ssh
11/08/2003, 07:43 AM
كنت أعتقد بأنني ولدت لأكون مسؤولة عن غيري ، لم أشعر يوماً بأن أحد ما يهتم لأمري!! ولدت في الستينات ولكني لا أذكر في أي عام على وجه التحديد ، ولدت بعد أختين وولدت بعدي ثلاث أخريات ، لم يشأ الرحمن أن يرزق والدي من أمي أي أولاد ذكور ولكن والدي كان يعاملني كالذكر تماما.
كنت أنا الوحيدة من أخواتي التي أنام مع/ه في الخيمة بينما كانت أمي وأخواتي ينمن في (خيمة أخرى)، كنت أستيقظ مع والدي في الفجر وكان يعلمني الصلاة ولكن كنا نقرأ الفاتحة فقط بدون أي سورة قصيرة، ونبدأ يومنا فنذهب سوية (للقنص) وكان والدي رجل معروف في قبيلتنا ولكنه كان في حالة مادية صعبة وفقر ولم نكن نملك سوى ناقة واحدة نحلب منها ونركبها، كنت أشعر بحزن والدي لأنه لم يكن يستطيع أن ينفق علينا كباقي العائلات في قبيلتنا فبالفعل كنا أفقر عائلة في مضاربنا، ولكن كانت سمعة أبي وشجاعته حديث كل الرجال والنساء في القبيلة.
كنا نذهب صباحاً أنا وأبي ونعود في المساء منهكين نصلي العشاء ونتعشى وألقي أنا بجسدي ولا أشعر بنفسي حتى اليوم التالي، كان والدي يعلمني سورة الكرسي لأقرأها قبل النوم ولكنه لم يكن يحفظها تماماً، فلقد سمعها مرة واحدة فقط من المطوع وسمع منه أنها تحفظ الإنسان فعلمني إياها لأكتشف بعد عشرات السنين أن ما علمني إياه وحفظته ليس من القرآن وقد يبدر لذهن الواحد منكم الآن بأن والدي قام بتحريف القرآن ولكنه لم يكن يحفظ الآيات وكان يرغب في حفظها ولاتنسوا أيضا بأن البدو في تلك الفترة لم يكونوا يعرفوا كثيرا عن أمور دينهم كما اليوم، ولا زلت أحفظ بعض ما علمني والدي من مما كان يسميه (رحمة الله عليه) سورة الكرسي، كان يقرأ عليّ قبل أن أنام في حضنه (وآيات الكرسي علينا تدور مثل ما يدور سور على محمد الرسول من مسا لي صباح لاقفل ولا مفتاح) كان يحبني كثيرا ويعاملني كإبنه الذكر البكر ويأخذ برأيي في كل شيء.
كانت حياتنا صعبة والأصعب هو أننا كنا ست بنات ولنا احتياجات وكان والدي يحاول بشتى الطرق توفير كل شيء لنا حتى لا نشعر بأننا أقل من أي أحد.
أخواتي الخمس خلوقات وربتهن والدتي على الحشمة والحياء، أختي الكبيرة سيدة في جسم امرأة، عاقلة تزن الأمور دائماً بميزان صحيح، تحب أن تهتم بالمنزل والخياطة والطبخ والأمور النسائية بشكل عام، كانت دائما تجلس مع أمي لا تفارقها، أما أختي الأصغر منها فهي خيالية سارحة طوال الوقت وإذا تحدثت تحدثت عن وضعنا القاسي وعن سخطها وعدم رضائها على هذه الحياة وأمنيتها لو أنها ولدت في عائلة (شيخ القبيلة) الذي لم يرزقه الله بالأولاد ولا البنات من جميع زوجاته الثلاث، كانت تتمنى لو كانت ابنة هذا الرجل المحروم الذي يملك الكثير، وأما أخواتي الثلاث الصغار فكن دائمات اللعب والإزعاج، ووالدتي آآآآه يا والدتي أشعر بالألم من مجرد النظر لوجهها الجميل الذي بدأ رغم جماله وكأنه وجه امرأة تعدت السبعين !!! كنت أشعر بالألم يعتريها ولكني لم أستطع يوما الحديث معها عن سبب ذلك الحزن الساكن في عينيها.
