مشاهدة النسخة كاملة : الشاعرة / غادة السمان
Anfas Elfajer
30/08/2012, 02:40 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/01347065653.jpg
عاشقة تقرع باب الوردة
______________
ها أنت تناصبني الحب..
يا له من حب شبيه بالعداء،
واقف على تخوم الكراهية والعجرفة وشهيّة التملك..
أين المفر؟ وعيناك أمامي، وفراقك ورائي
والعمر مستحيل بك، وبدونك!...
***
أطرق باب الوردة، فتفتح بابها
شاهرة فأسها كصديقة "مخلصة"..
أطرق باب النسيان، فيرمي في وجهي
بصورنا القديمة وأسطواناتنا وهذياننا الهاتفي المحموم..
أطرق باب حبك، فيجيبني شبح فقد ذاكرته...
أطرق باب بيروت، فيفتحه مسلح أعمى عربيد
ويصرّ على إفهامي أسرار "الألوان" وهو يرسم..
ويلقي محاضرة عن الطريق إلى "النصر"
ويتابع صنع البوصلات إلى الجنة،
ويرغم الطيور على الهجرة وفقاً لخرائطه..
***
أطرق باب الموت، فيعلٍّق حفّار القبور لافتة:
"لم تبقَ محلات".. ويسجل اسمي على "لائحة الانتظار"!...
أطرق باب الفرح، فيفتحه لي وهو يجهش بالبكاء..
أطرق باب المحبرة، فأجد جثث الحروف
عائمة فوق سطحها مذبوحة بسكاكين "العناصر غير المنضبطة"...
أطرق باب جدتي، فتفتحه لي بوجهها العتيق،
وأبكي طويلاً فوق حناء يديها،
بينما ياسمين شعرها يهطل فوقي...
_________
8/4/1988
Anfas Elfajer
30/08/2012, 02:43 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/11347065653.jpg
عاشقة فوق بساط الريح
_______________
.. ولم تكسب رهان إذلالي.
خوّفتني من القمر، وادّعيت أنه سيهاجمني
ويدّثرني بالجنون الفضي
إذا لمحني بدونك...
خوّفتني من الليل، وقلت إنه سيغتصبني
وسألد الغربة لقيطةً تلوثني..
خوّفتني من زملاء العمل، وادّعيت
أنهم سيأكلونني حيةً على طاولة الاجتماعات..
ويمسحون أيديهم من دمي بأوراق محاضر الجلسات!..
خوّفتني من الريح، وأوهمتني أنها ستسرق صوتي..
خوّفتني من الرحيل، لأنه سيلطخني بأوحال الدروب..
خوّفتني من كل شيء، من الزنابق والعناصر
كي أقدم أوراق اعتمادي إلى سلك ملذاتك
وأعمل جارية في كهوف لا مبالاتك المزدحمة بالسبايا
وأتسكع على الشراشف الحريرية لضجرك
بين وسائد تشاوفك وتأففك المتثائب...
لكنني يا سيدي، قررت الرحيل إلى حريتي فوق بساط الريح
مترعة بالحزن، مضرجة بالفراق، متأججة بالحراج
وها أنا أجلس وحيدة
على قمة عالم صغير أمتلكه، أتنفس العواصف
وأدمن طعم الكرامة الخشن كمنشار...
لكنني آتيك بالمحبة، وأسألك بالصفاء
بعيداً عن المستنقعات المتحركة للحقد:
هل نستطيع أن نتعلّم معاً كيف نكون صديقين؟
أريد أن أصادق حبك، ولكن كيف؟
***
أيها الشقي، ألم تتعب من الفرح المستعار
والمهرجانات "الكرنفالية"،
التي تخرج فيها الأرانب من قبعتك لآلهة التصفيق؟
متى تنضم إليّ في الركن المعتم
لننتظر معاً شروق الشمس ونتعلم الحنان؟
__________
8/4/1988
Anfas Elfajer
30/08/2012, 02:48 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/21347065653.jpg
عاشقة تركب عاصفة
_____________
أريد أن أصادق النملة
كي أتعلم المشي إليك دونما كلل..
وأعلمك أسراري دونما وجل..
أنا الطالعة من سلالة عربية متجددة..
لا تخشى المهرة ركوب العاصفة..
لا تخشى المهرة رعد الأقاويل، وصواعق الاتهامات...
أريد أن أصادق نبضك وأصارحك بإيقاعي الداخلي..
أريد أن أصادق الريح،
كي تكشف لي أسرار القلوب موصدة النوافذ..
أريد أن أصادق الموت، كي يأخذني إليه بحنان..
أريد أن أصادق الورقة.. كي تدعني وشأني!..
أريد أن أصادق حبك وجنونك
كي نتعلم المحبة قبل الشهوة،
والعطاء لا الترويض..
فهل ترضى بأن نأخذ معاً "دروساً خصوصية"
في مدرسة التواضع ، بعدما رسبنا في صف الحنان..
وتخرّجنا من أكاديمية الشراسة بتفوق؟..
***
ألم يقضِ الحزن وطره من قلبي؟
حتام يترنح في أعماقي متعثراً بصمتي الفاحش؟
حتام يستجوب حنجرتي المقطوعة بسكين الكبرياء
في سكون ليالي الشوق السري إليك؟...
حتامَ يظل حبنا،
مثل كتابة بالأزرق فوق البحر؟..
هذا قدري: سأظل أمشي في نومي
عبر القارات
حتى أتعلم كيف أموت...
__________
8/4/1988
Anfas Elfajer
30/08/2012, 02:50 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/31347065653.jpg
عاشقة ورَقَتُها عانس
_____________
جئت لأكتب...
كانت الورقة بيضاء،
حتى البهاء المطلق للياسمين...
نقية كثلوج لم يطأها حتى عصفور...
وقررت أن لا ألوّثها...
صباح اليوم التالي، تلصّصت عليها،
فوجدتها كتبت لي: حمقاء!...
لوّثيني كي أحيا وأحترق، وأطير إلى العيون..
وأكون...
لا أريد أن أصير ورقة عانس!...
Anfas Elfajer
30/08/2012, 02:52 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/41347065653.jpg
عاشقة تتأمل ظلماتها
______________
أهبط إلى قاعي. أتأمل ظلماتي.
أمشي وحيدة في كهوفي
وأنا أحمل خرائط خرائبي وحروبي وحرائقي وكنوزي.
أحفر في ترابي. أنبش صناديقي السرّية
التي دفنتها بإتقان منذ عصور
وعبثاً أتذكر صيغ فتحها!!...
لقد قررت ذات يوم،
أن أحتفظ بصناديق أعماقي سرّاً
صناديق لا تبوح بحقيقتها لمخلوق...
وها أنا أبرُّ بقسمي حتى أقصاه..
ولم تعد أعماقي تبوح بسرّها حتى... لي!
وعبثاً أرى بوضوح، ملامح وجهي في المرآة...
صرت حينما أقف أمام مرآتي
أرى امرأةً - ترتدي ثيابي - تهرول إلى الداخل
دون أن تلتفت صوبي، إلا في ومضة برق..
وتخلِّفني دائماً، وأنا أدري ولا أدري!...
Anfas Elfajer
30/08/2012, 02:56 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/51347065653.jpg
عاشقة تهمس: تَكْ تك تك تك
___________________
أنهمر حزناً على أصابع الآلة الكاتبة
كصفصافة تنتحب عصافيرها
تك تك في قلب الظلام الدامس
تعني أنني لست امرأة من المعدن
تك تك بأصابع تشتعل قهراً
فوطني ليس رقعة شطرنج
وذاكرتي عبثاً تنسى حكاية حبها
مع عبد الرحمن الداخل، وحقول البرتقال اليافاوي الحزين
في الجرح بين إسكندرون والناقورة وحيفا وغرناطة وحطين.
***
تك تك تك في قلب الظلام
برقية S.O.S إلى من لا يهمه الأمر
في ليل عمره قرون بين مطلع فجر الحلم وحتى غروب النبض
تك تك تك، أضرب قلبي على الآلة الكاتبة
ثم أضرب روحي ميداية تذكارية، تعويذة ضد النسيان،
وأنا أعرف أن الشخير أنشودة "الضمير"
وربما لن يسمعني أحد...
تك تك تك يا رياح السموم الجهنمية،
فلا تكتمي سرّ بدوية من أحفاد السندباد الجوي
ضربت قلبها حروفاً
مثل وحيد في أرخبيل اللامبالاة
يخط استغاثته ويرمي بها في زجاجة،
من مناطيد الحلم
إلى أمواج المجهول الآتي في القاع
مراهناً على الأحصنة العربية للأحفاد.
تك تك تك أيها الشخير الذي يضم عشّاق غسيل الدماغ
إلى صدر عباءة النوم، أعرف
لن يسمعني أحد... لكنني أنتحب كي لا أختنق...
***
تك تك تك يا رفيق أضواء الدرب
وهي تنطفئ مصباحاً بعد آخر.
حزينة من أجل الأيام التي عشتها معك
حزينة من أجل الأيام التي لم أعشها معك
حزينة من أجل الأيام التي تعيشها المرأة الأخرى معك
منذ افترقنا وأنا أحسدك، فكيف ألومك؟
حسدتك راحلاً بحقيبة التخدير
حين بقيت وحيدة أخطّ مناشير اليأس المضاد المكابر
لأوطان يلتهمها الرخ، ويطعنها وهم الخلّ الوفي.
***
تك تك تك كيف ألوم هربك
من مستنقعات الرمال المتحرك المزيّنة بالشعارات المزورة..
تك تك تك ماذا منحتك غير غثيان الصحو
ما دمتُ أريد ارتداء الخاتم السحري في أصبعي
( وأفركه ليأتي جنيّ الحب) لا الخاتم الزوجي..
أريد أن أعقد قراني على ليالي الدهشة
لا على أنين الخيول في إسطبلك..
أريد أن أعاقر الحرية وأعاني سكراتها
ولا أريد الزواج من مسمار يدقني إلى جدار..
فماذا أفعل بتلك الروح الشقية التي تلبّستني
لعنةً مباركة منذ ولادتي في فراش شاسع
يمتد من تطوان إلى الشام؟!
***
تك تك تك في قلب الظلام
رسالة طابعها البريدي اسمه السرّ
فحبي لك صامت وعميق مثل جرس تقرعه الأمواج
ولكن في قاع البحر..
حبي لك داكن وأخرس ومتكلّس
مثل صخرة في جزيرة مقفرة
لا تقول غير صمتها.
***
تك تك تك في قلب الظلام
الليلة أشعر أنني مستنزفة ومتعبة
مثل شريط آلة كاتبة
ركضت فوقها مطارق الحروف طويلاً...
الليلة ، عيناي لا تلتمعان
مثل تينة برية نضرة لم تُقطف بعد.
الليلة افتقدتك في شوارع نيويورك
وهي تحدق بي بعين من زجاج وأخرى من إسمنت،
الليلة قلبي مترع بالليل البيروتي أيام الأحلام الكبيرة،
الليلة افتقدتك...
***
تك تك تك في ظلام القلب النيويوركي النابض بالنيون
حتامَ تطاردني في عقر نومي
وتداهمني على حين غرة، وروحي فضفاضة
كثوب منشور على ضفاف الحلم والكوابيس
بين الحب والموت وقواميس الخيبات؟
Anfas Elfajer
30/08/2012, 03:01 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/61347065653.jpg
عاشقة في متاهة الورقة
________________
من الحبر تعلّمت حبك..
قطرة واحدة تركض طويلاً على البياض..
من العود تعلّمت حبك،
صرت وتراً وتركت عاصفتك تعزفني...
من النوارس تعلّمت حبك،
تعيد كتابة الأفق بأجنحة الرحيل خلف الضوء..
من الأطفال والمجانين تعلّمت حبك،
اللغة مرآة القلب في عريه المطلق..
من النملة تعلّمت حبك،
حبة قمح أسطورية حتى الرمق الأخير، تلاحقها..
من العصفور الدوري تعلّمت حبك،
سعيدة بشجرتك..
وسعيدة بشهية التحليق: لست عصفوراً في اليد!...
***
ها هي حروفي تجنّ..
داخل أقفاص الواقع اليومي،
المتورم تفاهة وصدأ تحت ذباب الثرثرة..
ها هي حروفي تجنّ،
وتضرب رأسها بالقضبان حتى النزف..
آه كيف أروّض روحي الأثيرية،
في أبدية الخمول؟ وأسدّ مساماتي العاشقة،
بالغبار المتراكم على الوجوه حولي.. والشفاه..
كيف أعلّم شهيقي وزفيري الرتابة والطاعة،
وحرفة الانتماء إلى الأطلال، بدل الأفق؟
آه كيف تستقر أعماقي القلقة كالزئبق،
في أوعية الركود المتسنقعية
لدورة دموية، لم تدرْ منذ عصور؟..
... وكيف أحيا إذا لم أحبك،
وأشاركك سرقة النار وحب الأٍسرار؟...
***
ما الذي تفعله ذاكراك لتصير لؤلؤة سوداء
تتدلى من عنقي إلى الأبد؟
ما الذي يفعله البجع..
راكضاً بالحبر الأبيض على جناحيه،
فوق دفتر الغابات والضباب،
وأنا أهرول في قارّات ليست لي..
وأنادي حبيباً ليس لي؟
وما الذي أفعله بجثث الحروف،
إذا لم أحبك؟ كيف تدبّ الروح
في اللغة، وأشتعل بالحب المستحيل
لملايين نساء وطني الصامتات، مقطوعات الحناجر؟
وكيف أطلق سراح صرختهن،
إذا لم أختر حبك وأعيشه وأموته..
وأسبّحه داخل محبرتي هائمة على وجهك،
وجهك اللامنسي ، بحثاً عن وجهي الحقيقي؟..
***
... يظل القلم يقتحم يدي عنوة
ويجرّها إلى متاهة الورقة، لأكتبك وأتنهدك
وأعيد السلالم المعدنية المتحركة للزمن إلى الوراء
وأرسمك داخل تلك اللحظة اللامنسية،
وأنت تهمس لي: "أحبك"..
تقولها خلسة عن نفسك، وبحدّة
مثل طعنة خنجر سريعة في الظلام..
وجسدك قارّة،
الداخل إليها مفقودة، والخارج أيضاً!..
وعيناك شروق الليل، برق الأمطار الحارة.
أذكرك . أتنهدك. أستعيدك وأنا أنحني على أوراقي،
كساحرة تستحضر وجه حبيبها في مرآة،
وأكتبك بجموع القلب إلى المستحيل،
وحين ترف بأهدابك على الورقة، وتتنفس حياً،
أقفز إليك داخل الدفتر،
لنركض معاً هاربين بين السطور..
_________
1988/11/18
Anfas Elfajer
30/08/2012, 03:05 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/71347065653.jpeg
عاشقة ماتت غرقاً
___________
حين أموت،
لا تكتبوا اسمي على شاهدة قبري...
ولكن سطّروا حكاية حبي
وانقشوا: هنا ترقد امرأة،
عشقت ورقةً!..
وماتت غرقاً.. داخل محبرة!..
Anfas Elfajer
30/08/2012, 03:52 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/81347065653.jpg
عاشقة في قاع خابية
______________
أمشي في زحام الغرباء وأفراحهم
ولا أعرف أحداً.. مثل معطف
يدسّونه في خزانة مطعم مزدحم
ولا يعرف جيرانه!...
ها أنا وحيدة ومهجورة،
مثل حبة فستق منسية
في قاع خابية كبيرة موحشة اسمها باريس..
وحين أسمع صوتك آتياً من آخر الدنيا
آخر الليل، آخر سماعة هاتف،
أغمض عيني
وأراك تختال بهدوء ما بين سوادها وجفنها...
أيها البعيد اللامنسي،
باريس هي الربع الخالي... من حبك!
Anfas Elfajer
30/08/2012, 03:54 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/91347065653.jpg
عاشقة تحت المطر
____________
أحدّق في المطر وهو يلتهم النافذة،
والليل يتدفق نهراً من الظلال...
أحدّق... كما أفعل منذ ألف عام،
وللمرة الأولى.. أرى الأشباح بوضوح تام
وهي تتابع حياتها خارج الغرف الموصدة على الصدأ...
أفتح النافذة، وأمد يدي إليها
فتضمها - بأصابعها الدخانية - بحنان...
وأمضي معها إلى غابة المجهول
نتسامر بحكايا ما وراء المألوف..
آه كيف قضيت عمري كالحمقى
أخاف من الأشباح، وهم مفتاح الليل
و "كلمة السر"؟...
Anfas Elfajer
30/08/2012, 03:58 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/01347066794.jpg
عاشقة تخاف سمكة
_____________
ويكسرني الحنين: بلا لبنان، المنفي في كل مكان..
ولكن، ماذا أقول لبائع الذرة على رصيف البحر
إذا عدت إلى بيروت، ولم يجدك معي؟
ماذا أقول لعربته الصدئة بالملوحة الرطبة الحارة،
وهي التي احتفظت باسمينا
منذ حفرناهما على جسدها العتيق
في ليلة توهّج لامنسية على شاطئ "المنارة"؟
ماذا أقول للسمكة والنورس والأزهار الصفر البرية،
واشتعال الأشواق في الأشواك الليلكية؟
وكيف تصدِّق رمال بيروت،
أننا لم نعد نجيد القراءة في دفتر الحب،
وأن مدرسة الحنان
طردتنا إلى الفتور، وأغلقت أبوابها على البكاء؟
Anfas Elfajer
30/08/2012, 04:02 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/11347066794.jpg
عاشقة تمتطي حصان الحرية
__________________
من أي الأبواب أخطو إليك
ونحن أوصدناها بإتقان فيما بيننا،
وفخّخناها؟
كيف نسفنا الجسور ذات ليلة جنون
وزرعنا الألغام في الوادي، وأضرمنا الحرائق
وعاد كلّ منا إلى قواعده.. غير سالم؟
منذ افترقنا يا سيدي
وأنا أسقط في تلك البئر المعتمة داخلي..
أهوي وأتضرع كي ألامس القاع أخيراً..
***
حُبُكَ بعيد المدى
عابر للقارات الليلية والسنوات الضوئية للفراق..
ركبت طائرة الغربة هاربة منك،
فاكتشفت أنك ربانها..
هربت إلى فندق النسيان،
فاكتشفت أنك اشتريته في الليلة السابقة..
هربت في باخرة سياحية،
فوجدتها تحمل اسمك وبصماتك..
مضيت إلى جزر آكلي اللوتس،
فلقيت بناتها يهذين باسمك
وأشرق وجهك في غروب الشمس..
لا خلاص من حبك يا سيدي لبنان، إلا بالاستسلام..
***
أتذكّر غابة، تركض عبرها نار شفافة:
كنا عاشقين!
أتذكّر تفاحة بنفسجية، رمالاً بنفسجية
ثم تمتد يدك خضراء،
وعليها تركض أفراس العالم الجميلة..
وأتعلم الصهيل وخبب الليل وأحبو حتى عنقك..
أريد أن أتذكّر أنني أحببتك مرة حقاً
كي أضمك إلى السلك الديبلوماسي للذكريات
خارج حلبة حياتي الحاضرة.. وأتحدث عنك
ببرود قفاز أبيض، ووقار سفير، وحياد مشرط..
وأكرّسك ذكرى جميلة في حرم الماضي..
لا أجرؤ على الاعتراف أنك مشروع إعصار آت...
ولستَ حباً مات وفات
***
من يعاقب هذا السيد الحزن
لأن أهله رضوا ذات يوم
بمقاسمة الآخرين خبزهم وشمس حريتهم؟
أما زال الليل ينتظرنا عند منعطف التنهّدات
في تلك الجبال القمرية اللامنسية؟
أعترف بحزن أطفال المياتم: لقد أحببتك مرة
ثم قررت أنني نسيتك..
وأنا أصلي منذ ذلك الزمان الغابر
كي أكون قد نسيتك حقاً!!..
عيناك شاسعتان في المسافة بين الأرز والتبغ
والكرمة والياسمين والكرز والحرائق والمذابح
على طول الشواطئ والجبال حتى حافة جرح قلبي..
أتذكر كيف ركبت حصان الجنون إليك مرة،
وقفزت به من فوق أطفالك وأصدقائك ومجدك،
كأرعن في سباق عمى الحواجز..
ثم حدث خلل بسيط:
لقد أشرقت الشمس صباح اليوم التالي!
***
كنت أعرف أن أيامي معك
حبة سكر في فنجان شاي الصباح..
لكنني عاملت قطعة السكر كجزيرة. أقمت فوقها..
حملت جواز سفرها. نشرت راياتي. نثرت أوراقي..
دققت أوتاد خيامي. زرعت الصنوبر ودويكات الجبل...
ثم ذابت قطعة السكر، وخلّفتني في قعر الفنجان..
مرة، حفرت بئراً، فلم أجد النفط ولا الماء..
ووجدت الحبر!.. واكتشفت الحرية..
هذا قدري معك، أن لا نعيش حكايتنا
وأن أكتبها...
***
ضالة معك، تائهة، قلقة،
وضالة بدونك
مثل قطة أليفة أودعوها كيساً،
تمهيداً لرميها بعيداً في حقول فظة تجهلها..
وحين يداهمني أحد وأنا أستحضرك وأكتبك
أخاف أن تطل من نافذة عيني
فأخفيك جيداً بين أوراقي يا سيدي
وأغطيك بأسنان الضحكات القسرية الهزلية،
لكن اسمك يعلو بهدوء كمنطاد، ويتصدر الصفحات..
