المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " الشاعر كعب بن زهير (رضي اللَّه عنه) "



لوليكي
04/07/2012, 09:33 AM
كــعـــب بــن زهـــيـــر (رضي اللَّه عنه)
(؟- 26 هـ = 646م) مبدع "بانت سعاد "

كعب بن زهير بن أبي سلمى، المزني، أبو المضرَّب شاعر مخضرم لأنه عاش عصرين مختلفين هما عصر الجاهلية وعصر صدر الإسلام. عالي الطبقة، كان ممن اشتهر في الجاهلية ولما ظهر الإسلام هجا النبي ، وأقام يشبب بنساء المسلمين، فأهدر النبي ، دمه فجاءه كعب مستأمناً وقد أسلم وأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
فعفا عنه النبي، وخلع عليه بردته. وهو من أعرق الناس في الشعر: أبوه زهير بن أبي سلمى، وأخوه بجير وابنه عقبة وحفيده العوّام كلهم شعراء. وقد كَثُر مخمّسو لاميته ومشطّروها وترجمت إلى غير العربية.
تلقن كعب الشعر عن أبيه مثله مثل أخيه بجير، وكان زهير يحفظهم الشعر ومنه شعره ويقولون عن كعب أنه كان يخرج به أبوه إلى الصحراء فيلقي عليه بيتاً أو شطراً ويطلب أن يجيزه تمرينا ودرّبه، كما أن كعباً كان في عصر ما قبل الإسلام شاعراً معروفاً أكثر من الحطيئة. حاول كعب أن ينظم الشعر منذ حداثته فردعه أبوه، مخافة أن يتسفّل ويأتي بالضعيف فيشوّه مجد الأسرة، وما زال يهذّب لسانه ويجهّز شاعريته برواية الشعر حتى استقام له النظم.


* نسبه *

هو كعب بن زهير بن أبي سلمى بن ربيعة بن رياح بن العوام بن قُرط بن الحارث بن مازن بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة، (? - 13 ق. هـ / ? - 609 م)


* نسب أم كعب بن زهير *

أم كعب امرأة من بني عبد الله بن غطفان يقال لها كبشة بنت عمار بن عدي بن سحيم، وهي أم كل ولد زهير.


* سنة ولادته ووفاته *

تاريخ مولد شاعر الإسلام كعب بن زهير مجهول تقريباً. إلا أن كثيراً من مراجع التاريخ والأدب أكدت أن كعب بن زهير بن أبي سلمى توفي نحو سنة 662م / 24 هـ.


* موجز عن سيرته الذاتية *

كعب بن زهير بن أبي سلمى أحد الفحول المخضرمين ومادح النبي الأمين، كان كعب قد بلغ من الشعر والشهرة حظاً مرموقاً حين دعا نبيَّ الله إلى الإسلام، وإذا أسلم أخوه بجير وبّخه واستحثه على الرجوع عن دينٍ لم يكن عليه أحد من أبائه، فهجاه كعب ثم هجا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فسمع النبي شعره فتوعده وأهدر دمه، فهام كعب يترامى على القبائل أن تجيره فلم يجيره أحد، فنصحه أخوه بالمجيء إلى النبي مسلماً تائباً، فرجع بعد أن ضاقت الأرض في وجهه، وأتى المدينة وبدأ بأبي بكر ودخل المسجد وتوسل به إلى الرسول فأقبل به عليه وآمن وأنشد قصيدته المشهورة (بانت سعاد)، فعفا عنه النبي، وخلع عليه بردته فسميت قصيدته بـ (البردة). ثم حسن إسلامه وأخذ يصدر شعره عن مواعظ وحكم باهتداء من القرآن الكريم وظهرت المعاني الإسلامية في شعره من أن الله هو رازق لعباده وغير ذلك.
قال الفاخوري حول البردة: ((ما زالت البردة في أهله حتى اشتراها معاوية منهم، وتوارثها الخلفاء الأمويون فالعباسيون حتى آلت مع الخلافة إلى بني عثمان)). قال الهاشمي أيضاً حول ما آلت إليه بردة النبي عليه الصلاة والسلام: ((بقيت في أهل بيته حتى باعوها لمعاوية بعشرين ألف درهم، ثم بيعت للمنصور العباسي بأربعين ألفاً)). وبذلك وضح أثر الإسلام الذي يدعو إلى الصفح الجميل والابتعاد عن التوعد والتهديد.
ورث موهبة الشعر عن والده فهو شاعر موهوب ابن شاعر فحل أجمع النقاد والأدباء على أنه من أعظم شعراء عصره. إنه كعب بن زهير، أبوه زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي الكبير الذي كان شعره موضع التقدير في عصره وما بعد عصره، وكان عمر بن الخطاب لا يقدم شاعراً على زهير، وكان يقول: أشعر الناس الذي يقول: ومن ومن ومن، مشيراً بذلك إلى مجموعة من الحكم في معلقة زهير المشهورة بدأ كلاً منها بكلمة "من" مثل قوله:


ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ***** وإن يرق أسباب السماء بسلم
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ***** على قومه يستغن عنه ويذمم

ولقد كان طبيعياً أن تكون نشأة كعب في أحضان والده الشاعر الكبير ووسط أسرة تقرض جميعها الشعر، سبباً في أن ينظم الشعر وهو صغير، كما أثرت هذه النشأة في أخيه "بجير" الذي أخذ الشعر أيضا عن أبيه.


* إسلام كعب *

لإسلام كعب قصة ترويها كل كتب التاريخ العربي وتراجم الأدباء العرب فعندما جاء الإسلام أسلم بجير، وبقي كعب على وثنيته، ووقف في الجبهة المعادية للرسول ولرسالته وللمؤمنين به، ولم ينج بجير بسبب إسلامه من لسان كعب، فهجاه لخروجه على دين آبائه وأجداده ورد عليه بجير وطالبه باتباع طريق الهدى لينجو بنفسه من نار جهنم، لكن كعباً عاند وظل على وثنيته إلى أن فتحت مكة فكتب إليه بجير يخبره بأن الرسول قد أهدر دمه، وقال له: "إن النبي قتل كل من آذاه من شعراء المشركين وإن ابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب قد هربا، وما أحسبك ناجياً، فإن كان لك في نفسك حاجة فأقدم على رسول الله فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا"، وعندما قرأ كعب كتاب أخيه ضاقت به الدنيا، وأشفق على نفسه، فلجأ إلى قبيلته مزينة لتجيره من النبي فأبت عليه ذلك، وعندئذ استبد به الخوف وأيقن انه مقتول.


* الشاعر والرسول *

يقول الشاعر الإسلامي صلاح الدين السباعي: في تلك اللحظات العصيبة شاءت إرادة الله أن يشرح قلبه للإسلام فاتجه إلى المدينة ونزل على رجل يعرفه من جهينة، فأتى به الرجل إلى المسجد، ثم أشار إلى رسول الله قائلا: “هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه” فتلثم كعب بعمامته، ومضى نحو الرسول حتى جلس بين يديه، ووضع يده في يده، ثم قال: "يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً، فهل أنت قابل منه إن جئتك به" قال رسول الله: "نعم"، وعندئذ كشف كعب عن وجهه وقال: "أنا يا رسول الله كعب بن زهير" وما إن قال ذلك حتى وثب عليه رجل من الأنصار قائلا: "يا رسول الله دعني وعدو الله اضرب عنقه" ، فقال الرسول: "دعه عنك فإنه قد جاء تائباً نازعاً" ، وبين يدي الرسول وقف كعب ينشد لاميته الرائعة "بانت سعاد" فأعجب بها الرسول وكافأه عليها حيث كساه بردة كانت عليه، ويروى أن:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ***** متيم إثرها لم يفد مكبول
وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ ***** لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ
فَقُلتُ خَلّوا سبيلي لا أَبا لَكُمُ ***** فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ ***** يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني ***** وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال ***** قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم ***** أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً ***** جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ
حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ ***** في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ
إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ ***** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

* حكمة أصيلة *

وإلى جانب هذه القصيدة الشهيرة التي حققت له شهرة كبيرة فإن لكعب بن زهير إنتاجاً شعرياً
متنوعاً جمع بعضه أو معظمه في ديوان يحمل اسمه، أما موضوعات شعره فهي كغيرها من موضوعات الشعر الجاهلي، تتراوح بين الفخر والمدح والهجاء والرثاء والغزل والوصف وبعض الحكم، لكن النقاد يفرقون في شعره بين اتجاهين متباينين لأن إسلام كعب قد غير في نهج شعره وأمده بكثير من الصور، ورقق ألفاظه ومعانيه حيث كان كعب في الجاهلية يميل إلى الشدة والتقعر وخاصة في وصف الصحراء وحيوانها، بينما بعد الإسلام نراه كما يقول النقاد يميل إلى إرسال الحكمة والى الابتعاد عن الموضوعات الجاهلية.
يقول محمد علي الصباح في كتابه "كعب بن زهير: حياته وشعره" : الحكمة في شعر كعب ليست أمراً طارئاً عليه أو هي مستبعدة من أن تصدر عن مثله، فهو ابن زهير بن أبي سلمى الشاعر الذي زخرت معلقته بكثير من المواعظ والحكم، فليس غريباً أن يشتمل ديوان كعب على حكم كثيرة مبثوثة هنا وهناك في ثناياه، وأكثرها يمثل مقطوعات صغيرة مستقلة يبدو عليها اثر الإسلام واضحاً، إذ استفاد كعب من تعاليم دينه ولذلك فإن إنتاجه بعد إسلامه كان مشبعاً بتعاليم المدرسة الإسلامية فحين يقول كعب:

لو كنت اعجب من شيء لأعجبني ***** سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ***** والنفس واحدة والهم منتشر
والمرء ما عاش ممدود له أمل لا ***** تنتهي العين حتى ينتهي الأثر

فالتعاليم الإسلامية في هذا الشعر واضحة كل الوضوح وهي تشعرنا كيف يسلم كعب بقضاء الله وقدره، كما تشعرنا بمدى تغلغل الإسلام في روح كعب ونفسه، والذي استطاع أن يقضي فيها على نزعاتها الجاهلية ويحول نقمتها على الحياة إلى أمل، بعطاء الله وفرج قريب من رحمته الواسعة.
وهكذا نرى كعباً في كل أشعاره الحكيمة يستمد زادها من الإسلام حيث يوكل أمره إلى الله الذي وحده يتكفل بالعباد، ويمن عليهم بالرزق والنعمة والأفضال، يقول كعب:

أعلم أني متى ما يأتني قدري ***** فليس يحسبه شح ولا شفق
بينا الفتى معجب بالعيش مغتبط إذ ***** الفتى للمنايا مسكم غلق
والمرء والمال ينمي ثم يذهبه ***** مر الدهور ويفنيه فينسحق
فلا تخافي علينا الفقر وانتظري ***** فضل الذي بالغنى من عنده نثق
إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا ***** ومن سوانا ولسنا نحن نرتزق

ففي هذه الأبيات يقترب كعب من أن يكون واحداً من زهاد المسلمين الذين كانوا يكرهون أن يفكر الشخص منهم في رزق غد، بل كان منهم من يرى أن ذلك خطيئة لا تغتفر لأن رب العباد متكفل برزقهم، وليس عليهم إلا أن يسلموا أمرهم له فهو القادر على أن يرزقهم وسواهم من الناس قاطبة. ويمضي كعب في أشعاره الحكيمة محملاً لها ما شاء من تعاليم الإسلام التي تدعو إلى التوكل على الله في كل أمر والسعي الدائم الذي لا يقعد المرء عنه خوفاً من أذى أو مكروه، لأن كل شيء يحدث للمرء بمشيئة من الله وأمر من قضائه العادل.


** مواقف من حياته **


1ـ منع كعب من قول الشعر :-

قال حماد الرواية: تحرك كعبٌ وهو يتكلم بالشعر فكان زهير ينهاه مخافة أن يكون لم يستحكم شعره، فيروى له ما لا خيرٌ فيه، فكان يَضرِبه في ذلك. فكلما ضربه تزيد فيه، فطال عليه ذلك فأخذه فحبسه فقال: والذي أحلف به، لا تتكلم ببيت شعرٍ إلا ضربتك ضرباً ينكّلك عن ذلك. فمكث محبوساً عدّة أيام. ثم أخبر أنه يتكلم به. فدعاه فضربه ضرباً شديداً ثم أطلقه وسرّحه في بهمه وهو غلَيِّم صغير. فانطلق فرعى، ثم راح عشية وهو يرتجز:

أَنَّمَا أَحْدُو بِبَهْمِي عِيرَا ***** مِنَ القُرَى مُوقَرَةً شَعِيرَا
[/COLOR]
فخرج إليه زهير وهو غضبان. فدعا بناقته فكفلها بكسائه، ثم قعد عليها حتى انتهى إلى ابنه كعب. فأخذ بيده فأردفه خلفه. فقال زهير حين برز إلى الحي:

إني لتعديني على الهمِّ جَسرةٌ ***** تَخُبُّ بوصَّالٍ صرُومٍ وتُعنِقُ

ثم ضرب كعباً وقال له: أجز يا لُكَعُ. فقال كعب:

كبُنيانَةِ القَرئِيِّ موضِعُ رَحلها ***** وآثارُ نِسعيها من الدَفِّ أبلَقُ

فأخذ زهير بيد ابنه كعب ثم قال له: قد أذنت لك في الشعر يا بني.



2ـ الرسائل الشعرية بين كعب وأخيه :-

لما قدم رسول الله من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قتل رجالاً بمكة، ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش، قد هربوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة، فطِر إلى رسول الله، فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً، وإن أنت لم تفعل فانجُ إلى نجائك من الأرض؛ وكان كعب قد قال:

ألا أبلغا عني بُجيراً رسالةً ***** فهل لك فيما قلتَ بالخيفِ هل لكا

شربتَ مع المأمونِ كأساً رويةً ***** فانهلك المأمونُ منها وعلَّكا

وخالفت أسبابَ الهدى وتبعتهُ ***** على أيِّ شيءٍ وَيْبَ غَيْرِك دَلَّكَا

على خلقٍ لم تلفِ أمًّا ولا أباً ***** عليه ولم تدرك عليه اخاً لكا

وبعث بها إلى بُجير، فلما أتت بُجيراً كره أن يكتمها على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأنشده إياها، فقال الرسول لما سمع (سقاك بها المأمون): صدق وإنه لكذوب، أنا المأمون. ثم قال بجير لكعب:

مَن مُبلِغ كعبا فهل لكَ في التي ***** تلوم عليها باطلا وهيَ أحزَمُ
إلى الله لا العُزَّى ولا اللاتِ وحده ***** فتنجو إذا كان النَّجاء وتَسلمُ
لَدَى يَومِ لا ينجُو وليس بمُفلِتٍ ***** من النَّاس إلا طاهرُ القَلب مُسلِم
فدينُ زُهير وهو لا شيءَ دينُه ***** ودين أبي سُلمى عليَّ مُحرَّمُ



* قراءة مختصرة عن أشهر آثاره *

لكعب ديوان غير مطبوع، ليس فيه، إذا استثنينا قصيدة (بانت سعاد) إلاّ المقطوعات القصيرة التي نُظمت في الأغراض المعروفة من مديح وغزل وهجاء ورثاء وما إلى ذلك. أما أجود شعر له بالاتفاق فهو قصيدته (بانت سعاد) التي تدعى أيضاً (البردة) والتي تعد من المشوبات، وهي لامية من البحر البسيط لا تتجاوز 58 بيتاً وقد صار لتلك القصيدة شهرة واسعة، وتناولها العلماء بالشرح والتفسير، كما تناولها الشعراء فشطّروها وخمّسوها وعارضوها. أما أقسام القصيدة، فهي تقسم إلى ثلاثة أقسام:

توطئه غزلية على عادة الشعراء الأقدمين (من البيت 1 إلى 12).
وصف الناقة التي تبلغ بالشاعر إلى المحبوبة (من البيت 13 إلى 33).
اعتذار ومدح للنبي محمد والمهاجرين (من البيت 34 إلى 58).

أما الذين شرحوها فكثيرون منهم ابن دريد، والتبريزي، وابن هشام، والباجوري، والسيوطي، وقد طبعت مراراً في الشرق وفي أوربة، تارة على حدة وتارة في مجامع أدبية. فطبعت في لندن سنة 1748م، ثم في ليبسيك سنة 1871م، ثم في برلين سنة 1890م، ثم في باريس وقسطنطينة سنة 1904م؛ وطبعت في بيروت سنة 1931م وترجمت إلى لغات كثيرة منها اللاتينية، والفرنسية، والألمانية، والانجليزية، والإيطالية, والفارسية.



* المصدر :-

[COLOR="DarkRed"]- ويكيبيديا - الموسوعة الحرة (http://go.3roos.com/j585vsxkq7n)

لوليكي
05/07/2012, 02:57 PM
*** ألاَ بَكَرتْ عِرْسِي تُوَائمٌ مَنْ لَحَى ***



ألاَ بَكَرتْ عِرْسِي تُوَائمٌ مَنْ لَحَى ***** وأقْرِبْ بأحْلامِ النِّساء من الرَّدَى

أفِي جَنْبِ بَكْرٍ قَطَّعتْنِي مَلامة ً***** لَعَمْرِي لقد كانت مَلامتُها ثِنَى

أَلاَ لاتَلُومِي وَيْبَ غَيْرِك عارِياً ***** رأى ثوبَه يوماً من الدَّهر فاكتسى

فأقسِمُ لولا أنْ أسرَّ ندامة ً***** وأعلنَ أخرى إن تراخت بكِ النَّوى

وقِيلُ رِجالٍ لا يُبالونَ شأنَنا ***** غوى أمرُ كعبٍ ما أراد وما ارتأى

لقد سَكَنتْ بَيْنِي وبَيْنَكِ حِقْبة ً***** بأَطْلائِها العِينُ المُلَمَّعة ُ الشَّوَى

فيا راكباً لإما عرضتَ فبلِّغنْ ***** بني ملقطٍ عني إذا قيل : من عَنى

فما خلتكمْ يا قوم كنتمْ أذلَّة ٍ***** وما خلتكمْ كنتم لمختلسٍ جَنى

لقد كنتم بالسَّهلِ والحزنِ حيّة ً***** إذا لدغت لم تشفِ لدغتها الرُّقى

فإنْ تغضبوا أو تدركوا لي بذمة ٍ***** لعمركُم لمثلُ سعيكمُ كفى

لقد نال زيد الخيلِ مالَ أخيكمُ ***** وأصبحَ زيدٌ بعد فقرٍ قد اقتنى

وإنّ الكُمَيْتَ عند زَيْدٍ ذِمامَة ٌ***** وما بالكُمَيْتِ من خَفَاءٍ لِمَنْ رَأى

يَبِينُ لأَفْيالِ الرجالِ ومِثْلُه ***** يَبِينُ إذا ما قِيدَ في الخيلِ أو جَرَى

ممرُّ كسرحانِ القصيمة منعلٌ ***** مَسَاحِيَ لا يُدْمِي دَوَابِرَها الوَجَى

شَدِيدُ الشَّظَى عَبْلُ الشَّوَى شَنِجُ النَّسَا ***** كأنّ مكانَ الرِّدْفِ من ظهرِه وَعَى

لوليكي
06/07/2012, 09:19 AM
*** هَلاَّ سَأَلْتِ وأَنتِ غَيْرُ عَيِيَّةٍ ***



هَلاَّ سَأَلْتِ وأَنتِ غَيْرُ عَيِيَّةٍ ***** وشِفاءُ ذِي العِيِّ السُّؤالُ عن العَمَى

عَنْ مَشْهدِي ببُعَاثَ إذْ دَلَفَتْ لَهُ ***** غَسَّانُ بالْبِيضِ القَواطِعِ والْقَنَا

وعن اعْتِناقِي ثَابِتاً في مَشْهَدٍ ***** مُتَنَافَسٍ فيه الشَّجاعَة ُ لِلْفَتَى

فَشَرَيَتُه بِأَجَمَّ أسْوَدَ حالِكٍ ***** بِعُكاظَ مَوْقُوفاً بَمَجْمَعِها ضُحَا

مَا إنْ وَجَدْتُ له فِدَاءً غيرَه ***** وكذاكَ كانَ فِدَاؤُهُمْ فيمَا مَضَى

إني امرؤ أقني الحياءَ وشيمتي ***** كرمُ الطبيعة ِ والتجنبُ للخَنا

مِنْ مَعْشَرٍ فيهمْ قُرُومٌ سَادَة ٌ***** وليوثُ غابٍ حين تضطّرمُ الوغَى

ويصولُ بالأبدانِ كل مسَفَّرٍ ***** مِثْلِ الشِّهابِ إذَا تَوَقَّد بالغَضَا

لوليكي
06/07/2012, 09:21 AM
*** إن يُدرككَ موتٌ أو مشيبٌ ***



إن يُدرككَ موتٌ أو مشيبٌ ***** فقبلَك مات أقوامٌ وشابوا

تَلَبَّثْنا وفَرَّطْنا رِجالاً ***** دُعُوا وإذا الأنامُ دُعُوا أجابوا

وان سبيلنا لسبيلُ قومٍ ***** شَهِدْنا الأمرَ بعدَهُمُ وغابوا

فلا تَسأَلْ سَتَثْكَلُ كلُّ أُمٍّ ***** إذا ما إخوة ٌ كثروا وطابوا

لوليكي
06/07/2012, 09:24 AM
*** أَمِنْ دِمْنَة ٍ قَفْرٍ تَعَاوَرَها البِلَى ***



أَمِنْ دِمْنَة ٍ قَفْرٍ تَعَاوَرَها البِلَى ***** لِعَيْنَيْكَ أسرابَ تَفِيضُ غُرُوبُها

تعاورها طول البِلى بعدَ جدَّةٍ ***** وجرَّتْ بأذيالٍ عليها جنوبُها

فلم يبقَ فيها غيرُ أسٍّ مذعذعٍ ***** ولا من أَثافي الدارِ إلا صليبُها

تَحَمَّلَ مِنْها أَهْلُها فنأَتْ بِهِمْ ***** لطيتهمْ مرُّ النَّوى وشعوبها

وإذ هي كغصنِ البانِ خفَّاقة َ***** الحَشى يروعك منها حسنُ دلٍّ وطيبُها

فَأَصْبَحَ باقِي الوُدِّ بَيْنِي وبَيْنَها ***** أمانيَّ يزجيها إليَّ كذوبُها

فدعها وعدَّ الهمَّ عنكَ ولو دَعا ***** إلَى ذِكْرِ سَلْمَى كُلَّ يَوْمٍ طَرُوبُها

أتصبو إلى سلمى ومن دونِ أهلها ***** مَهَامِهُ يَغْتالُ المَطِيَّ سُهُوبُها

وبالعفوِ وصَّاني أبي وعشيرتي ***** وبِالدَّفعِ عَنْها في أُمُورٍ تَرِيبُها

وقَوْمَكَ فَاسْتَبْقِ المَوَدَّة َ فِيهمُ ***** ونفسك جنِّبْها الذي قد يعيبُها

لوليكي
06/07/2012, 09:39 AM
*** مَا بَرِحَ الرّسْمُ الذي بينَ حَنْجَرٍ ***



مَا بَرِحَ الرّسْمُ الذي بينَ حَنْجَرٍ ***** وذَلْفَة َ حَتَّى قِيلَ هَلْ هُوَ نَازِحُ

ومازلتَ ترجو نفعَ سعدى وودها ***** وتُبْعِدُ حَتَّى ابْيَضَّ مِنْكَ المسائح

وحَتَّى رَأَيْتَ الشَّخْصَ يَزْدَادُ مِثْلُهُ ***** إليه ، وحتى نِصفُ رأسي واضحُ

عَلاَ حاجِبَيَّ الشَّيْبُ حتّى كأنّه ***** ظباءٌ جرت منها سنيح وبارحُ

فأصبحتُ لا أبتاعُ الا مؤامراً ***** وما بيعُ من يبتاعُ مثليَ رابحُ

الا ليت سلمى كلما حانَ ذكرها ***** تُبَلِّغها عنِّي الرِّياحُ النَّوَافِحُ

وقالت تعلَّم أن ما كان بيننا ***** إليكَ أدَاءٌ إنَّ عَهْدَكَ صَالِحُ

جمِيعاً تُؤَدِّيه إليكَ أَمانَتِي ***** كما اُدِّيَتْ بعدَ الغِرازِ المنائِحُ

وقالت تعلّم أنّ بعض حموَّتي ***** وبعلي غضابٌ كلُّهم لك كاشحُ

يُحدون بالأيدي الشفارَ وكلُّهمْ ***** لحلقك لو يستطيعُ حلقَك ذابحُ

وهِزَّة ِ أَظْعانٍ عليهنَّ بَهْجَةٌ ***** طَلَبْتُ ورَيْعَانُ الصِّبَا بيَ جَامِحُ