كان يومي يمر سريعاً ولا أشعر به، لم تكن لي صديقات كما لإخواتي، لم أكن أجلس في المنزل حتى أكون صداقات، كنت مع أبي أرافقه في حله وارتحاله أيضا، وكان عمي الذي دائماً يعاير أبي وكان عمي لا يولد له سوى أبناء ذكور كان دائما يقول لوالدي بأنه من العيب أن ترافقك ابنتك وخاصة بعد أن أصبحت في الثالثة عشر، يومها أجبرتني والدتي على لبس (الشيلة) كنت لا أزال صغيرة ولكن حتى يطمئن قلب والدتي لبستها رغما عني.
وفي يوم من الأيام وعندما كان والدي (يقنص) وكنت أنا معه ظهر لنا فجأة رجل لا أعرف كيف يتحدث كانت طريقة كلامه تذكرني بطريقة كلام المطوع، كان يستخدم اللغة العربية الفصحى للتفاهم معنا، وبعد حديث والدي معه اكتشفت أنه تاجر مغربي يأتي كل فترة وفترة لبيع بضاعته على القبائل، وكانت عيناها تطاردني بشكل فظيع وثم قال لوالدي : أرى أنكم في ضيقة مادية وأنكم لا تملكون أي حلال أليس كذلك ؟
رد والدي : هيه والله يا بو محمد ما عندنا خير بس الله كريم.
عندها لمعت عيناه وقال لوالدي أنه يستطيع إعطائه بعض المال، وكان ينظر إلي وهو يتحدث فغضب والدي وأمسكه من ثوبه وأخذ يشتمه ولكنه أخذ يصيح على والدي ويخبره بأنه فهم قصده بطريقة خاطئة وبرر كلامه بأنه كان يقصد بأنه يرغب بالزواج مني والأموال التي سيعطيها لوالدي ستكون كمهر للعروس !!!
سكت والدي فترة وثم قال له بأنه سيفكر في الموضوع، وبعدها لم نكمل صيدنا بل عدنا للمنزل وفي أثناء العودة لم يكلمني والدي وهو الذي لم يتعود أن يسكت وهو معي.
عدنا تعشى والدي ثم ذهبنا للنوم، لم يكلمني أيضا ولكن بعد عدة دقائق سألني هل لازلت مستيقظة فأجبته بأنني لا أستطيع النوم وأني لا أستطيع أن أنسى ما حدث أمامي اليوم لحظة !!! فلم أتصور والدي يرميني هكذا !! نعم هو رمي ليس زواج فأنا لازلت في الثالثة عشر وأيضا أنا لم أتخيل نفسي يوما زوجة، ولكن جاء رد والدي : أنتي أكثر اخواتج تعرفين حالتنا كيف صعبة !! وتعرفين أني مب ممكن أرخص فيج أو أيوزج أي حد وبس عندي فكرة، أنا باوافقه على الزواج وباقوله أنج اللحين صغيرة وأنه يرد علينا عقب سنة وبيوزه ولين ما تخطف السنة ويرد باكون أنا قد اشتريت كم ناقة وكم بعير، وباكون اشتريت وبعت وبيكون إن شاء الله عندي أكثر من اللي بيعطيني إياه ويوم بيرد بارد عليه فلوسه اشرايج ؟!
لم أستطع الرد أو التفكير حتى فإيماني بأن هذا الشيء سيساعد في تحسين وضعنا جعلني أوافق دون تردد، وجاء اليوم التالي وجاء الرجل الى بيتنا بعد أن سأل الناس عنا، وأخبره والدي بموافقتي ولكن إنني ما زلت لا أصلح للزواج وأن عليه العودة العام المقبل أكون أنا عندها في الرابعة عشر ووافق التاجر بشرط ان يكون هناك شهود وفعلاً جاء والدي بشهود وحدث الموضوع أمامهم.