وأظل أكتب لك جرحي كل عام
ومن قطارات الغربة أمد لك رأسي
وأصرخ في وجه عالم متوحش
يقتلك أو لا يبالي بموتك:
كل عام وحبك سيدي يا لبنان.
Anfas Elfajer
30/08/2012, 04:18 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/21347066794.jpg
عاشقة من أول لدغة
_____________
منذ ألف عام وأنا أحبك!
مثلك أنا، لا أؤمن بالحب من اللدغة الأولى
لكنني أعرف أننا التقينا من قبل
منذ عصور، داخل الخرافي الحقيقي.
وتعانقنا صورتين على صفحة مياه الأبدية
ولا يزال ظلك يلاحق ظلي عبر العصور
داخل المرايا الأزلية الغامضة للحب
ولا أزال ممتلئة بك في خواء القرون المتتابعة..
وثمة غجري، يضيء مصابيح الحنين
وهو ينشد على غيتاره
ما تخطّه لي فوق أوراق الريح من أشعار..
وثمة غجرية ضالة في غابات العصور
تطارد فتات خبز ذكرياتها الآتية معك
كي لا تضلّ الطريق إلى "الكوما" الروحية...
Anfas Elfajer
30/08/2012, 04:27 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/31347066794.jpg
عاشقة الكتابة بالأزرق.. فوق البحر!
______________________
ليس صحيحاً، أن أقصر الطرق بين نقطتين هو الخط المستقيم!!
هكذا علمني تاريخي معك!
الحوار؟ إنه أطول الطرق بين القلب والشفتين
وبين موجاتي الصوتية وموجاتك الصمتية.
الحدس وحده قادني إليك..
وهو الذي صرخ ذات ليلة بلا صوت
إن شموعنا خمدت وانتهينا.
والفراق دس السم في قهوتنا..
مرة، منحتك قلبي عارياً كورقة بيضاء
فحرّرت عليها خطة اغتيالي.. وشهادة وفاتي!!
ولم تغفر لي، لأنني غادرت موتي بك،
وذهبت مع النوارس إلى البحر..
***
من يدلني على مدينة لم تعرف القصف،
لأذهب وأعيش فيها؟؟..
من يدلني على حقول، لم يُدفن فيها خلسة
قتيل عذبوه قبل موته؟
من يدلني على أشجار،
لم تسمع انتحاب امرأة على حبيبها المخطوف؟
من يدلني على سماء
لم تشهد زرقتها ظلماً أو قسوة
أو فكراً يُغتصب عنوة؟
لقد تعبت من حبك وزمنك
ومن رجال مثلك يتباهون بحرفة القسوة..
حبهم كتابة بالأزرق فوق البحر..
من قال: حب الرجال ليس كالماء في الغربال؟
***
افترقنا، وها هو البياض الأخير.. يتسخ
كثلج المحطات حين تدوسه القطارات .. بهبابها..
مرة، كانت يدي عصفوراً يرتعش داخل يدك
ويرجوك ألا تطلق سراحه..
ولكن يدك كانت مشغولة بإطلاق الرصاص وحياكة الشعارات..
وها أنا ممتلئة بالوطن، والموت معاً..
يركض الصدى في كهوفي كالأرواح الضالة..
أكرس نفسي لرعاية فراقنا..
أحرس العنكبوت الذي يغزل بهدوء
خيوطه فوق صورتك في عيني..
والغبار يتراكم على شفتيك..
ومن سواد عينيك يتدلى الخفاش..
وداخل ثيابك، ينهمر الثلج حتى قاعك..
والنباتات التي شهدت زمننا معاً
تركض هاربة إلى الشارع
وتتسلق الشرفات المجاورة.
***
كيف تركنا الفراق يتناسل أعواماً..
في براري العنف المكهربة؟
وتركنا الرياء يرتدينا في ليل السهرات الاجتماعية؟
كيف ارتكبنا خيانة المطر؟
كيف تنصلنا من الصفاء في حانات الملذات اللزجة؟
كيف غدرنا بالرياح، وانحزنا إلى الستائر
وادعينا أنها أنجبت العاصفة؟..
ها هي الأطلال تقف على حاضرنا، وتضحك ساخرة
ولا تجدنا نستحق حتى البكاء!!.. ثم تهطل مطراً
كأم تغسل طفليها الملطخين بالوحل..
***
ها هي المدينة تهبط على المساء
ونساء سمينات يعلفن أطفالهن
ويبكين في زوايا المطبخ المعتمة
خيانات رجال يقامرون بالحب والوطن معاً..
نساء، يحكن خيوط الشيب بالمرارة البيضاء..
.. وها أنا أركض وحيدة تحت المطر، بلا رجل ولا وطن
وآلاف النوافذ ترمقني بعيونها المشتعلة العدوانية..
وكأية نعجة سوداء متمردة
أحيك خيوط حريتي بعيداً عن دروب القطيع..
وأحاول عبثاً اختراع مصير ثالث
لامرأة آتية من العالم الثالث..
"هل تريد أن تعرف سر قوتي؟
لا أحد أحبني حقاً قط"...
ها أنا أسقط،
لكنني مصرّة على ترك آثار أقدامي وآثار أقلامي
فوق عتمة الهاوية.. وبياض الورقة!!..
Anfas Elfajer
30/08/2012, 04:31 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/41347066794.jpg
عاشقة تطارحها بيروت الحزن
__________________
أعدو إلى النسيان،
فيجمح بي حصان الذاكرة...
أمشي وحيدة على محيط الكرة الأرضية،
ويركض خلفي ذلك الماضي كله كطفل يبكي...
بيروت، سرقت عتباتك مني خطواتي وأنا أغادرك. فكيف أمضي
بعيداً؟
في كوابيسي، لا أزال أقف كل ليلة أمام أسوارك المزينة بجثث آلاف
القتلى والمخطوفين،
ووجوه الشبان تتدلى فوق أبوابك كالمصابيح المطفأة..
أقف وأستجدي النسيان،
وأقايضه بعمري الآتي، فهلا أطلقت سراحي من حبك،
كي أتزوج من الفتور؟
***
نمت خمسة عشر عاماً، نمت طويلاً..
وحين استيقظت،
كان المذياع يتابع نشرة الأخبار ذاتها..
والصحف تنشر صورة المذابح نفسها..
وحين حاولت أن أطل من النافذة،
فوجئت بأنهم سوّروها بالقضبان الحديدية..
وشاهدت رجالاً يعمِّرون الأقفاص الإسمنتية،
وهم يهتفون باسم الحرية..
أتذكر زمن الأفق حتى القمر،
يوم لم يكن التنفس خطيئة مميتة..
( ولم تكن عدّادت الهستيريا المسلحة تحصي الأنفاس وتكمّم
الحناجر. أتذكر زمن الصحو، بعيداً عن التنويم المغناطيسي لأكاذيب
تنتعل الرصانة.. قبل أن يأتي آخر الزمان حين تصنع العمامةُ
شيخاً، ويصنع الرداءُ الكاهنَ، وقبل أن ينصب اللامعقول مسرحه
في شوارعنا، وقبل سقوطنا في السوريالية السياسية بين يمين الدمار
ويسار الكافيار، وقبل ذبح الضعفاء باسم "المستضعفين"، وقتل
الثورة على يدي "الثوار"، وقبل أن تسود السوريالية السياسية ونصرخ
"كلنا للوطن" ونذبح الوطن بالتكافل والتراضي.. وقبل..
وقبل... وبعد... وبعد... وقبل أن نفقد ذاكرتنا.. وماذا كنت
أقول؟... نسيت...)
***
لقد غدروا بنا..
منحناهم رقعة القلب وحلم التوحيد والوحدة
فقايضوا بنا على رقعة شطرنج الأمم..
وملأوا بدمنا برك سباحتهم المترفة
وشحنوا جثننا إلى المنافي..
وقلنا: غداً نعود..
ورمل الزمن يتابع تدفقه فوق رؤوسنا..
والآن، وحبات الرمل تكاد تملأ حناجرنا
ما زلنا نؤكد بلا صوت كالمجانين: غداً نعود..
***
ذكراك يا بيروت مزيج من الدمع والتبغ
ورائحة زهر الليمون والبارود،
ومواكب العطور والغنج والجنازات،
وخضرة الأرز الداكنة ولهيب الحرائق،
وملوحة البحر الشهية وعويل سيارات الإسعاف التي عبثاً تكنس
الموتى كلهم.
ذكراك مزيج سوريالي من الموت والحياة والجنون والعقل والإغماء
والصحو..
بيروت، شيء من الجنون على حافة المستحيل،
فراقك..
Anfas Elfajer
30/08/2012, 04:34 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/51347066794.jpg
عاشقة مطعونة بالذاكرة
_______________
* ما الذي تفعليه الليلة؟
- أهبّ على رياحك، وأتساءل:
هل في قلبك متسع لأحزاني؟
وهل في الليل متسع لجنوني؟
وهل في وطني متسع لتمردي؟
وهل في الموت متسع لموتي؟
وهل في الهذيان متسع لرفضي؟
وهل في الأفق متسع لصهيل رحيلي؟
وهل في الورقة متسع لحبي وبوحي
ولحرية ألعابي النارية؟...
***
* أنتِ متهمة باغتيال روبنسن كروزو...
- أحيط نفسي بحقل سليط الهدوء،
وأسوّر هاتفي بصمت فظ،
أكهرب المياه المحيطة بجزيرتي،
وأعمّر من الموج أسواراً شاهقة،
وأعلن نفسي "جمعة"...
وأقتل روبنسن كروزو مع مطلع كل صباح..
لأنفرد بصوت روحي، وأنتحب
بينما الأبجدية تكتب نفسها بين أصابعي...
فأنا مواطنة ملدوغة بالوطن،
مطعونة بالذاكرة، مضرجة بالهزائم
مغدورة بالالتباس بين "الثورة" و"الثروة"،
وقد شبت النار في أطراف قلبي
وخلّفته مثل ورقة تسلى طفل عابث بإحراقها...
وعبثاً أروض حياتي على حبال ذلك السيرك العربي الكبير،
وعبثاً تقنعني سياط المروض،
بأداء "نمرة" الرقص على الحبال معصوبة العينين...
***
* لماذا تحبين غرف الفنادق؟
- لأن غرفة الفندق مكان بلا ماضٍ
ولا تعذبنا فيها فلول "النوستالجيا" وجند الذكريات..
غرفة الفندق منطقة حرة، بين الطعنة والطعنة...
* ولماذا ترحلين وحيدة حتى من صديقة؟
- تدّعي أنها صديقتي،
وهي تتحسس عمري بإعجاب لا زيف فيه،
كما تتحسس نجمة المجتمع
فراء فقمة حيّة تشتهيها معطفاً بعد ذبحها!...
***
* لماذا تسخرين من كل شيء؟
- لا أسخر من حبك،
فقد مررتَ بغرفتي،
وكتبتَ على ستائري الرمادية
خضرة الحقول وأفراح السنابل،
ورسمتَ على الملاءة البيضاء لسريري
براءة البراري لحظة الفجر
وها أنا أطارد حصاناً برياً تحت وسادتي...
***
* ماذا علّمك حبي؟
- علمني أن الغول والعنقاء والخلّ الوفي،
حقائق مؤكدة،
فقد عايشتها جميعاً حين خطوت داخل مرآتك..
فراقك الغول
وجنوني بك العنقاء
والموت وحده هو الخلّ الوفي
الذي لم يخلف يوماً موعده مع أحد..
وأنا متّ مرات بك ومعك.. وبدونك...
***
* ماذا تتمنين؟
- أن يصدق وعد الضوء في آخر النفق..
وتمتلئ بيروت بزينة ميلاد السلام والمحبة،
شجرة ترقص ضوءاً داخل كل قلب..
أريد أن أتمشى معك على الشاطئ
دون أن تصطك أسنان الأسماك ذعراً..
أريد أن نراود بيروت عن نفسها بالمحبة،
دون أن تغلق البيوت أجفانها ونوافذها المعتمة..
ويهبط أطفالها إلى الملاجئ على حبال الخوف...
***
* متى تكتبين حكاية حبك معنا، بيروت وأنا؟
- حبك من أمامي
حبك من ورائي
فأين المفر؟
وكيف أتحول إلى سحابة
تحلّق فوق معاركها وقتلاها
لتخطّ بهدوء بارد كمشرط، محايد كمصباح،
تاريخها مع حصان طروادة...
Anfas Elfajer
30/08/2012, 04:35 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/61347066794.jpg
عاشقة السرّ
________
رجل ممحاة
أصابعه تمسح ضوضاء الذاكرة
وتعيد القلب سبورة نظيفة
لطباشير الأطفال الملوّنة.
رجل زئبق، تخسرينه إذا حاولت الإمساك به.
عصفور مستحيل يحترف إضرام النار في الأقفاص.
رجل مجرّة،
لا يطيق سجن البحر الشاسع
راحلاً أبداً إلى ما وراء جدار الأفق.
رجل كالخرافة يعبر النساء كالظل
في مواكب أمومة تنجب الدهشة.
رجل كاللغم الشهي فوق أرائك الانفجار الضوئي الملوّن
رجل الحضور الخفي،
الحاضر ولكن تحت جلدي، كالضوء داخل المصباح.
***
متأججة بحبك، مشتعلة بحرائق جنوني
ولكن داخل صَدَفة العقل المتكلسة
المتسترة حتى على دخان نيرانها السرّية..
وأصابع حبك تهزني من كتفي
كلما ذهبت لأنام، وتوقظني خلية بعد أخرى.
آه متى يتنهد الكسل ملاءاته البيض لسريري،
متى يهديني الكسلُ التثاؤب ووسائد الفتور؟
Anfas Elfajer
30/08/2012, 04:37 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/71347066794.jpg
عاشقة الأوهام الحقيقية
________________
كثير من الأصباغ والأقنعة والقهقهات البكائية
كثير من ثرثرة دخان السجائر والأحلام الرثّة
كثير من القلّة والقحط..
وها أنا وسط ذلك الجنون الهذياني الموسمي
وحيدة في الركن، نملة على طاولة الكؤوس الثملة
أخط هذه السطور إليك
لأقص في ورقتي البيضاء نافذة
أقفز عبرها إلى الغابة
وأركض صوب ضوء كوخك.
شاسع هو الأفق الذي أعرفه،
شاسعة هي الآفاق التي أجهلها..
قلبي يحدثني: لا شيء هنا
لا شيء هناك
وحبك الوهمي
حقيقتي الوحيدة في هذا الخواء المريع..
ولولاك، لعمّرت هرماً من .. خيباتي!
Anfas Elfajer
30/08/2012, 04:39 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/81347066794.jpg
عاشقة منتصف الليل
______________
عبثاً أطلق سراح نزواتي الغجرية
من حضورك المهيمن اللاملموس
عبثاً أنهال بفأسي على ظلك فوق جدار عمري
فينهدم الجدار، ويبقى الظل!...
لست من اللواتي يحوّلن الحب
إلى مروحة صدئة
لا تتقن غير الدوران في سقف الانتظار
وحبك يطلق سراحي حتى من حبك
لكنني كنت أشتهي أن يكون وجهك
أول وجه يطالعني مع زفرات أنفاس العام الجديد!
Anfas Elfajer
30/08/2012, 04:41 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/91347066794.jpg
عاشقة الفراق
_________
وسوسني الحب،
وسوّل لي أنني غابة شاسعة تحت القمر..
فلم ألحظ تلك الليلة،
أنني لستُ أكثر من شجرة أحرقها الإعصار،
ولم أسمع أصوات الحطّابين
وهم ينهالون بفؤوسهم على جذعي...
يا صديقي،
تبادلنا الأدوار
مرة أنت المطرقة،
ومرة أن المسمار...
ويضحك في سره الجدار...
***
كأية مجنونة حرف،
تعشق الحب وتكره الحبيب
لا أريد أن أتعرّى من حبك
كي لا أفقد ذاكرتي
ولا أستطيع أن أرتدي حبك
كي لا أفقد ذاتي..
أريد أن أتلاشى في حبك
كما يتلاشى جسدي في النوم،
وأريد أن أنهض من حبك
صباح اليوم التالي، كمن ينهض من حلمه،
كأن شيئاً لم يكن..
ولكن كيف؟ ومن يستطيع أن يؤكد
أن ما نراه في أحلامنا
لا يحدث لنا حقاً؟..
ولماذا كلما أهديتني وردة في الحلم
أجدها على وسادتي فجر اليوم التالي؟
Anfas Elfajer
30/08/2012, 05:42 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/01346637457.jpg
عاشقة نسيها النسيان
_______________
* أيتها الغريبة،
أما زال في قلبك متسع لحبّي؟
- حبك لا يتسع له النسيان يا سيدي...
* ولكنك تحاولين مسح توقيعي عن جلد زمنك
بممحاة الزمن...
- أقتلك عند منتصف الليل،
وأتركك في الحي اللاتيني تتخبط بدمائك،
وحين أعود منهكة لأنام،
أجد شبحك متربعاً فوق وسادتي..
وعلى فمه ابتسامة انتصار.. وأنهار..
* وحينما أرحل، هل تفلحين في إلغائي؟
- ليل نهار، حضورك مهيمن في كل لحظة،
وإن كنت أعجز عن لقائك ورؤيتك
عجز العين عن رؤية الحاجب...
ما هو النسيان يا سيدي،
وأنت حين تزورني في كهفي الباريسي وتمضي،
تنمو شجرة ياسمين قرب مقعدك الخاوي،
وتفوح رائحة البحر البيروتي من آثار أقدامك...
***
* ولكنك متمردة حتى على حبّي...
- وهل عليّ أن أقيد الغجرية التي تقطنني
بالسلاسل، إلى حجارة سجنها..
وأجلدها بسياط الرياء لتتعلم الطاعة للتثاؤب؟
أم أعلن على الملأ
أن حياتي تزوجت من موتي، على قارعة التمرد،
فأنجبا طوفاناً من الحبر
راكضاً كالنمل على أوراق الدهشة والفضول...
متمردة؟ ربما، على المنطق اللامنطقي للأشياء...
ولأنني أصدق حبنا،
أقسم بالتحليق أن بساط الريح حقيقة واقعية،
حينما تمسك بيدي،
ونقلع معاً على شواطئ لبنان المقمرة، إلى القمر نفسه...
* متمردة مثلك، كيف تحب حرفي "التراثي" الصياغة؟
- عشق النجوم، رغم أنها "كلاسيكية"!...
هكذا أحب رياحك التي تتقن عربية أجدادي
وتعيدني في كل سطر
حبة رمل مطيعة في صحارى بلادي..
***
* ترحلين كثيراً، فهل نسيت لبنان؟
- أرحل وأنا أخبئ في قلبي
قرى متوّجة بالقرميد الأحمر،
تقطنها عصافير الذكريات وفراشاتها الذهبية..
أرحل بدروب جبلية لهثنا معاً
ونحن نتسلق أشواقنا وجموحنا فيها،
وشطآن اخترعت أبجدية الأفق...
أرحل ببيوت خضر احتوتنا معاً،
أغلق عليها ضلوعي بعد أن أقفل أبوابها جيداً
بمفاتيح صمت يشبه البكاء المتعجرف بكبريائه..
أرحل وأنا أخبئ في قلبي وجوهك وأصواتك
ويدهشني كيف لا تصفّر الماكينات الأمنية في المطارات
حين أعبر مضائقها ووطني في شراييني،
وكيف لا ترتسم صورتك في قاع ذاكرتي
على شاشات أجهزة كشف الخفايا والدواخل...
لا أريد أن أنفش الحروف كالقطن
حين أتحدث عنك وعن وطني،
ولكن حين تهرول أحصنة الليل السود فوق رأسي،
ماذا أقول لك، وأنا أتناول ذكرياتي
كالخبز المسموم على موائد الفراق؟
***
* وبيروت؟
- آه كيف يتكوم البكاء في حضن الليل ويبكي
ويرتجف كقط صغير مذعور،
كلما نسي نسياني بيروت...
وأنا أتابع عبثاً مشيتي المتعجرفة على الذكريات
في مدن جديدة، أصرّ على أن أتعلم حبها
كلما تعلمت لغاتها، وعبثاً أحاول،
فالمرء لا يملي على نفسه أحلامه وكوابيسه!...
بيروت؟ ثمة ضوء في آخر النفق،
فلنصلّ من أجله ليلة رأس السنة بخشوع،
بدلاً من هستيريا سيمفونية "الزمامير" والبالونات المفقوءة..
* وكيف ترين ما حولك؟
- أراه مصحاً عقلياً للسوريالية السياسية...
من رسم هذا الشطرنج الجهنمي وخلط أوراق اللعب
ولم نعد نميز بين "الثوار" ويسار الكافيار والدولار؟
لماذا تقيم نفرتيتي في برلين،
وما الذي أفعله أنا في الحي اللاتيني الباريسي،
وكيف تناثرنا هكذا بين القارّات غربة مغتربة؟
* ماذا تخبئ الأيام لحبنا؟
- لك أن تختار،
بين أن تظل هكذا، نجماً بعيداً يضيء حياتي بهدوء
وبين أن تهوي مرتطماً بأيامي كشهاب مجنون
لنحترق معاً...
لك أن تختار، بين مباهج البعد والشفافية والأبحدية
وبين محرقة العابر المشتعل الشهي كمذاق الفطر الشيطاني...
* وأنت ماذا تقولين؟
أقول كجدي الشاعر: "أمران أحلاهما مر" فراقك ولقاؤك...