فلمَّا قَضَيْنا مِن منى ً كُلَّ حاجَة ***** ومَسَّحَ رُكْنَ البيتِ مَنْ هُوَ مَاسِحُ

وشُدَّتْ على حُدْبِ المَهَارِي رِحالُها ***** ولا ينظرُ الغادي الذي هو رائحُ

فَقُلْنَا على الهُوجِ المَرَاسِيلِ وارْتَمَتْ ***** بهنَّ الصحارى والصِّمادُ الصّحاصِحُ

نزعنا بأطرافِ الأحاديثِ بيننا ***** ومالت بأعناقِ المطيِّ الأباطحُ

وطِرْتُ إلى قَوْادَاءَ قَادَ تَلِيلُها ***** مناكِبَها واشْتَدَّ منها الجَوانِحُ

كأنِّي كَسَوْتُ الرَّحلَ جَوْناً رَبَاعِياً ***** تَضَمَّنَهُ وَادِي الرَّجَا فالأَفايِحُ

مُمَرّاً كَعَقْدِ الأَنْدِريِّ مُدَمَّجاً ***** بدا قارحٌ منه ولم يبدُ قارحُ

كأن عليه من قَباءٍ بِطانةً ***** تَفَرَّجَ عنها جَيْبُها والمَناصِحُ

أخو الأرضِ يستخفي بها غير أنهُ ***** اذا استافَ منها قارحاً فهو صائحُ

دَعَاهَا من الأمْهادِ أمْهادَ عَامِرٍ ***** وهاجَتْ من الشِّعْرَى عليه البَوَارِحُ

لوليكي
06/07/2012, 09:42 AM
*** صَبَحْنا الحيَّ حَيَّ بني جِحاشٍ ***



صَبَحْنا الحيَّ حَيَّ بني جِحاشٍ ***** بِمَكْرُوثاءَ داهية ً نآدَا

فما جَبُنُوا غدَاتَئِذٍ ولكِنْ ***** أُشِبَّ بهم فلم يَسَعُوا الذِّيادَا

فإنْ تَكُ أخْطَأَتْ سعدُ بنُ بَكْرٍ ***** فقد تَرَكتْ مَوَالِيَها عِبَادَا

بني عوفٍ ودهمانَ بن نصْرٍ ***** وكان الله فاعلَ ما أرادا

صَبَحْناهُمْ بِجَمْعٍ فيه أَلْفٌ ***** رَوَايَاهُمْ يُخَضْخِضْنَ المَزَادَا

أربّت بالأكارعِ وهي تبغي ***** رُعاةَ الشاءِ والضَّأْنَ القِهَادَ

فجُلْنَا جَوْلة ً ثم ارْعَوَيْنَا ***** وامكنا لمن شاءَ الجلادا

بِضَرْبٍ يُلْقِحُ الضِّبْعانُ منه ***** طروقته ويأْتنفُ السَّفادا

لوليكي
06/07/2012, 09:48 AM
*** أَبَتْ ذِكْرة ٌ من حُبِّ لَيْلَى تَعُودُنِي ***



أَبَتْ ذِكْرة ٌ من حُبِّ لَيْلَى تَعُودُنِي ***** عيادَ أخي الحُمّى إذا قلتَ أقصرا

كأنَّ بغبطانِ الشريف وعاقلٍ ***** ذُرَا النَّخْل تَسْمُو والسَّفِينَ المُقَيَّرَا

ألم تعلمي أنّي إذا وصلُ خُلةٍ ***** كذاكِ تولَّى كنتُ بالصبر أجْدرَا

ومُسْتأْسِدٍ يَنْدَى كأنّ ذُبابَه ***** أخو الخمرِ هاجت شوقَه فتذكَّرا

هبطتُ بملبونً كأنّ جلالهُ ***** نَضَتْ عن أَدِيمٍ ليلة َ الطَّلِّ أَحْمرَا

امينِ الشَّظى عبلٍ إذا القومُ آنسوا ***** مدى العينِ شخصاً كان بالشخصِ أبصرا

وخالي الجبا أوردته القومَ فاستقوا ***** بسُفْرتِهم من آجِنِ الماءِ أصْفَرا

وخرقٍ يعجُّ العودُ أن يستبينه ***** إذا أورد المجهولة َ القومُ أصدرا

تَرَى بِحفافَيْهِ الرَّذَايَا ومَتْنِهِ ***** قِياماً يُفَتِّرْنَ الصَّرِيفَ المُفَتَّرا

تركتُ به من آخر الليلِ موضعي ***** لديه وملقايَ النقيشَ المُسمَّرا

ومثنى نواجٍ ضمّرٍ جدليةٍ ***** كجفن اليمانيَ نيُّها قد تحسَّرا

ومَرْقَبة ٍ عَيْطاءَ بادَرْتُ مُقْصَراً ***** لأَسْتَأْنِسَ الأشْبَاحَ أو أتَنَوَّرَا

على عجلٍ مني غشاشاً وقد بدا ***** ذُرَا النَّخْلِ واحْمَرَّ النهارُ فأَدْبَرَا

لوليكي
06/07/2012, 12:27 PM
*** إنّ عِرْسِي قد آذنتْني أخِيراً ***



إنّ عِرْسِي قد آذنتْني أخِيراً ***** لم تُعَرِّجْ ولم تُؤامِرْ أمِيرَا

أجهازا جاهزت لا عتبَ فيهِ ***** أمْ أرَادَتْ خِيانة ً وفُجورَا

ما صلاحُ الزوجين عاشا جميعاً ***** بعد أن يصرم الكبيرُ الكبيرا

فاصبري مثلَ ما صبرتِ فإني ***** لا إخالُ الكريمَ إلاّ صَبُورَا

أيَّ حينٍ وقد دببتُ ودبَّتْ ***** ولَبِسْنا من بَعْدِ دَهْرٍ دُهُورَا

ما أرانا نقولُ إلا رجيعاً ***** ومعاداً من قولنا مكرورا

عذلتني فقلتُ لا تعذليني ***** قد أغادي المعذَّل المخمورا

ذا صباحٍ فلم أوافِ لديهِ ***** غيرَ عَذَّالة ٍ تَهِرُّ هَرِيرَا

عذلته حتى إذا قال إني ***** فذَرِينِي- سأَعْقِل التَّفكيرَا

غفلتْ غفلة ً فلم تر إلا ***** ذات نفس منها تكوسُ عقيرا

فَذَرِينِي من المَلامَة ِ حَسْبِي ***** رُبَّما أَنْتَحِي مَوارِدَ زُورَا

تتأوَّى إلى الثنايا كما شَكَّـ ***** ـتْ صناعٌ من العسيبِ حصيرا

خلجاً من معبدٍ مسبطرٍّ ***** فقَّر الأكم والصُّوى تفقيرا

واضِحِ اللَّوْنِ كالمَجَرَّة ِ لا يَعْـ ***** ـدمُ يوماً من الأهابيِّ مورا

وذِئاباً تَعْوِي وأَصْواتَ هامٍ ***** مُوفِياتٍ مع الظَّلامِ قُبورَا

غيرَ ذِي صاحبٍ زَجَرْتُ عليه ***** حُرَّة ً رَسْلة َ اليَدَيْنِ سَعُورَا

أخرج السَّير والهواجر منها ***** قَطِراناً ولو رُبٍّ عصيرا

يومَ صومٍ من الظهيرة ِ أو يو ***** مَ حُرُورٍ يَلَوِّحُ اليعفورا

وإذا ما أَشاءُ أبعَثُ منها ***** مطلعَ الشمسِ ناشطاً مذعورا

ذا وشومٍ كأنّ جلدَ شواهُ ***** في ديابيجَ أو كسين نمورا

أَخْرَجتْه من اللّيالي رَجُوسٌ ***** ليلة ً هاجَها السِّماكُ دَرُورَا

غَسَلتْه حتَّى تَخَالَ فَريداً ***** وجمانا عن متنه محدورا

في أًصولِ الأَرْطَى ويُبْدِي عُروقاً ***** ثَئِداتٍ مثلَ الأعِنَّة ِ خُورَا

وَاشِجاتٍ حُمْراً كأنّ بأَظْلاَ ***** فِ يديهِ من مائهنَّ عبيرا

كمطيفِ الدوّار حتى إذا ما ***** ساطِعُ الفَجْرِ نَبَّه العُصفورا

رابَه نَبْأة ُ وأضْمَرَ منْها ***** في الصِّماخين والفؤادِ ضَميرا

مِنْ خَفِيّ الطِّمْرَيْنِ يَسْعَى بغُضْفٍ ***** لم يؤيِّه بهنّ إلا صفيرا

مقعياتٍ إذا علونَ يفاعاً ***** زرقاتٍ عيونها لتغيرا

كالحِاتٍ معاً عَوارِضَ أَشْدَا ***** قٍ ترى في مشقِّها تأخيرا

طافِياتٍ كأنهنّ يَعَاسِيـ ***** ـبُ عَشِيٍّ بارَيْنَ رِيحاً دَبُورَا

ما أرى ذائداً يزيد عليه ***** غابَ عنه أنصارُه مَكْثُورَا

بأسيلٍ صَدقٍ يثقفه فيـ ***** ـهنّ لا نابِياً ولا مأطُورَا

فكأنّي كسوتُ ذلك رحلي ***** أو مُمرَّ السراة ِ جأباً دريرا

أو أقباً تصيَّفَ البقلَ حتى ***** طار عنه النسيلُ يرعى غريرا

يَنْتحِي بالقَنَان يَقْرُو رِياضاً ***** فانتحى آتنا جدائدَ نورا

ألصق العذمَ والعذابَ بقبّا ***** ءَ ترى في سراتها تحسيرا

سَمْحة ٍ سَمْحَجِ القَوائِم حَقْبا ***** ءَ من الجونِ طمِّرتْ تطميرا

فوقَ عُوجٍ مُلْسِ القَوائِم أُنْعِلْـ ***** ـلْنَ جلاميدَ أو حذينَ نسورا

دأبَ شهرين ثم نَصفاً دميكاً ***** بأريكينِ يكدمانَ غميرا

فهي مَلْساءُ كالعَسِيبِ وقَدْ بَا ***** نَ نَسِيلٌ عن مَتْنِها ليَطِيرَا

قد نَحاها بشَرِّه دُونَ تِسْعٍ ***** كان ما رامَ عندَهنّ يَسِيرَا

كالقيسيِّ الأعطالِ أفرد عنها ***** آتناً قرّحاً ووحشا ذكورا

مُرْتِجاتٍ على دَعَامِيصَ عُوناً ***** شُمُسٌ قد لَوَيْنَ عنه حُجُورَا

تَرَك الضَّرْبُ بالسَّنابِك مِنْهُـ ***** ـنّ بضاحي جبينه توقيرا

علقتْ مخلفاً جنيناً وكانت ***** منحتْ قبله الحيالَ نزورا

مثل درصِ اليربوع لم يرب عنهُ ***** غَرِقاً في صُوانِه مَغْمورَا

فإذا ما دَنَا لها مَنَحَتْهُ ***** مضمراً يفرصُ الصَّفيحَ ذكيرا

ذَكَرَ الْوِرْدَ فاسْتَمَرَّ إلَيْه ***** بِعَشِيٍّ مُهَجِّراً تَهْجِيرَا

جعل السَّعدَ والقنان يميناً ***** والمروراة شأمة ً وحفيرا

عامداً للقنان ينضو رياضاً ***** وطِرَاداً من الذِّنابِ ودُورَا

ويخافانِ عامراً عامرَ الخضْـ ***** ـرِ وكان الذِّنابُ منه مصيرا

رامياً أخَشْنَ المَنَاكِبِ لا يُشْـ ***** ـخِصُ قد هَرَّه الهَوادِي هَرِيرَا

ثاوياً ماثلاً يقلب زرقاً ***** رَمَّها القَيْنُ بالعُيونِ حُشُورَا

شرقاتٍ بالسمِّ من صُلبِيٍّ ***** وركوضاً من السراءِ طحورا

ذاتَ حِنْوٍ مَلْسَاءَ تَسْمَعُ مِنْها ***** تَحْتَ ما تَنبِضُ الشِّمالُ زَفِيرَا

يبعثُ العزفُ والترنمُ منها ***** ونزيرٌ إلى الخَمِيسِ نزِيرا

لاصقٌ يكلأُ الشريعة لا يُغـ ***** ـفي فواقاً مدمِّراً تدميرا

لوليكي
06/07/2012, 12:30 PM
*** لَوْ كُنْتُ أَعْجَبُ منْ شَيءٍ لأعْجَبَنِي ***



لَوْ كُنْتُ أَعْجَبُ منْ شَيءٍ لأعْجَبَنِي ***** سَعْيُ الفَتَى وهو مُخْبُوءٌ له القدَرُ

يَسْعَى الفتى لأمورٍ لَيْسَ مُدْرِكُها ***** والنفسُ واحدة ٌ والهمُّ منتشرُ

والمرءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ ***** لا تَنْتَهِي العَيْنُ حَتَّى يَنْتَهِي الأثَرُ

لوليكي
06/07/2012, 12:33 PM
*** ألمّا على ربعٍ بذات المزاهرِ ***



ألمّا على ربعٍ بذات المزاهرِ ***** مقيمٍ كأخلاقِ العباءة ِ داثرِ

تراوحه الأرواح قد سارَ أهله ***** وما هُوَ عن حَيِّ القَنَانِ بسائرِ

ونارٍ قبيلَ الصبحِ بادرتُ قدحها ***** حيا النار قد أوقدتها لمسافرِ

فلوِّحَ فيها زاده وربأتُهُ ***** على مَرْقَبٍ يَعْلُو الأحِزَّة َ قَاهِرِ

ولَمَّا أَجَنَّ اللَّيْلُ نَقْباً ولَمْ أَخَفْ ***** على أثرٍ منّي ولا عينَ ناظرِ

أخذتُ سلاحي وانحدرتُ إلى امرئٍ ***** قليلٍ أذاهُ صدرهُ غيُر واغرِ

فَطِرْتُ بِرَحْلي واسْتَبَدَّ بِمثْلِهِ ***** عَلَى ذَاتِ لَوْثٍ كَالبَلِيَّة ِ ضامِرِ

تُعَادِي مَشَكَّ الرَّحْلِ عَنْهَا وتَتقِي ***** بِمثْلِ صَفِيحِ الجَدْوَلِ المُتَظَاهِرِ

فأصبحُ ممسانا كأن جباله ***** مِنَ البُعْدِ أَعْنَاقُ النِّساءِ الحَوَاسِرِ

لوليكي
06/07/2012, 12:35 PM
*** لعمركَ لولا رحمة ُ الله إنني ***



لعمركَ لولا رحمة ُ الله إنني ***** لأمطو بجدٍّ ما يريد ليرفعا

فلو كنتُ حوتاً رَكَّضَ الماءُ فوقَه ***** ولَوْ كُنْتُ يَرْبُوعاً سَرَى ثم قَصَّعَا

إذا ما نتجنا أربعاً عامَ كفأةٍ ***** بغاها خناسيرٌ فأهلكَ أربَعا

إذا قُلْتُ إنِّي في بَلاَدٍ مَضَلَّةٍ ***** أبى أنّ ممسانا ومصبحنا معا

لوليكي
06/07/2012, 12:41 PM
*** رحَلْتُ إلى قومي لأدْعُوَ جُلَّهُم ***



رحَلْتُ إلى قومي لأدْعُوَ جُلَّهُم ***** إلى أمر حزْمٍ أحكمته الجوامعُ

ليُوفُوا بما كانوا عليه تَعَاقَدُوا ***** بخيْفِ منى ً والله راءٍ وسامعُ

وتوصلَ أرحام ويفرجَ مغرَمٌ ***** وترجعَ بالودِّ القديم الرواجعُ

فأَبْلِغْ بها أَفْنَاءَ عُثْمانَ كلَّها ***** وأَوْساً فبلِّغْها الذي أنا صانِعُ

سأدعوهم جهدي إلى البرِّ والتُّقى ***** وأمرِ العلا ما شايعتني الأصابعُ

فكونوا جميعاً ما استطعتم فإنه ***** سيَلْبَسُكم ثوبٌ من اللهِ واسِعُ

وقُومُوا فآسُوا قَوْمَكم فاجمَعُوهُم ***** وكونوا يداً تبني العُلا وتدافعُ

فإنْ أنتُم لم تفعَلوا ما أمرتُكم ***** فأوفوا بها ، إن العهود ودائعُ

لشتانَ من يدعو فييوفي بعهده ***** ومن هو للعهدِ المؤكدِ خالعُ

إليكَ أبا نَصْرٍ أجازتْ نَصِيحتِي ***** تُبَلِّغُها عَنِّي المَطِيُّ الخَوَاضِعُ

فأوفِ بما عاهدت بالخيف من منىً ***** أبا النصر إذ سدت عليك المطالعُ

فنحن بنو الأشياخ قد تعلمونهُ ***** نذَبّبُ عن أحسابنا وندافعُ

ونحبِس بالثغر المخوفِ محلُّه ***** ليُكْشَفَ كَرْبٌ أو ليُطْعَمَ جائعُ

لوليكي
06/07/2012, 12:48 PM
*** بان الشبابُ وأَمْسَى الشَّيْبُ قد أَزِفَا ***



بان الشبابُ وأَمْسَى الشَّيْبُ قد أَزِفَا ***** ولا أرى لشبابٍ ذاهبٍ خلَفا

عاد السوادُ بياضاً في مفارقهِ ***** لا مرحباً هابذا اللونِ الذي ردفا

في كلِّ يومٍ أرى منه مبيِّنةً ***** تكاد تُسْقِطُ منِّي مُنَّة ً أَسَفَا

ليت الشَّبَابَ حَلِيفٌ لا يُزَايِلُنا ***** بل ليته ارتدّ منه بعضُ ما سلفا

ما شَرُّها بعد ما ابيضَّتْ مَسَائحُها ***** لا الود أعرفه منها ولا اللَّطفا

لو أنها آذنتْ بِكراً لقلتُ لها ***** يا هَيْدَ مالِك أو لو آذنَتْ نَصَفَا

لولا بنوها وقولُ الناسِ ما عطفتْ ***** على العتاب وشرُّ الودِ ما عطَفَا

فلن أزالَ ، وإنْ جاملتُ ، مضطغِناً ***** في غيرِ نائرِة ٍ ضبَّا لها شنَفَا

ولا حبٍ كحصيرِ الراملات ترى ***** من المطيِّ على حافاته نَطِفا

والمُرْذِياتِ عليها الطّيْر تَنْقُرها ***** إمّا لهِيداً وإمّا زاحِفاً نَطِفَا

قد ترك العاملاتُ الراسِماتُ به ***** من الأحِزَّة في حافاته خُنُفَا

يَهْدِي الضَّلُولَ ذَلُولٍ غيرِ مُعْتَرِفٍ ***** إذا تَكَاءدَه دَوِّيُّهُ عَسَفَا

سمحٍ دريرٍ اذا ما صُوَّة ٌ عرضتْ ***** له قَريباً لسَهْلٍ مال فانحرَفا

يجتازُ فيه القطا الكُدريّ ضاحيةً ***** حتّى يَؤوبَ سِمَالاً قد خَلَتْ خُلُفَا

يَسْقِينَ طُلْساً خَفِيّاتٍ تَرَاطُنُها ***** كما تَرَاطَنُ عُجْمٌ تَقْرَأ الصُّحُفَا

جَوَانحُ كالأَفَانِي في أَفاحِصِها ***** ينظُرْنَ خَلْفَ رَوَايَا تَسْتَقِي نُطَفَا

حمرٌ حواصلها كالمغدِ قد كسيتْ ***** فوقَ الحواجبِ مما سبدتْ شعفَا

يوماً قطعتُ وموماة ٍ سريتُ إذا ***** ما ضاربُ الدُّفِّ من جنانِها عزَفا

كلفْتُها حرّة َ الليتينِ ناجيةً ***** قَصْرَ العَشِيِّ تُبَارِي أَيْنُقاً عُصُفَا

أبقى التهجرُ منها بعد ما ابتذلتْ ***** مَخِيلة ً وهِبَاباً خَالَطَا كَثَفَا

تَنْجُو وتَقْطُر ذِفْرَاها على عُنُقٍ ***** كالجِذْع شذَّب عنه عاذِقٌ سَعَفَا

كأن رَحْلِي وقد لانتْ عَرِيكتُها ***** كسوتُه جورَفاً أقرابُهُ خصفَا

يجتازُ أرضَ فلاة ٍ غيرَ أنّ بها ***** آثارَ جنٍّ ووسماً بينهم سلفا

تَبْرِي له هِقْلة ٌ خَرْجاءُ تحسبَهُا ***** في الآلِ مخلولة ً في قرطفٍ شرفا

ظَلاَّ بأَقْرِية ِ النَّفَّاخِ يومَهما ***** يَحْتَفِرَانِ أُصُولَ المَغْدِ واللَّصَفَا

والشَّرْيَ حتّى إذا اخضرَّتْ أُنُوفُهما ***** لا يألوانِ من التنُّومِ ما نقفا

راحا يطيرانِ معوجَّين في سرعٍ ***** ولا يريعان حتى يهبطا أنُفا

كالحَبَشِيَّيْنِ خافَا من مَلِيكهما ***** بعضَ العَذاب فجالا بعدَ ما كُتِفَا

كالخاليَيْنِ إذا ما صَوَّبا ارتفعا ***** لا يحقرانِ من الخطبان ما نقفا

فاغترَّها فشآها وهي غافلةٌ ***** حتى رأته وقد أوفى لها شَرفا

فشَمَّرَتْ عن عَمُودَيْ بانة ٍ ذَبَلاَ ***** كأنّ ضاحِيَ قِشْرٍ عنهما انْقَرَفَا

وقارَبَتْ من جَنَاحَيْها وجُؤْجُئِها ***** سكَّاءَ تثني إليها ليناً خُصفَا

كانت كذلك في شأوٍ ممنعةٍ ***** ولو تَكَلَّفَ منها مِثْلَه كَلِفَا

لوليكي
06/07/2012, 12:57 PM
*** أنَّى ألمَّ بك الخيالُ يطيفُ ***



أنَّى ألمَّ بك الخيالُ يطيفُ ***** ومَطَافُهُ لك ذِكْرة ٌ وشُعُوفُ

يسري بحاجاتٍ إليّ فرُعنني ***** من آلِ خولة كلُّها معروفُ

فأبيتُ محتضرا كأنيَ مسلَمٌ ***** للجِنّ رِيعَ فُؤادُه المخطوفُ

فعزَفْتُ عنها إنّما هو أن أَرَى ***** ما لا أنالُ فإنني لعزوفُ

لاَ هالِكٌ جَزَعاً على ما فاتَني ***** ولِمَا أَلَمَّ من الخُطُوبِ عَرُوفُ

صَفْراءُ آنِسة ُ الحَدِيثِ بمثلِها ***** يشفي غليلَ فؤاده الملهوفُ

ولَوَ أنّها جادتْ لأَعْصَمَ حِرْزُه ***** مَتَمنِّعٌ دون السِّماءِ مُنِيفُ

لاستنزلتهُ عيطلٌ مكحولة ٌ***** حَوْراءُ جادَ لها النَّجَادَ خَرِيفُ

دعها وسلِّ طلابها بجلالةٍ ***** إذ حان منك ترحلٌ وخفوفُ

حرفٍ توارثها السِّفار فجسمها ***** عارٍ ، تساوكُ والفؤادُ خطيفُ

وكأن موضعَ رحلها من صلبها ***** سيفٌ تقادم جفنهُ معجوفُ

أَو حَرْفُ حِنْوٍ من غَبِيطٍ ذابِلٍ ***** رفقت به قينية ٌ معطوفُ

فإذا رفَعتُ لها اليَمينَ تَزَوارَتْ ***** عن فرج عوجٍ بينهنَّ خليفُ

وتكون شكواها إذا هي أنجدتْ ***** بعد الكَلاَلِ تَلَمُّكٌ وصَرِيفُ

وكأن أقتادي غداً بشوارها ***** صَحْماءُ خَدَّدَ لَحْمَها التسويفُ

كالقوس عطَّلها لبيعٍ سائمٌ ***** أو كالقَنَاة ِ أقامَها التَّثْقِيفُ

أفتلك أمْ ربداءُ عارية ُ النَّسا ***** زجاءُ صادقة ُ الرواحِ نسوفُ

خَرْجاءُ جَوَّفَها بياضٌ داخِلٌ ***** لِعِفَائها لَوْنانِ فهو خَصِيفُ

ظلتْ تراعي زوجها وطباهما ***** جِزْعٌ قَدَ امْرَعَ سَرْبُه مَصْيوفُ

ينجو بها خربُ المشاش كأنه ***** بخزامهِ وزمامهِ مشنوفُ

قرعُ القذال يطير عن حيزومهِ ***** زغبٌ تفيئه الرياحُ سخيفَ

وكأنها نوبية وكأنهُ ***** زوجٌ لها من قومها مشعوفَ

لوليكي
06/07/2012, 12:59 PM
*** نَفَى أهْلَ الحَبَلَّقِ يَوْمَ وَجٍّ ***



نَفَى أهْلَ الحَبَلَّقِ يَوْمَ وَجٍّ ***** مُزَيْنَة ُ جَهْرَة ً وبَنُو خُفَافِ

صَبَحْناهُمْ بأَلْفٍ من سُلَيْم ***** وألفٍ من بني عثمان وافِ

حدوا أكتافهم ضرباً وطعناً ***** ورمياً بالمريشة ِ الِّلطافِ

رَمَيْناهم بشُبَّانٍ وشِيبٍ ***** تكفكفُ كلَّ ممتنعِ العطافِ

تَرَى بينَ الصُّفوفِ لَهُنَّ رَشْقاً ***** كما انْصَاعَ الفُواقُ عنِ الرِّصَافِ

تَرَى الجُرْدَ الجِيادَ تَلوحُ فيهِمْ ***** بأرماحٍ مقوَّمة ِ الثقافِ

ورحنا غانمين بما أردنا ***** وراحوا نادمين على الخلافِ

وأعطينا رسول الله منّا ***** مواثِيقاً على حُسْنِ التَّصَافِي

فجزنا بطن مكة وامتنعنا ***** بتَقْوَى الله والْبيضِ الخِفَافِ

وحَلَّ عَمُودُنَا حَجَراتِ نَجْدٍ ***** فألية َ فالقدوسَ إلى شرافِ

أرادوا اللاتَ والعزّى الهاً ***** كَفَى بالله دُونَ اللاَّتِ كَافِ

لوليكي
06/07/2012, 01:05 PM
*** أمن نوارَ عرفتَ المنزلَ الخلقا ***



أمن نوارَ عرفتَ المنزلَ الخلقا ***** إذ لا تفارقُ بطنَ الجوِّ فالبرقا

وَقَفْتُ فيها قليلاً رَيْثَ أَسْأَلُها ***** فانهلّ دمعي على الخدّين منسحقا

كادَتْ تُبَيِّنُ وَحْياً بعضَ حاجَتِنا ***** لو أن منزل حيٍ دارساً نطقا

لا زالت الريح تزجي كلَّ ذي لجبٍ ***** عَيْثاً إذا ما ونَتْهُ ديمة ُ دفَقَا

فَأَنْبَتَ الفَعْوَ والرَّيْحانَ وَابِلُه ***** والأيهقانَ مع المكنانِ والذُّرقا

فَلَمْ تَزَلْ كُلُّ غَنَّاءِ البُغَامِ به ***** من الظباءِ تراعي عاقداً خرقا

تَقْرُو به مَنْزلَ الحَسْنَاءِ إذْ رَحَلَتْ ***** فاستقبلت رُحبَ الجوفين فالعمقا

حلّتْ نوار بارضٍ لا يبلغها ***** إلا صموت السُّرى لا تسأم العنقا

خطَّارة ٌ بعد غبِّ الجهد ناجيةٌ ***** لا تشتكي للحفا من خفها رققا

ترى المريءَ كنصلِ السيفِ إذ ضمنتْ ***** أو النَّضَيّ الفَضَا بَطَّنْتَه العُنَقَا