بعدها سافر الرجل وأخذ والدي النقود واشترى وباع كما قال وتحسنت أوضاعنا المادية بسرعة والحمدلله ومرت سنتين لم نرى فيها وجه ذلك التاجر، وخلال تلك السنتين تزوجت أختى الكبرى من رجل من قبيلة أخرى تبعد مضاربهم عن مضاربنا مسافة بسيطة، فرحت أمي بزواج أختي كثيرا ولكنها افتقدتها أكثر فهي رفيقتها الدائمة، وعندما جاءت أختي لزيارتنا بعد أسبوع من زواجها لم أرى فيها تلك المتفائلة الضحوك التي عهدت، كان وجهها يحمل حزن أو شعور غريب لم أفهمه وكانت تتحاشى الجلوس معي بانفراد، وفي الزيارة الأخرى بعد الأسبوع الثاني مسكتها بيدها واتجهت بها إلى (رأس العرقوب) الذي تعودنا أنا وهي خلال سنوات عمرنا وطفولتنا الجلوس عليه والحديث عن أسرارنا ومشاعرنا وكل شيء، في البداية لم تتكلم كانت تنظر إلي وتقول بأنني من ستة شهور منذ أن استبدلني والدي براعي يرافقه أينما ذهب وأجلسني أنا في البيت وأنا متغيرة، وأنني أصبحت أبحث عن أي شيء يشغلني لذا فأنا أتصور بأنها في مشكلة ما لأشغل نفسي وفراغي !!!!
وسكت أنا عنها ولكن سألتها عن أخوات (زوجها) وعلاقتها معهن فردت : اوووه لو شفتيهن !!! طيبات مرة، وخاصة أخته الكبيرة تذكرني بج نفس شخصيتج تتصرف وكأنها ريال مب بنت ههههههه والباقيات ما يخلني ثانية دووووم ويايه ونسولف وايد وأحبهن وكأني ما سرت عنكم صدق.
فقلت لها : وأمه ؟؟
ردت : عمتي طيبة ما تخوز عن (الشكوة) دوم يالسة عدالها تخض اللبن، ومرات تقعد تخدم (تلي) أو (سدو) وعلمتني كيف أخدم التلي ويابت لي (كاجوجة) لي ويابت لي خيوط (زري) لونهن ذهبي علشان أخدم لعمري كندورة تلي، والله وتعلمت وبديت شوية وأنا كنت أتحراها صعبة طلعت سهلة مرة بس تبا أنج ..
فقاطعتها عندما تأكدت من ظنوني : يعني هو السبب في الحزن اللي أشوفه في عيونج لا تحاولين تخدعيني أنا اختج وأعرفج.
صمتت لحظات ثم انفجرت في البكاء وبكت ولم أستطع أن أتفوه بكلمة كنت أربت على شعرها وهي تحتضني بقوة وتبكي بطريقة هستيرية، وبعد دقائق مرت عليّ وكأنها سنوات توقفت عن البكاء وقالت : ماتصدقين لو أقولج ما بتصدقيني !! أنا شكلي شي فيه ؟! أنا مب حلوة ؟؟ ولا رمستيه مب حلوة ؟؟ ولا تصرفاتي شي فيها ؟؟ قولي لي الصدق وانسي أني أختج.
رديت بسرعة : أبدا أنتي أحلى منا كلنا وأنتي حرمة وراعية بيت وسوالفج يا سلام الله عليها ما أحلاها، عنبوه أنتي اللي ترمسين دوم ونحن ساكتات وأنتي اللي يوم ين ياراتنا يتخبرن عنج ولو ما كنتي موجودة مايلسن ويانا، هذا ما فيه شك بس ليش تسأليني ؟ هو ريلج يقول عنج جيه ؟؟؟
أختي : لا بس ما أعرف ليش ما يحبني ولا يباني، بخبرج بشي ولا تخبرين حد حتى أمي لا تخبرينها، من أول يوم لي وياه قال لي أنه ما كان يباني بس أمه أجبرته يخطبني و.....
ولم تستطع أن تكمل حديثها وانفجرت مرة أخرى في البكاء، ولم أستطع أنا أيضا تمالك نفسي وتمنيت لو أنه كان أمامي وقتها لكنت تصرفت معه تصرف مختلف.
حاولت أن أكون أقوى مما أنا عليه وأخبرتها بأنه مع الوقت ومع استمرار معاملتها له بأسلوب حسن سيتغير فهكذا هم الرجال في بداية حياتهم الزوجية وخاصة إذا لم يكن يعرف الزوجة واقتنعت بكلامي ومسحت دموعها.