Anfas Elfajer
30/08/2012, 05:45 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/11346637457.jpg
عاشقة الأسرار العلنية
______________
* أيتها المرأة، ماذا تريدين؟
- أريد المزيد من الأصابع
لأشير بها كلها إليك،
وأصرخ: هذا حبيبي.
* أيتها المرأة، كيف بدأت؟
- ولدت طبعة غير منقحة
لكتاب أحرقه جدي مرات ومرات...
ثم دفن بقاياه في الرمال والرماد..
ومنذ ألف عام وأنا أقضي عمري،
في إصدار طبعات جديدة له،
وأحاول تصحيح بعض الأخطاء..
التي اقترفوها ضد حياتي.. لضرورة الشعر!..
***
* أيتها المرأة، أين تعيشين؟
- في جمهورية العنكبوت، حيث يحكمون
على العاشقة ، بالإقامة الجبرية في ثقب الباب...
محرّم علينا الإقامة داخل المهرجان
لنشارك أهل البيت تقرير مصير الأسوار
ومحرّم علينا الرحيل بعيداً خارج سماعة الهاتف..
لقد غادرت أوكار الهمس،
وأعلنت أجنحتي ضد خفاش الخرائب...
وعلى خرائط اللعنات طرت إليك
وبوصلتي الصدق المتأجج تحت الشمس...
وعلى جبيني كتبت عنوانك
وألصقت رسمك طابع بريد..
***
* أيتها المرأة هل تحلمين؟
- حلمت أننا سمكتان شفافتان
تسبحان معاً في بحر أزرق شاسع..
وعيناك ترمقانني بنظرة كالموسيقي الحنون..
وحين استيقظت، لم يدهشني أن ماء البحر
كان لا يزال يقطر من شعري..
من يقنعني بأن ما أراه في أحلامي
لا يحدث لي حقاً؟
* أيتها المرأة، ما هو شعارك؟
- في العجلة السلامة، وفي التأني الندامة!
هكذا علّمني حبك...
***
* أيتها المرأة، علامَ تشهدين؟
- أشهد على مكتبة الجنون..
وأراها طردت صاحبها وتوّجت جرذانها وعناكبها..
وها هو خشب رفوفها،
يتحول ثانية إلى أشجار..
وها هي كتبها تقرأ جيداً وجوه القراء..
وتطرد معظمهم!
وثمة كتاب يلتهمني عند نافذة الحديقة...
* أيتها المرأة، هل تذكرين؟
- أعجز عن استحضار حكاية حبنا وتأملها
والتحديق فيها حريقاً بعد آخر
كما أعجز عن التحديق في الشمس..
* أيتها المرأة، ماذا يخيفك؟
- أخاف من الأشباح، وأحزن لأنني بعد موتي
سأتحوّل إلى شبح،
وسأخيف امرأة أخرى وحيدة مثلي!...
Anfas Elfajer
30/08/2012, 05:52 AM
http://www.3roos.com/files/ups/2012/205182/21346637457.jpg
عاشقة يروادها البكاء عن نفسها
______________________
... ولم يعد المطر يهطل على الورقة
حينما أخطّ اسمك عليها.. ولم تعد العصافير
تقطن أعشاش حروفه ونقاطه...
ولم يعد قلمي يغرورق بالحنين، ويحاول الانتحار
حينما أسطّر به عبارة "وداعاً" لزمنك..
ولم تعد محبرتي
تستحيل بحراً شاسع الزرقة والضوء
وهي تسيل حباً في رسائل تمجيد لعينيك..
وها أنت تتحوّل في برادات النسيان،
إلى ذكرى مثلجة وبغيضة،
كجثث المجرمين الذين لا يتعرف عليهم أحد...
كم كنت أكره تعليب حبنا في قصائد..
تمهيداً لدفنه في تابوت له دفتا كتاب...
بعدما كان طليقاً في الغابات والبراري والشواطئ..
بين صور وبعلبك وبرمانا والأرز.. و..و..
ولكنك أضرمت النار في دفتر الأشجار..
وكان حبك عيداً من الصفاء والأمل،
فصار كرنفالاً في مصحّ عقلي
أطباؤه أعنف مجانينه!..
***
لا أستطيع أن أتملقك كما يفعلون..
ولا الادعاء بأن مسدسك أنيق وشفاف،
ورصاصك موهوب، ومدافعك كمنجات الفرح
ومتاريس رملك تحف معمارية..
ومجازرك "تكتيك" بارع لإستراتيجية "إنسانية"..
وأنت تستحم بلعنات المشردين والمعاقين والثكالى..
وتذبح عيد الأطفال،
وتشنقهم من شعرهم إلى الأراجيح
وتصنع من جلودهم المسلوخة أحذية لمرتزقتك..
وتطرب لجوقة قراصنتك، وناهبي سفن الأبجدية
وهم ينشدون "فعولن مفاعيلن" لمجدك..
والأفاعي تشاركهم الفحيح..
والأيدي المقطوعة تصفّق في فراغ الوطن،
ونحن نحتضر في الملاجئ لحكمةٍ نجهلها!...
***
لأن وهج الشعارات ليس خبزاً وحرية وأمناً
لم يعد بوسعي اختراع التبريرات لجنونك الموسمي..
... ولم يعدْ جلدي يرحّب ببصماتك..
فمكانها في متحف المجرمين السفاحين الكبار...
وأنا أنتمي إلى قافلة الشعراء "الحمقى"،
الذين يجهلون مزايا التغزل بالجزرة والعصا معاً،
فابحث عن مؤرخ سواء..
يُزيّف تاريخك مع الخنجر والدم والعيون المفقوءة،
على طول خمسة عشر عاماً من الظلمات،
واختطاف العيد رهينة في أقبية غرورك...
***
بكاء يركض في الشوارع عاري القدمين
كالأطفال المذعورين من القنابل والألغام معاً..
.. كان حبك كقبعة الحاوي المشعوذ،
خاوياً، ومليئاً بالأوهام الجميلة الملوّنة...
وصرت حينما تلمسني
أتحول من أميرة إلى ضفدع
وأكون مستيقظة، فأنام دهراً من الكوابيس...
تعبت منك، ومن أقنعتك وألسنتك وببغائياتك..
تعبت من سفاحي ملصقاتك، طواويس الغطرسة..
"شهداء" النهب في شتاءات الدم واللعنة..
تعبت من الخرائب المعلّقة والأوبئة في ركابك...
والحرائق تشتعل في موطئ قدميك..
تعبت من محاضراتك عن "الكادحين"
في فنادق "الباهامس" ومنتجعات "هاواي"...
وتعبت من بياناتك عن "المسحوقين"
تسطّرها في طائرتك الخاصة
وأنت تغط قلمك في سواد الكافيار الإيراني..
سئمت محاضراتك عن التُقى،
ورائحة الشمبانيا تهب من فمك،
وبالرغم من عبير عطرك الفرنسي الثمين،
تظل تفوح منك روائح أدوية تحنيطك..
وفي ظل هذيانك "النضالي" المزور و "رفاقك"
صار العيد يطارحنا البكاء
والهجرة تراودنا عن أنفسنا..
والموت يغتصبنا في الملاجى..
***
لم تترك لنا من العيد غير زيارة المقابر...
أركض في مقبرة لبنان الشاسعة..
أقرع شواهد قبور أحبائي بطرف قلمي
يطلعون منها ودمهم ما زال ينزف
ويسألونني : لماذا استدعيتنا! هل تبدّل شيء؟
هل عادت أميرة الحرية من غيبوبتها
وانتهت مهرجانات مصاصي الدماء؟
وهل صار العيد ضيفاً مكرماً
في شوارع العويل والكراهية العمياء؟
وأدفن نفسي في أكفان خجلي منهم،
وأهمس بعار تلميذ كسول: لا... لم...
ويعاتبني الأموات: إذاً لماذا استدعيتنا؟
وأنهمر أشواقاً وحزناً وبكاءً: لقد افتقدتكم!...
Anfas Elfajer
07/09/2012, 06:11 AM
مقدمة
_____
لم ولن يكون الرجل مبدع الحضارة الوحيد، وإنما تقوم جدلية الحضارة على امتزاج لحنين وتفاعلهما في إنتاج هذه الحضارة، والواقع أن أي تأزم بين هذين اللحنين ينعكس سلباً على مجمل الحضارة وعلى توازنها، والحال أن لحناً مميزاً يصدر عن إبداع الرجل وعمله الخلاق، ولحناً مميزاً آخر يصدر عن إبداع المرأة وعملها الخلاق أيضاً، وكل لحن يعكس صورة ما، هذه الصورة تشتاق للصورة الأخرى، لأنه بها ومن خلالها يتمخض الوجود ويتحقق.
لعلّ الأديبة غادة السمان وقفت إلى جانب الرجل، بقلب ووجدان إمرأة، تشاركه معاناة الوجود، وتغوص في أغوار النفس بعيداً عن الأقنعة، بحثاً عن أسرارها وحقائقها، وفي معاناتها هي بدورها في البحث عن الحقيقة، بعيداً عن التعصّب، والمسلمات، وضيق الأفق، والأحكام المسبقة، يتبلور وعيها أكثر فأكثر، وموقفها من الوجود، فتأخذ على عاتقها النضال جنباً إلى جنب الرجل، تريد تغيير وجه المجتمع البائس، فتثور، وهي بدورها تبرهن أنها قادرة أيضاً أن تحمل هموم المجتمع، والجيل القادم، والشباب، فيتدفق من أعماقها نهر هادر من إبداع حي نراه بين قصة قصيرة، وشعر، ورواية، ومقالات.
المصدر : اكتشف سورية (http://go.3roos.com/ttgweguujys)
Anfas Elfajer
07/09/2012, 06:16 AM
سيرة حياتها
_________
مولدها وطفولتها
____________
وُلِدَت غادة أحمد السمان في دمشق عام 1942، والدها الدكتور «أحمد السمان» الذي نشأ فقيراً، وكان في حياته عصامياً، وعمل مؤذناً في الجامع أثناء دراسته الجامعية، إلى أن أصبح أستاذاً جامعياً، فعميداً لكلية الحقوق بدمشق، وذلك طوال عقدين من الزمن، ثم رئيساً للجامعة فوزيراً للتربية والتعليم.
والدتها الأديبة «سلمى رويحة» كانت مدرسة للغة الفرنسية، توفيت وغادة ما تزال طفلة قبل أن تعيها، فتربت غادة في كنف جدتها لأبيها، وهكذا فهي لا تذكر عن أمها شيئاً سوى زيارتها لقبرها كل عام باللاذقية.
إذاً كان للدكتور «أحمد السمان» الدور الكبير في تربيتها، حيث خصها باهتمامه وعنايته، وعلّمها قوة الإرادة، معتبراً الإرادة عضواً كسائر الأعضاء في الجسم، إن لم يعمل الإنسان على تدريبها وتنميتها فإنها تضمر وتصير غير ذات فاعلية. وعلّمها منذ صغرها اللغة الفرنسية، ودرّبها على قراءة القرآن، وأدخلها في عالمه الثقافي والاجتماعي.
تعليمها
______
وتروي غادة السمان عن سنوات المراهقة الأولى التي قضت فترات منها في بيتها المتواضع بقرية «الشامية» حيث بدأت تعشق الحرية، وبدأ حب المغامرة يفعل في حياتها. وتلقت علومها في مدرسة البعثة العلمانية الفرنسية بدمشق، وفي مدرسة التجهيز الرسمية.
إلا أن موهبتها على الكتابة بدأت تتفتح حين كانت في المدرسة الثانوية، حيث نشرت أول قصة لها في مجلة المدرسة تحت عنوان «من وحي الرياضيات»، ولاقت تشجيعاً من مدرّسة اللغة العربية فكتبت عدداً من القصص القصيرة للمجلة الأدبية الخاصة بالمدرسة.
وتذكر غادة السمان أن والدها كان يرغب أن تصير طبيبة، إلا أنها بعد حصولها على شهادة البكالوريا العلمية، وذلك بناء على رغبة والدها في دراسة «الفرع العلمي»، فقد عزمت على دراسة الأدب الإنكليزي، وهكذا كان.
كانت أول مقالة كتبتها عن تحرير المرأة عام 1961. وفي عام 1962 نشرت مجموعة من القصص القصيرة بعنوان «عيناك قدري».
عملها
_____
وأثناء دراستها الجامعية عملت أمينة مكتبة، ومدرّسة لغة إنكليزية في مدرسة ثانوية في دمشق، كما أنها قامت بتقديم برنامج إذاعي شعري من الأدب العالمي كانت تترجمه بنفسها عن الإنكليزية، إلى أن تخرّجت من الجامعة السورية عام 1963، حاصلة على شهادة الدراسة العليا في الأدب الإنكليزي، وباشرت حياتها العلمية كأستاذة محاضرة في جامعة دمشق وذلك لمدة عامين.
سفرها
______
إلا أن معالم تمايزها وتفرّدها، قد بدأت تلوح في الأفق حين انتقلت إلى بيروت عام 1964، لكي تحصل على الماجستير في الأدب الإنكليزي في الجامعة الأميركية، وقد ضمنت لنفسها وظيفة مدرِّسة في إحدى الثانويات، إلا أنها لم تستمر أكثر من شهر حتى تحولت إلى النشاط الصحافي الذي اتخذت منه مهنة دائمة. وكانت أطروحة الماجستير «مسرح اللامعقول»، وهو تيار أدبي سنتلمسه كثيراً في أعملها المقبلة.
وأثناء ذلك بزغ إلى الوجود عملها «لا بحر في بيروت» عام 1965، ثم «ليل الغرباء» عام 1966، وأظهرت هذه الرواية نضجاً كبيراً في مسيرتها الأدبية، وجعلت كبار النقاد مثل محمود أمين يعترفون بها وبتميزها.
إلا أن تصميم غادة على أن تكون ذاتها وتحققها على أكمل وجه دفع بها للسفر عام 1966 إلى لندن للإعداد للدكتوراه في الأدب الإنكليزي، إلا أنها لم تستطع الحصول عليها، وفقدت بالتالي الرغبة في متابعة الحياة الأكاديمية.
الفترة العصيبة في حياتها
__________________
تأثرت غادة السمان بجملة من الأحداث ذات الوقع العنيف في تلك الفترة، وبدأت هذه الأحداث في صيف العام نفسه حين توفي والدها، تلاه صدور حكم عليها بالسجن غيابياً لمدة ثلاثة أشهر بسبب مغادرتها سورية بلا إذن من الحكومة وهي من حملة الشهادات العليا، وكانت آنذاك ما تزال في لندن، وأتت ضربة جديدة، إذ فقدت عملها الذي كانت تعيش منه كمراسلة لإحدى المجلات اللبنانية، تلتها ضربة أخرى، وهي وقوع القطيعة مع عائلتها، وبالتالي انقطع عنها أي مصدر تمويل، وقد ظن مجتمعها البورجوازي آنذاك أنها امرأة هالكة لا محالة، لكن سمو روحها لم يتركها تنزلق وتستسلم، بل جعلت من الضربات والصعوبات والتجارب المرّة ذلك الرحم الذي تتكوّن فيه شخصيتها المبدعة وتولد من جديد إلى العالم، بعد أن اختبرت معنى الألم في حياتها.
ودفعها هذا الاختبار لتتعلم الكثير عن طبقات شعبية لم تكن تعرف شيئاً عنها، فإذا بها تشاركها معاناتها، وتفهمها، وإذا بها تبدأ بالحياة كامرأة، وتزداد وعياً كفنانة، ولاشك أنها أثناء مرورها في هذه الفترة العصيبة من حياتها، والتي ساهمت إلى حد كبير في تكوينها الروحي والنفسي لا بل والجسدي أيضاً، فقد ظهر بعض المخلصين ليقفوا إلى جانبها، ويمدوها بدعمهم المعنوي والملموس، ومن أبرزهم كان الأديب الشهيد غسان كنفاني.
امتدت هذه الفترة بين عامي 1966-1969، قضتها متنقلة بين لبنان ومختلف البلدان الأوروبية، وتعتبر غادة أن هذه الفترة هي التي صنعت غادة الثمانينيات، إلى درجة أنها تعتبر أن من لم يعايشها في تلك الفترة، فإنه لا يعرف عنها شيئاً.
زواجها
______
وفي أوائل السبعينات تزوجت غادة السمان في لبنان من الدكتور «بشير الداعوق» وهو أستاذ جامعي، وصاحب «دار الطليعة» للنشر، وأنجبت منه ابنها «حازم» الذي أسمته تيمناً باسم أحد أبطالها في مجموعة «ليل الغرباء»، وكان قد صدر عفوٌ في السبعينات في سورية «عن جرائم ترك العمل لحملة الشهادات العالية والسفر بلا إذن»، وقد شملها.
المصدر : اكتشف سورية (http://go.3roos.com/ttgweguujys)
Anfas Elfajer
07/09/2012, 06:21 AM
منشورات غادة السمان
__________________________
وفي عام 1977 أسست دار نشر خاصة بها سمتها «منشورات غادة السمان» مقرّها بيروت، ونشرت فيها مؤلفاتها التي صدرت منها طبعات كثيرة.
في أواخر السبعينات جمعت غادة السمان آثارها الأدبية والفكرية والصحفية، غير المنشورة سابقاً، في سلسلة من المجلدات تحت عنوان «الأعمال غير الكاملة»، وأعطت لكل مجلد عنواناً خاصاً به يوحي بشيء من موضوعات الكتاب، وحاولت أن تخلق توافقاً بين مواد الكتاب، خصوصاً أن أغلبها نُشِر في المجلات الأسبوعية في فترات مختلفة، وقد أسمتها بالغير الكاملة، لأن إنتاجها لم يتوقف.
إقامتها
_________
تعيش غادة السمان في باريس منذ أواسط الثمانينات. ولا تزال تكتب أسبوعياً في إحدى المجلات العربية الصادرة في لندن.
أعمالها
_________
مجموعات قصصية قصيرة
________________________________
1) عيناك قدري، 1962.
2) لا بحر في بيروت، 1965.
3) ليل الغرباء، 1966.
4) رحيل المرافئ القديمة، 1973.
5) زمن الحب الآخر، 1978.
6) القمر المربع: قصص غرائبية، 1994.
مجموعات شعرية
_____________________
1) حب، 1973.
2) أعلنت عليك الحب، 1976.
3) اعتقال لحظة هاربة، 1979.
4) الحب من الوريد إلى الوريد، 1981.
5) أشهد عكس الريح، 1987.
6) عاشقة في محبرة، 1995.
7) رسائل الحنين إلى الياسمين، 1996.
8) الأبدية لحظة حب، 1999.
9) الرقص مع البوم، 2003.
الروايات
___________
1) بيروت 75، 1975.
2) كوابيس بيروت، 1976.
3) ليلة المليار، 1986.
4) الرواية المستحيلة: فسيفساء دمشقية، 1997.
5) سهرة تنكرية للموتى، 2002.
أدب الرحلات (مقالات أدبية)
__________________________________
1) الجسد حقيبة سفر، 1979.
2) شهوة الأجنحة، 1995.
3) القلب نورس وحيد، 1998.
4) رعشة الحرية، 2003.
مقالات صحفية ودراسات
______________________________
1) السباحة في بحيرة الشيطان، 1979.
2) ختم الذاكرة بالشمع الأحمر، 1979.
3) مواطنة متلبسة بالقراءة، 1979.
4) الرغيف ينبض كالقلب، 1979.
5) ع-غ تتفرس، 1980.
6) صفارة إنذار داخل رأسي، 1980.
7) كتابات غير ملتزمة، 1980.
8) القبيلة تستجوب القتيلة، 1981.
9) قراءات لحفل تأبيني، 1984.
10) البحر يحاكم سمكة، 1986.
11) غربة تحت الصفر، 1987.
12) الأعماق المحتلة، 1987.
13) تسكع داخل جرح، 1988.
14) رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان، 1992.
15) إسرائيليات بأقلام عربية – الدس الصهيوني، 2001.
ترجمة
1) الشعوب والبلدان، 1959.
المصدر : اكتشف سورية (http://go.3roos.com/ttgweguujys)
Anfas Elfajer
07/09/2012, 06:27 AM
أدبها وتأثيرها على مسيرة الأدب
___________________
الأدب الإنساني
__________
تؤمن غادة بوجود «الأدب الإنساني» وترفض التصنيفات التي تقول بأدب رجال وأدب نسائي، كما أنها تعتبر نفسها أديبة «تجريبية»، فها نحن نسمعها تقول: «نعم، أنا تجريبية حتى لحظتي الأخيرة، وهاوية لا محترفة، لأنني أنمو داخل الكتابة لا خارجها».
الأسلوب التجريبي في القصة القصيرة
______________________
وفي هذا السياق تعبّر الدكتورة ماجدة حمود حول أسلوب الحداثة في القصة القصيرة فتقول: «أسلوب الحداثة أسلوب تجريبي، يمتلك كل كاتب طريقة خاصة، تنأى به عن التقليد، دون أن يعني هذا القول وجود حاجز حديدي، في كثير من القصص، يفصل بين الطريقة التقليدية، التي تقدم فضاء القصة بشكل منتظم عبر لغة واقعية، وبين الطريقة الحديثة التي تجسد صوت الأعماق، عبر لغة الشعر».
«أخيراً نعتقد أن الشكل التجريبي قد ساعد الكاتبة في تقديم رؤاها، وفي التعبير عن همومنا بشكل أعمق وأجمل مما كان سائداً في القصة التقليدية، خاصة حين امتلكت الكاتبة المقدرة اللغوية والعمق الفكري والوجداني».