تَنْفِي اللُّغامَ بمثلِ السِّبْتِ خَصَّرَه ***** حاذٍ يمانٍ إذا ما أرقلتْ خفقا

تَنْجُو نَجاءَ قَطاة ِ الجَوِّ أَفْزَعَها ***** بِذي العِضَاهِ أحَسَّتْ بَازِياً طَرَقا

شهمٌ يكبُّ القطا الكدري مختضبُ الـ ***** أظفار حرٌّ ترى في عينه زرقا

بَاتَتْ له لَيْلَة ٌ جَمٌّ أَهاضِبُها ***** وبَاتَ يَنْفُضُ عَنْه الطَّلَّ واللَّثَقَا

حَتَّى إذَا ما انْجَلَتْ ظَلْماءُ لَيْلتِه ***** وانْجابَ عنه بياضُ الصُّبحِ فانْفَلَقَا

غَدَا على قَدَرٍ يَهْوِي ففاجَأَها ***** فانْقَضَّ وهو بِوَشْكِ الصَّيْدِ قَدْ وَثِقَا

لا شَيْءَ أجْوَدُ مِنْها وهي طيِّبَةٌ ***** نفساً بما سوف ينجيها وإن لحقا

نفرها عن حياضِ الموتِ فانتجعتْ ***** بِبَطْنِ لِينَة َ مَاءً لَمْ يَكُنْ رَنِقَا

ياليت شعري وليتَ الطيرَ تخبرني ***** أمثل عشقي يلاقي كلُّ من عشقا

إذا سمعتُ بذكر الحبِّ ذكرني ***** هِنْداً فَقَدْ عَلِقَ الأحْشَاءَ مَا عَلِقَا

كم دونها من عدوٍ ذي مكاشحةٍ ***** بَادِي الشَّوَارَة ِ يُبْدِي وَجْهُه حَنَقَا

ذِي نَيْرَبٍ نَزِعٍ لَوْ قَدْ نَصَبْتُ له ***** وَجْهِي لَقَدْ قالَ كُنتَ الحائِنَ الْحَمِقَا

كالكلب لا يسأم الكلب الهرير ولو ***** لاَقَيْتَ بالْكلبِ لَيْثاً مُخْدِراً ذَرَقَا

ومرهقٍ قد دعاني فاستجبت له ***** أَجَزْتُ غُصَّتَهُ مِنْ بَعْدِ ما شَرِقَا

لوليكي
06/07/2012, 01:07 PM
*** أَعْلَمُ أَنِّي مَتَى مَا يَأْتِني قَدَرِي ***



أَعْلَمُ أَنِّي مَتَى مَا يَأْتِني قَدَرِي ***** فليسَ يحبسُهُ شحٌّ ولا شفقُ

بينا الفتى معجبٌ بالعيش مغتبطٌ ***** إذا الفَتَى لِلْمَنَايَا مُسْلَمٌ غَلِقُ

لوليكي
06/07/2012, 01:10 PM
*** نَفَى شَعَرَ الرَّأْسِ القَدِيمَ حَوَالِقُهْ ***



نَفَى شَعَرَ الرَّأْسِ القَدِيمَ حَوَالِقُهْ ***** ولاحَ بشيبٍ في السَّوادِ مفارقهْ

وأفنى شبابي صبحُ يومٍ وليلةٌ ***** وما الدهرُ إلاّ مسيُه ومشارقهْ

وأدركتُ ما قد قالَ قبلي لدهرهِ ***** زُهَيْرٌ وإنْ يَهْلِكْ تُخَلَّدْ نَوَاطِقُهُ

تبصَّرْ خليلي هل ترى من ظعائنٍ ***** كَنَخْلِ القُرَى أَوْ كالسَّفِينِ حَزَائقُهْ

تربعنَ روضَ الحزن ما بين ليةٍ ***** وسيحانَ مستكاً لهنَّ حدائقهْ

فلمّا رأينَ الجزءَ ودَّعَ أهلهُ ***** وَحَرَّقَ نِيرانَ الصَّفِيحِ وَدَائقُهْ

وخُبِّرْنَ مابينَ الأَخادِيدِ واللِّوَى ***** سقتهُ الغوادي ، والسواري طوارقهْ

وبَاكَرْنَ جَوْفاً تَنْسُجُ الرِّيحُ مَتْنَهُ ***** تناءَمُ تكليمَ المجوسِ غرانقهْ

إذا ما أَتَتْه مِنْ شَطْرِ جَانِبٍ ***** إلَى جَانبٍ حازَ التُّرَابَ مَهَارِقُهْ

بحافتهِ من لا يصيحُ بمن سرى ***** وَلاَ يَدَّعِي إلاَّ بِمَا هُوَ صَادِقُهْ

على كلِّ معطٍ عطفه متزيدٍ ***** بفضلٍ الزِّمامِ أو مروحٍ تواهقه

وقد ينبري لي الجهلُ يوماً وأنبري ***** لسربٍ كحُرَّاتِ الهجانِ توافقه

ثلاَثٌ غَرِيرَاتُ الكَلاَم ونَاشِصٌ ***** على البعل لا يخلو ولا هي عاشِقُه

لوليكي
06/07/2012, 01:14 PM
*** ألا أبلغا عني بُجيراً رسالة ***



ألا أبلغا عني بُجيراً رسالةً ***** فهل لك فيما قلتَ بالخيفِ هل لكا

شربتَ مع المأمونِ كأساً رويةً ***** فانهلك المأمونُ منها وعلَّكا

وخالفت أسبابَ الهدى وتبعتهُ ***** على أيِّ شيءٍ وَيْبَ غَيْرِك دَلَّكَا

على خلقٍ لم تلفِ أمًّا ولا أباً ***** عليه ولم تدرك عليه اخاً لكا

لوليكي
06/07/2012, 01:24 PM
** مناسبة القصيدة **


لما قدم رسول الله من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قتل رجالاً بمكة، ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش، قد هربوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة، فطِر إلى رسول الله، فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً، وإن أنت لم تفعل فانجُ إلى نجائك من الأرض؛ وكان كعب قد قال:

ألا أبلغا عني بُجيراً رسالةً ***** فهل لك فيما قلتَ بالخيفِ هل لكا

شربتَ مع المأمونِ كأساً رويةً ***** فانهلك المأمونُ منها وعلَّكا

وخالفت أسبابَ الهدى وتبعتهُ ***** على أيِّ شيءٍ وَيْبَ غَيْرِك دَلَّكَا

على خلقٍ لم تلفِ أمًّا ولا أباً ***** عليه ولم تدرك عليه اخاً لكا

وبعث بها إلى بُجير، فلما أتت بُجيراً كره أن يكتمها على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأنشده إياها، فقال الرسول لما سمع (سقاك بها المأمون): صدق وإنه لكذوب، أنا المأمون.



* المصدر :-


- المكتبة الإسلامية (http://go.3roos.com/hm50z3jdwx6)

- مركز الفتوى (http://go.3roos.com/96vfnqh5ian)

لوليكي
06/07/2012, 01:27 PM
*** أَلاَ أَسْمَاءُ صَرَّمْتِ الحِبَالاَ ***



أَلاَ أَسْمَاءُ صَرَّمْتِ الحِبَالاَ ***** فَأَصْبَحَ غَادِياً عَزَمَ ارْتِحالاَ

وذَاتُ العِرْضِ قَدْ تَأْتِي إذَا مَا ***** أرادتْ صرمَ خلِّتها الجمالا

تعاورها الوشاة فغيَّروها ***** عن الحالِ التي في الدهر حالاَ

ومَنْ لاَ يَفْثَإ الوَاشِينَ عَنْهُ ***** صَبَاحَ مَسَاءَ يَبْغُوهُ الخَبَالاَ

فَسَلِّ طِلاَبَهَا وتَعَزَّ عنْها ***** بناجية ٍ كأن بها خيالا

أَمُونُ ما تَمَلُّ ومَا تَشَكَّى ***** إذا جشَّمتها يوماً كلالاَ

كان الرَّحلَ منها فوق جأْبٍ ***** يقلِّبُ آتنا خلجاً حيالاَ

مِنَ اللاَّتِي ألِفْنَ جَنُوبَ إير ***** كَأَنَّ لَهُنّ مِنْ سِبْتٍ نِعالاَ

يَظَلُّ جَبِينُهُ غَرَضاً لِسُمْرٍ ***** كأن نسورها حشيت نصالا

أَجَشُّ تَخَالُهُ عَلِقاً إذَا مَا ***** أَرَنَّ على جَوَاحِرِها وجَالاَ

فَأَبْلِغْ إنْ عَرَضْتَ بِنَا رَسُولاً ***** أبا المملوحِ إنَّ له جلالاَ

أمودٍ خلفكم هرَماً ولمّا ***** تَذُوقُوا مِنْ عَداوتِنا وَبَالاَ

ولَمَّا تَفْعَلُوا إلاَّ وَعِيداً ***** كفى بوعيدكم لهم قتالا

وَعِيدٌ تَخْدِجُ الأرْحامُ منه ***** ويَنْقُلُ مِنْ أَمَاكِنِها الجِبالاَ

خفيفُ الغيثِ تعجبُ من رآه ***** مَخِيلَتُه ولم تَقْطُرْ بِلالاَ

لوليكي
06/07/2012, 01:41 PM
*** أَلاَ بَكَرتْ عِرْسِي تَلُوم وتَعْذُلُ ***



أَلاَ بَكَرتْ عِرْسِي تَلُوم وتَعْذُلُ ***** وغيرُ الذي قالتْ أعفُّ وأجملُ

ولما رأتْ رأسي تبدَّلَ لونهُ ***** بياضاً عن اللونِ الذي كان أوّلُ

أَرَنَّتْ من الشَّيْبِ العَجِيبِ الذي رأتْ ***** وهل أَنتِ منِّي وَيْبَ غَيْرِك أَمْثَلُ

وقد أشهدُ الكأسَ الروّية َ لاهياً ***** أعلُّ قبيلَ الصبحِ منها وأُنهلُ

ينازعنيها ليّنٌ غيرُ فاحشٍ ***** مُبَادِرُ غاياتِ التِّجارِ معذِّلُ

إذا غلَبتْه الكأسُ لا متعبَّسُ ***** حصورٌ ولا من دونها يتبسَّلُ

وليس خَلِيلي بالمَلُولِ ولا الَّذِي ***** يلومُ على البخل البخيلَ ويبخلُ

لنا حاجة في صرحة ِ الحيِّ بعدما ***** بَدَا لهمُ أن يَظْعَنوا فتَحَمَّلوا

نشاوى نديمِ الكأسِ منا مرنَّحٌ ***** وعِيسٌ مُنَاخاتٌ عليهنّ أَرْحُلُ

وحَجْلٌ سَلِيمٌ قَدْ كشَفْنا جِلاَلَه ***** وآخر في أنضاءِ مسحٍ مسربلُ

وصرماءَ مذكارٍ كأنّ دويَّها ***** بيعدَ جنانِ اليل مما يخيلَ

حديثُ أناسيٍّ فلما سمعتهُ ***** إذا ليسَ فيه ما أَبِينُ فأَعْقِلُ

قطَعْتُ يُمَاشِينِي بها متضائلٌ ***** من الطُّلْسِ أحياناً يَخُبُّ ويَعْسِلُ

يحبّ دُنوَّ الإنس منه وما بهِ ***** إلى أحد يوماً من الإنس منزلُ

تقرَّبَ حتى قلتُ لم يدنُ هكذا ***** من الإنس إلا جاهلٌ أو مضلَّلُ

إذا ما عَوَى مُسْتقبِلَ الرِّيحِ جَاوبَتْ ***** مَسَامِعُه فَاهُ على الزَّادِ مُعْوِلُ

كسوبٌ إلى أن شبّ من كسبِ واحدٍ ***** محالفه الإقتارُ لا يتمَّولُ

كأنَّ دخانَ الرَّمثِ خالطَ لونهُ ***** يُغلُّ به من باطنٍ ويجللُ

بصيرٌ بأدغال الضَّراءِ إذا خدى ***** يَعِيلُ ويَخْفَى بالجَهَاد ويَمْثُلُ

تَرَاه سَمِيناً ما شَتَا وكأنه ***** حميٌّ إذا ما صافَ أو هو أهزلُ

كأن نساهُ شرعة ٌ وكأنّه ***** إذا ما تَمَطَّى وجْهَة َ الرِّيحِ محْمَلُ

وحَمْشٌ بَصِيرٌ المُقْلَتيْن كأنّهُ ***** إذا ما مشَى مُسْتكرِهَ الرِّيحِ أقْزَلُ

يكاد يَرَى مالا تَرَى عينُ واحدٍ ***** يُثيرُ له ما غَيَّبَ التُّرْبُ مِعْوَلُ

إذا حضراني قلتُ لو تعلمانِه ***** ألم تعلما أني من الزاد مرملُ

غرابٌ وذئبٌ ينظران متى أرى ***** مناخ أو مقيلا فأنزل

أغارا على ما خيَّلت وكلاهما ***** سيخلفهُ مني الذي كانَ يأملُ

كأنّ شجاعي رملة ً درجا معاً ***** فمَرَّا بنا لَوْلاَ وقوفٌ ومَنْزَلُ

ومَضْرَبَها تحت الحَصَى بِجرَانِها ***** ومثنى نواجٍ لم يخنهنَّ مفصلُ

وأَتْلَعَ يُلْوَى بالجَدِيل كأنّه ***** عَسِيبٌ سقاه من سُمَيحة َ جَدْولُ

ومَوْضِعَ طُولِيٍّ وأَحْنَاءَ قاتِرٍ ***** يئطُّ إذا ما شدّ بالنسعِ من علُ

وسُمْرٌ ظِمَاءٌ واتَرَتْهنَّ بعدَما ***** مَضَتْ هَجْعة ٌ من آخرِ اللّيلِ ذُبَّلُ

سَفَى فوقهنّ التُّرْبَ ضافٍ كأنّه ***** على الفَرْج والحاذَيْنِ قِنْوٌ مذلَّلُ

ومضطّمرٌ من خاشع الطرف خائفٌ ***** لما تضع الأرضُ القواءُ وتحملُ

انختُ قلوصي واكتلأْتُ بعينها ***** وآمَرْتُ نَفْسِي أيَّ أمْرَيَّ أفعَلُ

أأكْلَؤُها خوفَ الحوادثِ إنها ***** تريبُ على الانسانِ أم أتوكلُ

فأقسمتُ بالرحمنِ لا شيءَ غيرّهُ ***** يمينَ امرئٍ برٍّ ولا أتحلَّلُ

لأَستشعرنْ أعْلى دريسيَّ مسلماً ***** لوَجْهِ الذي يُحْيي الأَنَامَ ويقتلُ

هو الحافظُ الوَسْنانَ باللّيل ميِّتاً ***** على أنه حيُّ من النوْمِ مثقلُ

من الأسود الساري وإن كان ثائراً ***** على حدِّ نابيه السِّمامُ المثمِّلُ

فلما استدارَ الفرقدان زجرتها ***** وهَبَّ سِمَاكٌ ذو سِلاَحٍ وأعْزَلُ

فحَطَّتْ سَرِيعاً لم يَخُنْها فؤادُها ***** ولا عَيْنُها من خَشْية ِ السَّوْطِ تَغْفُلُ

يقطِّع سَيْرَ الناعِجاتِ ذَمِيلُها ***** نجاءً اذا اختبّ النجاءُ المعوِّلُ

منفَّجة َ الدَّفًّينُ طيِّن لحمها ***** كما طِينَ بالضَّاحِي من اللِّبْنِ مِجْدَلُ

ودفٌّ لها مثل الصَّفاة ومرفقٌ ***** عن الزَّوْرِ مفتولُ المُشَاشة ِ أَفْتَلُ

وسالفة ٌ ريّا يبلُّ جديلها ***** إذا ما عَلاَها ماؤها المتبزِّلُ

وصافية ٌ تنفي القذاة َ***** كأنها على الأَيْنِ يَجْلُوها جِلاَءٌ وتُكْحَلُ

فمَنْ للقَوَافِي شانَها مَنْ يَحُوكُها ***** إذا ما ثَوَى كَعْبٌ وفَوَّزَ جَرْوَلُ

يقولُ فلا يَعْيَا بشيءٍ يقولُه ***** ومِنْ قائليها مَنْ يُسِيء ويعمَل

يقوِّمُها حتى تَقُومَ مُتُونُها ***** فيَقْصُرُ عنها كلُّ ما يُتمثَّلُ

كَفَيْتُكَ لا تَلْقَى من الناس شاعراً ***** تَنَخَّلَ منها مثلَ ما أتنخَّلُ

لوليكي
06/07/2012, 01:52 PM
*** بانت سعادُ فقلبي اليومَ متبولُ ( البردة ) ***



بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ ***** مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ

وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا ***** إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ

هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً ***** لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ

تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت ***** كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ

شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ ***** صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ

تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ ***** مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ

يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت ***** ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ

لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها *****فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ

فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها ***** كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ

وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت ***** إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ

كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً ***** وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ

أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ ***** وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ

فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت ***** إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ

أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها ***** إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ

وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ ***** فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ

مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت ***** عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ

تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ ***** إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ

ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها ***** في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ

حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ ***** وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ

يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ ***** مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ

عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ ***** مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ

كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها ***** مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ

تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ ***** في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ

قَنواءُ في حُرَّتَيها لِلبَصيرِ بِها ***** عِتقٌ مُبينٌ وَفي الخَدَّينِ تَسهيلُ

تَخدي عَلى يَسَراتٍ وَهيَ لاحِقَةٌ ***** ذَوابِلٌ وَقعُهُنُّ الأَرضَ تَحليلُ

سُمرُ العُجاياتِ يَترُكنَ الحَصى زِيَماً ***** لَم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكُمِ تَنعيلُ

يَوماً يَظَلُّ بِهِ الحَرباءُ مُصطَخِماً ***** كَأَنَّ ضاحِيَهُ بِالنارِ مَملولُ

كَأَنَّ أَوبَ ذِراعَيها وَقَد عَرِقَت ***** وَقَد تَلَفَّعَ بِالقورِ العَساقيلُ

وَقالَ لِلقَومِ حاديهِم وَقَد جَعَلَت ***** وُرقُ الجَنادِبِ يَركُضنَ الحَصى قيلوا

شَدَّ النهارُ ذِراعاً عَيطلٍ نَصَفٍ ***** قامَت فَجاوَبَها نُكدٌ مَثاكيلُ

نَوّاحَةٌ رَخوَةُ الضَبعَين لَيسَ لَها ***** لَمّا نَعى بِكرَها الناعونَ مَعقولُ

تَفِري اللِبانَ بِكَفَّيها وَمِدرَعِها ***** مُشَقَّقٌ عَن تَراقيها رَعابيلُ

يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم ***** إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ

وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ ***** لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ

فَقُلتُ خَلّوا سبيلي لا أبا لَكُمُ ***** فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ ***** يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ

أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني ***** وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ

مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال ***** قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ

لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم ***** أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ

لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ ***** أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ

لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ ***** مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ

مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً ***** جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ

حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ ***** في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ

لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ ***** وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ

مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً ***** بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ

يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما ***** لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ

إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لَهُ ***** أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ

مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً ***** وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ

وَلا يَزالُ بِواديِهِ أخَو ثِقَةٍ ***** مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ

إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ ***** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم ***** بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا

زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ ***** عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ

شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ ***** مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ

بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ ***** كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ

يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم ***** ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ

لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ ***** قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا

لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ ***** ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ

لوليكي
12/07/2012, 03:07 AM
** شرح قصيدة بانت سعاد " البردة " **



لقد قسَّمنا القصيدة إلى عددٍ من المَقاطع، تتضمَّن الأغراض التي احتوَتْها القصيدة، وهي على النَّحو التالي:

1- مقدِّمة غزَلِيَّة.
2- في وصف النَّاقة.
3- اعتذار للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.
4- مَدْح للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.
5- مدح الصحابة.

ورغم هذه الأغراض المتعدِّدة في القصيدة، فإنَّها تضمُّها وَحْدةٌ نفسيَّة وشُعورية واحدة، كما نلحظ براعة كعبٍ في الانتقال من كلِّ غرَضٍ إلى الغرض الَّذي يليه، فهو ينتقِل من الغزَل إلى وصف النَّاقة في بيتٍ يربط بين الغرَضين:

أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها ***** إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ

ويَنتقل من وصف الناقة إلى الاعتذار للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله:

تَسْعَى الوُشَاةُ جَنابَيْهَا وَقَوْلُهُمُ ***** إِنَّكَ يَا بْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ

والضمير في "جنابَيْها" يعود على الناقة وعلى سعاد، والذي نَجِده يوحِّد بينهما في لُغَةٍ رمزيَّة سامية في ختام المقطع الثَّاني الذي يصف فيه النَّاقةَ قبل الانتِقال إلى الاعتذار.

وهكذا يَفْعل في بقيَّة أجزاء القصيدة في بناء مُحْكَم فيصلٍ بين الأبيات بعضها البعض، بانتقالاتٍ مُحْكمة النَّسْج تشهد لها لغة القصيدة التي تمتلئ بغريب الألفاظ؛ مما يدلُّ على أنَّ معجم كعب ليس معجمًا سهلاً، بل هو معجمٌ عميق كما يتبيَّن من قراءة ديوانه كلِّه.