أصررت أن أرافقها في العودة إلى منزلها ولقد كانت تعود لوحدها فلم يكن يهتم بأن يعيدها أو حتى أن يحضرها إلينا كانت تأتي مع أخيه الصغير وكنا نحن نعيدها كل مرة، وعندما وصلنا إلى منزلهم كان هو هناك في المجلس مع الرجال وأخبرت أختي بأني سأعود لمنزلي ولا أستطيع البقاء معها أكثر، وكانت معي أختاي الصغيرتين واتجهنا إلى طريقنا للعودة ولكني لم أستطع العودة دون أن أطفئ النار التي تشتعل في صدري، فحقيقة كانت أختي امرأة بمعنى الكلمة وقبل أن يخطبها هو خطبها الكثير من رجال قبيلتنا لكن والدي لم يوافق إلا على هذا الزوج، فتوقفت وبعثت أحد أخواتي إليه لمناداته وانتظرت أنا في الطريق وجاءنا مسرعا وكأنه يتوقع أن مكروه ما حدث، وعندما وصل طلبت من أختي أن يذهبان أمامي وأنا سألحق بهما فالمسافة بسيطة بين منازلنا ومنازل نسيبي، وسألته إذا كان رأى شيئا ما من أختي لم يعجبه، فامتدحها كثيرا وبعد حديث طويل واقناعي له بأنني أعلم بأنه لا يستطيع أن يجبر مشاعره على حبها إذا لم يكن يحبها وتحدثنا عن المشاعر وكيف أن الإنسان لا يستطيع السيطرة على شعوره ولكنه حلف لي بأنه لا يحب أي امرأة اخرى وأنه لا يعلم شعوره اتجاه أختي بعد ولكنه مدرك تماما بأنها تستحق الحب ولكنه لم يشعر بعد بذلك الحب ووعدني بأنه سيحاول، كان صريحا معي وكان شخص طيب يرغب في أن يعيش الحب ولكنه لم يستطع عندها فقط عذرته ودعيته بأن يحاول وأنني وصيت أختي بأن تحاول هي الأخرى مساعدته وبإذن الله سينجحان ويملاء الحب قلبيهما قريبا.
مرت فترة وكنت فيها أقنع أختي بأن تحاول جاهدة لإرضائه بكل ما تستطيع من وسائل وكانت بالفعل تحاول فهو أول رجل في حياتها، وبعد عدة أيام جاءا معاً لزيارتنا وكانت المرة الاولى وطلبت من والدي أن يذبح (ذبيحة) بهذه المناسبة وسهرنا معا وكانت ليلة من أجمل ليالي عمري وكان جميع
أفراد عائلتي بالإضافة إلى نسيبي كان الجميع يضحك ومبتسم وكنت أشعر بالسعادة ولكن كان شعوري بالسعادة يخالطه شعور بالخوف فهكذا عودتني الحياة تفرحني قليلا ثم تحزني وتبكيني أكثر.
انتظروا الجزاء الثاني من القصه
كنت أنا الوحيدة من أخواتي التي أنام مع/ه في الخيمة بينما كانت أمي وأخواتي ينمن في (خيمة أخرى)، كنت أستيقظ مع والدي في الفجر وكان يعلمني الصلاة ولكن كنا نقرأ الفاتحة فقط بدون أي سورة قصيرة، ونبدأ يومنا فنذهب سوية (للقنص) وكان والدي رجل معروف في قبيلتنا ولكنه كان في حالة مادية صعبة وفقر ولم نكن نملك سوى ناقة واحدة نحلب منها ونركبها، كنت أشعر بحزن والدي لأنه لم يكن يستطيع أن ينفق علينا كباقي العائلات في قبيلتنا فبالفعل كنا أفقر عائلة في مضاربنا، ولكن كانت سمعة أبي وشجاعته حديث كل الرجال والنساء في القبيلة.
كنا نذهب صباحاً أنا وأبي ونعود في المساء منهكين نصلي العشاء ونتعشى وألقي أنا بجسدي ولا أشعر بنفسي حتى اليوم التالي، كان والدي يعلمني سورة الكرسي لأقرأها قبل النوم ولكنه لم يكن يحفظها تماماً، فلقد سمعها مرة واحدة فقط من المطوع وسمع منه أنها تحفظ الإنسان فعلمني إياها لأكتشف بعد عشرات السنين أن ما علمني إياه وحفظته ليس من القرآن وقد يبدر لذهن الواحد منكم الآن بأن والدي قام بتحريف القرآن ولكنه لم يكن يحفظ الآيات وكان يرغب في حفظها ولاتنسوا أيضا بأن البدو في تلك الفترة لم يكونوا يعرفوا كثيرا عن أمور دينهم كما اليوم، ولا زلت أحفظ بعض ما علمني والدي من مما كان يسميه (رحمة الله عليه) سورة الكرسي، كان يقرأ عليّ قبل أن أنام في حضنه (وآيات الكرسي علينا تدور مثل ما يدور سور على محمد الرسول من مسا لي صباح لاقفل ولا مفتاح) كان يحبني كثيرا ويعاملني كإبنه الذكر البكر ويأخذ برأيي في كل شيء.