ولاشك أن أطروحة غادة السمان في الماجستير التي كانت حول «مسرح اللامعقول»، تعكس تياراً أدبياً تردد صداه في بعض قصصها وأعمالها الروائية، كما سيمر معنا في الفقرة التالية حول علاقة الحلم بالواقع في العمل الإبداعي عند غادة، وفي ملخص أعمالها الروائية.
الرواية
______
تقول غادة السمان حول تجربتها في الرواية: «هذا هو إحساسي دائماً عندما أكتب، وعلى الرغم من ذعري وشجاعتي في آن واحد، وعملي الطويل المسبق على الرواية، تأتي لحظة الدفق جديدة ومشحونة بحب الاكتشاف».
يشير الدارسون إلى أن أبسط مفهوم للرواية من حيث هي نوع أدبي راقٍ هو أنها «فن نثري تخييلي طويل نسبياً بالقياس إلى فن القصة القصيرة – مثلاً – وهو فن – بسبب طوله- يعكس تماماً عالماً من الأحداث والعلاقات الواسعة والمغامرات المثيرة والغامضة أيضاً»، وعناصر الرواية هي الزمان والمكان والشخصية واللغة والحدث.
تيار الوعي
________
ويجمع الباحثون والنقاد على أن رواياتها يغلب عليها «تيار الوعي»، «وهو تقنية تقدم عالماً مختلطاً في فضاءاته المكانية والزمانية وفي أصوات شخصياته».
هذا باستثناء الأستاذ إحسان صادق سعيد في رسالته للماجستير التي تحمل عنوان «إشكالية التجاوز في أدب غادة السمان القصصي» فهو يرفض تغليب «تيار الوعي» على أعمالها القصصية والروائية.
ويعتبر الأستاذ سعيد أن عناصر الرواية بدءاً بالزمان والمكان تكتسب دلالات جديدة منعتقة من إسار الدلالات المباشرة ومتجاوزة لها، فتظهر لها أبعاد جديدة كالرمزية والنفسية والتبادل، أي ما يسمى بالزمكان (ارتباط الزمان بالمكان وتأثيرهما المتبادل)، أما العنصر الثالث من الرواية وهو الشخصية فثمة ملامح تنطوي عليها شخوص غادة السمان، يذكر الأستاذ إحسان صادق سعيد أهمها:
1 – التماهي: يشعر قارئ أدب غادة السمان القصصي بأن هناك إلغاء متعمداً للمسافة الفاصلة بينها وبين العديد من أبطالها وبطلاتها، وسعياً للتماهي معهم بنحو يشعر معه القارئ بأنهم لا «يملكون وجوداً فردياً، بل هم نماذج عن مبدعتهم نفسها».
2 – التحميل: يترتب على التماهي المذكور أن تنسى غادة أحياناً، أو تتناسى أن شخوصها هم الذين يتكلمون ويتحركون في قصصها ورواياتها، لا هي، وأن كل ما يفعلونه لابد أن يكون منبثقاً، بصورة تلقائية طبيعية، من قابلياتهم الفكرية والثقافية والاجتماعية، ولذلك نجدهم أحياناً يأتون بما لا يتناسب مع هذه القابليات، فيفقدون بذلك حيواتهم المستقلة عن الكاتبة، ويتحولون إلى دمى تحركها بيديها كيفما تشاء وتستعير حناجرها لتنطق من خلالها بما تريد.
إن غادة السمان تتجاوز بهذا ما هو مألوف ومطلوب من موقف يقفه المؤلف إزاء شخوصه، وإزاء سائر أجزاء بنية عمله الفني، إذ أن المؤلف كما قال فلوبير: «يجب أن يكون، شأن الله في الكون، موجوداً في كل مكان، لكنه لا يُبْصَر في أي مكان». ويؤدي تجاوزها هذا إلى أن يفقد شخوصها حتميتهم الناتجة عن قابلياتهم وخلفياتهم، «وعندها نميل إلى الاعتقاد بجنوح الرواية عن الواقعية».
3 – النمذجة: إن غادة تتعامل مع نوع من الشخصيات التي تمثل القيم السلبية كما لو كانت تتعامل مع القيم السلبية التي تمثلها، ولذلك فهي في الغالب، لا تعرض لنا منها إلا جانبها القاتم المرفوض، كأن ليس للشخصية إلا هذا الجانب، ولا تحاول أن تقترب منه اقتراباً حقيقياً – كما تفعل مع النوع الأول من الشخصيات – لتطلعنا على مبررات مواقفها ودوافعها، ولو من منظور الشخصية نفسها.
«لكن الإنصاف يقتضي أن يشار هنا إلى أن غادة قد حالفها التوفيق، بدرجات متفاوتة في التعامل مع مجموعة من الشخصيات السلبية في قصصها ورواياتها، بحيث يشعر القارئ بأنه أمام نفوس حية – وليس أمام نماذج جامدة – لها سقطاتها، ولديها أيضاً ما تبرر به هذه السقطات، وقبل كل شيء لها مشاعرها الإنسانية».
قد يكون الأستاذ إحسان صادق سعيد مصيباً فيما ذكره في نقده حول عنصر الشخصية في أدب غادة السمان الروائي، وذلك من بعض النواحي، ولكن ليس على الإطلاق، لأننا إذا تفحّصنا عن كثب تجربة الكاتبة الروائية ندرك بعداً آخر في شخوصها، من حيث استقلالها عن الكاتبة. فها نحن نسمعها تقول: «العلاقة بين الواقع الخام والإبداع الفني هي علاقة تكامل وتداخل، وأحياناً يحدث العكس، أي آتي ببعض الشخصيات لأقول فكرة، وأترك تلك الشخصيات تحيا وتتحرك وتنطق هي نفسها على الورق (لست أنا التي أنطق من حنجرتها) وإنما أحاول قدر الإمكان أن أتركها تكوّن نفسها، وإذا بها أحياناً ترتد على الفكرة الأصلية التي جئت بها أصلاً لأجلها، فتحورها أو تنسفها وتناقضها. وهكذا فإنني لا أستطيع أبداً التنبؤ بما ستكون عليه خاتمة القصة، وقلما استطعت التخطيط النهائي لعمل من أعمالي وجاء العمل مطابقاً لخططي. ولذا فإنني لم أقبل أبداً (رغم كل إغراءات النشر) بدفع الأجزاء الأولى من رواية غير منتهية لتنشر مسلسلة فيما أتم أنا كتابتها، بينما تكون حلقاتها الأولى قد نشرت، فعند آخر كلمة في الرواية يقولها أحد أبطالها مثلاً، قد أجدني مضطرة لإعادة كتابة الرواية بأكملها وقد انفتحت لعيني دهاليز وعي جديدة».
هذا عن عنصر الشخصية، أما عنصرا اللغة والحدث في عملها الروائي فهما يعكسان العنصر الجمالي للرواية الذي برعت فيه غادة السمان. وفي هذا السياق يقول الدكتور غالي شكري: «التجربة ومعاناة الجيل هما جناحا الموقف الجمالي من العالم في محاولة غادة السمان الروائية».
هنا، نصل إلى نقطة حاسمة قبل أن نعبر إلى فكرة تالية من حيث تأثيرها على مسيرة الأدب التي سنأتي عليها، حيث أنها ظهرت أول ما ظهرت من باب الرواية النسوية التي تعكس خصوصية المعاناة النسوية وخصوصية الصورة النسوية، وبالمجمل الخطاب النسوي، وقد رفعته من دائرة الأدب النسائي الذي احتكرته الجنسانية، إلى دائرة الأدب الإنساني حيث تأخذ المرأة قامتها الإنسانية وتتحرر من اختزالها إلى الجنسانية، وتنطلق إلى دائرة أوسع تشارك الإنسانية الجريحة معاناتها وألمها في سعيها نحو العدالة والحرية والحقيقة.
عالمية أدبها
________
أما تأثرها بتقانات تيار الوعي، والحداثة، والتجريبية من جهة، وتيارات فلسفية كوجودية سارتر وسيمون دي بوفوار وكامو وغيرهم، فلم يمنع أدبها أن يدخل لغات عالمية كالإنكليزية والألمانية والإسبانية والروسية والفارسية والبولندية والرومانية، وإن كان أغلب هذه الترجمات «نماذج من القصة القصيرة ضمن مختارات تنشرها الجامعات أو معاهد الشرق الأوسط أو دوائر المستشرقين، باستثناء رواية كوابيس بيروت التي طبعت منها 20 ألف نسخة في بولندا ووزعت على نطاق تجاري».
كما أن روايتها «ليلة المليار» المكونة من 500 صفحة، قد تُرجِمَت مؤخراً إلى الإنكليزية، وذلك بعدما تُرْجِمَت إلى الإيطالية، رغم عدد صفحاتها الكبير.
وفي هذا السياق تقول غادة السمان: «من الخطأ أن نضع أمامنا حين نكتب مواصفات معينة للعمل الأدبي، طلباً لبركة الترجمة ولعقاً لأحذية المستشرقين، لسنا مضطرين لشتم أوطاننا ونشر غسيلنا العائلي الوسخ والوطني استجداءً للترجمة، ولا للمباهاة في كبرنا بما كنا نخجل منه في صغرنا من أجل التهريج في سيرك الغرب ونيل البركة في حقل الترجمة».
أدب الرحلات
_________
كما أن غادة السمان قد تركت أثراً واضحاً فيما يُسَمّى بأدب الرحلات، فالسفر بشكل أو بآخر هو خروج من قوقعة الأنا، ومن دائرة الأعراف والتقاليد البالية، ولقاء مع الآخر الإنساني، وبالتالي فالسفر يعكس خبرة الحرية، ومن هنا كان مؤلفها الأخير في أدب الرحلات يُدْعَى «رعشة الحرية».
أدب الحرب
_______
ويبقى ثمة نقطة أخيرة يجدر الإشارة إليها في أدب غادة السمان وقد تركت بصمة كبيرة في أدبها، وهي الحروب التي حاقت بالمنطقة منذ 1948 حين كانت طفلة، وحرب السويس 1956 حين كانت مراهقة، ثم كانت معاناتها كبيرة أثر هزيمة 1967 شأنها شأن الأدباء العرب الكبار الذين تأثروا بدورهم في هذه الهزيمة. وقد عبّرت غادة السمان عن أبعاد الهزيمة في نفس وروح وجسد الأنثى بمنظور أنثوي أخّاذ، كما خبرتها في قصة «الدانوب الرمادي» من مجموعة «رحيل المرافئ القديمة» التي تتألف من ست قصص قصيرة بينها ثلاث عن حرب وهزيمة 1967. أما في قصة «حريق ذلك الصيف» فهي تعالج في الدرجة الأولى وقع الهزيمة على المثقفين العرب.
ثم أتت على التوالي حرب 1973 ثم 1975 وفي هذا تقول الدكتورة إلهام غالي: «في أواخر عام 1974، وقبيل بداية الحرب اللبنانية (نيسان، 1975) فاجأت غادة السمان القراء بأول رواية في حياتها الأدبية، والرواية العربية الوحيدة التي سجلت البدايات غير المرئية للحرب، فتنبأت بها على نحو من الأنحاء».
وأثناء الحرب أنجزت غادة السمان روايتها الطويلة الثانية «كوابيس بيروت». إذن، غادة السمان عايشت الحرب وذاقت طعمها المر، وفي جوفها، في عمق روحها، عرفت كيف تحول الألم إلى إبداع، فهي لم تقف سلبية، متفرّجة على هامش الحدث، ولم تهرب مذعورة، بل شاركت في الحرب على طريقتها ومن خلال قلمها وصدق روحها.
المصدر : اكتشف سورية (http://go.3roos.com/ttgweguujys)
Anfas Elfajer
08/09/2012, 04:36 AM
الشعر
______
أما عن شعر غادة السمان وهو يحتاج إلى بحث خاص، لكن بإيجاز سريع نستطيع أن نقول أنه يعبر عن شفافية رائعة، وقد أتى معظمه وهو يعكس موقف الشاعرة الوجودي من العالم والآخر، وهو الحب، الذي تردد كثيراً في عناوينها مثل «حب»، «أعلنت عليك الحب»، «الحب من الوريد إلى الوريد»، «الأبدية لحظة حب»، أما مجموعتها الأخيرة فقد كانت متميزة بعنوان «الرقص مع البوم».
إن معظم شعر غادة السمان أتى نثراً إلا أن دارسين لأعمالها، مثل الأستاذة حنان عواد تقول عن شعرها: «يصعب أحياناً أن يفرق القارئ بين نظمها ونثرها، ولاسيما في كتبها "حب" و"أعلنت عليك الحب" و"اعتقال لحظة هاربة"». وتقول الباحثة هنادي الحصري في دراستها عن «الرقص مع البوم»: «لابد من التنويه إلى قصيدة النثر لدى الكاتبة والتي لا تتجاوز الأسطر وقد تمتد إلى صفحة أو أقل بقليل، تتضمن الكثير من الخيال المبدع وجدَّة الفكر وطرافته».
أولاً - علاقة الحلم بالواقع في العمل الإبداعي عند غادة السمان
________________________________
تقول غادة: «إنني أومن بضرورة الزواج بين الحلم والواقع في محراب العقل والوعي، حيث تتحد النفس بذاتها بدون أقنعة، ويصير العقل اللاواعي قوة متضامنة مع الإرادة لا مشتتة لها.
"إن النفس يزداد توازنها بنسبة ما يزداد اتجاهها للعمل. ويزداد ترنحها بنسبة ما تزداد ارتخاء كما لو كانت تحلم. وإن بين هذين المستويين الأقصيين، مستوى العمل، ومستوى الحلم، مستويات وسيطة هي درجات هابطة من "الانتباه إلى الحياة والتلاؤم مع الواقع". برغسون».
«والإبداع الفني في نظري ليس من تلك الدرجات الوسيطة الهابطة من "الانتباه إلى الحياة"، بل هو محاولة لاتحاد مستوى العمل ومستوى الحلم من أجل مزيد من الاقتراب إلى حقائق النفس الإنسانية وأسرارها».
«الفنان باستمرار، بحاجة إلى القدرة على إنشاء توازنه الخاص بين حالة الحلم وحالة اليقظة. فالحلم هو "مادة" حياتنا السليمة، وليس مجرد شيء يضاف إلى اليقظة. "الإدراك والذاكرة اللذان يعملان في الحلم طبيعيان أكثر من الإدراك والذاكرة اللذان يعملان في اليقظة. فالشعور في الحلم يدرك من أجل الإدراك، ويتذكر من أجل التعرف، من غير أن يعنى بالحياة – أي بالعمل الذي يجب أن يتحقق – أما اليقظة فلا تكون إلا بحذف وانتخاب الأشياء حول مسألة مطروحة. اليقظة معناها الإرادة، الحلم يحاكي الجنون العقلي من كل الجهات. برغسون».
«وأنا أومن بذلك كله، بل أعتقد أن جوهر لقاء الحلم والجنون في أن كليهما تعبير عن الصدق المطلق. ولذا فإن الأحلام تعلب دوراً هاماً في أعمالي، لكنه دور إرادي بمعنى أنني أعي ذلك الخزان المذهل من الرموز والصدق المسمى "الحلم"، ولا أهمل طاقاته الإيحائية والكاشفة أحياناً عما قد يهمله "الوعي" المشغول غالباً بتفاصيل الأحداث اليومية. الحلم عندي امتداد طبيعي لرقعة العطاء، إنه موجود ومقبول لكن مدى قبوله خاضع عندي لسلطان العقل الذي ينظم في النهاية كل شيء. والحلم يحاكي الجنون، ولا أعتقد أن هنالك عملاً عبقرياً دون لمسة جنون، وهي قد لا تتأتى بالضرورة عن حلم نوم أو حلم يقظة، لكن الحلم رافد يجب عدم الاستخفاف بشأنه لمجرد أنه ليس مسجلاً في دائرة الاختراعات، أو أنه لا يحمل تذكرة هوية وأوراقاً ثبوتية!. ومما لاشك فيه أن "آلية اليقظة"، هي أكثر تعقيداً ودقة وفاعلية من "آلية الحلم" ولكن الحلم يستطيع أن يلقي على اليقظة أضواء أو (ظلالاً) تمنحها مزيداً من البعد الإنساني والصدق الداخلي. وبهذا المعنى، فللأحلام باستمرار دور في بلورة فكرتي الفنية، وفي حالات قصوى تتبلور فكرتي الفنية عبر الحلم».
وهي تستشهد على هذا الكلام بقصة «فزاع طيور آخر» من مجموعتها «ليل الغرباء» وهي حكاية قاضٍ لا يؤمن بالحقيقة أو العدالة وإنما يؤمن بالصدفة، يعتقد أن الصدفة هي إله العالم. ولذا فإنه لم يكن يصدر الأحكام انطلاقاً من حيثيات المحاكمة، وإنما كان يختلي بنفسه ليلقي بقطعة نقود في الهواء، على أحد وجهيها، كُتِبَ «بريء» وعلى الوجه الآخر «مذنب». والصدفة تقرر مصير أي متهم. زوجته تكشف سره وتحبه بخشية ذليلة سلبية عدوانية (كما يحب بعض الناس الآلهة)، ثم تكتشف المرأة أنها عاقر. هكذا بالصدفة هي عاقر وخادمتها حامل في الشهر التاسع، والقطة في البيت وضعت سبع قطط دفعة واحدة. وترمي بقطط القطة من النافذة، وقد حكمت عليهم بالإعدام، وحين تبدأ الخادمة بالمخاض، تقرر: هل تتركها تموت أم تحضر لها الطبيب؟ وتجد نفسها وقد فهمت للمرة الأولى وجهة نظر زوجها، وها هي تمسك القطعة النقدية وترمي بها في الهواء. الصدفة تحكم: لا طبيب. وبهدوء تترك الخادمة تموت وتغادر البيت لتذهب إلى لعب البريدج.
وتقول غادة أن هذه القصة أكثر من أية قصة أخرى لديها تبلورت عبر الحلم. فهي كانت قد بدأت بحوار عادي بينها وبين صديقة لها هي الصحفية فاطمة السردوك، كانت تخبرها أن أحد القضاة مظلوم، وأن الشائعة التي تقول أنه يحكم «بالصدفة» لا «بالعدل» كاذبة، وأنهم يتهمونه بالحكم انطلاقاً من رمي العملة في الهواء والصدفة المطلقة في انقلاب أحد وجهيها. وفكرت: إذا لم يكن الله موجوداً أو مبالياً، فالصدفة تحكم العالم، وكل ما يفعله هذا المسكين هو أنه يمارس جزئياً اللاعدالة المروعة التي تتفجر من كل الأشياء حولنا، والعالم قاحل والبشر دمى، وهكذا استولت عليها الفكرة عدة أيام. وتقول أنها صارت تحلم بأنها تسير في صحراء قاحلة، وترى شبح إنسان بعيد وتركض إليه وتركض ثم تكتشف حينما تضمه أنه «فزاعة طيور» (أي الدمية المحشوة بالقش التي ينصبها المزارعون لتخويف الطيور)، وهي تهرب باكية ثم تعود إليه لأنه لا أحد سواهما في الكرة الأرضية. وهكذا تكرر الحلم، ولعب دوراً رئيسياً في تكوين الخيال في القصة وأسلوبها المتوتر المشحون بالرعب والخيبة وحتى في تكوين نسيجها اللغوي، ومن يقرأ مناخها الكابوسي السريع القصير الغامض الأجواء يدرك ذلك تماماً.
وتقول أن هذا المثال نادر جداً في قصصها، أي يندر أن تكون علاقة الحلم بالقصة بهذا الوضوح، ولكنها باستمرار موجودة في بقية القصص.
وتذكر أنه سبقت فترة كتابتها «رحيل المرافئ القديمة» مجموعة من الأحلام «الإرهابية»، فهي كانت تحلم بأنها تركض مذعورة مع الناس الهاربين من قصف القنابل، حيث يترصدهم الموت والخوف، وعبثاً تصرخ ليتجمعوا ويتفاهموا على أسلوب للعمل ولهب الحريق يكوي كل شيء. فالواقع الخام يمر عندها بمنخل «الموهبة والحس النقدي» فلا تدري كيف تتم الغربلة، فهي كانت في بداية عملها الأدبي تبذل جهداً واعياً للغربلة بين ما يهزها من الشخصيات – على الصعيد الشخصي – وبين ما يصلح منها للتعبير عن فكرة تريد أن تقولها، كان هنالك في البداية شعور بالجهد، ولكنه من طول الألفة صار جزءاً طبيعياً وبديهياً من عملية الخلق.
وهي تقول عن ذلك: «في البداية يقوم في ذهني تصور هيولي لفكرة تريد أن تقبض عليها بشبكة اللغة، هذا التصور الهيولي يريد أن ينتشر وأن يتجسد في شخصيات حية – بصفتي كاتبة قصة – (والحلم من روافد هذه العملية بصورة خاصة في مراحلها الأولى)». وهي تذكر ما يعبّر عنه بولان في سيكولوجية الوعي «الخلق الأدبي يمضي من المجرد إلى العياني، من الكل إلى الأجزاء، ومن المخطط إلى الصورة».