إلاَّ أنَّ كعبًا في القسم الخاص بالاعتذار والمدح، ترقُّ لغتُه، وتشفُّ وتَصْفو من غريب الألفاظ، ووحشيِّ الكلام.

ويبدأ كعبٌ قصيدته بالغزَل، فيقول:


بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ ***** مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ

وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا ***** إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ

هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً ***** لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ

تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت ***** كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ

شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ ***** صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ


نجد في هذه المقدِّمة الغزَلية انتقالَ كعبٍ من صورة إلى صورة في انتقالات سريعة؛ فهو بعد أن يبيِّن حالَ قلبه بعد بَيْن سعاد، يصوِّره كالأسير المتيَّم المكبَّل بالقيود، ويُقارن بين حاله في هذا الأمر وحالِ سعاد الطَّليقة الراحلة عن مَرابعها، غضيضةَ الطَّرْف، مكحولةَ العينين، مبتسمةَ الشَّفتين، فتبين عن أسنانِها التي كأنها قد نهلَتْ من خمر مصفَّاة، مُزِجَت بالماء، ثم يَسترسل في وَصْف ذلك الماء:

شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ ***** صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ

تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ ***** مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ

إنَّ هذا الماء الذي مُزِجت به الخمر التي شرِبَت منها سعاد، كأنَّه مأخوذٌ من تلك البُحَيرة الصافية، أو ذلك الغدير الهادئ الذي يمتلئ بماءٍ صاف، قد شَمِلته ريحُ الشمال، فبَردته وجلَتْ عنه الرِّياحُ القذى بعدما تجمَّع بكثرة على إثر سيولٍ من ماء السَّماء.

ثم يعود مرَّة ثانية بعد الاستِرْسال في صورةِ الماء إلى وصف حال العلاقة - الخلَّة - التي قامت بينه وبين سعاد، وكيف انتهت بإخلاف الوعد؛ لأنَّها لا تدوم على حالٍ كما يبدو شبح الغول في الصحراء ليلاً.


يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت ***** ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ

لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها *****فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ

فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها ***** كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ


والغول: السعلاة، وهي شِبْه أُسْطورة كانت تزعُمها العرب في الجاهليَّة، فيقولون أنَّ الغول تغتالهم، وتتَراءى لهم في الفلَوات، وتتلوَّن لهم بألوانٍ شتَّى، وتضِلُّهم عن الطريق.

ثم يواصل كعبٌ وصف مواعيدها ووعودِها:


وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت ***** إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ

كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً ***** وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ

فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت ***** إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ


و"عرقوب" هو عُرْقوب بن النَّضر، يقول الرُّواة عنه: إنَّه رجلٌ من العَمالقة، نزل بالمدينة قبل أن يَنْزِلَها اليهود بعد عيسى بن مريم - عليه السَّلام - وكان له نَخْل، وإنه وعد صديقًا له ثَمرَ نخلةٍ من نخله، فلما حملَتْ وصارت بلحًا، أراد الرجل أن يصرمها، فقال عرقوب له: دَعْها حتى تصير رُطَبًا، فلما صارت رُطبًا، قال له: دعه حتى يصير تمرًا، فلما صار تمرًا، انطلق إليه عرقوب ليلاً، فجذَّه ليلاً، فجاء الرجل بعد أيام، فلم ير إلا عودًا قائمًا، فذهب موعِدُ عرقوب مثلاً.

والشاعر في رجائه وأمله أصبحَتْ كفَّاه خالِيَتين من كلِّ ما تعلق به من وعودِ محبوبتِه سعاد التي يرمز لها - فيما نرى - إلى الدُّنيا التي ظلَّ متشبِّثًا بها، رغم مُراوغتها، وها هو الآن قد يَئِس منها، وقد علم أنَّها قد ضيَّعت أحلامه وأمانيه، وأن عقاب النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - له يُخايِلُه في كلِّ موطن، وهو - بسبب طلَبِه لِسَعادة الدُّنيا، وتشَبُّثِه بها - يوشك أن يقع في الهلكة.


أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ ***** وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ

فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت ***** إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ

أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها ***** إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ


هكذا استَيْئس الشاعر من طَلِبَتِه، وها هو يقطع شوطًا آخَر مع النَّاقة، ووَصْفِها؛ لعلَّ في ذلك ما يفرج كرْبَه، ويُنقِذُه من الحصار الذي يجد فيه نفْسَه، والذي وضعه فيه قولُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن لقِيَ كعب بن زُهَير فلْيَقتله))، هكذا لم يجد كعبٌ مَهْربًا لنفسه، إلاَّ ناقته، وهي الأخرى لم تُنجه؛ فقد أحاط الوُشاة بِجَنبيها كما جاء في آخِر الأبيات التي وصَف فيها الناقة:


وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ ***** لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ

فَقُلتُ خَلّوا سبيلي لا أبا لَكُمُ ***** فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ


إنَّه أيقن أنْ لا مهرب له من وعيد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ولْنَعد؛ لنقف وقفة أمام وصفه لناقته في المقطع الثاني من القصيدة.

إنَّ ناقة كعب على مدار ما يُقارب عشرين بيتًا تمثِّل حالةَ محاولةِ الهرب والوصول إلى مباهج سُعاد (الدُّنيا)، التي ضاقَتْ على مالكِها وهو وَصْف لها يتناسب مع الحال النفسيَّة التي يمرُّ بها كعب، وهو طريدٌ يَخشى أن يصل إليه وعيدُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولذا فناقتُه شديدة غليظة، "عُذافرة"؛ سريعةٌ في سيرها، رغم الإعياء ذات هِمَّة وهي تسير بين الغليظ من الأرض، ناظرة إلى الأفق وما يختبئ فيه من الغيوب، كما أنَّ هذه الناقة طويلةُ العنُق، تُشْبِه حِمار الوحش:


مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت ***** عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ

تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ ***** إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ

ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها ***** في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ

حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ ***** وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ

يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ ***** مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ

عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ ***** مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ

كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها ***** مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ

تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ ***** في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ


ويظلُّ كعب مسترسلاً في وصف الناقة إلى أن يقول:


تَفِري اللِبانَ بِكَفَّيها وَمِدرَعِها ***** مُشَقَّقٌ عَن تَراقيها رَعابيلُ

يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم ***** إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ


وهنا يبدأ مقطع الاعتذار للرَّسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكعب يقدِّم بين يدَيِ اعتذاره للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمعتقده في أنَّ قدَرَ الله واقعٌ لا مَحالة، وهكذا يُبَرهن في مطلع حديثه عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - واعتذاره له عن صحَّةِ مُعتقَدِه، ويقينِه بالموت:


وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ ***** لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ

فَقُلتُ خَلّوا سبيلي لا أبا لَكُمُ ***** فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ ***** يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ


ثم يَلِج إلى موضوع القصيدة الرئيس؛ الاعتذار للرَّسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومدحه، ومَدْح صحابته.

ويبدأ كعبٌ أبياتَ الاعتذار بالإقرار برسالة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأمَلِه في العفو عنده، على ما بلغه من أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - توعَّده بالقتل.

ونُلاحظ في هذا القِسْم من القصيدة أنَّ لُغَة القصيدة تصبح قريبةَ المأخذ سهلةَ الأسلوب، ولا يبعد كعب كثيرًا في اعتذاره عن أسلوب من سبَقه من الشُّعَراء، كالنابغة؛ يقول النابغة في الاعتذار للنُّعمان:


أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني ***** وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ


ولكنَّ كعبًا يُدْرِك أن الموقف بين يدَيْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَخْتلف عن موقف النَّابغة بين يدَي النعمان؛ إنَّه يقف بين يدي رسولٍ مُكلَّمٍ بكتاب من السَّماء.


مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال ***** قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ


ثم يعود مرَّة ثانية لأسلوب الاعتذار الذي سنَّه النابغة، فبيَّن أنَّ الوُشاة هي التي زادَتْ في الأقوال، وأنَّه لم يُذْنِب:


لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم ***** أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ


ثم بيَّن أنه قد أتاه من وعيد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يظلُّ يرعد منه، إلاَّ أن يعفو عنه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإذن الله - عزَّ وجلَّ -:


لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ ***** أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ

لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ ***** مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ

مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً ***** جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ

لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ ***** وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ


لقد وضع يدَه في يد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وضْعَ طاعةٍ، لا منازعة، وغمَرَه من هيبة النبيِّ الكريم ما جعله يستدعي وصْفَ الأسد الذي ذكَره النابغة في شطْرٍ من بيت؛ ليُفصِّله كعبٌ في عدَّة أبيات:


مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً ***** بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ

مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً ***** وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ

يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما ***** لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ

إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لَهُ ***** أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ


وبعد رَسْم هذه الصُّورة الشِّعرية الجميلة لِشَجاعة الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقوَّتِه بأنَّه أقوى وأشجع (ضَيْغم)، وهو الأسد، ويسترسل في وصف الأسد وشدَّتِه، وأنَّه لا يَرضى بالهزيمة.


إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لَهُ ***** أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ


وأنَّه - الأسد - تخافُه وتهابه حُمْر الوحش، ولا تسير بِواديه إلاَّ صامتة من هيبته وخشيته، والرِّجال مُمْتنعة من المشي بواديه.
بعد كلِّ ذلك يدخل كعبٌ إلى البيت المضيء في القصيدة، في ختام مدْحِه للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -:


إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ ***** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ


وهذا خير ختامٍ للاعتذار والمديح؛ ليختم القصيدة كلَّها بعد ذلك بكلماتٍ جميلة، يصف بها أصحابَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من المهاجرين:


في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم ***** بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا

زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ ***** عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ

شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ ***** مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ

بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ ***** كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ

يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم ***** ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ


ثم يصف إقدامهم وشجاعتهم:


لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ ***** قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا

لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ ***** ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ


ويُقال: إنه عرَّض بالأنصار في قوله: "إذا عرَّد السُّود التنابيل"؛ وذلك أنَّ رجلاً من الأنصار كان قد طلَب من النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندما دخل عليه كعبٌ وعرف أنه هو كعب، أن يأمره بقتله، فقال كعب في بيته ما قال، ثم لما سمعت الأنصار هذه القصيدة شقَّ عليهم؛ حيث لم يَذْكُرهم مع إخوانهم من المهاجرين، وكلَّموا النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقالوا: ألا ذكَرْتَنا مع إخواننا من قريش! فقال كعب يذكر الأنصار في قصيدة تقارب الثلاثين بيتًا، وهي موجودة بكاملها في ديوان كعب الذي شرَحه أبو سعيد السكري.

يقول كعب:


مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الْحَيَاةِ فَلاَ يَزَلْ ***** فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِي الأَنْصَارِ

تَزِنُ الْجِبَالَ رَزَانَةً أَحْلاَمُهُمْ ***** وَأَكُفُّهُمْ خَلَفٌ مِنَ الأَمْطَارِ

الْمُكْرِهِينَ السَّمْهَرِيَّ بِأَذْرُعٍ ***** كَصَوَاقِلِ الْهِنْدِيِّ غَيْرِ قِصَارِ

وَالنَّاظِرِينَ بِأَعْيُنٍ مُحْمَرَّةٍ ***** كَالْجَمْرِ غَيْرِ كَلِيلَةِ الأَبْصَارِ

وَالذَّائِدِينَ النَّاسَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ ***** بِالْمَشْرَفِيِّ وَبِالقَنَا الْخَطَّارِ

وَالبَاذِلِينَ نُفُوسَهُمْ لِنَبِيِّهِمْ ***** يَوْمَ الْهِيَاجِ وَقُبَّةِ الْجَبَّارِ


هذا، وقد اشتُهِرت هذه القصيدة "بانت سعاد" باسم "البُرْدة"؛ لِما يُرْوى أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كسَا كعبًا بردتَه التي ظلَّت عند كعب حتَّى اشتراها منه أبو سفيان بن حرب بعد ذلك بعشرين ألفًا.

وقد حَسُن إسلام كعبٍ - رضي الله عنه - وأخذ يَصْدر بعد لقائه بالنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن دينه، ويرسل فيها أطرافًا من المواعظ؛ مِن مِثل قوله:

لَوْ كُنْتُ أَعْجَبُ مِنْ شَيءٍ لأَعْجَبَنِي ***** سَعْيُ الفَتَى وَهْوَ مُخْبُوءٌ لَهُ القَدَرُ

يَسْعَى الفَتَى لِأُمُورٍ لَيْسَ مُدْرِكَهَا ***** وَالنَّفْسُ وَاحِدَة ٌ وَالْهَمُّ مُنْتَشِرُ

وَالْمَرْءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ ***** لاَ تَنْتَهِي العَيْنُ حَتَّى يَنْتَهِي الأثَرُ

ومِثْل قوله:

أَعْلَمُ أَنِّي مَتَى مَا يَأْتِنِي قَدَرِي ***** فَلَيْسَ يَحْبِسُهُ شُحٌّ وَلاَ شَفَقُ

بَيْنَا الفَتَى مُعْجَبٌ بِالعَيْشِ مُغْتَبِطٌ ***** إِذِ الفَتَى لِلمَنَايَا مُسْلَمٌ غَلِقُ

وَالْمَرْءُ وَالْمَالُ يَنْمِي ثُمَّ يُذْهِبُهُ ***** مَرُّ الدُّهُورِ وَيُفْنِيهِ فَيَنْسَحِقُ

فَلاَ تَخَافِي عَلَيْنَا الفَقْرَ وَانْتَظِرِي ***** فَضْلَ الَّذِي بِالغِنَى مِنْ عِنْدِهِ نَثِقُ

إِنْ يَفْنَ مَا عِنْدَنَا فَاللهُ يَرْزُقُنَا ***** وَمِنْ سِوَانَا وَلَسْنَا نَحْنُ نَرْتَزِقُ

ومثل قوله:

فَأَقْسَمْتُ بِالرَّحْمَنِ لاَ شَيْءَ غَيْرُهُ ***** يَمِينَ امْرِئٍ بَرٍّ وَلاَ أَتَحَلَّلُ

لأَسْتَشْعِرَنْ أَعْلَى دَرِيسَيَّ مُسْلِمًا ***** ِوَجْهِ الَّذِي يُحْيِي الأَنَامَ وَيَقْتُلُ

هُوَ الْحَافِظُ الوَسْنَانَ بِاللَّيْلِ مَيِّتًا ***** عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ مِنَ النَّوْمِ مُثْقَلُ

مِنَ الأَسْوَدِ السَّارِي وَإِنْ كَانَ ثَائِرًا ***** عَلَى حَدِّ نَابَيْهِ السَّمَامُ الْمُثَمَّلُ


وواضحٌ أنَّ هذه الأبيات وغيرها في ديوان كعب تنمُّ عن ولائه لدينه، وأنَّه أسلم وجهه لربِّه؛ إذْ نراه في شعره الجاهلي مُفاخِرًا متوعِّدًا مهددًا، حتى إذا أسلم أخذَتْ نفسُه تصفو، وأخذ يستشعر معاني الإسلام الروحيَّة وقِيَمه المُثْلى.



* المصدر:-

- موقع حضارة الكلمة - شبكة الألوكة (http://go.3roos.com/2q4n4g93sc2)

لوليكي
12/07/2012, 03:51 AM
** شرح آخر لقصيدة بانت سعاد " البردة " **



* مناسبة القصيدة :-

كان كعب في اكتمال شبابه عندما ضخم أمرالنبي و أخذ الناس يتحدثون بالإسلام . فأرسل أخاه بجيرا عام 628م إلى الرسول يستطلع الدين الجديد ،و ما أن اتصل بجير بمحمد حتى آمن به و بقي في المدينة ، فغضب كعب أشد الغضب ،و نظم أبياتاً من الشعر يوبخ فيها بجيراً على ترك دين الآباء و يعرّض بالرسول فيقول :

ألا أبلغا عني بجيراً رسالةً ***** فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا؟
فبيّن لنا إن كنت لست بفاعلِ ***** على أيّ شيء غير ذلك دَلَّكا
على خُلُقٍ لم أُلفِ يوما أبا له ***** عليه وما تُلفِى علَيهِ أبا لَكا
فإن أنتَ لم تفعل فلستُ بآسفٍ ***** ولا قائل إمَّا عَثرتَ: لعَاً لكا
سقاكَ بِها المَأمونُ كأسا روِيَّةً ***** فأنهَلكَ المأمونُ منها وعَلَّكا

و أرسل كعب بالأبيات إلى أخيه ، فاطلع عليها النبي و أهدر دمه ،فأرسل إليه أخوه بجير بما كان من الأمر ، و حثه على الإسراع في القدوم إلى النبي مسلماً معتذراً ،و لكن كعب رفض ذلك و أراد الاحتماء بقبيلته فأبت عليه ذلك .

و كثر المرجفون به من أعدائه ،و سدت في وجهه السبل ،فاستجاب لنصح أخيه و قدم إلى المدينة سنة 630م و أتى الرسول و هو بين أصحابه في المسجد ،فجلس بين يديه و وضع يده في يده و النبي لا يعرفه، و قال : يا رسول الله ، إن كعب بن زهير أتاك تائباً مسلماً فهل أنت قابل منه ؟ أجابه : نعم . قال: فأنا كعب . فوثب رجل من الأنصار قائلاً : دعني يا نبي الله أضرب عنقه ،فكفه النبي (صلى الله عليه وسلم) عنه . و أنشد كعب حينئذ قصيدته " بانت سعاد " التي منها هذه الأبيات . و يقال أن النبي خلع عليه بردته حين وصل في الإنشاد إلى قوله : إن الرسول لسيف يستضاء به .


* شرح أبيات القصيدة:-


* المجموعة (أ) {1-4}:مقدمة غزلية (حزن الشاعر لفراق محبوبته)

فبهذه الأبيات يصف الشاعر حالته النفسية و الحزن الذي أصيب به لفراق محبوبته التي تخيلها و أطلق عليها اسم سعاد ، فيقول : لقد تركتني سعاد و رحلت عني فدمر فراقها قلبي ، فأصبحت متعلقاً بها ، مقيداً ثم يصف سعاد لحظة رحيلها مع قومها بأنها بدت كغزال في صوتها غنة و في عينيها حياء و اكتحال ، ويصفها عندما تقبل بأنها خفيفة من أعلاها دقيقة الخصر ،و عندما تدبر تبدو عظيمة العجزة كما أنها كانت معتدلة القامة فليست بالطويلة و لا القصيرة ، كما يصف أسنانها عندما تبتسم و ما فيها من ريق رطب و كأنها مسقية بالخمر أكثر من مرة فهي مروية و بياضها ناصع .

* التحليل الفني :-


1- بدأ الشاعر بالغزل على عادة الشعراء القدامى و يلاحظ أنه وصف حسي اقتصر على الوصف الخارجي للمحبوبة دون التعمق في نفسها و إبراز جمالها المعنوي ،ولقد اختار لمحبوبته الخيالية اسم (سعاد ) وذلك لأنه مشتق من ( السعد والإسعاد ) وهو سعيد بقبول الرسول اعتذاره ودخوله الدين الإسلامي ، كما أنه بدأ بالغزل للفت انتباه السامعين إليه و إلى شعره .
(متبول /مكبول ) جناس ناقص لإعطاء الجرس الموسيقي وإبراز المعنى .

2- في هذا البيت شبه صورة سعاد لحظة رحيلها بصورة غزال في صوتها غنة وفي عينيها فتور وحياء واكتحال . وقد أكد هذا التشبيه عن طريق القصر والتوكيد بالأداة ( إلا ).
هيفاء مقبلة / عجزاء مدبرة : مقابلة ( تقسيم يعطي جرسا موسيقيا / لإبراز المعنى وإيضاحه قصر / طول : طباق .
في هذا البيت تشبيه ، فهو يشبه شدة لمعان أسنانها كأنها مسقية بالخمر نهلاً أكثر من مرة . كما أن الشاعر يستخدم في هذا المقطع (الصورة الكلية) بما فيها من لون وحركة وصوت تنقل لنا المشهد وكأنه ماثل أمامنا نراه ونسمعه، فمن الألفاظ الدالة على اللون: )مكحول / عوارض / ظلم الراح ).
ومن الألفاظ الدالة على الحركة: ( بانت / مكبول / مكحول / رحلوا / مقبلة / مدبرة/ تجلو / ابتسمت) ومن الألفاظ الدالة على الصوت : ( قلبي / رحلوا / أغن ).


* المجموعة (ب) {5-10}: وصف حالة الشاعر وخوفه والجو النفسي المحيط به والاعتذار للرسول
(الاعتذار والاستعطاف).

في هذه الأبيات يذكر الشاعر سعي الوشاة الذين وشوا به إلى النبي ، وبين كيف أنه استجار بأصحابه و بني قومه فما أجاروه مما جعله وحيداً لا يجد غير الله يلجأ إليه و يسلمه أمره ،فكل ما قدر الله كائن لابد من وقوعه ، كما أن كل إنسان لابد و أن يحمل على النعش يوما لذلك فلن يخيفه الموت و سيقدم على الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكله أمل في عفوه وصفحه وتأمينه من آثار وعيده ، فهو الرسول المعروف بالعفو والصفح و هو الذي أعطاه الله نعمة القرآن التي فيها بيان و توضيح لأمور الدين الإسلامي ، و يطلب منه عدم معاقبته بأكاذيب النمامين الوشاة حتى و إن كانت كثيرة إلا أنها ملفقة مفتراة .


* التحليل الفني :-


في هذا المقطع يساير الشاعر كعب بن زهير النابغة الذبياني فيمزج المدح والاعتذار . وتسيطر عليه عاطفة يمتزج فيها الخوف و الرجاء و الإعجاب .
5- تعبير حقيقي .
6- خلوا : أسلوب إنشائي طلبي يفيد الأمر الغرض منه الالتماس .
لا أبالكم : أسلوب إنشائي طلبي يفيد النفي بغرض الدعاء ، يدعو على من يخوّفه بفقد الأب (يدعوا عليهم بألا يكون لهم أصل ولا أب )
7- ابن أنثى : كناية عن الإنسان . وهو موصوف .
آلة حدباء : كناية عن النعش . وهو موصوف .
و فيالبيتين (6-7) حكمة فهو متأثر في ذلك بوالده زهير.
8- كما أنه يكرر لفظ (رسول الله ) وذلك للتعظيم . (أسلوب خبري)
9- مهلاً : أسلوب إنشائي طلبي يفيد الأمر الغرض منه الالتماس .
الذي أعطاك نافلة القرآن : كناية عن الله سبحانه و تعالى، ولفظة (نافلة ) توحي بأن الله أتم على الرسول بعلوم كثيرة (الرسالة والنبوة ) وجعل الكتاب زيادة على تلك العلوم .
(8-9) فيهما أسلوب ( التفات ) فقد تحول من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب وذلك تنشيطاً للأذهان .
10- لا تأخذني : أسلوب إنشائي طلبي يفيد النهي الغرض منه الالتماس و الرجاء .
أقوال : توحي بكثرة الوشاة، و(الوشاة) ليدفع التهم عن نفسه، كما يستخدم لفظة (أقاويل) ليؤكد أنها مجرد اتهامات و ليدلل على بطلانها .


* المجموعة (ج){11-17}:مدح الرسول (ص)والمهاجرين.

هنا يبدأ الشاعر في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمهاجرين ، فيصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالنور الذي يهتدى به و بأنه سيف من سيوف الحق و العدالة المشروعة في وجوه الأعداء، تحف به جماعة من قريش دانت بالإسلام و هاجرت من مكة في سبيله ، ثم يصف المهاجرين بأنهم عندما هاجروا كانوا أقوياء ، شجعان، أباة ، و لباسهم في الحروب متقن الصنع ،و كأنه من نسج داود عليه السلام ، كما أنهم يحاربون بجرأة أو يضربون باستبسال إذا هرب الجبناء و فر الرعاديد ،و إذا غلبوا عدوهم لا يفرحون بذلك لأن النصر من عادتهم، و إذا غلبهم العدو لا يجزعون من لقائه لثقتهم بالتغلب عليه ، و هم لا يقع الطعن في ظهورهم بل في نحورهم لأنهم لا ينهزمون و لا يفرون عن موارد الردى وساحات القتال .