كانت حياتنا صعبة والأصعب هو أننا كنا ست بنات ولنا احتياجات وكان والدي يحاول بشتى الطرق توفير كل شيء لنا حتى لا نشعر بأننا أقل من أي أحد.
أخواتي الخمس خلوقات وربتهن والدتي على الحشمة والحياء، أختي الكبيرة سيدة في جسم امرأة، عاقلة تزن الأمور دائماً بميزان صحيح، تحب أن تهتم بالمنزل والخياطة والطبخ والأمور النسائية بشكل عام، كانت دائما تجلس مع أمي لا تفارقها، أما أختي الأصغر منها فهي خيالية سارحة طوال الوقت وإذا تحدثت تحدثت عن وضعنا القاسي وعن سخطها وعدم رضائها على هذه الحياة وأمنيتها لو أنها ولدت في عائلة (شيخ القبيلة) الذي لم يرزقه الله بالأولاد ولا البنات من جميع زوجاته الثلاث، كانت تتمنى لو كانت ابنة هذا الرجل المحروم الذي يملك الكثير، وأما أخواتي الثلاث الصغار فكن دائمات اللعب والإزعاج، ووالدتي آآآآه يا والدتي أشعر بالألم من مجرد النظر لوجهها الجميل الذي بدأ رغم جماله وكأنه وجه امرأة تعدت السبعين !!! كنت أشعر بالألم يعتريها ولكني لم أستطع يوما الحديث معها عن سبب ذلك الحزن الساكن في عينيها.
كان يومي يمر سريعاً ولا أشعر به، لم تكن لي صديقات كما لإخواتي، لم أكن أجلس في المنزل حتى أكون صداقات، كنت مع أبي أرافقه في حله وارتحاله أيضا، وكان عمي الذي دائماً يعاير أبي وكان عمي لا يولد له سوى أبناء ذكور كان دائما يقول لوالدي بأنه من العيب أن ترافقك ابنتك وخاصة بعد أن أصبحت في الثالثة عشر، يومها أجبرتني والدتي على لبس (الشيلة) كنت لا أزال صغيرة ولكن حتى يطمئن قلب والدتي لبستها رغما عني.
وفي يوم من الأيام وعندما كان والدي (يقنص) وكنت أنا معه ظهر لنا فجأة رجل لا أعرف كيف يتحدث كانت طريقة كلامه تذكرني بطريقة كلام المطوع، كان يستخدم اللغة العربية الفصحى للتفاهم معنا، وبعد حديث والدي معه اكتشفت أنه تاجر مغربي يأتي كل فترة وفترة لبيع بضاعته على القبائل، وكانت عيناها تطاردني بشكل فظيع وثم قال لوالدي : أرى أنكم في ضيقة مادية وأنكم لا تملكون أي حلال أليس كذلك ؟
رد والدي : هيه والله يا بو محمد ما عندنا خير بس الله كريم.
عندها لمعت عيناه وقال لوالدي أنه يستطيع إعطائه بعض المال، وكان ينظر إلي وهو يتحدث فغضب والدي وأمسكه من ثوبه وأخذ يشتمه ولكنه أخذ يصيح على والدي ويخبره بأنه فهم قصده بطريقة خاطئة وبرر كلامه بأنه كان يقصد بأنه يرغب بالزواج مني والأموال التي سيعطيها لوالدي ستكون كمهر للعروس !!!
سكت والدي فترة وثم قال له بأنه سيفكر في الموضوع، وبعدها لم نكمل صيدنا بل عدنا للمنزل وفي أثناء العودة لم يكلمني والدي وهو الذي لم يتعود أن يسكت وهو معي.