ثانياً - تحرر المرأة في أدب غادة السمان
_________________________
إن موضوع تحرر المرأة بشكل خاص موضوع شائك يتناول تحرر الرجل أيضاً، لأنه إن كانت المرأة مقيدة أو محرومة من حقوقها أو مضطهدة فالرجل هو الآخر يفقد توازنه ويصبح عبداً يرسف بأغلال الجهل واللاوعي، فالمرأة هي نفس الرجل والرجل هو جسدها.
والحال أن وضع المرأة قد تناولته العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع، والأنتروبولوجيا، والتاريخ، كما تشير الدراسات الحديثة إلى أن بدايات التاريخ الإنساني كان يتصف بما يسمى بالمجتمع الأمومي حيث كانت السلطة للأم والنَّسَب يعود للأم والآلهة كانت أنثوية، ثم حدث انقلاب ما، وبدأ يظهر المجتمع الأبوي البطريركي الذي أخذ يهيمن فيه الرجل على المرأة، فالرجل يسيطر، ويريد أن يكون غنياً وذا نفوذ لامتلاك المرأة، إلا أن مأساة الإنسان في المجتمع الذكوري ذهبت إلى حد اضطهاد المرأة، فبعض المجتمعات تخشى شيئاً من أنوثة المرأة، والرجل يخشى نفسه ذاتها، ويزدوج في أفعاله من جهة ومثله ومعاييره من جهة أخرى، وإذ لا يفهم نفسه ويخشاها يُسْقِط هذا الخوف على المرأة، فيحاول أن يضيّق الخناق عليها ويحرمها حريتها واستقلالها، ويجعلها تابعة له، لا بل كما لو كانت أداة يملكها له الحق في التصرّف فيها كيفما يشاء، فيستعبدها ويحرمها إنسانيتها وبالتالي كرامتها، ناسياً أنها إنسان له حرية الاختيار وتقرير المصير.
المصدر : اكتشف سورية (http://go.3roos.com/ttgweguujys)
Anfas Elfajer
08/09/2012, 04:44 AM
ملخص لأعمالها الروائية
____________________
لقد وجدتُ أفضل ملخص لأعمالها الروائية هو ما قامت به الأستاذة ماجدة محناية في رسالتها للماجستير بعنوان «التقانات السردية في روايات غادة السمان»، وها أنا ذا أورد هذه الملخصات بحسب التسلسل الزمني لظهور هذه الأعمال الروائية.
«بيروت 75»
_________
تتألف هذه الرواية من خمس قصص نلمح فيها وجه بيروت قبيل الحرب الأهلية، حيث تدور مجموعة من الشخصيات حول حدث مشترك وهو البحث عن الخلاص من دائرة القهر الاجتماعي والسياسي.
يكشف عنوان الرواية (بيروت 75) عن رغبة الكاتبة في عرض الفضاءين الزماني والمكاني لبيروت، فهي تقدم لنا عالم بيروت المجنون في علاقاته الإنسانية المتردية، من خلال معالجتها لثنائية الحلم والواقع التي انتهت إلى كوابيس سادية في النهاية.
تبدأ الرواية برحيل البطل فرح عن دمشق بصحبة ياسمينه وثلاث نسوة محجبات إلى بيروت الحلم كما تصورها فرح: «كلهن وكلهم يحلم ببيروت، لست وحدي، لكنني وحدي ذاهب لاقتحامها».
وفي الطريق ينضم إليهم أبو الملا وأبو مصطفى السمّاك وطعّان، وهي شخصيات بيروتية مقهورة تسكنها المخاوف والأحزان، حيث نسمع أوجاعها ونلمس معاناتها من خلال أصواتها الداخلية، وعند الوصول إلى مدخل بيروت تستقل كل شخصية لتتحرك بمعزل عن الشخصيات الأخرى.
أول ما تطالعنا من الشخصيات ياسمينه وهي فتاة دمشقية، مدرّسة في مدرسة الراهبات تمتلك موهبة شعرية، تحلم بالمجد والشهرة والثراء، وترى بيروت المناخ الخصب لتحقيق أحلامها، وفي بيروت نعيش معها لحظات الحب والحرية من خلال علاقتها بنمر السكيني الشاب الثري الذي تتلاشى أمام عالمه، وترى فيه كل أحلامها لتنتهي بها هذه العلاقة إلى حزن ويأس بعد أن تحول نمر عنها، وقدمها إلى رفيقه نيشان، وما إن صَحَت وعادت إلى رشدها حتى كان الموت بانتظارها على يد أخيها الذي قتلها بحجة الدفاع عن الشرف.
ثم يأتي دور فرح الشاب القروي الموظف في المكتبة الوطنية بدمشق، فهو يمتلك صوتاً جميلاً، ويحلم أن يكون مطرباً مشهوراً، وهذا لن يتحقق له إلا في بيروت، وهناك تبدأ رحلة ضياعه في اللحظة التي يبيع فيها نفسه للشيطان نيشان قريبه الثري مقابل أن يصبح مطرباً مشهوراً، الأمر الذي يضطره للتخلي عن رجولته وكرامته في سبيل تلك الشهرة.
وقد كان في داخله رافضاً لهذا الواقع، وتمثّل رفضه بانتقاله إلى عالم اللاوعي، إلى عالم الكوابيس وأحلام اليقظة، ثم دخوله إلى مشفى المجانين وهروبه منه، لتنتهي رحلته بموت حلمه وعودته إلى أمه دمشق مهزوماً مكسوراً.
وعندما أرادت الكاتبة أن تتحدث عن الفئة الاجتماعية المسحوقة وما تعانيه من قهر واستلاب وحلم بالخلاص يقودها في النهاية إلى الموت الأسطوري، جاءت بشخصية الصياد أبي مصطفى الذي عاش حياته وهو يحلم في العثور على المصباح السحري، ظناً منه أنه حبل النجاة والخلاص من الفقر والقهر له ولأسرته المؤلفة من اثني عشر شخصاً.
فهو يخرج كل ليلة ليبحث في أعماق البحر عن ذلك المصباح لعله يعلق في شباكه، وفي إحدى الليالي يعتزم على اصطياد المصباح فيشعل حزمة ديناميت ويرميها، ويرمي بنفسه معها لتتفجر ويتمزق معها جسده، ويكون بهذا قد أنهى رحلة عذابه وشقائه.
وتظهر شخصية أبي الملا حارس الآثار الذي سرق تمثالاً لم يُنقَلْ بعد إلى المتحف ليبيعه ويفتدي بثمنه بناته الثلاث الخادمات في قصور الأغنياء، وينهي به رحلة فقره، ليتحول هذا التمثال الصغير بوهمه إلى رجل عملاق يخنقه، والحقيقة أنه مات بالذبحة القلبية فقد كان مريض القلب.
ثم تظهر شخصية طعّان الصيدلاني المذعور الهارب من الثأر، فقد قتل إنساناً خطأً، متوهماً أنه يطارده ليكون السبب في إعدامه، وهو الذي كان يتحرق للعودة إلى الوطن ليفتح صيدلية في بعلبك، على حين يفاجأ أنه مطلوب دون غيره للثأر لأنه يحمل شهادة، إنه القانون العشائري الذي يقضي أن يثور الثأر لقتيل متعلم بقتيل متعلم.
«كوابيس بيروت»
______________
اعتمدت الكاتبة في روايتها «بيروت 75» أسلوب تيار التداعي الحر، وقد وسّعت هذا الأسلوب في روايتها «كوابيس بيروت» فعالم بيروت المشبع بالجنون والدمار والمشرف على الانهيار انهار في هذه الرواية وتحققت النبوءة، كما أن الأحداث الدامية التي عصفت بهذا العالم هي التي اختارت أسلوب الكوابيس للتعبير عن لا معقوليتها وغرابتها.
والرواية مؤلفة من مجموعة من الكوابيس وتبلغ 197 كابوساً وحلماً واحداً اختتمت به الرواية، ويبدو أن هذا الحلم «انفتاح لا متناه للاحتمالات كافة» يبدو لقارئ هذه الرواية أنه أمام مذكّرات يومية لكاتبة مناضلة أشهرت قلمها سلاحاً في وجه هذا العالم المتناقض المشبع بشاعة ومرارة، وإذ به أمام كوابيس تصلح لأن تكون قصصاً قصيرة ولوحات تصويرية، تنوعت وتعددت فيها الشخصيات، واختلفت وتباينت الموضوعات والمحور واحد هو الحرب.
قامت الكاتبة بتسجيل فني وموضوعي لجنون الحرب الأهلية في بيروت، وما أحدثته هذه الحرب من تشويه لما هو إنساني، فمنذ السطور الأولى وضعتنا في قلب الأحداث حيث الانفجارات والقذائف والموت المزروع في كل مكان، وحيث أصبح الخوف «سيد المواقف» يطبع كل ما حوله بالجنون «ما يجري في هذه المدينة له طعم الجنون، لهذا القتال لذعة السادية».
وقد فرضت عليها هذه الحرب الإقامة الجبرية في بيتها مع أخيها، فالحي الذي تسكنه تحول إلى جبهة قتال مستعرة، والمعارك في أوجها في الخارج، والمسلحون والقناصون يحتلون الأسطحة لاصطياد البشر واصطياد كل ما يمت للحياة بصلة.
ومع أن الخلاص من هذا الجنون أضحى مستحيلاً، فقد استطاع أخوها الهرب منذ الأيام الأولى للحصار، وتركها وحيدة تحاول أن تروّض نفسها على التعايش مع هذا العالم المجنون.
وبينما تقوم بتدوين دقيق للأحداث والممارسات اليومية بكل تفاصيلها وجزئياتها، تروي لنا كوابيسها التي تراها في نومها ويقظتها، حيث تستيقظ حواسها وتطير بها إلى حيث لا تدري، فترتد بنا إلى الماضي، إلى الأيام التي قضتها مع حبيبها يوسف الذي قُتِلَ ضحية دينه عند حاجز للمسلحين على يد تلامذته رمياً بالرصاص أمام عينيها، إنها تشعر بالشوق والحاجة إليه دائماً، تناديه ليذيب بحنانه صقيع وحدتها، ويبدّد بقوته ضعفها وخوفها.
وبعد أن تنتقل بنا من كابوس قاس ومخيف إلى آخر، نجدها وحيدة خائفة منزوية في دهليز بيتها، الذي تتوسطه مكتبتها الثورية الضخمة، والتي اغتالتها طلقات قناص محكمة، وهذا ما دفعها للإقامة مع جيرانها بعض الوقت فبيتهم في الطابق الأرضي وهو أكثر أمناً، فتعرّفنا على العم فؤاد الرجل المتقاعد المخلص للسلطة الشرعية، وأمين الابن المتمسك بالعادات والأصول، والذي يفتقد إلى القوة والحزم والقدرة على تجاوز العقبات.
وكانت كلما أسدل الليل ستره وهدوءه النسبي تسمع في داخلها أصوات الحيوانات الأليفة وهي تصدر أصوات الجوع والتذمر، فتتسلل خفية إلى الحديقة المجاورة لبنائها ومنها إلى دكان بائع الحيوانات الأليفة – الذي زارته مع صديقها يوماً ما – لتتعرف إليها عن قرب وتتفقدها وتمنحها بعض الطعام والماء، وتفتح لها أبواب الأقفاص لتساعدها على التخلص من سجنها، ثم تعود إلى فراشها في بيت جيرانها، ثم لتجمع أشياءها الصغيرة لعل أحد المتطوعين يأتي لإنقاذها، فغرفتها تعرّضت للقصف ومكتبتها التهمتها النيران، وجارها أبو أمين قد مات بالسكتة القلبية، وعليها أن تعيش اللحظات العصيبة مع أمين حتى يتم إنقاذها.
وبعد عدة كوابيس ترصد فيها عالم الأموات والجثث والخطف، وبعد أن تفقد الأمل بالهرب والخلاص، وبعد حصار دام أكثر من عشرة أيام، تأتي مصفحة وتنقلها من هذا الجحيم مخلّفة أمين مع ممتلكاته، لتقف بعدها وحيدة على الشاطئ الآخر من بحر الجنون هذا، ولا تملك سوى حقيبة برتقالية تحتوي مخطوطة كوابيس بيروت وبعض أشياء حبيبها يوسف، ولا تعرف إلى أين تذهب ومن أين تبدأ رحلتها الجديدة.
«ليلة المليار»
____________
تنطلق هذه الرواية الضخمة المترامية الأطراف المتعددة الشخصيات من تعاويذ سحرية غامضة، مقتبسة حرفياً من كتب أشارت إليها الكاتبة في نهاية الرواية، لا يفصح راويها عن نفسه، تنبئ عن عالم مسكون بالغموض والغرائبية واللامعقول، هذا ما أشار إليه الراوي العليم فيما يلي من الصفحات الأولى: «من هو غير المجنون في مسرح لامعقول العرب هذا».
ولعل نقطة البداية تكشف لنا عن «المنظور الإيديولوجي» للرواية الذي يعرّفه أوسبنسكي بأنه «منظومة القيم العامة لرؤية العالم ذهنياً». والتي «تحكم الشخصية من خلالها على العالم المحيط بها»، تكمن هذه النقطة في المطاردة والهرب من عالم اللامعقول إلى عالم لا معقول آخر، يفصح عنها الراوي العليم بضمير الغائب «يعرف أنهم يطاردونه» وتتكرر هذه العبارة مراراً، وقد وضعنا الراوي من خلالها في قلب الأحداث، في اللحظة المتوترة، إنه المطار، نقطة الانطلاق والعودة.
ونرى صوت الراوي العليم يعلو تارة أخرى معلناً عن المنظور الإيديولوجي الذي يحكم الرواية بشكل مباشر «هربوا مرتدين، هذا يهرب إلى السحر، وآخر إلى المال، وثالث إلى الغربة، ورابع إلى التخدير، ثمة قناص في غير بيروت أيضاً يترصد كل عربي متنظراً لحظة ضعف تتسلل عبر رصاصة لا مرئية».
لقد حددت الكاتبة زمن القص، وهو أحداث لبنان عام 1982 والحرب الأهلية، وتوافق ذلك مع زمن السرد، وتنقّلت بين بيروت وجنيف حيث حملت معها عدستين، صوّرت بالأولى عالم بيروت المشتعل بالانفجارات، المزروع بالرعب والموت بمطاره وناسه، وبالأخرى صوّرت المجتمع الأوروبي من خلال الشخصيات العربية التي استقرت في جنيف، لتعرض لنا الأحداث عبر رؤية كلية شاملة (بانورامية) في محاولة كشف جديد لهذا الواقع.
وتعكس الرواية في بنيتها السردية أحداث التجربة الشخصية التي مر بها كل من خليل وزوجته كفى، من لحظة هروبهما من المطار، وانتقالهما إلى جنيف، حيث قصر رغيد الزهران وما يدور فيه من علاقات وأحداث، حيث نتعرّف على شخصية كل من رغيد وخادمه نسيم، ونديم وزوجته دنيا، وأمير وصديقته ليلى، وصخر وابنه صقر وأخيه هلال، الشيخ وطفان.. الخ.
وتسير حركة السرد حيث التحضير لليلة المليار، وتتصاعد الأحداث عند وصول «بحرية» التي ترمز إلى بيروت، وهي تملك كل الأصوات الداخلية للشخصيات ووجوههم الحقيقية، وفجأة تتوقف حركة القص لندخل في رواية أخرى (في رحلة مع الهذيان إلى عالم المدن السبع)، عالم من العجائبية والغرائبية تبدو كأحلام اليقظة، تفصح فيها الكاتبة عن سياسة الأقطار العربية، وقد قدمتها من خلال الشخصيتين خليل وصقر من منظور ذاتي يتمثل في إدراك كل شخصية من الشخصيات للعالم الذي حولها دون الخروج عن إطار هذا الوعي، فتقدم الحقائق والوقائع مدركات وانطباعات لا حقائق مستقلة عن الذات المدركة.
يتولى سرد الأحداث في هذه الرحلة الراوي خليل بضمير المتكلم على امتداد خمس وثلاثين صفحة، ومن ثم تنتهي الرحلة، ويعود السرد إلى ليلة المليار حيث موت رغيد، الحدث الذي يجعل الجميع داخل دائرة الاتهام، ثم الهرب من قصر الموت إما إلى دائرة المخاوف والأحزان، وإما إلى بيروت الحقيقية حيث يعود خليل وولداه والأمل الجديد بوطن السلام.
«الرواية المستحيلة: فسيفساء دمشقية»
__________________________
في البداية يطل علينا المحامي أمجد الخيال في حفل تأبين لزوجته هند التي ماتت إثر تعسّر ولادتها بالتوأمين اللذين توفيا بعدها مباشرة، مخلِّفة وراءها ابنتها زين/زنوبيا بطلة الرواية، والذكريات الجميلة معها، وقد أحدث موتها المفاجئ شرخاً في حياته الاجتماعية والنفسية والعاطفية، فشبحها يرافقه ولا يفارقه داخل البيت الكبير وخارجه، ويقع البيت في حي شعبي في زقاق الياسمين بدمشق، حيث كانت تعيش فيه معه ومع أهله.
وفي هذا البيت الذي يضم أجيالاً مختلفة ومتناقضة في الفكر والسلوك والرؤى، تفتحت عينا زين حيث جدتها وعمتاها بوران وماوية وعمهاعبد الفتاح وزوجته ملك، وأولاد وبنات عمها وعمتاها، وقد تولّت الجدة تربيتها ورعايتها.
ومع حلول فصل الربيع نجد العائلة وقد انطلقت بسيران عائلي إلى ضفاف بردى بما يحمل معه من حبور وسرور وحديث القيل والقال، فنتعرف إلى ما تخبئه البيوت من أسرار، حيث تضيء الكاتبة جانباً من حياة كل من الشخصيات المشاركة ومن حولها، كما نتوقف في محطات كثيرة من الرواية لتروي لنا كل شخصية نبذة عن حياتها الماضية.
ثم نتعرف إلى زين عن قرب، زين الطفلة الفضولية وهي تحاول اكتشاف العالم من حولها، فتبدو طفلة مشاكسة ضعيفة خائفة حالمة دقيقة الملاحظة حساسة خجولة، تثير الكثير من الأسئلة، وأسئلتها هذه فيها نوع من الدعابة والخفة والذكاء والفضول والمقارنة والمفارقة.
ونراها تكبر يوماً بعد يوم في هذا البيت المسكون بأشباح الأحياء والأموات، فكانت دائماً تحلم بأمها ولا تفرق بين الحلم واليقظة، وكان أبوها يصحبها في أوقات فراغه وضيقه في زيارات إلى أصدقائه، ويعلّمها كيف تروّض نفسها، ويشجّعها على التحصيل العلمي.
وكثيراً ما تنقلنا إلى عوالم من الأحلام والمغامرات، فنراها تطارد كوابيسها، وتعيش في أحلام يقظتها مع أبطال الروايات والقصص التي تطالعها منذ صغرها، وقد بدأت تخط أحلامها وكوابيسها على الورق خجلاً من أن ترويها لأحد، وتخفيها تحت وسادتها.
وتمضي الأحداث في البيت الكبير، حيث تتزوج الخادمة جهينة من عيدو ابن الجيران، وتُطلّق العمة ماوية، وتتزوج فيحاء من شاب قروي، ويمرض العم عبد الفتاح مرضاً نفسياً، وتصاب زين بصدمة عصبية جراء رؤيتها لمشهد سقوط ابنة الجيران من السطح.
ومن الملاحظ أن هناك حدثين قد غيّرا في مستوى الوعي لدى بعض الشخصيات، وهما وفاة هند وزواج فيحاء ممن تريده، فقد أصبحت البنات يطالبن بحقهن في التعليم والعمل أيضاً.
في غمرة هذه الأحداث تقوم الكاتبة بتعرية الواقع السياسي وتغيراته، وحقائق رجال السلطة الخفية، وانعكاس الانقلابات على الشخصيات وعلى البلد، واستلام الضباط الأحرار الحكم، كما رصدت الحركة الثقافية والتراث الشعبي لدمشق في تلك الآونة.
وتمر الأيام وينتقل أمجد بصحبة أمه وزين إلى البيت الجديد في ساحة المدفع، بعد أن تخلى عن غرفته في البيت الكبير لأبي عامر الذي هاجر مع أسرته من فلسطين بعد أحداث عام 1948، وعلى الرغم من محاولته مع أسرته للتأقلم مع الوضع الجديد، إلا أنهم يفتقدون البيت الكبير، ويكثرون من زيارته، وتكبر زين ويبدأ الوعي عندها بالتفتح على عوالم جديدة، فتغدو عاشقة للكون ولكل من حولها، ولمظفر المقعد الذي تصاب بخيبة أمل فيه، وسرعان ما تنسى حبها له في غمرة عملها في تدريس الأطفال الفلسطينيين، وانشغالها بامتحانات الشهادة الثانوية.
وما إن تنتهي من الامتحانات حتى تبدأ برحلة الكشف عن حقيقة أمها، فتقلّب في الرسائل والمذكرات والأوراق التي احتفظ بها أمجد في درج مكتبه، وتنهال بالأسئلة على كل من اتصل بأمها وعرفها، وهكذا تتعرّف على أمها وعائلتها، فتتعرّى أمامها الحقائق وينكشف لها الماضي، كما أنها عثرت بين الأوراق على مسودة رواية كتبتها أمها فقررت زين نشرها وكان لها ذلك.
وفي النهاية تتعرض زين لطلقات من بارودة صيد، قد سددها إليها أحد أبناء عمها، وأصابها من الخلف لردعها عن الكتابة والسير على منوال أمها، فذلك يسيء إلى سمعة العائلة، إلا أنها تواجه الموقف بشجاعة، ويتم إنقاذها دون أن تبوح بحقيقة الأمر لأحد.