* التحليل الفني :-


11- إن الرسول لسيف : تشبيه بليغ ، شبه الرسول بالسيف المصنوع من حديد الهند والمتميز بجودته . وفيها إيحاء بالقوة و السلطان .
يستضاء به :استعارة مكنية شبه الرسول بالمصباح الذي يهتدى به في الظلام .
سيوف الله :كناية عن رجال الله و أنبيائه ،و المدافعين عن رسالة السماء .
وهذا البيت يكشف لنا عن إحدى عادات العرب و أنهم كانوا إذا أرادوا استدعاء من حولهم من القوم شهروا السيف الصقيل فيظهر لمعانه عن بعد فيأتون إليه طائعين مهتدين بنوره.
12- يشير الشاعر إلى الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة … عندما وقف عمر بن الخطاب في وادي مكة متحدياً ، و أشهر هجرته ،وقال : (من أراد أن تثكله أمه فليتبعني إلى هذا الوادي ) و قائلهم هنا إشارة إلى عمر بن الخطاب .
زولوا :أسلوب إنشائي طلبي يفيد الأمر بغرض الالتماس .
14- شم العرانين :كناية عن صفة العزة و الإباء و الترفع عن الدنايا ، لبوسهم من نسج داود : كناية عن متانة الدروع و دقة الصنع .
15- يستمر الشاعر في مدح أنصار النبي (صلى الله عليه وسلم) فيشبههم بالجمال الزهر والتشبيه هنا بليغ فوجه الشبه التقدم و النشاط و السرعة في اندفاعهم في ساحة المعركة يحميهم من الضرب والطعن (خاصية من خصائص الجمال الزهر الاندفاع و التقدم دائما إلى الأمام ) ثم يعرض بالمقابل صورة الأعداء في جبنهم و تراجعهم ،و استخدم التنابيل كناية عن صفة الضعف و قصور الهمة ،و في البيت مقابلة بين فريقين المؤمنين يدفعهم إيمانهم إلى التقدم و طلب الشهادة و الكفار يسيطر عليهم الجبن و الضعف فيتراجعون .
16- كناية عن أخلاق المسلمين فهم لا يشمتون في أعدائهم عند النصر ولا يصيبهم الجزع و الخوف عند الهزيمة ؛لأنهم يعرفون أن الأيام دول و أن الصبر على البلاء قوة ،وفي البيت مقابلة تبين حال المسلمين في الموقفين النصر و الهزيمة .
17- يعطي الشاعر البرهان و الدليل على شجاعتهم عن طريق الكناية في قوله يقطع الطعن في نحورهم ) وأكد ذلك بأسلوب قصر للتوكيد فصفتهم الشجاعة عند المواجهة ، ثم وضح في صورة حسية هذه الفقرة عندما قال: (حياض الموت) فقد شبه الموت بالحياض و جاء التشبيه البليغ فيصورة المضاف و المضاف إليه ، و كذلك فيها استعارة تصريحية لأنه شبه ساحة المعارك بحياض الموت و صرح المشبه به .

كما يتضمن هذا المقطع أيضا صورة كلية فيها :

أ- اللون: (سيف / يستضاء / لبوسهم / سرابيل / الجمال الزهر / السود / نحورهم ).
ب- الصوت : ( قال قائلهم / زولوا / اللقاء / الهيجا ).
ج- الحركة : (مسلول / زالوا / اللقاء / نسج / الهيجا / يمشون مشي الجمال / ضرب / عرد / نالت / يقع الطعن ).


* أثر الإسلام في معاني القصيدة :

يتضح أثر الإسلام في معاني القصيدة وفقد مثل ذلك بدروع داود عليه السلام (من نسج داود )الذي كان ماهراً في صنع الدروع ،كما تأثر بالقرآن الكريم في وصفه لأصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالقوة و إعداد العدة للأعداء مشيراً إلى قوله تعالى: (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )).


* خصائص أسلوب كعب بن زهير :-

بساطة التركيب والمعاني ، قدرة الألفاظ على حسن الأداء ، اختيار المعاني والصور الملائمة لموقف الاستعطاف، قلة المحسنات البديعية ، قلة الصور وغلبة النزعة الواقعية عليها والتأثر بالظروف التي صاحبت التجربة الشعرية للشاعر ، التصوير الجزئي والكلي, التأثر بالإسلام بالإضافة إلى المحافظة على القديم، والتنويع في الأساليب (النفي/الحصر /التشبيه ).


* أثر البيئة في القصيدة :-

يلجأ كعب في رسم صورة إلى البيئة المحيطة ، فهي بدوية صحراوية ، ويتضح ذلك في (حياض الموت، وتشبيه الرسول بالسيف المهند، ووصف آلات الحرب وملابسها والمهارة فيها ، وتشبيه سعاد بالغزال ذي الصوت الأغن ،و تشبيه ريقها بالخمر ).


* سمات شخصية الشاعر :-

جريء شجاع ، معترف بذنبه ، حكيم ، ذو نزعة دينية.


* المصدر :-

- منتدى كرباباديات (http://go.3roos.com/v6rxr2ngeg2)

لوليكي
12/07/2012, 04:04 PM
** وقفة ورأي مع قصيدة كعب بن زهير " البردة " **
(بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي)


* مناسبة القصيدة :-


كان زهير بن أبي سلمى قد رأى في آخر حياته وهو نائم أن سبباً من السماء مُدَّ له ، وكان كلّما حاول الإمساك به قبض عنه . فلّما أصبح روى هذه الرؤيا لابنيه كعب وبجير ، ثمّ فسَّرها بأنه سيظهر نبيٌّ داعية لدين جديد ، وطلب من ولديه اتباعه ، فلّما ظهر الإسلام جاء " بجير " رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه ، وتأخّر كعب عن ذلك . ويقول أبو الفرج : خرج كعب وبجير ابنا زهير بن أبي سلمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغا " أبرق العزّاف " . فقال كعب لبجير : الحق الرجل ، وأنا مقيم هاهنا ، فانظر ما يقول لك . فقدم بجير على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسمع منه وأسلم . فلّما بلغ ذلك كعباً قال:


ألا أبلغا عني بجيراً رسالةً ***** فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا؟

فبيّن لنا إن كنت لست بفاعلِ ***** على أيّ شيء غير ذلك دَلَّكا

على خُلُقٍ لم أُلفِ يوما أبا له ***** عليه وما تُلفِى علَيهِ أبا لَكا

فإن أنتَ لم تفعل فلستُ بآسفٍ ***** ولا قائل إمَّا عَثرتَ: لعَاً لكا

سقاكَ بِها المَأمونُ كأسا روِيَّةً ***** فأنهَلكَ المأمونُ منها وعَلَّكا


وتأتي هذه الأبيات بروايات مختلفة في المصادر المتعددة التي ترويها ، وأرسل كعب بهذه الأبيات إلى أخيه بجير ، فأبلغ بجير بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لقي منكم كعب بن زهير فليقتله " وذلك عند انصرافه من الطائف .
وهذا هو حكم الله ورسوله ، ذلك لأنّ هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يصدر إلا عن كافر أعلن حربه على الله ورسوله ، وعلى رسالة الإسلام ، وكان الشعر آنذاك أهمّ وسائل الحرب والخصومة ، لشدّة أثر الشعر في نفوس العرب ، وبين لنا خطورة أمر الشعر في معركة الإسلام آنذاك ، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن كعب بن مالك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنّ الله عز وجل أنزل في الشعراء ما أنزل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده لكأنّ ما ترمونهم به نضح النبل "
نعم! هكذا كان الشعر في معركة الإسلام : " …. والذي نفسي بيده لكأنّ ما ترمونهم به نضح النبل " . وسيظل للكلمة دورها الخطير في معركة الإسلام على مرِّ العصور . فكتب بجير إلى أخيه كعب أبياتاً منها :

مَن مُبلِغ كعبا فهل لكَ في التي ***** تلوم عليها باطلا وهيَ أحزَمُ

إلى الله لا العُزَّى ولا اللاتِ وحده ***** فتنجو إذا كان النَّجاء وتَسلمُ

ثمّ كتب له : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمك ، وأنه قتل رجلاً بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأن من بقي من الشعراء كابن الزّبعري وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كلّ وجه ، وما أحسبك ناجياً . فإن كان إلى نفسك حاجة فطر إليه ، فإنه يقبل من أتاه تائباً ، ولا يطالبه بما تقدّم الإسلام " .
فلما بلغ كعباً الكتابُ ، ضاقت عليه الأرض ، وأتى مزينة لتجيره ، فأبت ذلك عليه ، فحينئذ ضاقت عليه الأرض وأشفق على نفسه ، وأرجف به من كان من عدوّه ، وقالوا إنه مقتول . فقال هذه القصيدة التي عرفت بالبردة ، وجاء بها النبي صلى الله عليه وسلم تائباً مسلماً . ذلك أنه خرج حتى قدم المدينة ، ودخل مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وجلس بين يديه ، فوضع يده في يده ، ثمّ قال : يا رسول الله ! إن كعب بن زهير قد جاءك ليستأمن منك تائباً مسلماً . فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ؟ قال : نعم ! قال : أنا يا رسول الله كعب بن زهير . فقال : الذي يقول ما قال . ثمّ أقبل على أبي بكر فاستنشده الشعر. فأنشده أبو بكر" سقاك به المأمون به كأساً روّية …"! فقال كعب : لم أقل هكذا . وإنما قلت :

سقـاك أبـو بكـر بـكـأسٍ رويّـةٍ ***** وأنهـلـك المأمـون منـها وعـلّكا

فقال رسول الله : مأمون والله ! ووثب عليه رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ! دعني وعدوّ الله أضرب عنقه . فقال : دعه عنك فإنه قد جاء تائباً نازعاً . فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار لما صنع به صاحبهم . ثم قرأ قصيدته على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى وصل إلى قوله :

إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ ***** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

رمى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بردة كانت عليه ، وبذل بعد ذلك معاوية رضي الله عنه عشرة آلاف درهم ليشتريها من كعب ، فقال كعب : ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً . ولما مات كعب اشتراها معاوية بعشرين ألف درهم .


*أهمّ ما قيل عن مطلع القصيدة وما فيه من شبهة الغزل :

يقول الدكتور محمد بن سعد بن حسين في كتابه " المدائح النبوية بين المعتدلين والغلاة " : " ولم يستحسن البعض بدء كعب قصيدته بالغزل ، وهو يمدح أشرف الخلق وخاتم المرسلين ، غير أن تلك عادة العرب فهم يبدأون قصيدهم بالنسيب في أيّ مقام كان ، فهو منهج لا غبار عليه ". ثم يقول : " على أن بعضاً من شيوخنا فسّروا ذلك وبيّنوه على وجه من الرمز والإشارة . فمن ذلك ما ذكره أستاذنا الدكتور عبد السلام سرحان في كتابه " مختارات من روائع الأدب " ، حيث قال : وسعاد هذه فتاة خيالية اخترعها خياله وفراها تصوّره ليبدأ على حبّها إنشاده ويوالي في ذكرها إنشاده ، ويرتبع في مرابعها بخير تقديم على عادة الشعراء في شعرهم القديم . ولكن الملاحظ أنه وصفها بعدم الولاء ورماها بعدم الوفاء وتحدّث عن أنها هجرته وقطعت حبل وصله ، وأبلت أسباب ودّه ، واختفت عنه في مكان بعيد لا يمكن الوصول إليه إلا على ظهور العتاق النجيبات المسرعات في السير المغذّات في الرحيل … ثم انتقل إلى وصف أمله في رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنه ويغفر له زلته ويؤمنه على سعاد التي كنّى بها ـ فيما أرى ـ عن راحته وهناءته التي افتقدها زمناً طويلاً فكانت تهرب منه، وتفرّ أمامه ، وتبعد عنه ، فيحاول أن يركب إليها سفائن الصحراء … حتى وجدها أخيراً في طريق الأمل والرجاء وعرف أنها تقيم لدى سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه " .
ويقول الدكتور محمد بن سعد بن حسين : " وهذا رأي جديد وهو عندي حريّ بالتقديم والتقدير ، إذ أنه ينزع بمطلع القصيدة عن التغزّل في موقف ومقام يجب أن ينزها عن مثل هذا "


* وقفة ورأي :-

إنَّ الوقفة التي أريد أن أقفها مع مطلع هذه القصيدة والرأي الذي أُقدّمه حول محورها وموضوعها ينطلقان من تصوّر رسمته أحداث القصيدة وأبياتها ومناسبتها ، حين نردّ ذلك إلى منهاج الله ، وحين نفهم الواقع والأحداث من خلال منهاج الله .
إني أومن أن مطلع القصيدة ومحورها يحملان موضوعاً ينأى عن التشبيب والغزل ، في موقف ينافي التّغزّل وأسبابه ، مهما كان عادة الشعراء العرب من افتتاح قصائدهم . فهذا موقف جديد لم يعرفه شعراء العرب ، خارج عن عادتهم التي ألفوها . وهو موقف أجلّ من كلّ موقف عرفه شاعر قبل ذلك . وكان كعب ابن زهير يدرك ذلك حقَّ الإدراك ، ويُدرك أنّ عليه أن يتخيّر أطيب أسلوب يخاطب به النبوة الخاتمة ، وأطهر كلمة يقولها بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم . فلا يُعقل أن يبتدئ إيمانه بعظمة الإسلام بالتشبيب بفتاة حقيقية أو خيالية .
وكذلك فلم يكن النسيب عادة مفروضة في مطلع كلّ قصيدة عند العرب ، فكثير من الشعراء لم يبدأوا به ، واختاروا أسلوباً آخر أقرب للمناسبة والجوّ الذي تقال فيه . وذلك نحو معلقة لبيد بن ربيعة العامري :

عفـت الديار محلُّـها فمـقـامـها ***** بمـنىً تـأبَّـد غَـولـها فرجـامها

فـمدافـع الريَّـان عُـري رسـمها ***** خـلَـقاً كمـا ضَمِـنَ الوُحيَّ سلامها

دمـنٌ تجـرَّم بـعـد عهـد أنيسـها *****حِـججٌ خَلَـونَ حـلالُـها وحرامهـا

ولذلك لسنا ملزمين أن نفترض أن قصيدة كعب يجب أن تبدأ بالغزل والتشبيب لمجرّد اتباع قاعدة التزمها بعضهم ولم يلتزمها آخرون .
وأمر آخر ! وهو أن كعباً كان في حالة نفسية قلقة مضطربة خائفة ، وفي معاناة شديدة قاسية ، وفي عزلة مهلكة وخطر حقيقي يتهدد حياته ، فأنّى له أن يُفكّر في الغزل والتشبيب في هذه الظروف ، وأنّى له أن يفكّر في النساء وغرامهن ولهوهنّ و وصف أجسامهنّ ؟! كلا ! إننا نؤمن أنه كان في حالة فكرية نفسية تبعده كلّ البعد عن أجواء الغزل والنسيب والتشبيب .
ونؤمن كذلك أن القصيدة لا بدّ أن تخرج من حقيقة المعاناة التي يمرّ بها ، وأن تعرض القضية الحقيقية الجديدة التي يعيش بها ، وأن تصور هذه المعاناة وتلك الحقيقة تصويراً أميناً يعبق بالصدق وجلاء الشعور ووضوح الموقف ، حتى يلمس رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمة التصوير وعبقرية الفنّ المؤثر ، وأمانة الصدق الفوّاح من كلماتها ، لتكون هي الرسالة الحقيقية التي يريد أن يبلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال تصوير فنّي مبدع متميز . ولعلّ الله سبحانه وتعالى أعان كعباً في ذلك ، فجاءت القصيدة روعةً فنيّة وإبداعاً عبقرياً ، شغل الأدباء المسلمين على مرّ العصور ، وآثار إعجاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
نودُّ أن ننفي أولاً وجود فتاة حقيقية كان يُحبّها كعب ، فجعل حبّه هذا مطلع القصيدة . ننفي ذلك لأنه لو كان هنالك هذا الحبّ في حياته لعرف قبل ذلك ، ولتغزَّلَ بها قبل هذا الموقف ، ولدار بها شعره ، ولو كان مطلع القصيدة يشير إلى غزل حقيقي في فتاة حقيقية لنهاه رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما نعتقد ونؤمن . فمن ذا الذي يجرؤ أن يعرض حبّه وغزله وتشبيبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في موقف التائب العائذ برسوله ، النازع إلى الإسلام بعظمته وجلاله .
ونودّ أن ننفي كذلك أن كعباً ذكر في مطلع قصيدته فتاة غير حقيقية ، اخترعها خياله ليتغزّل بها جرياً على عادة أو اتباعاً لقاعدة .
فكما ذكرنا قبل قليل فهذه لم تكن عادة ملزمة للشعراء ، وكان أمام كعب أساليب أخرى يتخيّر منها أطيبها وأطهرها . وكذلك فإنّ جوّه النفسي والخطر الذي كان يتهدّده ، كان كافياً ليبعد عن قلبه النساء والغزل والتشبيب وهماً أو خيالاً أو حقيقة .
لا بدّ أن يختار كعب أسلوباً يناسب إيمانه الجديد ، نابعاً منه لا من التقاليد الجاهلية التي تركها ، أسلوباً يناسب مقام النبوة وعظمة رسالة الإسلام ، وأنّى للغزل والتشبيب والنسيب أن يلائم ذلك .
ولا بدّ لنا ، من أجل فهم القصيدة ومطلعها ومحورها، أن نعيش مع كعب رضي الله عنه لحظات نتابع فيها نفسيته وفكره ، وخوفه وقلقه ، وأحلامه وآماله، من خلال الأحداث التي سبق عرضها ، والأخطار التي أحدقت به ، والمصير الذي آل إليه .
لقد كان كعب شاعراً جاهلياً . وكانت الجاهلية بكلّ أعرافها وأفكارها ملكت عليه نفسه ، حتى ظنّ أنها هي الحق وهي التي تستحق الحبّ والولاء .
ولقد بلغ من ذلك من نفسه حدّاً دفعه إلى أن يتنكّر لوصية أبيه ويرفض رأي أخيه ، ثم يرتكب الإثم العظيم الذي لا يصدر إلا عن كافر محارب لله ولرسوله ، حين هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم هجاءً أعلن فيه رفضه للإسلام وتمسّكه بجاهليته ودنياه وأهوائه ونزواته ، وما ورثه عن آبائه من هذه الجاهلية . لقد كان هذا هو حبّه الأول الذي ملك عليه نفسه ، وحدّد على أساسه موقفه ورأيه وكلمته . هذه هي النقطة الهامة الأولى التي تنكشف لنا من حياة كعب ، ومن قصيدته كما سنبين . ولا بدّ لكعب أن يُشير إلى هذه المرحلة من حياته في قصيدته ويعلن توبته منها ، فكيف عبّر عن ذلك ؟!
ثمّ بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه ، فربّما استهان بذلك أول الأمر . ولكنه حين لجأ إلى مزينة لتجيره من خطر الموت الذي يتهدّده ، أبت عليه . وانتشر الخبر بأنه مقتول وشاع بين الناس وتخلّوا عنه . وتخلّى عنه أخوه ، وشعر أنه وحيد . لقد لجأ إلى حبّه الأول الذي كان عليه ، حبّ الدنيا والجاهلية ، ولجأ إلى روابطها ومواثيقها وعهودها ، فخذلته ، وأخذت تبتعد عنه شيئاً فشيئاً . وكان قلبه ما زال معلقاً بها ، " متيّماً بها " ، أضناه حبّها فهو " متبول " ، كأنه لا يستطيع انفكاكاً عنها " لم يُفدَ مكبول " ! وهذه هي النقطة الثانية الهامة في نفسية كعب ، حين أخذ يدرك أن هذه الجاهلية التي كانت تمثّل حبّه الأول أخذت تغيب عنه مع ما كانت تحمل من جمال لها في نفسه ، كأنها الغادة الجميلة " الهيفاء " التي يزهو جمالها ويبدو في صوتها " أغنّ " ، وفي طرفها : " غضيض الطرف مكحول " ، وفي قوامها مقبلة ومدبرة : " هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة " ، وفي اعتدال طولها " لا يشتكي قصر منها ولا طول " وفي ثغرها وأسنانها : " تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت …." هذا الجمال كلّه الذي كان يحسّه في دنيا الجاهلية لم يسعفه وهو في حالة الخطر ، فنقضت الجاهليةُ عهدها، وكانت عنده أثيرة لولا نقضها لعهدها وتخليها عنه . ولكنها هي الجاهلية التي أخذ يكتشف مساوئها ومساوئ دنياها. إنها الدنيا المملوءة بالخيانة والغدر وعدم الوفاء، مما يرمي بالفواجع والكذب والإخلاف : " فجع وولع وإخلاف وتبديل "، حتى كأن هذه الصفات طبيعة ممزوجة بدمها لا تستطيع الخلاص منها : " لكنّها خُلّة قد سيط من دمها "!
هاتان القضيتان الهامتان اللتان لا بدّ أن يُشير كعب ، أو أي شاعر في موقفه إليهما ، تمثلان الأبيات الثلاثة عشر الأولى من القصيدة .
إن البيت الأول ، مطلع القصيدة ، يعلن فيه ابتعاد دنيا الجاهلية وغيابها عنه، مع ما كان يحمل لها من حبّ لم يكن قد تحرّر منه بعد :

بـانت سعـادُ فقلبي اليـوم متبـول ***** متـيّمٌ إثـرهـا لم يُفْـد مكـبولُ

ثمّ أخذ في وصف جمال هذه الجاهلية ، وصفاً يمثلها فيه بفتاة جميلة القوام، واعتدال الطول ، والصوت ، والطرف ، والثغر وغير ذلك . ويستحق هذا الوصف الخمسة الأبيات التالية :


وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا ***** إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ

هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً ***** لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ

تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت ***** كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ

شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ ***** صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ

تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ ***** مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ


فما كان هنالك فتاة في حياته رَحَلتْ عنه ، وتركتـه وهو يُحبّها إلا الجاهلية التي كان عليه ، الجاهليّة ، ثمّ هي بعد ذلك إشارة إلى حبّه الجديد الذي صار إليه ، الإسلام كما سنرى .
وإذا كانت هذه الأبيات تمثّل في ظاهرها غزلاً وتعبيراً عن حبّه لسعاد التي بانت ، حبّه الذي نرى أنه يمثّل حبّه للجاهلية التي أخذت تبتعد عنه حقيقة لا مجازاً ، فإن الأبيات التي تليها والتي يتابع فيها كعب حديثه عن سعاد ، تمثّل وصفاً أقرب ما يكون لحال الدنيا ، دنيا الجاهلية وما تحملها من غدر وكذب وإخلاف ، دنيا الجاهلية التي أخذت تتكشّف له سوآتها وشرورها ومصائبها من فجْعٍ وولع وإخلاف وتبديل . فلنعش مع هذه الأبيات لحظات :


يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت ***** ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ

لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها *****فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ

فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها ***** كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ

وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت ***** إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ

كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً ***** وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ


هذه هي أوصاف " سعاد " التي ذكر جمالها في المقطع السابق . وواضح هنا أنّ هذا الوصف لسعاد أقرب لوصف الدنيا وحالها ، دنيا الجاهلية وما حملت إليه من مصائب ( فجعٌ ) ، وغدر وكذب ( ولعٌ ) ، وإخلاف وتضليلُ . وكأنّه بلغه وصف القرآن الكريم للدنيا :

(( يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم واخشوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده ولا مولود هو جازٍ عن والده شيئاً إنّ وعد الله حقٌّ فلا تَغرنّكم الحياة الدنيا ولا يغرنّكم بالله الغرور ))
[ لقمان : 33 ]

فكأنّه سمع هذه الآية وأمثالها في كتاب الله ، فقال : " فلا يغرنّك ما منّت وما وعدت " إنّها الدّنيا ، وإنّ هذا الوصف أقرب ما يكون للدنيا وفتنتها وغرورها ، وما فيها من أمانيّ وأحلام لا تزيد عن غرور وتضليل .
إنّ " سعاد " في هذه الأبيات وفي الأبيات السابقة واحدة ، استمرّ وصفها على الحالين ، ليمثّل كلّ من هذين الوصفين مرحلة مرّ بها كعب .
أمّا المقطع الأول فيمثّل مرحلة المعاناة وهو يرى ابتعاد الجاهلية وروابطها كلّها ، حتى أُخوّة الرحم لم تثبت معه على باطله ، ولا قبيلة مزينة رضيت بأن تجيره ، ولا أحد من الناس . وكان قلبه ما زال معلّقاً بها ، بفتنتها وضلالها الذي عبّر عنها بفتنة الجسد الظاهري .
والمقطع الثاني يصف " سعاد " نفسها . فإذا كان المقطع الأول وصف فتنة الزخرف الظاهري ، فإنه في المقطع الثاني يصف حقيقة الجاهلية التي انكشفت له بشرورها وفسادها وضلالها . كلّ كلمة في هذا المقطع تُشير إلى دنيا الجاهلية التي قرّر هجر باطلها : " خُلّة " حيث اختار كعب هذه اللفظة المناسبة لهذا التصوير ، " سيط من دمها " : أي مزج وخلط وخرج من دمها ، من حقيقتها ، فجع وولع وإخلاف وتبديل ، فما تدوم على حال ، أمانيّ ، أحلام ، تضليل .
إن كلمة " سعاد " تعبّر عن حبّه الذي كان يملأ قلبه ، حبّه الذي تكشّف فساده وضلاله ، لينتقل منه إلى حبّ عظيم كريم ، حبّ صادق ، أخذ يملك عليه نفسه . وإنه ليعبّر عن هذا الحبّ الجديد أيضاً بلفظة " سعاد " ، في المقطع الثالث من القصيدة ، المقطع الذي يعبّر عن هذه النُّقلة الكبيرة التي انتقلها من الجاهلية إلى الإيمان والتوحيد .
إنّه يُعبّر عن ذلك بأجمل أسلوب وأدّق تعبير . فانظر في البيت الأول من هذا المقطع الذي يمثّل حالته الثالثة التي انتقل إليها :

أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها ***** إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ

هناك أصبح حبّه ! هناك في مكان بعيد اشتدّ شوقه إليه ، فلا يصلح له إلا النوق العتاق ( الكريمة ) ، النجيبات ( قوية الحركة ) ، المراسيل ( السريعة ) .
فإذا كان كعب قد عبّر عن حبّه الجديد لله ولرسوله وللإسلام بكلمة " سعاد "، فما أحراه أن يُعبّر بها أيضاً عن تعلّقه السابق بالجاهلية وحبّه لها . إنّ اشتراك الحبّ القديم والحبّ الجديد باسم " سعاد " في الحالين :
في مطلع القصيدة : بانت سعاد …. ، ثم في مطلع بيان حبّه الجديد : أمست سعاد … ، إن هذا الاشتراك في التعبيرين : بانت سعادُ ، وأمست سعادُ ، هذا كلّه يُوحي لنا بأنّ " سعاد " ترمز أولاً إلى حبّه الأول الذي بان عنه وغاب وهجره ، ولا شيء أقرب إلى ذلك من حبّه للجاهلية ودنياها ، وترمز بعد ذلك إلى حبّه الجديد ، حبّ الله ورسوله ، حبّ الإيمان والتوحيد ، حبّ الإسلام .
بعد أن بلغ كعباً كتابُ أخيه يُعْلمه بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه ، وبعد أن تخلّت عنه مزينة ، وتخلّى عنه أخوه ورأى روابط الجاهلية كلّها انحلّت ، وغابت ، ورأى الدنيا وتقلّب أوضاعها ، والفجع والكذب والإخلاف ، أخذت كلمات أخيه تدوّي في أذنه دويّاً لا ينقطع ، يدعوه فيه إلى النجاة بالتوبة والتوجُّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : " …. فإن كان إلى نفسك حاجة فَطِرْ إليه ، فإنه يقبل من أتاه تائباً ….." .