عدنا تعشى والدي ثم ذهبنا للنوم، لم يكلمني أيضا ولكن بعد عدة دقائق سألني هل لازلت مستيقظة فأجبته بأنني لا أستطيع النوم وأني لا أستطيع أن أنسى ما حدث أمامي اليوم لحظة !!! فلم أتصور والدي يرميني هكذا !! نعم هو رمي ليس زواج فأنا لازلت في الثالثة عشر وأيضا أنا لم أتخيل نفسي يوما زوجة، ولكن جاء رد والدي : أنتي أكثر اخواتج تعرفين حالتنا كيف صعبة !! وتعرفين أني مب ممكن أرخص فيج أو أيوزج أي حد وبس عندي فكرة، أنا باوافقه على الزواج وباقوله أنج اللحين صغيرة وأنه يرد علينا عقب سنة وبيوزه ولين ما تخطف السنة ويرد باكون أنا قد اشتريت كم ناقة وكم بعير، وباكون اشتريت وبعت وبيكون إن شاء الله عندي أكثر من اللي بيعطيني إياه ويوم بيرد بارد عليه فلوسه اشرايج ؟!
لم أستطع الرد أو التفكير حتى فإيماني بأن هذا الشيء سيساعد في تحسين وضعنا جعلني أوافق دون تردد، وجاء اليوم التالي وجاء الرجل الى بيتنا بعد أن سأل الناس عنا، وأخبره والدي بموافقتي ولكن إنني ما زلت لا أصلح للزواج وأن عليه العودة العام المقبل أكون أنا عندها في الرابعة عشر ووافق التاجر بشرط ان يكون هناك شهود وفعلاً جاء والدي بشهود وحدث الموضوع أمامهم.
بعدها سافر الرجل وأخذ والدي النقود واشترى وباع كما قال وتحسنت أوضاعنا المادية بسرعة والحمدلله ومرت سنتين لم نرى فيها وجه ذلك التاجر، وخلال تلك السنتين تزوجت أختى الكبرى من رجل من قبيلة أخرى تبعد مضاربهم عن مضاربنا مسافة بسيطة، فرحت أمي بزواج أختي كثيرا ولكنها افتقدتها أكثر فهي رفيقتها الدائمة، وعندما جاءت أختي لزيارتنا بعد أسبوع من زواجها لم أرى فيها تلك المتفائلة الضحوك التي عهدت، كان وجهها يحمل حزن أو شعور غريب لم أفهمه وكانت تتحاشى الجلوس معي بانفراد، وفي الزيارة الأخرى بعد الأسبوع الثاني مسكتها بيدها واتجهت بها إلى (رأس العرقوب) الذي تعودنا أنا وهي خلال سنوات عمرنا وطفولتنا الجلوس عليه والحديث عن أسرارنا ومشاعرنا وكل شيء، في البداية لم تتكلم كانت تنظر إلي وتقول بأنني من ستة شهور منذ أن استبدلني والدي براعي يرافقه أينما ذهب وأجلسني أنا في البيت وأنا متغيرة، وأنني أصبحت أبحث عن أي شيء يشغلني لذا فأنا أتصور بأنها في مشكلة ما لأشغل نفسي وفراغي !!!!
وسكت أنا عنها ولكن سألتها عن أخوات (زوجها) وعلاقتها معهن فردت : اوووه لو شفتيهن !!! طيبات مرة، وخاصة أخته الكبيرة تذكرني بج نفس شخصيتج تتصرف وكأنها ريال مب بنت ههههههه والباقيات ما يخلني ثانية دووووم ويايه ونسولف وايد وأحبهن وكأني ما سرت عنكم صدق.
فقلت لها : وأمه ؟؟
ردت : عمتي طيبة ما تخوز عن (الشكوة) دوم يالسة عدالها تخض اللبن، ومرات تقعد تخدم (تلي) أو (سدو) وعلمتني كيف أخدم التلي ويابت لي (كاجوجة) لي ويابت لي خيوط (زري) لونهن ذهبي علشان أخدم لعمري كندورة تلي، والله وتعلمت وبديت شوية وأنا كنت أتحراها صعبة طلعت سهلة مرة بس تبا أنج ..
فقاطعتها عندما تأكدت من ظنوني : يعني هو السبب في الحزن اللي أشوفه في عيونج لا تحاولين تخدعيني أنا اختج وأعرفج.
صمتت لحظات ثم انفجرت في البكاء وبكت ولم أستطع أن أتفوه بكلمة كنت أربت على شعرها وهي تحتضني بقوة وتبكي بطريقة هستيرية، وبعد دقائق مرت عليّ وكأنها سنوات توقفت عن البكاء وقالت : ماتصدقين لو أقولج ما بتصدقيني !! أنا شكلي شي فيه ؟! أنا مب حلوة ؟؟ ولا رمستيه مب حلوة ؟؟ ولا تصرفاتي شي فيها ؟؟ قولي لي الصدق وانسي أني أختج.