وفي موقف آخر تتعرض لحادث في الطائرة الشراعية التي تتعلّم قيادتها بصحبة الربان، حيث انتابته أزمة قلبية مفاجئة، ولا مفر أمامها من قيادة الطائرة بنفسها والهبوط بها، وتم ذلك بصعوبة بالغة، وقد فخر الجميع بشجاعتها.
«سهرة تنكرية للموتى»
____________________
من مطار باريس تبدأ الكاتبة الرواية، لتصور جواً مشحوناً بالتوجّس والضبابية، حيث تظهر مجموعة من اللبنانيين المغتربين، ترافقهم طبيبة فرنسية لقضاء إجازة في بيروت بهدف الاستجمام أو الاستثمار، وفي نقطة الوصول (بيروت) مدينة التناقضات والصراعات الدينية، تلتقي هذه الشخصيات وتتلاقى مع شخصيات أخرى من أصدقاء وعملاء ومحتالين، ومصاصي دماء وأموات، ومنذ الليلة الأولى تعيش كل شخصية من تلك الشخصيات مع الكوابيس ومع الظواهر الغرائبية أو ما تسميه الرواية «موزاييك الجنون».
يطالعنا فواز وهو يلتقي بأقرابائه وقد أسعده احتفاؤهم به ولاسيما عمته، ثم يتعرف على سميرة خليل الدرع وجه لبنان البريء الصادق المنفتح، وتتعزز علاقته بها، فيطلبها للزواج والسفر إلى باريس وترفض، فهي لا ترضى أن تكون مغتربة، وتعرّفه على والدها وعلى أصدقاء والده، وكان فواز عازماً على بيع بيت والده إلا أنه أعرض عن ذلك في النهاية.
ثم يظهر عبد الكريم الخوالقي المنتحل شخصية نجل رئيس وزراء قهرستان، ويستغل ذلك بمساعدة رفيق في توقيع صفقات مشبوهة، ويلوذ بصديقه عدنان يشكو إليه مخاوفه، فيتنبأ الثاني له بالموت، في الوقت الذي يبرز فيه إسماعيل الأب المقهور يبحث عن عبد الكريم الحقيقي ليقتله انتقاماً لابنه الذي مات في سجون السلطة من قسوة التعذيب فيقتله ظناً منه أنه الحقيقي.
أما ناجي النادل فيبدو كالغريق يطفو تارة ويغرق تارة، يتعرّف على سليم ووفاء اللذين تصادف أن التقى بهما في باريس، فيتآمرون على بيع بيت رامي، وإنجاز تأشيرات سفر إلى يوتوبيا ليعود بعدها إلى باريس ظافراً بثروة يحقق فيها حلمه في إدارة مطعم في باريس، إلا أنه يصاب بانفصام الشخصية، وينتهي الأمر بموته في حادث أليم.
وأما ماريا العاملة في منظمة اليونسكو والكاتبة، فتختفي بمكتبتها، وتستحضر أرواح شخصياتها (منير – خليل) وتعيش معها، وترتاد بصحبة فواز وسميرة أماكن لبنانية تعود إلى زمن ما قبل الحرب الأهلية، ويحلو لها عالمها الخاص بها.
وتظهر الدكتورة ماري روز وهي تستمتع بإجازتها مع وسيم الرجل الخمسيني ويحيى رجل الأعمال، وقد ازداد جمالها وازدهارها، غير مكترثة بكوابيسها وهواجسها عن بيروت، فتتعرف على بيروت بوجهيها، الرعب والموت، والأمان والحياة، وقد تنقلت في بيروت فلمست الغنى والفقر.
أما سليمى فقد أمضت وقتاً ممتعاً مع وليد الموالدجي الشاب الذي يصغرها بعشرين عاماً، وكانت علاقتها الحميمة به السبب في شجارها مع ابنتها دانا التي تعرّفت هي نفسها على شخصيتين متناقضتين هما الدكتور نبيل الإنسان الوديع ورامز المندال (السادي)، وقد تعلّقت بالأخير وهي تأمل أن يكون الوكيل لشركة الكومبيوتر الفرنسية، فتزوره في بيته وتقامر بمصيرها، فيبدو على حقيقته، في النيل منها بوحشية، وتهرب فيلحق بها وينتهي به الأمر أن يموت في سيارته المفخخة.
وتنتهي الرواية بعودة ما تبقى من الشخصيات إلى باريس (سليمى – دانا – ماري – ماريا) قبل ليلة رأس السنة، أما فواز فقد صادفت عودته إلى باريس ليلة عيد الميلاد بعيداً عن حبيبته وبيته وجذوره.
إن معظم هذه الشخصيات ترتدي أقنعة لا مرئية تخفي هواجسها وحقيقتها عن الآخرين، تصرّح الكاتبة: «وجوه وأقنعة تنكرية وكل واحد يروي حكاية مزعومة عن نفسه وسواه، فمسافر اليوم يرتدي قناعه ويكذب، وكل واحد يخترع حكاية لقناعه التنكري ويروي حكايات موته لا حياته!».
المصدر : اكتشف سورية (http://go.3roos.com/ttgweguujys)
Anfas Elfajer
08/09/2012, 04:46 AM
الخاتمة
______
تقول الأستاذة حنان عواد: «حقيقة هزيمة 1967، وما تلاها من حرب أهلية اشتعل أوارها في لبنان هزت كيان غادة السمان وأصابتها بصدمة عنيفة، الأمر الذي جعلها تتخلى عن الكثير من مثاليتها التي كانت تزين محاولاتها الأولى في الكتابة. تلا ذلك تحرر من الوهم وسخرية سافرة، لكن ذلك لم يكن لحسن الحظ ليؤثر على تقديرها لأهمية المحبة في حياة البشر. وشخصياتها مهما كانت متواضعة أو مهما سمت تسعى لأن تختبر المحبة الأصيلة، وإذا لم تحصل على هذه المحبة كثيراً ما تذوي وتموت كالأزهار المحرومة من ماء المطر. ولسنا نبالغ إذا قلنا أن السمان تعتبر المحبة دواء سحرياً يشفي جميع الأمراض، ويعالج مجموعة المساوئ التي تعتري الأفراد والأمم على حد سواء في عالمنا المضطرب».
وهذا ما يتردد صداه في كتاب الدكتورمحمد بالروين «المحبة القيمة الرابعة» ذلك أن الفلاسفة يعترفون بثلاثة أنواع من القيم الأساسية وهي: الخير والحق والجمال. وبدوره يضيف الدكتور محمد بالروين قيمة رابعة أساسية وهي المحبة. وهو يستشهد بالكندي إذ يقول: «المحبة علة اجتماع الأشياء»، فإذا وجدنا مجتمعاً إنسانياً متماسكاً ومترابطاً، فإن هذا المجتمع وهذا الترابط علة لوجود المحبة.
وفي الواقع ثمة ملاحظة نستقرئها في أغلبية أبطال غادة السمان، وهي إحساسهم بالغربة، والحال أن هذه الغربة هي انعكاس لإحساس أديبتنا نفسه بسبب اختلافها الفكري عن السائد، واتخاذها موقفاً لم ينل الرضى من طبقتها البورجوازية، وجعلها محيطها الاجتماعي في فترة ما من حياتها تشعر بانعزالية قاسية، إلا أنها بحدسها الأنثوي اكتشفت في المحبة خلاصاً من الإحساس بالغربة. ولما كانت المحبة مبنية على ناحية إرادية خالية من أي قسر أو تعسف فإن أساسها احترام وتقديس الحرية الشخصية والجوهرية وهذا ما سعت إليه في حياتها.
أخيراً وليس آخراً يجدر بنا أن نختم بصوت أنثوي هو صوت الباحثة هنادي الحصري وهي تحيي أديبتنا غادة السمان فتقول:
«ستظلين سيدة غادة الأثيرة عندنا لأنكِ لا تحيين بازدواجية كما يحياها غيركِ، احترامي لك كبير، واسمكِ لن يرتدي عباءة الشيب وسيبقى حرفكِ فوق ترتيلة النجوم، وشنشنة حروفكِ حقل ألحان في فضاءات دمشق، أنحني أمامكِ كاللبلاب وأقفل كلماتي بأقفال احترام ووفاء».
المصدر : اكتشف سورية (http://go.3roos.com/ttgweguujys)
Anfas Elfajer
09/09/2012, 05:01 AM
الحبيب الافتراضي
____________
لاوقت عندي لدفن موتاي، عليَّ دائما أن اختار بين زمن التأبين وزمن الحب. وقد انحزتُ دائما لحضارة الضوء وهربتُ من دهاليز النفتالين، وحبيبٌ عادي في اليد خير من عشرة عباقرة افتراضيين في الذاكرة!
***
امرأتان تُحدق كل منهما في الأخرى باستنكار. إحداهما مراهقة صغيرة هي أنا البارحة، والأخرى ناضجة هي أنا اليوم... تتبادلان التهم، والسخرية، والعتاب والإدانة. وعبثاً تتفهم كل منهما جنون صاحبتها، وكل منهما تتوهم أنها العاقلة والأخرى المجنونة.
***
أتعامل مع الشمس كما لو كانت ساعة يد، وأتعامل مع الجنون كما لو كان دستور العشاق. وحين أنتظرك في المقهى وتتأخر في الحضور، أمد يدي إلى السماء بسطوة الحب، وأعيد الشمس قليلا إلى الوراء كعقرب ساعة، وأبدّل نواميس الكون كأية عاشقة حمقاء لن تنضج، تخشى أن ينكسر قلبها لأنك تأخرت عن الحضور!
***
إنها العاصفة، ولستُ بحاجة إلى مظلة ولا قبعة ولا قفازات. لستُ بحاجة إلى شال ومعطف وعكاز، فقد ولدت في الإعصار، وكبرت في العواصف، وسأموت كأبجدية عارية في الشتاء. لم ينتصب شعرها برداً ولا خوفاً... بل انتصب في أبجديتها حرفا: لا.
***
كل ليلة، أتسلق سراً عربة الموتى واختبئ من سائقها، لأبحث عن أحبابي الموتى وأتفقدهم وألاطفهم... كل ليلة أتسلل إلى المقبرة وأحاور أشباحهم بحنين من دون أن ألاحظ أنني بدأت أتحول بدوري إلى شبح أيضا، يقود عربة موتاه! (الحبيب الافتراضي لاوقت عندي لدفن موتاي، عليَّ دائما أن اختار بين زمن التأبين وزمن الحب. وقد انحزتُ دائما لحضارة الضوء وهربتُ من دهاليز النفتالين، وحبيبٌ عادي في اليد خير من عشرة عباقرة افتراضيين في الذاكرة! ***امرأتان تُحدق كل منهما في الأخرى باستنكار. إحداهما مراهقة صغيرة هي أنا البارحة، والأخرى ناضجة هي أنا اليوم... تتبادلان التهم، والسخرية، والعتاب والإدانة. وعبثاً تتفهم كل منهما جنون صاحبتها، وكل منهما تتوهم أنها العاقلة والأخرى المجنونة. ***أتعامل مع الشمس كما لو كانت ساعة يد، وأتعامل مع الجنون كما لو كان دستور العشاق. وحين أنتظرك في المقهى وتتأخر في الحضور، أمد يدي إلى السماء بسطوة الحب، وأعيد الشمس قليلا إلى الوراء كعقرب ساعة، وأبدّل نواميس الكون كأية عاشقة حمقاء لن تنضج، تخشى أن ينكسر قلبها لأنك تأخرت عن الحضور! ***إنها العاصفة، ولستُ بحاجة إلى مظلة ولا قبعة ولا قفازات. لستُ بحاجة إلى شال ومعطف وعكاز، فقد ولدت في الإعصار، وكبرت في العواصف، وسأموت كأبجدية عارية في الشتاء. لم ينتصب شعرها برداً ولا خوفاً... بل انتصب في أبجديتها حرفا: لا. ***كل ليلة، أتسلق سراً عربة الموتى واختبئ من سائقها، لأبحث عن أحبابي الموتى وأتفقدهم وألاطفهم... كل ليلة أتسلل إلى المقبرة وأحاور أشباحهم بحنين من دون أن ألاحظ أنني بدأت أتحول بدوري إلى شبح أيضا، يقود عربة موتاه!
الحبيب الافتراضي
المصدر : غادة السمان ( الفيس بوك ) (http://go.3roos.com/yi75bicqi5g)
Anfas Elfajer
09/09/2012, 05:06 AM
الحبيب الافتراضي
_____________
امرأة من كل العصور، مكسوة برموزها وأساطيرها، تختصر مسافاتها في كتاب، في قصيدة، في رواية من واقع العالم الحديث، تعلو منها أصوات تستفز الحدث، تصطدم بجداره لترحل ابعد منه، لتكشف المخفي كبصارة براجة تقرأ ما سيقع في اصداف ورقتها، في خشخشة أقلامها. راوية رؤيوية، غادة السمان، ترحل بقارئها الى حيث يتعبه السفر، ترهقه المسافات ويتبعها لأن وراء خط افقها تتوقف الرواية، لتولد الكاتبة في حلة اخرى ووجه جديد، من خرافة وواقع، من قسوة وحنان، من سخرية وحنين. هي قبل كل شيء حرة من اي قيد، اي لم تتقيد بأسلوب روائي الا بأسلوب فنها في الكتابة حيث يغدو الادب على مر السنين، ادبها، علما متمددا على مساحات من التعابير الحرة او التعبير الحر.
من نعمة الفيض المستمر دفقه على سكة حياتها. انها تستريح من أسفارها الروائية، لترحل في إجازة الشعر. لا الشعر كما يتصوره الحالمون، الواقف غريدا على غصن اللوز ، بل شعر نابع من رؤاها، من تطلعها الواسع الى الكون بناسه، بظلمه، بكذبه، بذاك الحنين المزمن الى بيت الطفولة، الحزن المكبوت في جيوب ذاكرتها لا تزايد عليه، لا تستغله لاستجداء عاطفة او انفعالات. يمر البيت وزقاق الياسمين الدمشقي في السطر الاخير، مموها مثل نقطة الحبر الاخيرة الشحيحة على طرف ريشتها.
"الحبيب الافتراضي" ( ) ديوانها الجديد بعد "أعلنت عليك الحب" و"الحب من الوريد الى الوريد" و"أشهد عكس الريح" وغيرها... حيث يضحي الافتراض مذهباً للشكوكية ونزعة الى استكشاف الدنيا ببصيرة شفافة تؤدي الى الحقيقة، الى جوهر الوجود.
"أقف فوق المنصة الرجراجة تحت بقعة الضوء
وعلى عيني نظارات دنيا الحقيقة الافتراضية"
واذا كان المذهب فلسفة فان غادة السمان لم تتحدد في اسلوبها الكتابي في بوتقة الفكر وطقوس المنطق. متصلة بالعالم هي، تتحسسه ولا تمتحنه، تجول على طبيعته ولا تنقب في اسرارها لتنشل المطمور فيها. شمسها مباشرة تنير المعنى ولا تؤول الى غروب، قلمها ينتفض، ساخر، لاذع بنقده، طريف في تصويره الكاريكاتوري للاشياء، انساني في روحه، نابض بقلبه لا يعرف الاستسلام.
عذاباتها غربتها. سكينتها ورقتها. من هذين القطبين تكونت، حارة وباردة، حضارية ومتوحشة، تموه ماضيها لتكسر الخط الفاصل بين الحنين الى الامكنة، والذكريات وبين مهمتها كاتبة من هذا الزمن. وهل يكتب الحاضر من غير ان يغمس في حبر الامس؟: "ترتدي احزاني ثيابا جديدة عصرية/ لكنها احزان قادمة من عالمي العتيق الحزين".
"الحبيب الافتراضي" ليس مفترضا ان يكون قصيدة عشق ولقاء وفراق، فكل ما يكوّن عالم غادة افتراضي كاللحظات والمترو والميكروفون والانترنت والموت والذاكرة والرسائل... متمردة هي، تدافع عن وجودها الصلب الهش بالتشكيك في كل شيء، طريفة حينا، موجعة حينا آخر، تحمل غربتها في قلمها المسنون وتبقى متعالية عن العواطف المضطرمة، متيقظة هي للكلمة التي تحطها كأنها الاولى والاخرة. اسمعوها تقول:
"انا المرأة الافتراضية في اوطان افتراضية/ بتاريخ افتراضي مجيد/ تخوض حروبا افتراضية بجيوش افتراضية/ على الانترنت/ لكنها لا تزال تنشد: "امجاد يا عرب امجاد!".
من ضلع دون كيشوت ، غادة السمان، تحارب عالما افتراضيا، بسيف قلمها الواقعي، وفروسية بيانها. فمن خلال الفرضيات الوهمية الخيالية، يقف القارىء على حقيقة صارخة، صورة عن مأساة هذا العالم المتفكك، ولا تتبرأ من امتحان ذاتها في هذه التجربة الفرضية:
"وصرت انا بومة في غابات الليل تطارد الاسرار الابدية والابجدية".
لا بد لهذه المجموعة الشعرية من ان يكون لها تأثير على المفهوم المعاصر للشعر لما في فن الاديبة غادة السمان من تجربة خارقة عبرت خارج الحدود المعروفة للشعر مستقلة في حياكتها المدى والزمن على نول كوني يتوسع في مداه الرؤيوي الشامل ويعود ليتقلص على نحو الذاكرة المتخفية بين خيوط الالتزام بمجريات هذا العصر. تجعل الشاعرة الاديبة من الكلمة عبارة كاملة، جديدة، غريبة عن لغة ألفناها تعزيمية... في "ميا كولا" افتراضية تقول:
"انا الحمقاء الازلية / مرة اخرى جئت بالدب الى كرمي/ ويدهشني انه يدوس عناقيدي". تحطم ما بين اصابعها من خيبات لتضفر بالاسلوب الشعري امكانات انسانية جديدة وهي على يقين من انها بنت الصدفة والوهم ولا تتخاذل. ماضية تناطح طواحين الافتراضية وتتراضى معها: "وما زلت كل ليلة من الثلاثين من شهر فبراير/ احتفل خارج كوكبنا بحب خارج الزمان".
فنانة كلمة وصورة التزمت في كتاباتها الوضوح وكشف الحقيقة مهما كان ثمنها. باسلوبها الكاريكاتوري الساخر دافعت عن القيم الوجودية بوصفها النزاع القائم في النفس المعاصرة الممزقة بين حقيقة وخيال. وتبقى غريزتها صحيحة، تؤول الى الجمالية والرهافة وسرعة الخاطر وخفة الروح. انها السكة التي عليها سارت في الرواية كما في الشعر لتخلق من المالوف اليومي الخارج على المألوف. انها تلك الكاتبة الوحدانية والمتضامنة في آن واحد مع البشر بالشعر ومن خلاله:
"ايها الشاعر الذي تتقن لغة الطير والنجوم والريح/ انت رجل غزير/ انت قبيلة رجال في جسد واحد/ انت جمع بصيغة المفرد".
صدر في "منشورات غادة السمان" 2005
المصدر : غادة السمان ( الفيس بوك ) (http://go.3roos.com/yi75bicqi5g)
Anfas Elfajer
09/09/2012, 05:10 AM
على دمعة
________
غرقت نظراته الخبيرة في عيني وبعد طول تأمل قال لي (أريد منك إجراء تحليل لدموعك )
كانت أول مرة اسمع فيها عن تحليل الدموع
في الطريق نحو المختبر كنت خائفة.ماذا سيكشف لهم تحليل دموعي ؟
بل وكيف سيحصلون على الدمع مني ؟
ولكن لم لا ؟
إنها فرصة رائعة للبكاء بعد طول احتباس لمطر القلب سأنتهز الفرصة وسأبكي طويلا ...وحتى حينما يأتي الممرض ويقول لي أن الأنبوب الذي ملأته بالدمع طاف,فلن أرد عليه وسأملأ له إبريقا
من الدمع ...
و جاؤوا بقطعة قطن وحكوا بها جفني فانهمر الدمع .نقطة واحدة كانت تكفيهم ,ولكنها لم تكن تكفيني !...
وحين غادرت المختبر فرحت لأنها كانت ولم يكن في وسعي أن أوقف مطر الدمع في حنجرتي المالحة كمغارة محشوة بالشوك ....
قال لي الرجل :"تعالي بعد أيام من أجل نتيجة التحليل "
وعشت أياما شبه قلقة ...ترى هل سيقرؤون في دموعي تاريخي كله
؟!تاريخ أحزاني كلها ؟
...هل سيقرؤون أيضا أسماء ...وتواريخ....؟
وهل ستتراءى للمحلل وجوه ووجوه ،وجوه أمسكت بها ،
ووجوه راحت مني في زحام ذلك الزمن الهارب؟
هل سيقرأ في دموعي حكايتي ؟
وهل سيرتجف جسده ضحكا مني.......،من غباء أسميته "حباً"............وانهيارات أسميتها تجارب؟!
ترى هل ينبت الذين نحبهم داخل دموعنا ،وهل يسبحون في بحرها المالح كما الأسماك تسبح ؟
ترى هل تسجل دموعنا زلازل أعماقنا وفواجعنا بحيث تبقى دوائرها مرتسمة ،هادئة حينا وصاخبة حينا "
وهل ...وهل ..؟
في اليوم الموعود ذهبت لإحضار نتيجة التحليل .تخيلت انه سيدفع إلي بعدة مجلدات فيها حكايات عمري التي لا يعرفها احد غير دمعي !..