لا شكّ أن كعباً أخذ يراجع نفسه ليرى الخطر المحدق ، وليرى عظمة الإسلام الذي أخذ منه أخاه . ولعلّ كلمات أبيه ووصيته عاودته حين أوصى ولديه باتباع النبيّ الداعية الذي سيظهر .
إنّها صدمة نفسية هائلة هزّته هزّاً عنيفاً : لا رحم ولا صديق ، ولا منفذ للنجاة ، معاناة نفسية هائلة يجب أن نقدّرها حقّ قدرها ونحن ندرس هذه القصيدة !
لقد كانت رحمة الله كبيرة واسعة في هذه اللحظات ، حتى شرح الله صدره للإيمان واستقرّ بقلبه حبّ الله ورسوله ، وعرف أنّه الحقّ الذي لا حقّ سواه ، وأنّ الجاهلية باطل لا خير معها . فالجاهلية أشبه ما تكون بالفتاة الجميلة في مظهرها ، القبيحة كلّ القبح في مخبرها ، كما فصّلنا قبل قليل .
لا شكّ أنّه مرّ بمرحلة فيها معاناة وتأمّل وتردد . فوصف لنا هذه المرحلة من المعاناة في الأبيات الستة الأولى ، حين كان قلبه ما زال معلقاً بحبّ الجاهلية ودنياها . حتى إذا تكشّف له سوء مخبرها ، وشرّ فتنتها ـ اندفع يصف فساد الجاهلية ويمثلها بفتاة لا وفاء لها ولا وعد لها ، مع مطلع البيت السابع : " فيا لها خلّة لو أنها صدقت …." وإنك لتحسّ بهذه الأبيات أنها تصف الدنيا ، دنيا الجاهلية ، دنيا الفجع والولع والإخلاف والتبديل ، ويختم ذلك بالبيت المشهور :

كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً ***** وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ

هنا نفض يديه من الجاهلية ، وانكشفت له الحقائق جلية ، وانشرح صدره للإيمان ، وتعلّق قلبه بحبّ الله ورسوله ، واشتدّ شوقه إلى لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأنّه يريد أن يفعل كما قال أخوه : " … فطر إليه … " . نعم اشتدّ الشوق به كثيراً حتى ودّ لو يطير . ولكنّه أدرك أنه بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافة بعيدة لا يقطعها إلا النوق العتاق الكريمة السريعة القويّة :

أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها ***** إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ

وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ ***** فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ

مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت ***** عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ

تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ ***** إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ

ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها ***** في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ

فبعد أن أعلن حبّه الجديد ، وأشار إلى أنه هناك ( في المدينة المنورة ) ، في مكان لا يبلغه إلا الإبل القوية السريعة ، أخذ يصف هذه الإبل وصفاً دقيقاً ليُعبّر عن عظيم الرحلة التي يريدها وأهميتها وخطورتها ، فلا تصلح لها الإبل الضعيفة . ويتابع الإبل القوية هذه في ثمانية عشر بيتاً . ومن خلال هذا الوصف الدقيق ، الوصف الذي بلغ به درجة عالية من الفنّ والجمال ، فإنّه يُعبّر عن شدّة شوقه للقيا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك بوصف السرعة الهائلة التي تمضي بها الإبل .

تَخدي عَلى يَسَراتٍ وَهيَ لاحِقَةٌ ***** ذَوابِلٌ وَقعُهُنُّ الأَرضَ تَحليلُ

سُمرُ العُجاياتِ يَترُكنَ الحَصى زِيَماً ***** لَم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكُمِ تَنعيلُ

كَأَنَّ أَوبَ ذِراعَيها وَقَد عَرِقَت ***** وَقَد تَلَفَّعَ بِالقورِ العَساقيلُ

شَدَّ النهارُ ذِراعاً عَيطلٍ نَصَفٍ ***** قامَت فَجاوَبَها نُكدٌ مَثاكيلُ

نَوّاحَةٌ رَخوَةُ الضَبعَين لَيسَ لَها ***** لَمّا نَعى بِكرَها الناعونَ مَعقولُ

تَفِري اللِبانَ بِكَفَّيها وَمِدرَعِها ***** مُشَقَّقٌ عَن تَراقيها رَعابيلُ

تصوير رائع لشدة سرعة الإبل في رحلتها إلى النبوة الخاتمة . تصوير يحمل القوة والحركة وجمال الصورة وتناسق الألفاظ وقوة السبك والتركيب وجمال اللحن .
إنها تُسرع ( تخدي ) على قوائم خفاف ( يسرات ) كأنّها الرماح الصلبة (ذوابل ) لا تكاد تمسُّ الأرض من شدّة سرعتها ، وكأنّها تمسُّ الأرض مسّاً خفيفاً جدّاً تحلّة القسم . وكأن أعصاب قوائمها ( العُجايات ) رماح سمر لقوتها وصلابتها ، إذا مسّت الحصى فرّقته بقوتها ورجوعهما من شدّة السرعة ، وقد عرقت لا من التعب لأنها قوية ، بل من شدّة الحر الذي بلغ حدّاً انتشر السّراب ( العساقيل ) على الجبال الصغيرة ( القور ) ، فكأنّها تلفّعت به أو التحفت به ، كأنّ سرعة تقلّب ذراعيها مع هذا الحَرّ ومع هذه السرعة ، حين اشتدّ النهار بحرّه سرعة ذراعي المرأة الطويلة ( ذراعا عيطل ) المتوسطة السنّ ( نصَف ) في لطمها على خدّيها لفقدها ولدها ، يجاوبها نساء لا يعيش لهنّ أولاد . فالنُّكد جمع نكداء وهي التي لا يعيش لها ولد . والمثاكيل جمع مثكال وهي كثيرة الثكل ، المرأة النوّاحة ، مسترخية العضدين ( رِخوة الضبعين ) ، فقدت صوابها ( معقول ) لمّا بلّغها الناعون موت ولدها البكر ، فاشتدّ لطمها لخدّيها . إنها صورة مليئة بالحركة ، كأنّك تشاهد بعينيك سرعة هذه الإبل إلى المدينة المنورة .
ويصف كعب شدّة الحرّ وقوّة احتمال الناقة القوية بأبيات في غاية الدقة والصورة والجمال . ثمّ يصف قوّة أمله برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرّق أصحاب الجاهلية عنه ، ليعود ويذكرنا بأسباب تركه ذلك الحب الغادر الضال ، حبّ الجاهلية التي انكشفت له ، وليذكرنا بإقباله على الإسلام بعزم ويقين وصدق، ليكون هذا هو حبّه الحقّ الجديد . إنه يؤكد لنا عظمة النقلة الهائلة التي انتقلها من الكفر إلى الإيمان .

يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم ***** إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ

أي يسير الوشاة حول " سعاد " ( جنابيها ) ليمنعوا هذا الحبّ العظيم ، وليثبّطوا عزيمة كعب بأنه مقتول .


وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ ***** لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ

فَقُلتُ خَلّوا سبيلي لا أبا لَكُمُ ***** فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ ***** يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ

أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني ***** وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ

حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ ***** في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ


ويمضي في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يقول البيت الذي يفيض عذوبةً ونوراً :

إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ ***** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

ثم يمدح قريشاً والمهاجرين مدحاً كريماً عالياً . ولكنّه نظّم بعد ذلك قصيدة خاصة بمدح الأنصار .
لقد أفرغ كعبٌ كلّ طاقته الفنية في هذه القصيدة ، ليمثّل أهمّ رحلة قام بها في حياته وأعظم نُقلة انتقلها . لقد حشدت الأحداث شحنات هائلة في فكره وتأمله، وشحنات هائلة في عاطفته ووجدانه ، وتحرّكت موهبته بقوّة عظيمة لتطلق الومضة الفنيّة الرائعة بين الشحنتين ، شحنة الفكر وشحنة العاطفة .
ولقد جمعت الموهبة في هذه الومضة عناصر الجمال الفنّي كلّها : عظمة الموضوع ، وروعة الأسلوب ، وقوّة الصياغة ، ومتانة السبك . حشدت الموهبة عناصر الجمال الفنّي يعبق منها الإيمان والتوحيد المغروس في فطرته حين أفاق واستيقظ وعرف الحق ، فأصبح الإيمان يروي ريّاً دافقاً تلك العناصر الفنية ، حتى تزهر وتعبق فوّاحة في هذه الرائعة الفنية .
وربما يشعر القارئ أن كثيراً من الكلمات غريبة عليه . نعم ! إنها بعيدة عن معجم عصرنا اليوم . ولكنّها مع ذلك ظلّت تحتفظ حتى اليوم بجمال موسيقاها وعذوبة انسيابها وجمال ترابطها . يحسّ القارئ المؤمن الذي يعرف لغة القرآن ، يحسّ بها ولو لم يدرك معناها ، وتظلّ لا تنبو عن السمع في جوّ حاشد من الصور المتلاحقة بألوانها الزاهية ، وحركتها الحيّة كأنّك تراها أمام عينيك ، وفي حلاوة الجرس والنغم الشّادي .
إن هذه القصيدة الرائعة تصف رحلته كلّها بجميع مراحلها وصفاً حيّاً دقيقاً. إنّها تمضي على نسق واحد من الإبداع لا تهبط أبداً ، ولا تضعف .
وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبدي إعجابه الشديد فيخلع بردته على كعب من أجل أبيات من النسيب ، الوصف و المديح . ولكنّي أعتقد أن الفكرة الرائعة التي تعرضها القصيدة في ألفاظ قوية وتعبيرات غنيّة ووقع فنّي مؤثّر ، هي التي أثارت إعجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . إنها تمثّل رحلته من الجاهلية إلى الإسلام ، ومن الكفر إلى الإيمان . إنّها تمثّل حبّاً كان يتعلق به ثمّ هجره وتركه وغاب عنه ، وحبّاً عظيماً يستحقّ الجهد والعناء والبذل والصبر انتقل إليه وأقبل عليه . إنّها تمثّل رحلته النفسية ومعاناته أروع تمثيل وأدقّه . لا يُعقل أن يكون شاغله في هذه المعاناة النفسية حبّ فتاة حقيقية أو خيالية.
من هنا ، من هذا التصوّر تأخذ قصيدة ( بانت سعاد ) روعتها وإبداعها ، وتحمل البركة من بردة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لتتحلّى به حلية تمضي إلى أبد الدهر .
إن هذا المعنى عميق في القصيدة ، يكاد يحسّ به المسلم لو لم يدركه تمام الإدراك ، يحسّ المسلم أنّ في القصيدة فكرة عظيمة استحقت إعجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلينا نحن أن نبحث عن هذه الفكرة العظيمة . إنها نقلة واسعة من الجاهلية إلى الإيمان ، إنها جاهلية تبتعد وتغيب ، وإيمان يقبل عليه كعب بلهفة وشوق ، ويظلّ وصف الناقة يمثّل هذا الشوق العظيم واللهفة العظيمة والإيمان واليقين .
إنّ القصيدة ، بإيجاز ، تُعبّر عن حبّ تعلّق به فترة ، ثمّ غاب عنه وابتعد فاكتشف بذلك غدره وإخلافه وما يحمله من مآس وفواجع . فترك هذا الحبّ كلّه ، ما هو حبّ فتاة ، ولا بالغرام والغزل إنّه حبّ الجاهلية ، حبّ الدنيا وشهواتها ، مثّل ذلك كلّه بفتاة أسماها " سعاد " .
وكان تركه للجاهلية باب هداية له من الله ، حين شرح الله صدره للإيمان ، فرأى الحبّ العظيم ، حبّ الله ورسوله ، وإيثار الآخرة على الأولى . إنّه حبّ عظيم ملك عليه نفسه ، وأثار شوقه ، فهاجت لهفته للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . حبّ قديم يفارقه وحبّ جديد يقبل عليه .
بهذا التصوّر تكون القصيدة قد رسمت لنا معاناته النفسية التي مرّ بها، وقاسى منها . ترسمها لنا بمراحلها وحالاتها حتى انتهت إلى اليقين والإيمان .
وهي تمثّل النُقلة العظيمة الهائلة من جاهلية إلى إيمان ، نقلة هائلة ، ورحلة هائلة . على أبدع ما يكون التصوير .
وبذلك أرى أن هذه القصيدة ترتفع إلى مستوى عال من الأدب العالمي ، الأدب الإنساني .



* المصدر:-

- رابطة أدباء الشام (http://go.3roos.com/zzrjdprbxiq)

لوليكي
12/07/2012, 04:21 PM
*** أمِنْ أُمِّ شَدّادٍ رُسُومُ المَنَازِلِ ***



أمِنْ أُمِّ شَدّادٍ رُسُومُ المَنَازِلِ ***** تَؤَهَّمْتُها مِنْ بَعدْ سافٍ ووابِلِ

وبعد ليلٍ قد خلونَ وأشهرٍ ***** على إثرِ حولٍ قد تجرّمَ كاملِ

أرى أمَّ شدادٍ بها شبهُ ظبيةٍ ***** تُطِيفُ بمَكْحُولِ المَدَامِعِ خاذِلِ

أغنَّ غضيضِ الطرفِ رخصٍ ظلوفه ***** ترودُ بمعتمٍّ من الرَّملِ هائلِ

وترنو بعيني نعجة ٍ أمِّ فرقدٍ ***** تظلُّ بوادي روضة ٍ وخمائلِ

وتخطو على بردتينِ غذاهما ***** أهاضيبُ رجَّافٍ العشياتِ هاطلِ

وتَفْتَرُّ عن غُرِّ الثَّنَايَا كأنّها ***** أقاحٍ تروَّى من عروقٍ غلاغلِ

فأصبحتُ قد أَنْكرتُ منها شَمَائلاً ***** فما شئتَ من بُخل ومن منعِ نائلِ

وما ذاكَ عن شيءٍ أَكُونُ اجْتَرَمْتُه ***** سوى أن شيباً في المفارق شاملي

فإن تصرميني ويبَ غيرك تصرمي ***** وأوذنْتِ إيذانَ الخليطِ المزايلِ

إذا ما خَلِيلٌ لم يَصِلْكَ فلا تُقِمْ ***** بِتَلْعَتِهِ واعْمِدْ لآخَرَ واصِلِ

ومستهلكٍ يهدي الضَّلولَ كأنه ***** حَصِيرُ صَنَاعٍ بين أَيْدِي الرَّوَامِل

مَتَى ما تَشَأْ تَسْمَعْ إذا ما هبَطْتَه ***** تراطنَ سربٍ مغربَ الشمسِ نازل

رَوَايَا فِراخٍ بالفَلاَة ِ تَوَائمٍ ***** تَحَطَّمَ عنها البَيْضُ حُمْرِ الحَوَاصِلِ

تَوَائِمَ أَشْباهٍ بغيرِ عَلاَمةٍ ***** وضعنَ بمجهولٍ من الأرضِ خاملِ

وخرقٍ يخاف الرَّكبُ أن يدلجوا بهِ ***** يَعَضُّونَ من أهْوالِه بالأنَامِل

مخوفٍ به الجنان ، تعوي ذئابه ***** قطعتُ بفتلاءِ الذِّراعين بازلِ

صَمُوتِ السُّرَى خَرْساءَ فيها تَلَفُّتُ ***** لنبأة ِ حقٍّ أو لتشبيهِ باطلِ

تظل نسوغُ الرّحلِ بعد كلالها ***** لهنّ أطيطٌ بين جوْز وكاهلِ

رفيعِ المحالِ والضلوعِ نمتْ بهِ ***** قوائمُ عُوجٌ ناشِزاتُ الخَصَائلِ

تُجَاوِبُ أَصْدَاءً وحِيناً يَرُوعُها ***** تضورُ كسّابٍ على الرَّكبِ عائلِ

عُذَافِرَة ٍ تَختَالُ بالرَّحْلِ حُرَّة ٍ ***** تباري قلاصا كالنعام الجوافلِ

بوَقْعٍ دِرَاكٍ غيرِ ما مُتَكَلَّفٍ ***** إذا هبَطَتْ وَعْثاً ولا مُتَخَاذِلِ

كأن جريري ينتحي فيه مسحلٌ ***** من القمرِ بين الأنعمينِ فعاقل

يغرد في الأرض الفلاة بعانةٍ ***** خِمَاصِ البُطُونِ كالصِّعَادِ الذَّوابِلِ

ونازِحة ٍ بالقَيْظِ عنها جِحَاشُها ***** وقد قَلَصتْ أَطْباؤها كالمَكَاحِلِ

وظَلَّ سَرَاة َ اليَوْمِ يُبْرِمُ أمرَه ***** برَابِيَة ِ البَحَّاءِ ذاتِ الأَعَابِلِ

وهمَّ بوردٍ بالرسيسِ فصدَّه ***** رجالٌ قعودٌ في الدُّجى بالمعابلِ

إذا وردت ماءً بليلٍ تعرَّضتْ ***** مخافة رامِ أو مخافة َ حابلِ

كأن مدهدى حنظلٍ حيثُ سوَّفتْ ***** بأعطانها من لسِّها بالجحافلِ

لوليكي
12/07/2012, 04:29 PM
*** أتَعرِفُ رَسْماً بين رَهْمَانَ فالرَّقَمْ ***



أتَعرِفُ رَسْماً بين رَهْمَانَ فالرَّقَمْ ***** إلى ذي مراهيطٍ كما خطَّ بالقلمْ

عفتهُ رياحُ الصيفِ بعدي بمورها ***** واندية ُ الجوزاءِ بالوبلِ والِّيمْ

ديارُ التي بَتَّتْ قَوَانَا وصَرَّمتْ ***** وكنت إذا ما الحبل من خلة ٍ صرمْ

فزعتُ إلى وجناءَ حرفٍ كأنها ***** بأَقْرَابِها قارٌ إذا جِلدُها استَحَمْ

ألا أبلغا هذا المعرضَ أنه ***** أيقظانَ قالَ القولَ إذ قال أم حلمْ

فان تسألِ الأقوامَ عني فإنني ***** أنا ابنُ أبي سُلْمَى على رَغْم مَنْ رَغَمْ

أنا ابنُ الذي قد عاشَ تسعينَ حجةً ***** فلم يَخْزَ يوماً في مَعدٍّ ولم يُلَمْ

وأَكْرمَه الأَكْفاءُ في كلِّ مَعْشَرٍ ***** كِرامٍ فإن كذَّبتَنِي فاسألِ الأُمَمْ

أتى العجمَ والآفاقَ منه قصائدٌ ***** بَقِينَ بَقاءَ الوَحْيِ في الحَجَرِ الأصَمِّ

أنا ابن الذي لم يخزني في حياتهِ ***** ولم أخزه حتى تغيّبَ في الرَّجمْ

فأُعْطِيَ حتَّى مات مالاً وهِمَّةً ***** ووَرَّثنِي إذ ودَّع المجدَ والكَرَمْ

وكان يُحَامي حين تَنْزِلُ لَزْبةٌ ***** من الدَّهْر في ذُبْيانَ إن حوضُها انْهَدَم

أقول شبيهاتٍ بما قال عالماً ***** بهنّ ومن يشبهْ أباه فما ظلمْ

إذا شِئتُ أَعْلَكْتُ الجَمُوحَ إذا بَدَتْ ***** نواجذ لحييه بأغلظِ ما عجمْ

أعيرّتني عزّاً عزيزاً ومعشراً ***** كراما بنوا لي المجدَ في باذخ أشمّ

هم الأصل مني حيثُ كنتُ وإنني ***** من المُزَنِيِّينَ المُصَفَّيْنَ بالكَرَمْ

همُ ضربوكم حينَ جُرْتُمْ عن الهُدَى ***** بأسيافهم حتى استقتم على القيمْ

وساقتْك منهم عُصْبة ٌ خِنْدِفيَّةٌ ***** فما لكَ فيهم قَيْدُ كَفٍّ ولا قَدَمْ

همُ منَعوا حَزْنَ الحِجَازِ وسَهْلَه ***** قديماً وهم أَجْلَوْا أباكَ عن الحَرَمْ

فكَمْ فيهمُ من سيِّدٍ متوسِّعٍ ***** ومن فاعلٍ للخيرِ إن هَمَّ أو عزَمْ

متى أَدْعُ في أَوْسٍ وعُثْمانَ يَأْتِني ***** مساعيرُ حربٍ كلّهم سادة ٌ دعمْ

لوليكي
12/07/2012, 04:33 PM
*** يَقُولُ حَيَّايَ مِنْ عَوْفٍ ومِنْ جُشَمٍ ***



يَقُولُ حَيَّايَ مِنْ عَوْفٍ ومِنْ جُشَمٍ ***** يا كعبُ ويجكَ هلا تشتري غنما

ما لي منها إذا ما أزمة ٌ أزمتْ ***** ومِنْ أَوَيْسٍ إذا ما أَنْفُهُ رَذَمَا

أخشى عليها كسوباً غيرَ مدَّخرٍ ***** عَارِي الأشَاجِع لا يُشْوِي إذا ضَغَمَا

إذا تلوّى بلحمِ الشاة ِ تبَّرها ***** أشلاء بردٍ ولم يجعل لها وضما

إن يغدُ في شيعة ٍ لم يثنهِ نهرٌ ***** وان غدا واحداً لا يتقي الظُّلما

وإنْ أطَافَ ولم يَظْفَرْ بِضَائنةٍ ***** في لَيْلَة ٍ سَاوَرَ الأقْوامَ والنَّعَمَا

وإنْ أَغَارَ ولم يَحْلَ بِطَائلَةٍ ***** في ظُلْمة ِ ابنِ جَمِيرٍ سَاوَرَ الفُطُمَا

