الجنائية، عادة، تختلف عن سن الرشد. ويُنظر إليها، بشكل عام، على أنها السن التي يُتوقع أن يعرف فيها الطفل الصحيح من الخطأ، وأن يفهم عواقب أفعاله، وأن يتمتع بنضج عاطفي وعقلي كافٍ لفهم جلسات الاستماع والمحاكمات وغيرها من إجراءات في إطار النظام القضائي للأحداث. إن منظمة العفو الدولية لا تتخذ موقفاً حيال سن المسؤولية الجنائية، وكذلك اتفاقية حقوق الطفل، مع أن قواعد بكين أوصت بألا يتم تحديد المسؤولية القانونية في سن متدنية للغاية، آخذين بعين الاعتبار حقائق النضج العاطفي والعقلي والذهني. إن سن المسؤولية القانونية تختلف من بلد إلى آخر، بل في داخل البلد نفسه؛ ففي بعض البلدان ترتبط سن الرشد وسن المسؤولية القانونية بالبلوغ، وهو كثيراً ما يكون مختلفاً لدى الأولاد عنه لدى البنات. ومع أن معظم الدول حددت سن المسؤولية الجنائية دون الثامنة عشرة، فإن الفرد يظل يُعتبر طفلاً، ويحق له التمتع بالحقوق المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل التي تنظم معاملة الطفل على أيدي السلطات المكلفة بتنفيذ القانون والسلطات القضائية. وفي بعض البلدان تتفاوت مستويات السن المحددة للحقوق والمسؤوليات المتصلة بسن البلوغ تفاوتاً كبيراً. ففي الولايات المتحدة، مثلاً، يُعتبر الأشخاص الذين يبلغون سن 18 مسؤولين إلى حد يؤهلهم للتصويت، ويُسمح للأشخاص الذين يبلغون 17 سنة الالتحاق بالجيش، ويجوز لمن يبلغون 16 سنة أن يتزوجوا، كما يجوز إصدار أحكام بالإعدام عليهم، ويجوز تشغيل من يبلغون 12 سنة في المزارع 14 ساعة في اليوم، بينما لا يجوز شراء الخمر أو الجعة لمن تقل أعمارهم عن 21 سنة.
ومن الواضح أنه ليس ثمة سناً معينة ينتقل عندها كل شخص من الطفولة إلى البلوغ، إلا أن سن الثامنة عشرة هي العلامة البارزة المعترف بها على أوسع نطاق. إنها السن التي يمكن اعتبار الأغلبية الكبيرة من الصغار، عندما يبلغونها، شباباً بالغين. وفي سن الثامنة عشرة يُنهي معظم الشباب دراستهم الثانوية، ويصبحون قادرين على إدراك الالتزامات الاجتماعية والمسؤوليات المطلوبة من العضو البالغ في المجتمع المدني، وفيها يكون معظمهم قد وصل إلى مستوى معين من النمو العاطفي والجسدي، ويكونون قادرين تماماً على اتخاذ القرارات بأنفسهم، وتنفيذها.
كل الأطفال قد ولدتهم أمهم أحرارا
إن من المستحيل أن يوجد سبب وجيه لحرمان أي طفل من حقه في التمتع بالحرية وبالفرص المتاحة.
ومع ذلك ففي جميع أنحاء العالم يعاني الأطفال من وطأة التمييز، لا لسبب سوى لون بشرتهم، أو جنسهم، أو التقاليد التي يتوارثونها عن آبائهم. ويتسبب التمييز الذي يتعرض له هؤلاء الأطفال إلى إبعادهم وحرمانهم من تحقيق كامل قدراتهم وطاقاتهم الكامنة.
وللتمييز أوجه متعددة. فهو في بعض الحالات يبدو بمظهر التعصب والكراهية، بل وقد يصل إلى حد العنف. وفي حالات أخرى يأخذ طابعاً أكثر حذقاً وتوريةً. فإذا أحست الفتاة بالامتهان في مدرستها، أو إذا أبعدت عن الدراسة لكي تبقى في المنزل لكي ترعى شؤونه لمجرد أنها فتاة ، ففي هذا تمييز. وإذا لم تبذل الجهود لإعطاء الأطفال المعوقين نفس الفرصة للوصول إلى مآربهم واغتنام الفرص المتاحة ففي هذا تمييز أيضاً. وكلما تعرض أي طفل في أي مكان للشعور بأنه أقل مكانةً من أي طفل آخر، ففي هذا تمييز. وكل هذا يجب أن يتوقف.
التمييز يعني حرمان أي فرد من شيء نؤمن أنه حق واضح وجلي له: أن كل الأطفال قد ولدتهم أمهاتهم أحراراً متساوين في التمتع بالكرامة والحقوق. ولكن كيف نخوض في الكلام عن حقوق الإنسان بدون الاستهلال بالكلام عن حقوق هؤلاء الذين يحملون أكبر قدر من الطاقات الكامنة، ومع ذلك فهم أيضاً أكثر الفئات ضعفاً؟
هؤلاء الأطفال الذين يعانون من أضرار التمييز ليس لهم في الأمر اختياراً. أما نحن فلنا الاختيار. يمكن
أن نعلّم أولادنا معنى التسامح وكيفية العيش بدون خوف أو كراهية أو تحيز. إلا أنالكلمات وحدها لن تكفي. يجب علينا أيضاً أن نعضد كلماتنا بالأفعال، بأن نؤّمن لكل طفل حقه في الحرية والكرامة. ولا ينبغي أن نستثني من هذا أي طفل من الأطفال.
الإستماع للأطفال
مع نمو الأطفال تنمو قدرتهم على اتخاذ القرارات. ومن حقهم أن يعبروا عن آرائهم في الأمور والشؤون التي تتعلق بهم والتي لها تأثير عليهم. وهذا الحق حق أساسي مشترك بين جميع الناس: حق التعبير عن الآراء والتعبير عن وجهات النظر، وحق اعتبار هذه الآراء ووجهات النظر من جانب الآخرين بعين الاحترام والجدية.
ومع ذلك فكثيراً ما يـُحرم الأطفال من هذا الحق. وكثيراً ما نجد من لا يصغي للأطفال ولا يستمع إليهم. بالطبع، هناك بعض الحالات التي يكون فيها المسؤولون من البالغين على بيّنةٍ من الأمر ويجب في هذه الحالات أن يؤول إليهم القرار النهائي. لكن في كثير من الأحيان يعرف الأطفال أكثر من أي شخص آخر ويفهمون ماهية الأشياء التي يحتاجونها. فلهم القدرة على التعبير عن الأشياء التي لا يعرفها الكبار، أو التي ربما يكونوا قد نسوها بمرور الوقت.
ينبغي أن لا ننسى أبداً أن الأطفال هم كبار الغد وقادته. وأن زمام أمر العالم سيؤول إليهم في يوم ما. فلنبدأ من الآن في إتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أنفسهم نيابة عن أنفسهم. لقد آن الأوان لتقديم
المساعدة لهم لكي يتمكنوا من تكوين مهاراتهم، وتنمية الإحساس بالمسؤولية والثقة بالنفس.
لقد حان الوقت لتقديم الدعم لهم وتعضيدهم لكي ينموا ويتطوروا ويحققوا أكمل الطاقات الكامنة.
__________________
mnqol