و فوجئت بصفحة بيضاء وعبارة واحد تتوسطها :
"الدمع خالي من كل شيء "!!!
لم تذكر الورقة أي شيء غير حساس لأحد المركبات الكيميائية ...أما بقية "حساسيات عمري"فلم تلحظها .
ما أشد قصور العلم أمام قطرة دمع إنساني واحدة هي بحر من الأسرار!
لا ،لم تذكر أية أسماء ..
أية حكا يا..أي توق ..أي جنون..لم تذكر أية تواريخ
المصدر : غادة السمان ( الفيس بوك ) (http://go.3roos.com/yi75bicqi5g)
Anfas Elfajer
09/09/2012, 05:17 AM
غادة السمان "- الرقص مع البوم"
_____________________
في بيوتنا الريفية العتيقة التي سطوحها من تراب وجدرانها من طين وسقوفها من خشب، كنا نتوارث بطير البوم. لم نكن نلمح هذا الطير الجاحظ العينين الغليظ الصوت الا نادرا، فهو من أهل الليل ولم تكن الكهرباء قد فضحتنا وفضحته فأبعدته. كنا نسمع صوته أحياناً، أشبه بالشكوى، على حافة البكاء.. أما ظهوره فكان > يستنفر الجميع: الآباء الذين يستعيذون بالله من الشيطان الرجيم، والأمهات اللواتي يلجأن الى شفاعة الله وأنبيائه والأولياء الصالحين، والفتية الذين كانوا يخرجون إليه وقد جمعوا الحصى وأخذوا يتبارون في من يصيبه أولاً فيكسر جناحه ليصطاده حياً. وهؤلاء لم ينجحوا أبداً: كان منهم، إلى حيث لا تطاله حصاهم، فيختفي عن أنظارهم ثم يطلق فيخافون ويرتدون إلى منازلهم. وفي داخلهم شيء من الفرح بأنه ما زال حياً. لم يكن ثمة سبب لأن يخصه الناس بكراهيتهم، فهو لا يكلفهم شيئاً، ولا يزعجهم مطلقاً، فلا هو من هدم المهدم من البيوت، ولا هو السبب في أي خراب، وإن كان الخراب يستدعيه. قبل جيل واحد فقط ظهر من يتبنى قضية رفع الظلامة عن البوم. برزت غادة السمان في ثوب القاضي لا المحامي وقلبت الآية: أعادت تقديم البوم في صورته الأصلية كطير جميل، فإذا هو رقيق الحاشية، يحمل على جناحيه خطايا الناس، مرآته القمر، يكره الاضواء، يطير بين قارة منتصف الليل وقارة الفجر، ينشد طوال الليل أحزانه... يرفض التسول العاطفي، لا يهز ذيله ككلب، ولا يحبس في قفص يغرد لذله، لا يباع، يستعصي على التدجين فلم يره أحد مرة في سيرك! ولقد أخذ حب البوم غادة السمان إلى الشعر.. وها > الجديد > قصيدة حب طويلة، تتسع للموقف من الحياة والناس والجمال والحرية والحزن. ولأن العشق بين غادة والبوم قديم وموصول، فهي لم تعد معنية بالدفاع عن البوم. البومة الآن في موقع الهجوم، وكيفما وجهت ضرباتها أصابت مقتلاً في حسادها وكارهيها والذين يحمّلونها أوزار فشلهم وخيباتهم وخطاياهم الثقيلة. الديوان الجديد الذي لم تهجر فيه غادة القصة وإن وظفتها مع الشعر لمطالعتها الهجومية البليغة التي جاءت أقرب ما تكون إلى المنشور السياسي، يكفي ان تجمع عناوين لتكتشف كم ان غادة قائدة هجوم ماسح كاسح على ، لحماية هذا الطائر اللطيف الجميل. لم تكتب غادة في ديوانها هذا حرفاً خارج السياسة. انها ارشق قلم روائي > لنا السياسة في قصص الحب وحكايات الموت ومآسي القتل على النية أو على الهوية.. وهي في ديوانها الجديد تكاد تدينك بنقص الوطنية ان لم تستجب لدعوتها إلى الحب، ثم الحب، ثم الحب... والبومة عنوانه من اخطأ فيه اخطأ في السياق جميعاً! هو منشور سياسي لأن غادة تقول بلسان حبيبها البوم آراءها جميعاً: في الحاكم الظالم، في السياسة، في وطنها العربي الذي ستحبه قرناً آخر، في الموسيقى، في الشعر، في القمر، في السلاحف والصقر والديك، في الشك والكبرياء، وخاصة في الكبرياء، ثم في الحاكم المحتل، في بيروت ودمشق وأولاهما عمر العشق والثانية عشق العمر، في المكابرة والجنون، في المسافة بين البكاء والكبرياء وذكريات الياسمين. . ان السياسة في هذا الديوان المنشور تتلفع بثوب مرقش من لغة مرهفة تكاد تنكسر تحت وطأة ما حُملت من مضامين وقيم ورؤى وأحلام: السياسة... أجل، بمعناها الشامل. مع قليل من التحريف يصير هذا الديوان سيرة ذاتية لغادة السمان، التي تختار دائماً من النظارات ما يجعلها أكثر شبها ببومتها المحبوبة: أحب ان اظل مقيمة داخل جسدي، كي أذهب إليك وأفرح بلقائك، وليظل حبنا غرفة لشخصين داخل ذاكرة. الحب لحظة جمالية عابرة مترعة بأجمل أكاذيبنا، فلا تقترب كثيراً كي لا تصير بعيداً. ليس البوم، بل غادة ثقيلة الاحمال تحمل على جناحها خطايا الناس. ولذلك فهي تكشف امراء كذبة نيسان: لو صدقت ليلى مجنونها قيس لكف عن كتابة الشعر، ولخانها مع حسناء الخيمة المجاورة. البوم الحب، الحب البوم، الحب الموت، الموت الحب، الموت الشعر، الشعر الحب: أنت لا تطلق سراح اللحن إلا حين تكسر العود! غادة بومة قلبها في بيروت: ما زلت أحبك رغم كل شيء، ففي شواطئك تعلمت كيف أشرب ضوء القمر في صدفة بحرية. غادة لها عينا بومة. . غادة السمان: لقد نجحت هذه المرة أيضاً. جعلتنا نزداد عشقاً للحياة بطوفان حبك هذا الذي أخذك إلى الشعر وأعادنا إليك
المصدر : غادة السمان ( الفيس بوك ) (http://go.3roos.com/yi75bicqi5g)
Anfas Elfajer
09/09/2012, 05:23 AM
غادة السمان " -سهرة تنكرية للموتى"
________________________
سهرة تنكرية للموتى
الحيـاة
الطريف في الكتاب ان الكاتبة تقترح ثلاثة عناوين فرعية تاركة للقارئ ان يختار العنوان الذي يريد بعد قراءته الرواية. والعناوين الفرعية هي: (موزاييك الجنون البيروتي), (إجازة في بيروت), (العودة الى باريس).
وحمل الغلاف الأخير تعريفاً بالرواية جاء فيه: (طائرة آتية من باريس تحطّ في مطار بيروت على مشارف القرن الحادي والعشرين, تحمل سبعة من المغتربين والمغتربات من أصل لبناني جاؤوا لقضاء اجازة في لبنان برفقة طبيبة فرنسية. يُرافقهم القارئ في بيروت حيث يلتقون بموزاييك الجنون في فوران الحياة والموت والأشباح التي تتمسك بالمارة نهاراً في الشوارع, وبمصاصي الدماء, وبالأموات/ الأحياء (الزومبي), وبنجوم الاحتيال ومافيات السلم بعد مافيات الحرب, وبحكايا الحب, وبالشهداء, وبأبطال الروايات الذين يتحوّلون قتلة أو شهوداً, وبالرسامين الذين يعيدون الحياة الى قتلاهم بالرسم... ويلتقي ابطال الرواية بنفوسهم بلا أقنعة في مهرجانات الأقنعة. إنها اجازة مع الظواهر الغرائبية في مدينة لا يعود أحدٌ منها كما كان, أو لا يعود أبداً... مدينة الصراعات الاجتماعية والاقليمية والعالمية حيث يكاد الإنسان الشريف, عاشق الحرية, يختنق فيُهاجر أو يحلم بالهجرة; انها رواية الجوع والتخمة, رواية القمع والحرية).
ومن مطلع الرواية: (خائف. إني خائف من زيارتي هذه الى بيروت. خائف من مدينة أتكلم لغة أهلها ولا أتكلمها حقاً, ولم أزرها منذ ثلاثة عشر عاماً وكنت صبياً على أبواب مراهقة تعمّدت بالدم والقصف والرعب والملاجئ, كما تعمّدت ولادتي بالحرب اللبنانية بعد عام من صرختي الأولى في هذا العالم المتوحش. لم أر بيروت على شاشة التلفزيون الفرنسي إلا مسرحاً للحرائق والمعارك والرهائن والموت والموت وتمجيد الموت. خائف من نبوءة الضباب الذي يغطي مطار باريس ويعرقل اقلاع الطائرات, ربما لأن طائرة بيروت من ضباب... وقدرها من ضباب ورأسي كله من ضباب. ولعل الضباب يتدفق الآن من عيني وأذني وفتحتَيّ أنفي وفمي وثيابي. ولعلي رجل من ضباب.
حدّق فواز في وجه دانا. ابتسمت له بودّ أليف. أطمأن إذ أدرك انها لا ترى الضباب الذي يسيل من روحه عبر شقوق جسده, ولا تعرف انه يراها ضباباً كالمرئيات كلها في هذا اليوم والذكريات كلها وربما المستقبل كله سهرة تنكرية للموتىالحيـاةالطريف في الكتاب ان الكاتبة تقترح ثلاثة عناوين فرعية تاركة للقارئ ان يختار العنوان الذي يريد بعد قراءته الرواية. والعناوين الفرعية هي: (موزاييك الجنون البيروتي), (إجازة في بيروت), (العودة الى باريس). وحمل الغلاف الأخير تعريفاً بالرواية جاء فيه: (طائرة آتية من باريس تحطّ في مطار بيروت على مشارف القرن الحادي والعشرين, تحمل سبعة من المغتربين والمغتربات من أصل لبناني جاؤوا لقضاء اجازة في لبنان برفقة طبيبة فرنسية. يُرافقهم القارئ في بيروت حيث يلتقون بموزاييك الجنون في فوران الحياة والموت والأشباح التي تتمسك بالمارة نهاراً في الشوارع, وبمصاصي الدماء, وبالأموات/ الأحياء (الزومبي), وبنجوم الاحتيال ومافيات السلم بعد مافيات الحرب, وبحكايا الحب, وبالشهداء, وبأبطال الروايات الذين يتحوّلون قتلة أو شهوداً, وبالرسامين الذين يعيدون الحياة الى قتلاهم بالرسم... ويلتقي ابطال الرواية بنفوسهم بلا أقنعة في مهرجانات الأقنعة. إنها اجازة مع الظواهر الغرائبية في مدينة لا يعود أحدٌ منها كما كان, أو لا يعود أبداً... مدينة الصراعات الاجتماعية والاقليمية والعالمية حيث يكاد الإنسان الشريف, عاشق الحرية, يختنق فيُهاجر أو يحلم بالهجرة; انها رواية الجوع والتخمة, رواية القمع والحرية). ومن مطلع الرواية: (خائف. إني خائف من زيارتي هذه الى بيروت. خائف من مدينة أتكلم لغة أهلها ولا أتكلمها حقاً, ولم أزرها منذ ثلاثة عشر عاماً وكنت صبياً على أبواب مراهقة تعمّدت بالدم والقصف والرعب والملاجئ, كما تعمّدت ولادتي بالحرب اللبنانية بعد عام من صرختي الأولى في هذا العالم المتوحش. لم أر بيروت على شاشة التلفزيون الفرنسي إلا مسرحاً للحرائق والمعارك والرهائن والموت والموت وتمجيد الموت. خائف من نبوءة الضباب الذي يغطي مطار باريس ويعرقل اقلاع الطائرات, ربما لأن طائرة بيروت من ضباب... وقدرها من ضباب ورأسي كله من ضباب. ولعل الضباب يتدفق الآن من عيني وأذني وفتحتَيّ أنفي وفمي وثيابي. ولعلي رجل من ضباب. حدّق فواز في وجه دانا. ابتسمت له بودّ أليف. أطمأن إذ أدرك انها لا ترى الضباب الذي يسيل من روحه عبر شقوق جسده, ولا تعرف انه يراها ضباباً كالمرئيات كلها في هذا اليوم والذكريات كلها وربما المستقبل كله
المصدر : غادة السمان ( الفيس بوك ) (http://go.3roos.com/yi75bicqi5g)
Anfas Elfajer
09/09/2012, 05:28 AM
القصة بين غادة السّمان وإيتالوكا لفينو
_______________________
ايزابيلا كاميرادافيلتو
ت.نور السمان دينكل
منذ أن درست الأدب العربي المعاصر في جامعة نابولي كنت أختار في كل عام منهاجاً دراسياً يتعلق بموضوع أدبي أو بكاتب مميز. بدأت بفن القصة الفلسطينية التي أعرفها بشكل خاص من خلال ترجمتي في الماضي لبعض من أجمل روايات غسان كنفاني(1) الذي هو بنظري واحد من أكبر كتاب الشرق الأوسط. بعد الأدب الفلسطيني تابعت اختيار منهاجي حول مواضيع أدبية مختلفة الأهمية ولكنها دائماً مرتبطة بالحقيقة الاجتماعية ـ السياسية للعالم العربي.
ضمن منهاج جديد اخترته حول الأدب النسائي في العالم العربي، خطفت انتباهي كتابات غادة السمان وشعرت بجاذبية كبيرة تجاهها، ليس لأن بقية الكاتبات لا تستحق هذا التركيز ولكن يولد أحياناً بين القارئ وكاتب معين ما يشبه الحب من النظرة الأولى Coup de foudrs.
مما دفعني إلى التعمق بمعرفتها أكثر والرغبة بترجمة شيء من أعمالها لأننا مع الترجمة نتوصل إلى فهم روح الكتابة والتقاط نبضها عبر الدقائق الشكلية والغوص في عمقها. وكما يقول الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي في ترجمة عمل أدبي إلى الفرنسية أو الإيطالية من لغة بعيدة مختلفة كالعربية: ((هي مغامرة تشبه بشدة مغامرة الخلق حين تغلب متعة الترجمة))(2).
بالطبع هذه المتعة هي التي تقود المترجم في اختياره، ومن ثم أعتقد بأن الترجمة التي تعطيني هذه المتعة اختارها غريزياً.
سمعت من غادة السمان منذ وقت طويل ولكن دون توافر الفرصة لي لقراءة شيء من أعمالها حتى سنحت الفرصة لكون أعمالها قد ترجمت في بلاد غربية عدة كانت الكاتبة قد أقامت في بعضها وحي أنشئت فيها بعض المؤسسات مثل معهد العالم العربي في باريس والذي يقوم بمهمة التقديم والدفاع عن الثقافة العربية في أوربا من خلال مختارات أدبية وثقافية. ولكن الجمهور والثقافة الغربيين قد حصر الأدب العربي في النطاق الضيق للمتخصصين ومنذ وقت قصير فقط بدأنا بنشر ترجمات الأعمال الأدبية العربية في الصحف الأكاديمية فقط المتعلقة بالاستشراق.
وهكذا فثقافتنا الأوروبية التي التفت منذ سنين إلى ما وراء البحر المتوسط لكي تتبع غرابة الشرق الأقصى أو الأسلوب الأدبي لأميركا اللاتينية بدأت مع جائزة نوبل للمصري نجيب محفوظ، (وقبلها مع جائزة كانكور Concour للمغربي طاهر بن جلون) تنتبه وتحسب حساب ثقافة بكاملها كانت متجاهلة عماً لوجودها حتى الآن. ومن المؤسف أن الجمهور في أوروبا يبدأ بالاهتمام بثقافة ما أو بكاتب معين اهتماماً خاصاً فقط عن طريق نيله لجائزة أدبية، على كل حال، تعوق انتشار الأدب العربي صعوبة لغته غير المعروفة وغير المدرسة في أوربا وقد بدأ هذا الأدب أخيراً يأخذ مكانه ضمن بانوراما الأدب العالمي ولو كان ذلك بشكل متأخر دون مبرر قرأت بعض أعمال غادة السمان واكتشفت عالمها المنسوج من كوابيس وأحلام، من واقع وخيال وفهمت لماذا كانت الكاتبة في الماضي موضوعة على الهامش بشكل ما تجاه الجمهور الغربي الذي بدأ الآن فقط(3) باكتشافها.
قبل كل شيء، أشير إلى مشاكل موضوعية متعلقة بالصعوبة اللغوية عند الترجمة، فترجمة عمل لغادة السمان ليس بالسهل بسبب الثراء والتصميم المتقن لكتابتها الغنية جداً، لخيالها، وللوجوه المتعددة للمعاني عندها.
لقد انتبهت بنفسي إلى ذلك عندما ترجمت وحللت مع طلابي في الجامعة واحدة من أجمل قصصها: فزاع طيور آخر ضمن مجموعة ليل الغرباء. عندما كان على الطلاب فهم النص، والاستمتاع بالأسلوب والقالب الأدبي، كان من بينهم باولا دي كابو الأكثر مثابرة واهتماماً بكتابات غادة السمان حيث استمرت بعدها بالتعمق من أجل أطروحتها في بعض أعمال الكاتبة السورية وترجمتها.
ولكن في ترجمة أعمال غادة السمان تبرز صعوبات أخرى مرتبطة بشخصية الكاتبة القوية، الناقدة والمحرضة، الثائرة التي يمكن أن تكون غامضة وغير متناسبة مع ترجمة حرة قد تبعد عن النص.
أعتقد بأنه، أكثر من أي كاتب آخر، يجب ترجمة أعمال غادة السمان من قبل شخص يشعر ويشاركها القسم الأكبر من أحاسيسها. لأنها تتوصل إلى قول كل ما يريد قوله الكثير منا ولكنهم لا يجرؤون، لا يقدرون أو لا يعرفون قوله.
((المرأة بصفتها بروليتارية البروليتاريا(4) )) يكفي أن نبدأ من تأكيدها التحريضي الشهير هذا لكي نضع إطاراً ذا دلالة وافية. ويبدو التحريض المرهف، الذكي سلاح غادة السمان المفضل، التي هي اليوم من بين الكتاب الأكثر إثارة للاهتمام والأكثر اطراء في العالم العربي، وكما يقول الناقد الأدبي غالي شكري: ((إذا كان نجيب محفوظ هو الروائي الكلاسيكي عند جمهور القراء العرب فإن غادة السمان هي الروائي الأول عند الأجيال العربية الجديدة(4) )). عصرية، متطورة، برجوازية، مثقفة، مستقلة فكرياً ومتحررة من الرواسب، حالمة.. تلك هي الصفات التي يستعملها الناقد للتعليق على الكاتبة وعلى أعمالها العديدة.
ولكن من هي في الحقيقة غادة السمان؟ ولماذا دائماً كل هذه الضجة والصدى لأعمالها؟
هي أولاً امرأة حرة، حرة لدرجة أنها لكي لا تصبح مستعبدة من قبل دور النشر. قررت بعد أن أصدرت أولى أعمالها القصصية والشعرية عن طريق ((دار الآداب)) في بيروت، أن تبدأ نشر كتبها بنفسها بتأسيسها لدار النشر.. ((منشورات غادة السمان)) عام 1977 وعنها أصدرت كتبها واحد بعد الآخر، كتباً حازت نجاحاً كبيراً في كل العالم العربي تقريباً. وأعيد طبعها عدة مرات(6). في الماضي، كان الناشرون في البلاد العربية الأخرى يتخوفون من نشر كتاباتها الجريئة ويضعون شروطاً أو تعديلات مختلفة. واليوم ربما هم يتسابقون لكي يتمكنوا من نشر كتبها أو توزيعها بعد نجاحها المستحق والساحق.
من جهة أخرى، حتى في البلاد الأوربية التي ترجمت في أعمالها، فهي تحوز على نجاح كبير وجمهور أوروبي واسع، تكفي المعرفة بأن كوابيس بيروت قد باعت عشرات آلاف النسخ في بولونيا وروسيا وأرقاماً مشابهة في ألمانيا الغربية والشرقية وغيرها.
وهنا أستطيع التأكيد بأن غادة السمان هي الكاتبة الأكثر قراءة في العالم العربي وبوسعها الوصول إلى المزيد من القراء بشكل أكبر إذا استطاعت كتبها التحرك والمرور بحرية إلى القراء في كل مكان.
ولكن بعض كتبها، المعتبرة (فاضحة)، قد منعت في بعض البلاد العربية.
من جهة أخرى لا يمكننا أن ننفي كون غادة السمان تعتبر ككاتبة ((مزعجة)) بشكل ما، لأنها تطرح دون أقنعة أو رياء كاذب كل القضايا الحساسة مثل الجنس، الدين أو السياسة. وما تقوله غادة السمان في كتبها بهذا الصدد لا يعجب طبعاً بعض الأشخاص الذين يرون فيها تهديداً للمجتمع، وهجومها المستمر والمباشر والموجه للكل دون استبعاد أحد من المسؤولية أو الذنب.