إذ لا تزالُ فريسُ أو مغبَّبةٌ ***** صَيْدَاءُ تَنْشِجُ من دُونِ الدِّمَاغِ دَمَا

لوليكي
12/07/2012, 04:39 PM
*** وهاجِرةٍ لا تَسْتَرِيدُ ظِباؤها ***



وهاجِرةٍ لا تَسْتَرِيدُ ظِباؤها ***** لأعلامها من السَّرابِ عمائمُ

ترى الكاسعاتِ العفرِ فيها كأنما ***** شواها فصرها من النارِ جاحمُ

نصبتُ لها وجهي على ظهرِ لاحبٍ ***** طَحِينِ الحَصَى قد سَهَّلَتْه المَنَاسِمُ

تراه إذا يعلو الأحزة واضحاً ***** لمن كان يسري وهو بالليل طاسمُ

زجرت عليه حرةَ اللِّيطِ رفَّعتَ ***** على ربذٍ كأنهنّ دعائمُ

تَخَالُ بضَاحِي جِلْدِهَا ودُفوفِها ***** عَصِيمُ هِناءٍ أعْقدتْه الحَنَاتِمُ

يَظَلُّ حَصَى المَعْزاءِ بين فُروجِها ***** إذا ما ارْتَمتْ شَرْواتهنّ القَوَائمُ

فضاضاً كما تنزو دراهمُ تاجرٍ ***** يُقَمِّصُها فَوْقَ البَنانِ الأَباهِمُ

كأنِّي كَسَوْتُ الرَّحْلَ جَوْباً رَبَاعِياً ***** تَضَمَّنَه وادِي الجَبَا والصَّرَائمُ

أَتَى دُونَ ماءِ الرَّسِّ بادٍ وحاضَرٌ ***** وفيها الجِمامُ الطامِياتُ الخَضارِمُ

فصَدّ فأَضْحَى بالسَّلِيلِ كأنّه ***** سَلِيبُ رِجالٍ فَوْقَ عَلْياءَ قائمُ

يقلب للأصواتِ والريج هادياً ***** تَمِيمَ النَّضِيِّ بَرَّصَتْهُ المَكَادِمُ

وغائرة ً في الحنو دارَ حجاجها ***** لَهَا بَصَر تَرْمِي به الغَيْبَ سَاهِمُ

ورَأْساً كَدَنِّ التَّجْرِ جَأْباً كأنَّما ***** رمى حاجبيهِ بالجلاميدِ راجمُ

وفوهُ كشرخِ الكورِ خانَ بأسرهِ ***** مَسامِيرُه فحِنْوُه مُتَفاقِمُ

كلا منخريه سائفاً ومعشراً ***** بما انصبّ من ماءِ الخياشيمِ راذمُ

فَهُنَّ قِيامٌ يَنتظِرْنَ قَضاءَه ***** وهنَّ هوادٍ للركيِّ نواظمُ

وفي جانبِ الماءِ الذي كان يَبتَغِي ***** به الرِّيَّ دَبَّابٌ إلى الصَّيْدِ عالِمُ

ومِنْ خَلْفِه ذُو قُتْرَة ٍ مُتَسَمِّعٌ ***** طويلُ الطّوى خفُّ بها متعالمُ

رَفِيقٌ بتنضِيدِ الصَّفَا ما تَفُوتُه ***** بمرتصدٍ وحشيةٌ وهو نائمُ

فلمّا ارتدى جلاَّ من الليل هاجها ***** إلأى الحائر المسجونِ فيه العلاجمُ

فلمّا دَنَا للماءِ سافَ حِياضَه ***** وخافَ الجبانُ حَتْفَه وهو قائمُ

فوافَيْنَه حتّى إذا ما تَصَوَّبتْ ***** أكارعه أهوى له وهو سادمُ

طليحٌ من التَّسعاءِ حتى كأنه ***** حديثٌ بحمّى أسأرتها سلالمُ

لَطِيفٌ كَصُدَّادِ الصَّفَا لاتَغُرَّه ***** بمرتقبٍ وحشيةٌ وهو حازمُ

أخو قُتُراتٍ لا يَزَالُ كأنّه ***** إذا لم يُصِبْ صَيْداً من الوَحْشِ غارِمُ

يقلِّبُ حشراتٍ ويختارُ نابلٌ ***** من الرِّيشِ ما التَفَّتْ عليه القَوَادِمُ

صَدَرْنَ رِوَاءً عن أسِنَّة صُلَّبٍ ***** يَقِئْنَ ويَقْطُرْنَ السِّمَامَ سَلاَجِمُ

وصفراءَ شكّتها الاسّرة ُ عودها ***** على الطلِّ والأنداءِ أحمرُ كاتمُ

إذا أُطرَ المربوعُ منها ترنّمت ***** كما أرزمت بكرٌ على البوّ رائمُ

فاوردها في عُكوةِ الليليِ جوشناً ***** لأكْفالِها حتّى أتَى الماءَ لازمُ

فلما أراد الصوتَ يوماً وأشرعت ***** زَوَى سهْمَه عاوٍ من الجِنِّ صارمُ

فمرَّ على مُلْسِ النَّواشِرِ قَلَّمَا ***** تثبطهنَ بالخبار الجراثمُ

ومر بأكنافِ اليدينَ نضَّيهُ ***** ولِلْحَتْفِ أَحْياناً عن النَّفْسِ عَاجِمُ

يَعُضُّ بإِبْهامِ اليَدَيْنِ تَنَدُّماً ***** ولهَّف سِراً أمه وهو نادمُ

وقال ألا في خيبة ٍ أنتِ من يدٍ ***** وجذّ بذي إثرٍ بنانك جاذمُ

وأصْبَحَ يَبْغِي نَصْلَه ونَضِيَّهُ ***** فَرِيقَيْنِ شَتَّى وهو أَسْفَانُ وَاجِمُ

وصاحَ بها جأبٌ كأن نسوره ***** نوى ً عضَّهُ من تمرِ قرَّان عاجمُ

وقفّى فأضحى يالسِتارِ كأنهُ ***** خَلِيعُ رِجَالٍ فَوْقَ عَلْيَاءَ صَائِمُ

قليلُ التأني مستتبٌّ كأنه ***** لَها واسِقٌ يَنْجو بِها اللَّيلَ غانِمُ

فَوَرَّكَ قَدْراً بالشَّمالِ وضَلْفَعاً ***** وحَاذَتْهُ أعْلامٌ لها ومَخارِمُ

وأمّ بها ماء الرّسيسِ فصوّبت ***** لِلِينَةَ وانْقَضَّ النُّجُومُ العَوَائِمُ

فلم أر موسوقاً أقلَّ وتيرةً ***** ولا واسقا ما لم تخنه القوائمُ

لوليكي
12/07/2012, 04:46 PM
*** تقولُ ابنتي ألهى أبي حبُّ أرضه ***



تقولُ ابنتي ألهى أبي حبُّ أرضه ***** وأَعْجَبَهُ إِلْفٌ لهَا ولُزُومُها

بَلَ الْهَى أَبَاهَا أنه في عِصَابةٍ ***** برهمانَ أمسى لا يعاد سقيمها

تَسَاقَوْا بِماءٍ مِنْ بِلاَدٍ كأنّه ***** دماءُ الأفاعي لا يبلُّ سليمثها

مجاجاتِ حيّاتٍ إذا شربوا بها ***** سَمَا فِيهُمُ سُوَارُها وهَمِيمُها

لوليكي
12/07/2012, 04:52 PM
*** أمِنْ دِمْنةِ الدَّارِ أَقْوَتْ سِنِينَا ***



أمِنْ دِمْنةِ الدَّارِ أَقْوَتْ سِنِينَا ***** بكيتَ فظلتَ كئيباً حزينا

بها جرَّتِ الريحُ أذيالها ***** فلم تبقِ من رسمها مستبينا

فلما رأيتُ بأنّ البكاءَ ***** سفاهٌ لدى دمنٍ قد بلينا

زجرتُ على ما لديّ القلو ***** صَ مِنْ حَزَنٍ وعَصَيْتُ الشُّؤونَا

وكنت إذا ما اعترتني الهمومُ ***** أكلِّفُها ذاتَ لَوْثٍ أمُونَا

عُذَافِرَةً حُرَّةً اللِّيطِ لا ***** سَقُوطاً ولا ذاتَ ضِغْنٍ لَجُونَا

كأنِّي شَدَدْتُ بأَنْسَاعِها ***** قويرحَ عامين جأباً شنونا

يقلِّبُ حقباً ترى كلَّهنَّ ***** قد حمَلتْ وأَسَرَّتْ جَنِينَا

وحلأهن وخبّ السَّفا ***** وهيجهنَّ فلما صدينا

وأخلفهُنَّ ثمادَ الغمار ***** وما كنّ من ثادقٍ يحتسينا

جَعَلْنَ القَنَانَ بإبْطِ الشِّمَالِ ***** وماءَ العُنَابِ جعَلْنَ اليَمِينَا

وبصبصْنَ بين أداني الغضا ***** وبينَ عُنَيْزَة َ شَأْواً بِطَينَا

فابقين منه وأبقى الطِّرا ***** دُ بَطْناً خَمِيصاً وصُلْباً سَمِينَا

وعُوجاً خِفَافاً سِلاَمَ الشَّظَى ***** ومِيظَبَ أُكْمٍ صَلِيباً رَزِينَا

إذا ما انتحاهنّ شؤْبوبهُ ***** رأيتَ لجاعرتيهِ غضونا

يُعَضِّضُهُنَّ عَضِيضَ الثِّقا ***** فِ بالسَّمْهَرِيَّة حتَّى تَلِينَا

ويَكْدِمُ أَكْفَالَها عابِساً ***** فبالشَّدِّ من شَرِّه يَتَّقِينَا

إذا ما انتحتْ ذاتُ ضغنٍ لهُ ***** أَصَرَّ فقد سَلَّ منها ضُغُونَا

له خلفَ أدبارها أزملٌ ***** مكانَ الرقيبِ من الياسرينا

يحشرجُ منهنّ قيدَ الذراعِ ***** ويَضْرِبْنَ خَيْسُومَه والجَبِينَا

فأوردها طامياتِ الجمامِ ***** وقد كُنَّ يأْجِنَّ أو كُنّ جُونَا

يثرنَ الغبارَ على وجههِ ***** كلَوْنِ الدَّوَاخِنِ فوقَ الإِرِينا

ويَشْرَبْنَ من بارِدٍ قَدْ عَلِمْـ ***** ـنَ أن لا دِخَالَ وأن لا عُطُونَا

وتَنْفِي الضَّفَادِعَ أَنْفَاسُها ***** فهُنَّ فُوَيْقَ الرَّجَا يُرْتَقِينَا

فصادفنَ ذا حنقٍ لاصقٍ ***** لصوقَ البُرامِ يظنُّ الظنونا

قصيرَ البنانِ دقيق الشَّوى ***** يقولُ أيأتينَ أم لا يجينا

يوُّمُّ الغيابة مستبشرا ***** يُصِيبُ المَقَاتلَ حَتْفاً رَصِينَا

فجِئْنَ فأَوْجَسْنَ من خَشْيةٍ ***** ولم يَعْتَرِفْنَ لَنفْرٍ يَقِينَا

وتلقي الأكارعَ في باردٍ ***** شَهِيٍّ مَذَاقَتُه تَحْتَسِينَا

يُبَادرْنَ جَرْعاً يُوَاتِرْنَه ***** كقرعِ القليبِ حصى القاذفينا

فأَمْسَك ينظرُ حتّى إذا ***** دَنَوْنَ من الرِّيِّ أو قد رَوِينَا

تَنَحَّى بصَفْرَاءَ من نبْغةٍ ***** على الكفِ تجمع أرزا ولينا

معدَّا على عجْسها مرهفاً ***** فَتِيقَ الغِرَارَيْنِ حَشْراً سَنِينَا

فارسل سهماً على فقرةٍ ***** وهُنَّ شَوَارِعُ ما يَتَّقِينَا

فمَرَّ على نَحْرِهِ والذِّرَاعِ ***** ولم يكُ ذاكَ له الفعلُ دينا

فلهّف من حسْرة ٍ أمَّهُ ***** وولَّيْنَ من رهجٍ يكتسينا

تَهَادَى حَوَافِرُهنّ الحَصَى ***** وصمُّ الصُّخورِ بها يرتمينا

فقلقلهن سراة َ العشا ***** ءِ أسرعَ من صدرِ المصدرينا

يزرّ ويلفظ أوبارها ***** ويَقْرُو بهنّ حُزُوناً حُزُونَا

وتحسبُ في البحرِ تعشيرهُ ***** تَغَرُّدَ أَهْوجَ في مُنْتَشِينَا

فأَصْبَح بالجِزْع مُسْتَجْذِلاً ***** واصْبَحنَ مجتمعاتٍ سُكُونَا

لوليكي
12/07/2012, 04:55 PM
*** هلمّ إلينا آل بهثةٍ إنما ***


هلمّ إلينا آل بهثةٍ إنما ***** هيَ الدَّارُ لاَ نَعْتَافُها ونُهِينُها

هلم إلى ذبيانَ إن بلادها ***** حصونٌ وان السَّمهريَّ قرونها

ولا ألفينكُمْ تعكفون بقنةٍ ***** بتثليثَ أنتم جندها وقطينها

لوليكي
12/07/2012, 05:38 PM
*** بكرتْ عليّ بسحرةٍ تلحاني ***



بكرتْ عليّ بسحرةٍ تلحاني ***** وكفى بها جهلا وطيشِ لسانِ

ولقد حفظتُ وصاةَ من هو ناصحٌ ***** لي عالمٌ بمآقِطِ الخُلاَّنِ

حتى إذا برتِ العظامَ زجرتها ***** زجرَ الضنينِ بعرضهِ الغضبانِ

فرأيتها طلحت مخافة نهكةٍ ***** مِنِّي وبَادِرَةٍ، وأَيَّ أَوَانِ

ولَقَدْ عَلِمتِ وأنْتِ غَيْرُ حِلِيمةٍ ***** ألاَّ يُقَرِّبَني هَوىً لِهوَانِ

هَبِلَتْكِ أُمُّكِ هَلْ لَدَيْكِ فتُرْشِدِي ***** في آخر الأيامِ من تبيانِ

أَرْعَى الأمانةَ لا أَخُونُ ولا أُرَى ***** أبداً أدَمِّن عَرْصةَ الخَوَّان

وتنكَّرَت لي بعدَ ودٍ ثابتٍ ***** أنّى تجامعَ وصلُ ذي الألوانِ

يوماً طواعكِ في القيادِ وتارةً ***** تَلْقَاكَ تُنْكِرُها مِنَ الشَّنَآنِ

طوراً تلاقيه أخاكَ وتارةً ***** تلقاهُ تحسبهُ من السُّودانِ

ومريضةٍ قفْرٍ يحاذرُ شرُّها ***** مِنْ هَوْلِها قَمَنٍ منَ الحَدَثانِ

غَبْراءَ خَاضِعة ِ الصُّوَى جَاوَزْتُها ***** ليلاً بكاتمةِ السُّرى مذعانِ

حرفٍ تمدّ زمامها بعذافرٍ ***** كَالْجِذْعِ شُذِّبَ لِيفُهُ الرَّيّانِ

غضبى لمنْسمِها صياحٌ بالحصى ***** وقعْ القدومِ بغضْرةِ الأفنانِ

تَسْتَشْرِفُ الأشْبَاحَ وهْيَ مُشِيحةٌ ***** ببصيرة وحشيَّةِ الإنسانِ

خوصاءَ صافيةٍ تجودُ بمائها ***** وَسْطَ النَّهَارِ كَنُطْفَةِ الحَرَّانِ

تَنْفِي الظَّهِيرَةَ والغُبَارَ بِحَاجِبٍ ***** كَالكَهْفِ صَينَتْ دُونَهُ بَصِيانِ

زهراءُ مقلتها تردّدَ فوقها ***** عِنْدَ المُعَرَّسِ مُدْلِجُ القِرْدَانِ

أَعْيَتْ مَذَارِعُها علَيْهِ كَأَنَّما ***** تَنْمِي أَكَارِعُهُ عَلَى صَفْوانِ

فتعجرفتْ وتعرّضت لقلائصٍ ***** خوصِ العيونِ خواضعِ الأذقانِ

شَبَّهْتُها لَهِقَ السَّرَاة ِ مُلَمَّعاً ***** مِنْهُ الْقَوَائمُ طَاوِيَ المُصْرانِ

فغدا بمعتدلينْ لم يسلبهما ***** لا فيهما عوجٌ ولا نقدانِ

وكِلاَهُمَا تَحْتَ الضَّبَابِ كَأنَّمَا ***** دهن المثقِّفُ ليطه بدهانِ

وغَدَا بِسَامعَتَيْ وَأى ً أَعْطَاهُمَا ***** حَذَراً وسَمْعاً خَالِقُ الآذَانِ

لوليكي
12/07/2012, 05:45 PM
*** لَقَدْ وَلَّى أَلِيَّتَهُ جُؤَىٌّ ***



لَقَدْ وَلَّى أَلِيَّتَهُ جُؤَىٌّ ***** مَعَاشِرَ غَيْرُ مَطْلُولٍ أَخُوها

فإنْ تَهْلِكْ جُؤَيُّ فكُلُّ نَفْسٍ ***** سيجلبُها كذلك جالبوهَا

وان تهلِكْ جؤيُّ فإنّ حرباً ***** كظنِّك كان بعدك موقدوها

وما ساءت ظنونك يومَ تولي ***** بأرماحٍ وفى لكَ مشرعوها

كَأَنَّكَ كُنْتَ تَعْلَمُ يَوْمَ بُزَّتْ ***** ثِيَابُك ما سَيَلْقَى سالِبُوها

لِنَذْرِكَ والنُّذورُ لها وفاءٌ ***** إذا بَلَغَ الخَزَايَةَ بالِغُوها

صَبَحْنا الخَزْرَجِيَّةَ مُرْهَفاتٍ ***** أبادَ ذوي أرومتها ذووها

فما عُتِرَ الظِّباءُ بِحَيِّ كَعْبٍ ***** ولا الخَمْسونَ قَصَّرَ طَالِبُوها

ولا قلنا لهمْ نفسٌ بنفسٍ ***** أقِيدُونا بها إنْ لم تَدُوها

ولكنا دفعناها ظماءً ***** فرَوَّاهَا بِذكْرِكَ مُنْهِلُوها

ولو بلغَ القتيلَ فعالُ حيٍّ ***** لسرَّكَ من سيوفكَ منتضوها

لوليكي
12/07/2012, 05:47 PM
*** وأشعثَ رخْوِ المنكبينِ بعثتهُ ***




وأشعثَ رخْوِ المنكبينِ بعثتهُ ***** وللنوم منه في العظامِ دَبيبُ

لوليكي
12/07/2012, 05:49 PM
*** لأيِّ زمانٍ يخبأ المءُ نفعهُ ***



لأيِّ زمانٍ يخبأ المءُ نفعهُ ***** غداً فغَداً والدَّهْرُ غادٍ ورائحُ

إذا المرء لم ينفعكَ حيّاً فنفعهُ ***** قليلٌ إذا رصَّتْ عليه الصَّفائحُ

لوليكي
12/07/2012, 05:51 PM
*** تعلَّم رَسولَ الله أنك مدركي ***



تعلَّم رَسولَ الله أنك مدركي ***** وأن وعيداً منكَ كالأخذِ باليدِ

لوليكي
12/07/2012, 05:53 PM
*** مسحَ النبيُّ جبينهُ ***



مسحَ النبيُّ جبينهُ ***** فله بياضٌ بالخدودِ

وبوجهه ديباجةٌ ***** كَرمُ النُّبُوةِ والجُدُودِ

لوليكي
12/07/2012, 05:56 PM
*** لاتُفْشِ سِرَّكَ إلاّ عند ذي ثِقَة ٍ ***



لاتُفْشِ سِرَّكَ إلاّ عند ذي ثِقَةٍ ***** أولا، فافضل ما أستودعت أسْرارا

صَدْراً رَحِيباً وقَلْباً وَاسِعاً صَمِتاً ***** لم تَخْشَ منه لِمَا اسْتَوْدَعْتَ إِظْهارَا

لوليكي
12/07/2012, 06:05 PM
*** هل حبلُ رملة َ قبلَ البينِ مبتورُ ***



هل حبلُ رملة قبلَ البينِ مبتورُ ***** أم انت بالحلمِ بعد الجهلِ معذورُ

ما يجمعُ الشوقُ إن دارٌ بنا شحطت ***** ومثلها في تداني الدارِ مهجورُ

نشفى بها وهي داءٌ لو تصاقِبنا ***** كما اشتفى بعيادِ الخمرِ مخمورِ

ما روضةٌ من رِيَاضِ الحَزْنِ بَاكَرَها ***** بالنبتِ مختلفُ الألوانِ ممطورُ

يوماً بأطيبَ منها نَشْرَ رائحةٍ ***** بعد المنامِ إذا حُبَّ المَعَاطِيرُ

ما أنسَ لا أنسها والدمعُ منسربٌ ***** كأنَّه لُؤْلؤٌ في الخَدِّ محدورُ

لما رأيتهم زمّت جمالهمُ ***** صَدّقتُ ما زعموا والبَيْنُ محذورُ

يحدو بهن أخو قاذورة ٍ حذرٌ ***** كأنه بجميعِ الناسِ موتورُ

كأَنَّ أظعانَهم تُحْدَى مُقَفِّيةً ***** نخلٌ نعينينِ ملتفٌ مواقيرُ

غُلْبُ الرِّقابِ سَقَاها جَدْوَلٌ سَرِبٌ ***** أَوْ مَشْعَبٌ مِن أَتِيِّ البَحْرِ مفجورُ

هل تبلغنِّي عليَّ الخيرَ ذعلبةٌ ***** حرفٌ تزلّلَ عن أصلابها الكورُ

من خَلْفِها قُلُصٌ تَجْرِي أزِمَّتُها ***** قد مسّهن مع الإدلاجِ تهجيرُ

يَخْبِطْنَ بالقومِ أنضاءَ السرِيح وقد ***** لاذتْ من الشمسِ بالظِّلِّ اليَعَافِيرُ

حتَّى إذا انتصَب الحِرْباءُ وانتقلتْ ***** وحانَ إذ هجّروا بالدّوِ تغويرُ

قالوا تنحَّوا فمسّوا الأرضَ فاحتولوا ***** ظِلاًّ بمُنْخَرَقٍ تهفو به المُورُ

ظَلُّوا كأنَّ عليهمْ طائراً عَلِقاً ***** يهفو اذا انسفرتْ عنه الأعاصيرُ

لوجْهةِ الرِّيح منه جانِبٌ سَلِبٌ ***** وجانبٌ بأكف القوم مضبورُ

حتَّى إذا أبردُوا قاموا إلى قُلُصٍ ***** كأنهن قسيّ الشوحطِ الزورُ

عَوَاسِلٌ كرَعِيلِ الرُّبْدِ أَفْزَعَها ***** بالسيِّ من قانصٍ شلٌّ وتنفيرُ

حتى سقَى اللّيل سَقْي الجِنِّ فانغمستْ ***** في جَوْزِه إذ دَجَا الآكامُ والقُورُ

غَطَّى النَّشَازَ مع الآكامِ فاشْتَبهَا ***** كِلاهُما في سَوادِ اللَّيْلِ مغمورُ

إن عليًّا لميمونٌ نقيبهُ ***** بالصَّالحاتِ مِن الأفعالِ مشهورُ

صِهْرُ النَّبِيِّ وخيرُ النَّاسِ مُفْتَخَراً ***** فكلُّ من رامه بالفخرِ مفخورُ

صَلَّى الطَّهورُ مع الأُمِّيِّ أوَّلهمْ ***** قبلَ المَعَادِ ورَبُّ النَّاسِ مكفورُ