رديت بسرعة : أبدا أنتي أحلى منا كلنا وأنتي حرمة وراعية بيت وسوالفج يا سلام الله عليها ما أحلاها، عنبوه أنتي اللي ترمسين دوم ونحن ساكتات وأنتي اللي يوم ين ياراتنا يتخبرن عنج ولو ما كنتي موجودة مايلسن ويانا، هذا ما فيه شك بس ليش تسأليني ؟ هو ريلج يقول عنج جيه ؟؟؟
أختي : لا بس ما أعرف ليش ما يحبني ولا يباني، بخبرج بشي ولا تخبرين حد حتى أمي لا تخبرينها، من أول يوم لي وياه قال لي أنه ما كان يباني بس أمه أجبرته يخطبني و.....
ولم تستطع أن تكمل حديثها وانفجرت مرة أخرى في البكاء، ولم أستطع أنا أيضا تمالك نفسي وتمنيت لو أنه كان أمامي وقتها لكنت تصرفت معه تصرف مختلف.
حاولت أن أكون أقوى مما أنا عليه وأخبرتها بأنه مع الوقت ومع استمرار معاملتها له بأسلوب حسن سيتغير فهكذا هم الرجال في بداية حياتهم الزوجية وخاصة إذا لم يكن يعرف الزوجة واقتنعت بكلامي ومسحت دموعها.
أصررت أن أرافقها في العودة إلى منزلها ولقد كانت تعود لوحدها فلم يكن يهتم بأن يعيدها أو حتى أن يحضرها إلينا كانت تأتي مع أخيه الصغير وكنا نحن نعيدها كل مرة، وعندما وصلنا إلى منزلهم كان هو هناك في المجلس مع الرجال وأخبرت أختي بأني سأعود لمنزلي ولا أستطيع البقاء معها أكثر، وكانت معي أختاي الصغيرتين واتجهنا إلى طريقنا للعودة ولكني لم أستطع العودة دون أن أطفئ النار التي تشتعل في صدري، فحقيقة كانت أختي امرأة بمعنى الكلمة وقبل أن يخطبها هو خطبها الكثير من رجال قبيلتنا لكن والدي لم يوافق إلا على هذا الزوج، فتوقفت وبعثت أحد أخواتي إليه لمناداته وانتظرت أنا في الطريق وجاءنا مسرعا وكأنه يتوقع أن مكروه ما حدث، وعندما وصل طلبت من أختي أن يذهبان أمامي وأنا سألحق بهما فالمسافة بسيطة بين منازلنا ومنازل نسيبي، وسألته إذا كان رأى شيئا ما من أختي لم يعجبه، فامتدحها كثيرا وبعد حديث طويل واقناعي له بأنني أعلم بأنه لا يستطيع أن يجبر مشاعره على حبها إذا لم يكن يحبها وتحدثنا عن المشاعر وكيف أن الإنسان لا يستطيع السيطرة على شعوره ولكنه حلف لي بأنه لا يحب أي امرأة اخرى وأنه لا يعلم شعوره اتجاه أختي بعد ولكنه مدرك تماما بأنها تستحق الحب ولكنه لم يشعر بعد بذلك الحب ووعدني بأنه سيحاول، كان صريحا معي وكان شخص طيب يرغب في أن يعيش الحب ولكنه لم يستطع عندها فقط عذرته ودعيته بأن يحاول وأنني وصيت أختي بأن تحاول هي الأخرى مساعدته وبإذن الله سينجحان ويملاء الحب قلبيهما قريبا.
مرت فترة وكنت فيها أقنع أختي بأن تحاول جاهدة لإرضائه بكل ما تستطيع من وسائل وكانت بالفعل تحاول فهو أول رجل في حياتها، وبعد عدة أيام جاءا معاً لزيارتنا وكانت المرة الاولى وطلبت من والدي أن يذبح (ذبيحة) بهذه المناسبة وسهرنا معا وكانت ليلة من أجمل ليالي عمري وكان جميع
أفراد عائلتي بالإضافة إلى نسيبي كان الجميع يضحك ومبتسم وكنت أشعر بالسعادة ولكن كان شعوري بالسعادة يخالطه شعور بالخوف فهكذا عودتني الحياة تفرحني قليلا ثم تحزني وتبكيني أكثر.
انتظروا الجزاء الثاني من القصه