مقاومٌ لطغاةِ الشركِ يضربهُم ***** حتى استقاموا ودينُ الله منصورُ

بالعدلِ قمتَ أميناً حين خالفه ***** أهلُ الهوَى وذووُ الأهواءِ والزُّورِ

ياخيرَ من حملتْ نعلاً له قدمٌ ***** بعدَ النَّبيِّ لَدَيْهِ البَغْيُ مهجورُ

أعطال ربُّك فضلاً لا زوالَ له ***** مِنْ أينَ أَنَّى له الأيَّامَ تَغْيِيرُ

لوليكي
12/07/2012, 06:06 PM
*** وليلةِ مُشْتاقٍ كأنَّ نُجومَها ***



وليلةِ مُشْتاقٍ كأنَّ نُجومَها ***** تفرَّقنَ عنها في طيالسَةٍ خضْرِ

لوليكي
12/07/2012, 06:09 PM
*** كأنَّ امرأً لم يَلْقَ عيشاً بِنَعْمَةٍ ***



كأنَّ امرأً لم يَلْقَ عيشاً بِنَعْمَةٍ ***** إذا نزلتْ بالمرءِ قاصمةُالظَّهْرِ

لوليكي
12/07/2012, 06:14 PM
*** صَمُوتٌ وقَوَّالٌ فلِلْحِلْمِ صَمْتُهُ ***



صَمُوتٌ وقَوَّالٌ فلِلْحِلْمِ صَمْتُهُ ***** وبالعلمِ يجلو الشكَّ منطقهُ الفصلُ

فتىً لم يدع رشداً ولم يأتِ منكراً ***** ولم يدرِ من فضلِ السَّماحةِ ما البخلُ

به أنجبتْ للبَدْرِ شمسٌ مُنِيرةٌ مُبارَكةٌ ***** يَنْمِي بها الفَرْعُ والأصْلُ

إذا كانَ نَجْلُ الفَحْلِ بين نَجِيبةٍ ***** وبين هجانٍ منجبٍ كرمُ النَّجلُ

لوليكي
12/07/2012, 06:16 PM
*** وليسَ لِمَنْ يَرْكَبِ الهَوْلَ بُغْيةٌ ***


وليسَ لِمَنْ يَرْكَبِ الهَوْلَ بُغْيةٌ ***** وليس لرحلٍ حطَّه الله حاملُ

إذا أنتَ لم تُقْصِرْ عن الجَهْلِ والخَنَا ***** أصبتَ حليماً أو أصابكَ جاهلُ

لوليكي
12/07/2012, 06:20 PM
*** أترجو اعتذاري يابنَ أروى ورجعتني ***



أترجو اعتذاري يابنَ أروى ورجعتني ***** عن الحقِّ قدماً غال حلمكَ غولُ

وإنّ دعائي كل يوم وليلةٍ ***** عليك بما أسديتهُ لطويلُ

وإنّ اغترابي في البلادِ وجَفْوتِي ***** وشَتْمِيَ في ذاتِ الإله قليلُ

لوليكي
12/07/2012, 06:23 PM
*** طاف الرُّماة ُبصَيْدٍ رَاعَهم فإذا ***



طاف الرُّماة ُصَيْدٍ رَاعَهم فإذا ***** بعضُ الرُّماةِ بِنَبْلِ الصَّيْدِ مقتولُ

لوليكي
12/07/2012, 06:25 PM
***له عُنُقٌ تُلْوِي بما وُصِلتْ به ***



له عُنُقٌ تُلْوِي بما وُصِلتْ به ***** ودفّانِ يشتفانِ كل ظعانِ

لوليكي
12/07/2012, 06:27 PM
*** لَعَمْرُكَ ماخَشِيتُ على أُبَيِّ ***



لَعَمْرُكَ ماخَشِيتُ على أُبَيِّ ***** مصارعَ بين قوٍّ فالسليِّ

ولكني خشيتُ على أُبيٍّ ***** جرِيرةَ رُمْحِهِ في كُلِّ حَيِّ

مِنَ الفِتْيانِ مُحْلَوْلٍ مُمِرٌّ ***** وأمَّارٌ بإرشادٍ وغَيِّ

ألا لهفَ الأراملِ واليتامى ***** ولَهْفَ الباكياتِ على أُبَيِّ

لوليكي
16/07/2012, 10:50 AM
*** أَرْعَى الأَمَانَةَ لا أَخُونُ أَمَانَتِي ***




أَرْعَى الأَمَانَةَ لا أَخُونُ أَمَانَتِي ***** إِنَّ الخَؤُونَ على الطَّريقِ الأَنْكَبِ

لوليكي
16/07/2012, 10:52 AM
*** ُمَارِي بِهَا رَأْدَ الضُّحْى ثم رَدَّهَا ***



تُمَارِي بِهَا رَأْدَ الضُّحْى ثم رَدَّهَا ***** إلى حَرَّتَيْهِ حَافِظُ السَّمْعِ مُقْفِر

لوليكي
16/07/2012, 10:57 AM
*** وَبِيْضٍ مِن النَّسْجِ القَدِيمِ كَأَنَّها ***


وَبِيْضٍ مِن النَّسْجِ القَدِيمِ كَأَنَّها ***** نِهَاءٌ بِقَاعٍ مَاؤُها مُتَرَابِعُ

تُصَفِّقُها هُوجُ الرِّيَاح ِإذا صَفَتْ ***** وَتُعْقِبُها الأَمْطَارُ فالماءُ رَاجِعُ

لوليكي
16/07/2012, 12:24 PM
*** مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الحَيَاةِ فلا يَزَلْ ***



مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الحَيَاةِ فلايَزَلْ ***** في مِقْنَبٍ مِن صَالِحِي الأَنْصَارِ

تَزِنُ الجِبَالَ رَزَانَةً َحْلامُهُمْ ***** وَأَكُفُّهمْ خَلَفٌ مِن الأَمْطَارِ

المُكْرِهِينَ السَّمْهَرِيَّ بِأَذْرُعٍ ***** كَصَوَاقِلِ الهِنْدِيِّ غيرِ قِصَارِ

والنَّاظِرِينَ ِأَعْيُنٍ مُحْمَرَّةٍ ***** كالجَمْرِ غيرِ كَلِيلَةِ الأَبْصَارِ

والذَّائِدِينَ النَّاسَ عنْ أَدْيَانِهِمْ ***** بالمَشْرَفِيِّ وبالقَنَا الخَطَّارِ

والبَاذِلِيْنَ ُفُوسَهُمْ لِنَبِيِّهِمْ ***** يومَ الهِيَاجِ وَقُبَّةِ الجَبَّارِ

دَرِبُوا كَمَا دَرِبَتْ أُسُودُ خَفِيَّةٍ ***** غُلْبُ الرِّقَابِ مِن الأُسُودِ ضَوَارِي

وَهُمُ إذا خَوَتِ النُّجومُ فَإِنَّهمْ ***** للطَّائِفِينَ السَّائِلِينَ مَقَارِي

وَهُمُ إذا انْقَلَبُوا كَأَنَّ ثِيَابَهُمْ ***** مِنها تَضُوُّعُ فَأْرَةِ العَطَّارِ

والمُطْعِمُونَ الضَّيْفَ حينَ يَنُوبُهُمْ ***** مِن لَحْمِ كَوْمٍ كالهِضَابِ عِشَارِ

والمُنْعِمُونَ المُفْضِلُونَ إذا شَتَوْا ***** والضَّارِبونَ عِلاوةَ الجَبَّارِ

رُمِيتْ نَطَاةُ مِن الرَّسولِ ِفَيْلَقٍ ***** شَهْبَاءَ ذاتِ مَنَاكِبٍ وَقِفَارِ

بالمُرْهَفَاتِ كأَنَّ لَمْعَ ظُبَاتِهَا ***** لَمْعَ السَّوَارِي في الصَّبِيرِ السَّارِي

لا يَشْتَكونَ المَوْتَ إِنْ نَزَلَتْ بِهِمْ ***** شَهْبَاءُ ذاتُ مَعَاقِمٍ وأُوَارِ

وإذا نَزَلْتَ لِيَمْنَعُوكَ إليهمُ ***** أَصْبَحْتَ عندَ مَعَاقِلِ الأَغْفَارِ

وَرِثُوا السِّيَادَةَ كَابِرًا عنْ كَابِرٍ ***** إِنَّ الكِرَامَ هُمُ بنو الأَخْيَارِ

لَوْ يَعْلَمُ الأَحْيَاءُ عِلْمِي فيهمُ ***** حَقًّا لَصَدَّقَنِي الذّين أُمَارِي

صَدَمُوا عَلِيًّا يومَ بَدْرٍ صَدْمَةً ***** دَانَتْ عَلِيٌّ بعدَها لِنِزَارِ

يَتَطَهَّرُونَ كَأَنَّهُ نُسُكٌ لهمْ ***** بدماءِ مَن عَلِقُوا مِن الكُفَّارِ

وإليهمُ اسْتَقْبَلْتُ كلَّ وَدِيقَةٍ ***** شَهْباَءَ َسْفَعُ حَرُّها كالنَّارِ

وَمَرِيضَةٍ مَرَضَ النُّعَاسِ ذَعَرْتُهَا ***** بَادَرْتُ عِلَّةَ نَوْمِهَا بِغِرَارِ

وَعَلِمْتُ أَنِّي مُصْبِحٌ بِمَضِيْعَةٍ ***** غَبْرَاءَ تَعْزِفُ جِنُّها مِذْكَارِ

وَكَسَوْتُ كَاهِلَ حَرَّةٍ مَنْهُوكَةٍ ***** بالفَجْرِ حَارِيًّا عَدِيمَ شَوَارِ

سَلِسَتْ عَرَاقِيْهِ فَكلُّ قَبِيلَةٍ ***** مِن حَنْوُهِ قَلِقَتْ إلى مِسْمَارِ

وَسَدَتْ مُهَمْلِجَةً عُلالَةَ مُدْمَجٍ ***** مِن فَالِقٍ حَصِدٍ مِن الإِمْرَارِ

حتى إذا اكْتَسَتِ الأَبَارِقُ نُقْبَةً **** مِثْلَ المُلاءِ مِن السَّرَابِ الجَارِي

وَرَضِيتُ عنها بالرِّضَا لَمَّا أَتَتْ ***** مِن دونِ عُسْرَةِ ضِغْنِها بِيَسَارِ

تَنْجُو بِهَا عُنُقٌ كَنَازٌ لَحْمُها ***** حَفَزَتْ فَقَارًا لاحِقًا بِفَقَارِ

في كَاهِلٍ وَشَجَتْ إلى أَطْبَاقِهِ ***** دَأَيَاتُ مُنْتَفِخٍ مِن الأَوْزَارِ

وَتُدِيرُ لِلَخْرَقِ البَعِيدِ نِيَاطَهُ ***** بعدَ الكَلالِ وبعدَ نَوْمِ السَّارِي

عَيْنًا كَمِرْآةِ الصَّناَع تُدِيرُها ***** بِأَنَامِلِ الكَفَّيْنِ كلَّ مُدَارِ

بِجِمَالِ مَحْجِرِها وَتَعْلَمُ ما الذي ***** تُبْدِي لِنَظْرَةِ زَوْجِها وتُوَارِي

لوليكي
16/07/2012, 12:31 PM
** شرح قصيدة " مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الحَيَاةِ فلا يَزَلْ " **



* مناسبة القصيدة:-

- هذه قصيدة في الأنصار لكعب بن زهير رضي الله عنهم جميعاً يقال أنه عندما أنشد كعب قصيدة (بانت سعاد) أمام الرسول صلى الله عليه وسلم قال الرسول: لولا ذكرت الأنصار بخير ، فإنهم لذلك أهل ، فقال كعب هذه الأبيات.
وهذه الابيات دليل على مكانة الجهاد من الصحابة رضي الله عنهم وافتخارهم بالجهاد وقتال الكفار.


* الشرح:-


1- مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الحَيَاةِ فلايَزَلْ ***** في مِقْنَبٍ مِن صَالِحِي الأَنْصَارِ

(البيت) كناية عن حسن عشرة الأنصار ، نوعها صفة ؛ والدليل على ذلك أنَّ الراغبين في الحياة الكريمة فليطلبوها على الدوام في العيش مع الأنصار الصالحين . (صالحي الأنصار) قدّم الصفة على الموصوف، والغرض من أسلوب التقديم والتأخير هو بيان أهمية الصفة (الصلاح) ، والغرض العام هو مدح الأنصار .
نثر البيت :
كلُّ مَنْ أسعدته الحياة الكريمة ، والعشرة الطيبة ؛ فليلزم - على الدوام - العيش مع مجموعة الفرسان الصالحين من أنصار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .


2- تَزِنُ الجِبَالَ رَزَانَةً َحْلامُهُمْ ***** وَأَكُفُّهمْ خَلَفٌ مِن الأَمْطَارِ

(صدر البيت) تشبيه مفرد ، شبه عقول الأنصار بالجبال ، ووجه الشبه الرزانة ؛ أي أنه يصفهم برجاحة العقل (راجع في ذلك قيم ومثل). والفكرة كثيرة في الشعر العربيّ . وقدم المفعول به (الجبال) ، والتمييز (رزانة) ، على الفاعل ؛ لإبراز أهمية المشبه به ووجه الشبه. (عجزالبيت) كناية عن صفة الكرم والجود ؛ إذ يلزم مِنْ الذي ينوب عن المطر أنْ يجودَ بدلاً عنه . وقولنا كناية أشمل من أنْ نقولَ شبه أكفهم بالأمطار بجامع الكرم . وما أكثر ما مدح الشعراء أو فخروا بصفة الكرم (راجع قيم ومثل – ان الكرام قليل ) والبيت يشبه قول الفرزدق :

أحْلامُـنا تَزِنُ الْجِبَالَ رَزَانةً ***** وَتَخَالُنَـا جِـنَّاً إِذَا مَا نَجْهَـلُ

والاتفاق يبدو في صدر بيت كل منهما تاماً لفظاً ومعنى ، فقط كعب يختار الجملة الفعلية والفرزدق يفضل الجملة الاسمية، ولكن يختلفان في الغرض ؛ فالفرزدق يفخر وكعب يمدح ، وفي صدر البيت يأتي كعب بصفة الكرم ، والفرزدق يفضل أنْ يُكملَ الفكرة ، ويوضح الأشياء بضدها ؛ ففي العَجُزِ يصور أنفسهم في حالة الغضب (نجهل ) لخفتنا يظننا الآخرون من الجن ؛ وبذا تكتمل الفكرة ؛ لذلك فالفرذدق أجمل ، والدليل على ذلك ؛ استحسان الرسول (ص) للنابغة عندما عبر عن نفس الفكرة (لاخير في حلم – راجع في الفخر والمدح ). و المعنى أيضاً تناوله جرير في قوله :

أحلامنا تزن الجـبال رزانـة ***** وتفوق فعالـنا فٍعَّال الجهـل

وواضح أنَّ جريراً رغم اتفاقه مع الفرزدق إلا أنه أقلَّ درجة هنا منه .

نثر البيت :
تعادل الرواسي ثباتاً عقولنا ، وعطاؤنا ينوب عن السحاب عند امتناعه ، فنصبح بديلاً له في أيام الجوع والكرب .


3- المُكْرِهِينَ السَّمْهَرِيَّ بِأَذْرُعٍ ***** كَصَوَاقِلِ الهِنْدِيِّ غيرِ قِصَارِ

(المكرهين السمهري) دلالة على البراعة في استعمال الرمح ؛ إذ أنهم يجعلونه يفعل ما يحبون - دون إرادة منه - بل هو طوع أمرهم. (أذرع كصواقل الهندي) تشبيه مفرد ؛ إذ شبه الأذرع بالسيوف اللامعة في قوتها ومتانتها، والأداة هي الكاف . كما فيها تقديم وتأخير ؛ إذ قدم صفة صواقل على الموصوف الهندي ، والغرض من ذلك بيان أهمية الصفة . (غير قصار) في نفي القِصَرِ عن الأذرع إثبات لطولها؛ وطول الذراع دليل على طول القامة ؛ وطول القامة ارتبط عندهم بالشجاعة والقوة ؛ وهو أمر طبيعي في معركة تعتمد السلاح الأبيض ؛ وهذا ما قالته الخنساء في صخر :

طويل النجـاد رفيـع العمـاد ***** كثـير الرمـاد إذا مـاشـتا

فوصفها أخاها بقولها: (طويل النجاد) - وهو حمالة السيف - دليل على طول الذراع وهكذا السلسلة . وهذا بمثابة اعتذار عن التعريض السابق بالأنصار ، ووصفهم بقصر القامة (أو هكذا ظنوا) في قوله :

يمشونَ مشيَ الجمالِ الـزهرِ ***** إذا ما عرَّدَ السودُ الـتنابـيلُ

فهو يمدح المهاجرين بأنهم كما الإبل الجيدة في مشيهم ، في حين أن الآخرين سود ، قصارالقامة ، يهربون. وظنَّ الأنصار أن كعباً في هذا البيت قد عرّض بهم . وها هو الآن يمدحهم بالشجاعة ، والقوة ، والبراعة في القتال ؛ لمحوِ تلك الصورة ، وما ولدته من أحاسيس .

نثر البيت :
والذين يستطيعون أن يُطوعوا الرماح الجيدة ، المنسوبة إلى سمهر ، ويجعلونها تفعل ما يحبون ، بأيدٍ قوية ، متينة ، طويلة ، كأنها السيوف اللامعة .


4- والنَّاظِرِينَ ِأَعْيُنٍ مُحْمَرَّةٍ ***** كالجَمْرِ غيرِ كَلِيلَةِ الأَبْصَارِ

(البيت) تشبيه مفرد ؛ إذ شبه أعينهم بالجمر في احمرارها، والأداة هي الكاف ، والغرض من وصف العين بالاحمرار دليل على الهيبة، والغضب الشديد . الاستدراك بقوله (غير كليلة الإبصار) ينفي المرض عنها ؛ لتأكيد أنَّ الاحمرار ليس ناتجاً من مرض ، أو ضعف في النظر وإنما هو دليل - كما أسلفنا - على الهيبة ، والغضب ، وهذا ما عبر عنه المتنبي في وصف الأسد :

ما قوبـلت عـيناه إلا ظنـتا **** تحت الدجى نار الـفريق حلـولا

وهنا جعلها المتنبي نار الحي جميعه ، وقصر عيناه - لحظة مقابلتها - على هذا الظن ، وهو تشبيه . في بنائه الفعل للمجهول تجاهل للفاعل فالأمر واضح لكل مقابل .

نثر البيت :
والذين يواجهون الناس في المعارك ، بعيون ملؤها الهيبة والجلال ، كأنها الجمر ، يتطاير منها الشرر ، وليس ذلك من مرض فيها ، أو عيب ، أو ضعف نظر .


5- والذَّائِدِينَ النَّاسَ عنْ أَدْيَانِهِمْ ***** بالمَشْرَفِيِّ وبالقَنَا الخَطَّارِ

(البيت) إشارة إلى مساهمة الأنصار - الفعّالة والحاسمة - في تحويل العرب إلى دين الحق .(المشرفي - القنا) مجاز مرسل علاقته الآلية ؛ إذ المراد القوة ، وهما آلتا القوة . وهذادليل على قوتهم وفروسيتهم .(الخطَّار) في استعمال صيغة المبالغة دلالة على فعالية الرمح ، ومهارة صاحبه .

نثر البيت :
والذين يدافعون عن دينهم الآخرين إلى دين الحق ، وسيلتهم في ذلك السيوف ، والرماح اللينة المُطاوعِة لأصحابها .


6- والبَاذِلِيْنَ ُفُوسَهُمْ لِنَبِيِّهِمْ ***** يومَ الهِيَاجِ وَقُبَّةِ الجَبَّارِ

(البيت) دليل على الحبِّ الشديد للرسول "صلى الله عليه وسلم" ؛ بدلالة التضحية بالأرواح في المعركة . (يوم الهياج) قيد يؤكد قيمة تلك التضحية . (قبة الجبار) كناية عن موصوف . هو الكعبة المشرفة ، وهي المُقْسَم به. ويقسم على بذلهم أرواحهم فدًى النبي .

نثر البيت :
والذين يقدمون - في يوم المعركة - أرواحهم يفدون بها من آمنوا به نبياً ، وهادياً ، وأقسمُ على ذلك بالكعبة المشرفة في مكة .


7- دَرِبُوا كَمَا دَرِبَتْ أُسُودُ خَفِيَّةٍ ***** غُلْبُ الرِّقَابِ مِن الأُسُودِ ضَوَارِي

(البيت) تشبيه مفرد ؛ شبه اعتيادهم القتال وتدربهم عليه بالأسود المنسوبين إلى منطقة خفية . في اعتياد القتال دلالة على الشجاعة ؛ لأنها زاد خوض المعارك ، ولقد مرّ علينا كيف أنَّ العرب تفخر - على الدوام - بخوض المعارك . (غلب الرقاب) ضخامة الرقاب دلالة على القوة ، وفيها تقوية للوصف في سياق المدح بحذف المبتدأ ، والذي يُقدر بـ (هم) ، ولا يصح اعتبارها صفة لـ (أسود) ؛ لأن أسود معرفة وغلب الرقاب نكرة ؛ إذ الإضافة لفظية .

نثر البيت :
اعتادوا على القتال ، وتدربوا عليه مثل اعتياد ليوث خفية ، ضخام الأعناق من الليوث الشرسة المتوحشة كذلك الأنصار .


8- وَهُمُ إذا خَوَتِ النُّجومُ فَإِنَّهمْ ***** للطَّائِفِينَ السَّائِلِينَ مَقَارِي

(خوت النجوم) كناية عن صفة الجدب . (هم– فإنهم) ذكر الغرض منه تقوية المدح . استعمال (إنّ) لتأكيد المعنى ؛ وبذا يصبح ضرب الخبر طلبياً ، فكرة الكرم في وقت الجدب نجدها في البيت الثاني من القصيدة ، وفي البيت الأخير لقصيدة (قيم ومثل) :

وهم ربـيع للمجـاور فيهـم ***** والمـرملات إذا تـطاول عـامها

لبيد يجعل الأمر خاصاً بالنساء الفقيرات ، وكعب يجعله للطائفين والسائلين. ولبيد يزيد على كعب بتشبيه قومه بالربيع لجيرانهم .

نثر البيت:
وفي زمان الجدب ، وانعدام الأمطار ، فالذين يجوبون البلاد بحثاً عن الطعام ، والفقراء ، فهم الذين يكرمون كل هؤلاء في هذا الزمن العسير .



* المصادر :-

- منتدي مؤسسة الامتياز التعليمية الخاصة (http://go.3roos.com/a95muqdlf63)

- منتدى الهيلا (http://go.3roos.com/4qugceh4bc2)

لوليكي
16/07/2012, 12:32 PM
*** طَلَبُوا فَأَدْرَكَ وِتْرُهُمْ مَوْلاهُمُ ***



طَلَبُوا فَأَدْرَكَ وِتْرُهُمْ مَوْلاهُمُ ***** وَأَبَتْ سُعَاتُكُمُ إِبَاءَ الحَارِنِ

شُدُّوا المَآزِرَ فَانْعَشُوا أَمْوَالَكُمْ ***** إِنَّ المَكَارِمَ نِعْمَ رِبْحُ الثَّامِنِ

كَيْفَ الأَسَى وَرَبَيْعَةُ بنُ مُكَدَّمٍ ***** يُوْدَى عليكَ بِفِتْيَةٍ وَأَفَاتِنِ

وهو التَّرِيكَةُ بالمَكَرِّ وَحَارِثٌ ***** فِقْعُ القَرَاقِرِ بالمكانِ الوَاتِنِ

......... وَكَأَنَّهُ ***** جِذْعٌ تُهَمِّمُهُ رَذَائِذُ هَاتِنِ

كَمْ غَادَرُوا مِن ذي أَرَامِلَ عَائِلٍ ***** جَزَرَ السِّبَاعِ وَمِنْ ضَرِيكٍ حاَجِنِ

لوليكي
16/07/2012, 12:43 PM
*** طَلَبُوا فَأَدْرَكَ وِتْرُهُمْ مَوْلاهُمُ ***



طَلَبُوا فَأَدْرَكَ وِتْرُهُمْ مَوْلاهُمُ ***** وَأَبَتْ سُعَاتُكُمُ إِبَاءَ الحَارِنِ

شُدُّوا المَآزِرَ فَانْعَشُوا أَمْوَالَكُمْ ***** إِنَّ المَكَارِمَ نِعْمَ رِبْحُ الثَّامِنِ

كَيْفَ الأَسَى وَرَبَيْعَةُ بنُ مُكَدَّمٍ ***** يُوْدَى عليكَ بِفِتْيَةٍ وَأَفَاتِنِ

وهو التَّرِيكَةُ بالمَكَرِّ وَحَارِثٌ ***** فِقْعُ القَرَاقِرِ بالمكانِ الوَاتِنِ

......... وَكَأَنَّهُ ***** جِذْعٌ تُهَمِّمُهُ رَذَائِذُ هَاتِنِ

كَمْ غَادَرُوا مِن ذي أَرَامِلَ عَائِلٍ ***** جَزَرَ السِّبَاعِ وَمِنْ ضَرِيكٍ حاَجِنِ



* المصادر لجميع القصائد السابقة:-

- adab.com (الموسوعة العالمية للشعر العربي) (http://go.3roos.com/bd3fwd6pwsa)

- الشنكبوتية (http://go.3roos.com/hq8q6f3g4hm)

yma a7tajk
07/10/2012, 08:14 PM
أبدعتِ الطرح
ألف مبارك تستحقين الفوز
مشاركة مميزة
تم التقيم

• :032::f:

لوليكي
09/10/2012, 02:10 AM
تسلمي حبيبتي الله يبارك فيك
ومبرووك الك كمان