وإن كانت من جهة تنتقد الطبقة البرجوازية التي تنتمي هي نفسها إليها، فهي من جهة أخرى لا توفر الطبقات الأخرى في المجتمع حيث تنتقد الجهل والتقاليد البالية. والاتهامات تمس أيضاً الطبقة التقدمية وعلى الخصوص ازدواجية الرجل الشرقي والذي رغم كل خطاباته الجميلة والثورية حول تساوي الجنسين فهو في الحقيقة العملية يملك تصوراً آخر للوجود يغلب فيه الذكر. في قصة ((الساعتان والغراب)) ضمن مجموعة رحلي المرافئ القديمة (1973)، تبدو خيبة الأمل واضحة لبطلة القصة (عايدة) عندما يتبين لها أن الرجل الذي تحب (فضل) الثوري، كان هو أيضاً يملك سلوكاً رجعياً تجاه المرأة. أن اتهام الرجل وفضحه في مثل هذه المواقف التقدمية المزيفة هو موضوع متكرر بشكل كاف في الإنتاج الأدبي النسائي المعاصر(7).
ولكن نتاج غادة السمان لا يمكن أن يصنف وبشكل أوتوماتيكي ضمن إطار الأدب النسائي أو الأدب النسائي التحرري أو الأدب الملتزم الخ. لأنه وإن كان حقاً هدفها الأول يبقى تحرير المرأة العربية من وطأة التقاليد، ولكنها لا تقع في فخ.. ((رد الفعل)) ضد الرجل(8) وهي لا تهاجم الجنس الذكري الذي تعتبره ((مخلوقاً جميلاً وبائسً مثلنا(9) )) وعلى العكس من الكثير من المنظمات النسائية حتى في الغرب، فهي تقول بصراحة بأن ((المرأة العربية لا تطالب في الحقيقة بالمساواة مع الرجل العربي لأنه هو نفسه لا يتمتع حقاً بحقوق يحسد عليها.. ومن هنا لا بد من صهر نضال المرأة داخل بوتقة نضال المكافحين جميعاً من أجل حياة أفضل للإنسان العربي(10) ففي الواقع، المرأة والرجل هما معاً ضحيتان لهذا العالم المعاصر وباتحادهما فقط سينجحان في النضال ضد الجهل النبع الأول لآلام المجتمع، لان المرأة ليست مظلومة من قبل الرجل فقط ولكن من قبل التخلف، والفروق الطبقية والاستعمار.
كل هذه الأفكار لا تتعب غادة السمان من كتابتها بوضوح بشكل أو بآخر سواء على لسانها أو على لسان أبطال قصصها.
تربط غادة في الحقيقة قضية المرأة بمأساة ثلثي الجنس البشري الذين يناضلون من أجل البقاء وبنضال الطبقات، كما فعلت سيمون دوبوفوار والتي تقترب منها غادة السمان كثيراً متفقة مع أكثر أفكارها. وهذا التوارد هو موضوع دراسة حديثة بالفرنسية لـ ((نجلاء الاختيار)) حيث قابلت أعمال هاتين الكاتبتين الكبيرتين: واحدة كرمز للنضال النسائي في الغرب والأخرى في الشرق(11).
وكما عند سيمون دوبوفوار، تهاجم غادة السمان في كتاباتها الرأسمالية، البرجوازية، وتنقد بقسوة رياء الأوساط الأكثر تقليدية وهو رياء يضر ويعطي فكرة سلبية وضيقة عن الثقافة العربية ـ الإسلامية، بينما هي تعتبرها إرثاً ثقافياً قيما يجب حمايتها لا كابحاً لكل تطور. وبهذا الصدد، في مقابلة حديثة بالفرنسية مع الكاتبة التونسية جليلة حفصية، تعبر غادة بوضوح عن إعجابها بالكتاب الغربيين مثل فيرجينيا وولف، جيمس جويس، سيمون دوبوفوار وآخرين، ولكن من جهة أخرى تؤكد أنه لا يمكنها تجاهل تأثير كنوز الأدب العربي وثقافتها وجذورها الإسلامية(12) والتي زرعها فيها والدها منذ طفولتها.
من كل هذه الاعتبارات، يبرز بوضوح عامل الرفض عند الكاتبة: رفض قاطع وحاد ضد الجميع. وعند التساؤل: ضد من ومع من تناضل غادة السمان، يجيب غالي شكري بأن الأهم عند الكاتبة هو النضال نفسه دون هدنة مع نفسها أو مع الآخرين، كما نستنتج من أعمالها ((غير الناقصة(13) )).
من هذه النقطة يأتي تساؤل تلقائي إن كان لـ غادة السمان أية ميول سياسية معينة توحي بها أقوالها. ولكنها تصر على التأكيد في كل مقابلاتها الصحفية بأنها لا تنتمي إلى أي بنية سياسية وليست منتسبة إلى أي حزب كان، غادة السمان هي، وتريد أن تكون، امرأة حرة تستطيع أن تتكلم كما يحلو لها عن ((مافيا البرجوازية (14) )).
من هذه النقطة يأتي تساؤل تلقائي إن كان لـ غادة السمان أية ميول سياسية معينة توحي بها أقوالها. ولكنها تصر على التأكيد في كل مقابلاتها الصحفية بأنها لا تنتمي إلى أي بنية سياسية وليست منتسبة إلى أي حزب كان، غادة السمان هي، وتريد أن تكون، امرأة حرة تستطيع أن تتكلم كما يحلو لها عن ((مافيا البرجوازية (14) )) وتناقش في (المحرمات) مثل الجنس، العذرية، تعدد الزوجات، تصورها للزواج والذي تصفه بـ ((شكل من أشكال الدعارة الشرعية والرسمية(15) )).
في قصتها رجل في الزقاق، تفضح غادة السمان ذلك وترفض الزواج التقليدي، بتدبير من أهل الزوجين (والذي يحدد مصير كثير من الفتيات في كل المجتمع المتوسطي وليس فقط في المجتمع العربي) كما فعلت الكاتبة الفلسطينية سميرة عزام. ولكن عند قراءة قصة سميرة عزام نصيب من مجموعة الظل الكبير (1956)، كان الرفض عندها حزيناً، مراً وضعيفاً وعاجزاً قبل كل شيء.
في كتابات غادة السمان، يأتي الرفض فاضحاً، صار خافي كل الاتجاهات لأنه وكما قالت هي عن نفسها ((تكتب بالسكين لا بالقلم وبالدم لا بالحبر (16) )).
في قصتها عذراء بيروت، تفضح غادة السمان نفاق عقلية عربية معينة تريد وتفرض أن تكون الفتاة عذراء قبل الزواج وهذا يعني أيضاً لبعض النساء من عذارى ((التكنولوجيا)) بناء عذريتهن في مستشفيات مختصة. في روايتها بيروت 75 تفضح رياء بعض الطبقات الشعبية وتواجه بجرأة موضوع جريمة الشرف، وهو موضوع وصورت الكثير من الروايات التي لا تنسى حول هذا الطرح يكفي أن نفكر في إيطاليا بـ ((جريمة شرف)) للكاتب جيوفاني أربينو(17) والذي في ذلك الوقت في عام 1961 أثار كثيراً من الضجة لأنه فضح عقلية إيطاليا في عمق الجنوب المتوسطي، عقلية رجعية، جاهلة تبعد عن ركب البلاد المتحضرة والصناعية.
الأدب العربي أيضاً وبشكل طبيعي غني بالروايات حيث جريمة الشرف تبرز بوضوح مختلف الدرجات. كما في بعض روايات الكاتب العراقي فؤاد تكرلي، عند يوسف ادريس أو عند كثيرين آخرين.
ولكن جريمة الشرف عند غادة السمان توصف بشكل متحرك ينساب بين الكابوس ـ الحلم ـ الحقيقة، الحياة ـ الموت. وبينما في الأدب الكلاسيكي، تختتم حالة جريمة الشرف باعتراف القاتلة (أب، أخ أو زوج)، واثقاً من أفلاته من العقوبة ومن تواطؤ السلطة معه، نجد في رواية بيروت 75 لغادة السمان تختتم القصة ـ المشهد بشكل غير متوقع مع واحد من الأبطال والذي يهزه الحدث لدرجة لجوئه إلى مصح عقلي يخرج منه مستعيداً لوعيه، فيأخذ لوحة المصح العقلي ويذهب ليغرسها في مدخل بيروت ليقول بذلك أنه في عام 1975، مع الحرب الأهلية الدامية، قد سيطر الجنون وسكن في العاصمة اللبنانية وليس في المصح العقلي الحقيقي وصارت بيروت هي المصح العقلي الفعلي.
لكن كل هذه الانتقادات للمجتمع العربي لا تعني أن الكاتبة تحس بأنها منجذبة للمجتمع الغربي، فهي أيضاً تنتقد تلك العوائل المنتمية للبرجوازية العليا والتي تتبع ظاهراً سلوكاً أوروبياً محضاً ولكنها تفتقر للانتماء منفية عن قاعدتها الثقافية. وغادة ليست ضد الأسرة العربية كمؤسسة بل بالعكس تريد المحافظة عليها ولكنها تقترح وتأمل أن تحول إلى مؤسسة ديمقراطية(18) ومن ثم ترى بأن تربية الشبان العرب منذ صغرهم على أساس ثقافة الغرب فقط كما تفعل بعض الأسر البرجوازية العربية، وكما يحدث لبعض الشبان في جنوب الكرة الأرضية، أفارقة وآسيويين ينتج عنها شعور الوحدة والغربة الذي طالما ظهر في أعمال كثير من الكتاب العرب المعاصرين. وهذا الشعور بالضياع تعبر عنه الكاتبة عندما تعترض بطلة قصتها ((الدانوب الرمادي)) بأنها تعلمت ستة لغات فامتلأت بالغصات والمرارة حيت ادعت بأنها تفهم لغات ستة شعوب ولكن لا تستطيع التفاهم مع أحد من أهلها!
نلمس الشعور نفسه بالوحدة والتشرد(19) الثقافي حين تذكر مي زيادة، كاتبة عربية أخرى ولكن من الماضي، وقد راوح وجودها باحثاً عن توازنه بين مختلف الثقافات وعدم توصلها إلى التفاهم مع الآخرين ومع الزمن الذي عاشه خلاله. في شعرها أين وطني نجد الأزمة نفسها والضيق العصري اللذين عند غادة السمان عندما نقول بأنها لا تعرف بأي لغة تعبر أو إلى أي شعب تنتمي لأنها: لأني دون سواي، تلك التي لا وطن لها وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد(19).
أعود إلى غادة السمان لانوه عن شيء يدهشني عدا عن نسيجها اللغوي المميز الخاص بها، ما يذهلني هو خصوبة خيالها الذي لا ينضب. والخيال هو بدون شك العامل الأساسي الذي تدور حوله كل عبقرية الخلق للكاتب والتي، عند غادة السمان تصبح عبقرية متشربة بالذكاء والثقافة. حين تغيب وتطلق العنان للقفزات غير المتوقعة لخيالها وثمة ما يقرب غادة من كاتب حديث وعبقري (اينالو كالفينو)(20).
حيث يقول: ((أتوق إلى وقت الكتب الجميلة، المليئة بالذكاء المتجدد، كالطاقة الجديدة وآلات الإنتاج، التي تؤثر على الحداثة والتجديد التي يحتاجها العالم، أعتقد بأن بعض أنواع الأدب الفعالة مثل قصص الشعوب وملاحمها (Saga) والرحلات، والنصوص الأدبية حول المدينة الفاضلة Utopia والقصة الفلسفية والساتيركية الساخرة، والحوار المسرحي والمسرحية الغنائية الهادفة، كل هذه الأشكال يجب أن تأخذ مكانها كمحركات أساسية في أدب الانتلجنسيا التاريخي وفي النضال الاجتماع(21). يبدو لي هذا القول منطبقاً على غادة السمان لأن ايتالو كالفينو، كالكاتبة السورية هو ربما الكاتب الأكثر استخداماً للخيال، واضعاً بينه وبين الواقع (وعي) الكاتب المرهف الحاد. في كتاباته يضع الخيال في خدمة لعبة الكلمات والأوضاع المتناقضة. كالفينو، كغادة السمان، لا يقسم الإنسانية إلى ((طيبين)) وأشرار، لأن هذا يقود إلى التعصب، أو إلى تعصب اللاتعصب(22) ولكن يعتبر الإنسان مزيجاً من الخير والشر، من الصعود والهبوط، من الحب والعنف، من الحياة والموت. أن ارتطام الكتاب مثل كالفينو أو غادة السمان بالواقع وارتجاجهم هو مضاعف بالنتيجة، لأنهم من جهة يرون عالمهم الهادئ البرجوازي يهتز مع كل قيمهم ومن جهة أخرى يرون أنفسهم مرميين في العالم اللاعقلاني للعنف ولهزم هذا العنف لا بد من أسلحته ذاتها. وذلك يفسر تواجد كثير من العنف والموت في كتابات غادة السمان. أن العدو الحقيقي لغادة هو الموت، والكاتبة نفسها تحاول الإفلات منه على طريقتها الخاصة: ((أكتب كي لا أموت)).
هكذا عبرت الكاتبة في المقابلة التي أجرتها معها بأولادي كابوا، والتي ستنشر في الصحيفة الأدبية ((خيط الظل)) في إيطاليا. من جهة أخرى الموت نفسه موجود دائماً وبكثرة في كتاباتها. موت بالنسبة لها وللآخرين والذي تحاول الكاتبة أن تقاومه بكل وسيلة(23) كذلك الحب عندها هو شكل من أشكال الحياة في مواجهة الموت(24) والذي كان عليها التعود عليه منذ كانت طفلة حين كانوا يصطحبونها إلى قبر أمها التي فقدتها قبل أن تنتبه إلى وجودها(25).
ولكن الموت عندما تصفه غادة السمان هو بالنسبة لها أكثر عبثية ولا عقلانية، كما على سبيل المثال، موت الوصيفة في قصة فزاع طيور آخر أو موت الخادم Waitre d'hotel في كوابيس بيروت. وسواهما حيث تهدر حياتهم كما لو كانوا أدوات بسيطة في أيدي السادة المعدومي الضمير وتموت هذه الضحايا بسبب هفوات حمقاء وشريرة من قبل سادتهم. ثم نرى موت شخصية رمزية على مستوى الإنسانية مثل صاحب متجر الحيوانات في كوابيس بيروت، والذي يموت مفترساً من قبل حيواناته الجائعة والتي لم يطعمها كفاية، أو في موت بطلة بيروت75، رامزة لكل الضحايا المقدمة على مذبح الأنانية والنفاق الإنساني. و هكذا نصل إلى تناقض دراماتيكي، فالكاتب الذي يكره العنف مضطر إلى أن يصبح عنيفاً هو نفسه. وكما يقول الناقد جوزيف بونورا، بصدد العنف في كتابات كالفينو: ((مجبر على تبرير كل عنف الحرية)) (26).
أما بالنسبة للكاتبة السورية، فهي تصل إلى درجة انتقاد عنفها نفسه مع روح الفكاهة الـ Macabre السافرة التي تصبح في أكثر من مرة ((سخرية سوداء)). وتماماً مثل كالفينو، تقاتل غادة بالكلمات ((بحر الأشياء)) وهنا تصبح الأفكار والأشخاص داخل عبثية المدينة الحديثة. إن شخصيات قصصها هي ملحقات أو وسائل بسيطة في الأحداث المروية، تدور حولها الأفكار وبصدد غادة يمكن إضافة ما قاله ايتالو كالفينو في الأدب الثوري: ((الثوري هو من لا يقبل معطيات الطبيعة التاريخية ويريد تغييرها)). فهي تقول: ((لا خلاص من دون النضال ضد كل القيم البالية التي مضى عليها الزمن ومن ضمنها ما يتعلق بالجنس، ومن دون التصور البرجوازي الجامد للحرية))(27).
عندما بدأت بكتابة هذه الاعتبارات حول غادة السمان، فكرت فجأة بأنه يجب أن أجد أيضاً من بين إنتاجنا الأدبي اتجاهات مشابهة فكرياً مشتها نساء من كاتباتنا.
في كثير من التعابير الأدبية، كنت أفكر في إمكانية عمل دراسة أدبية مقارنة، ولكن بقدر ما بحثت، بقدر ما توضحت لي خصوصية وتميز كتابة غادة، والتي بنظري (إذا ما نوقشت من وجهة نظر القيمة الأدبية المحضة)، فحتى سيمون دو بوفوار نفسها يمكن أن نقابلها مع غادة على المستوى الاجتماعي فقط لا الأدبي الفني، لأنه يجب أن نقبل بأنه في يومنا هذا ليس هناك كاتبة من نمط غادة السمان. بالطبع، إن التطورات السياسية ـ الاجتماعية في الشرق الأوسط، المأساة الفلسطينية، تمزق بلد مثل لبنان بالإضافة إلى مأساة الحرب الأهلية في العاصمة اللبنانية، كل هذه عوامل يمكن أن تكون مؤثرة بها وفاعلة في تركيبتها الإنسانية والأدبية.
اليوم، ليس عندنا هنا الأوضاع المأساوية على النمط اللبناني، ولكن، من المؤكد أن لنا حروبنا المأساوية أيضاً، فقط، يجب القبول أنه في أدبنا وعند كتابنا، سواء رجالاً أو نساء، لم يتوصل أحد منهم مثل غادة إلى الهزء إلى هذه الدرجة من كنف الحرب وعنف الحياة، المصورة في كل هذيانها الوحشي: وحشية إنسانيتنا نفسها.
الهوامش
* وضعت هذه الدراسة كمقدمة لكتاب بأولادي كابوا بالإيطالية المعنون: ((التمرد والالتزام في أدب غادة السمان)) وايزابيلا دافليتو أستاذة في معهد الاستشراق، وتصدر طبعة الكتاب بالعربية ربيع 1991.
(1) ترجمت لغسان كنفاني: رجال في الشمس (سالرنو) دار النشر Ripostes 1984 (عائد إلى حيفا) و(أم سعد)، سالرنو دار النشر Ripostes 1985.
(2) عبد اللطيف اللعبي، مقدمة لترجمة إلى الفرنسية لرواية حنا مينة Soleil en instance باريس ـ يونيسكو 1986 ص11.
(3) في إيطاليا، دار النشر Ripostes التي نشرت بعض روايات غسان كنفاني ونجيب محفوظ، ستنشر في الأشهر المقبلة ترجمة مختارات من قصص غادة السمان.
(4) تأكيد ضمن ((الأعمال غير الكاملة)) ومنوه عنه أيضاً عند مروان المصري ـ محمد علي ويلاني، الكاتبات السوريات دمشق ـ 1988 ، ص113.
(5) غالي شكري: غادة السمان بلا أجنحة، بيروت، دار الطليعة، الطبعة الثالثة، 1990، ص10.
(6) من بين كتبها الأكثر مبيعاً: كوابيس بيروت الذي وصل إلى طبعته السادسة 1987.
بيروت 75 في طبعته الخامسة في 1987 وليل الغرباء في طبعته الثامنة في 1989، ولا بحر في بيروت في طبعته الثامنة 1987، وعيناك قدري وأعلنت عليك الحب في طبعتها التاسعة في 1989.
(7) في القصة العربية، كاتبة أخرى قد سخرت من سلوك الرجل الثري وهي الفلسطينية سحر خليفة في روايتها (عباد الشمس) وهي تؤكد مثل غادة السمان: ((بأن المفكر العربي عنده مبادئ عامة تخص الشعب بينما في حياته الخاصة فهو الأول الذي لا يطبقها)). سحر خليفة، عباد الشمس، القدس، دار الكتاب، 1980، ص17.
(8) الهام غالي: نبوءة الحرب في أدب غادة السمان، أطروحة غير منشورة، جامعة باريس(7) جوسيو. ص9.
(9) غادة السمان: الأعمال غير الكاملة (9) ص82.
(10) غادة السمان: الأعمال غير الكاملة (14) ص96.
(11) نجلاء الاختيار قد حللت في دراستها هذه أعمال هاتين الكاتبتين من خلال ظروف المرأة وتحررها في سورية وفي فرنسا والتشابه والتوارد فيها من الخارج تبدو مثيرة للدهشة. ولكنها لا تعالج أي تأثير للكاتبة الفرنسية على العربية. وبالنسبة للكتاب العربي، هناك إجماع على كونهم يقرأون اللغات الأخرى، بينما الكتاب الأوروبيين يجهلون العربية. ولكن التشابه بين الاثنين بوفوار والسمان لا يدخل ضمنه الأسلوب الأدبي، أو النظرة نفسها في الحياة.
(12) مقابلة لجليلة حفصية مع غادة السمان في ((La presse)) الصحافة التونسية: 21 ـ 4 ـ 1989.
(13) غالي شكري: غادة السمان بلا أجنحة. ص25.
(14) غادة السمان: أرملة الفرح ـ رحيل المرافئ القديمة ص54.
(15) غادة السمان: الأعمال غير الكاملة (10)، 1988، ص79.
(16) قول في جريدة الثورة 29 أيلول 1988 ومذكور في أطروحة باولادي كابوا ص81.
(17) جيوفاني آربينو، كاتب وصحفي (ولد عام 1927). تظهر كتاباته التزاماً إيديولوجيا مستمراً ثابتاً. وينتمي إلى فن القصة الحديثة الواقعية الإيطالي.
(18) غادة السمان، الأعمال غير الكاملة (14)، ص69.
(19) مي زيادة، ((أين ظني؟)) ضمن ظلمات وحشية، مصر، مطبعة الهلال، 1923 ـص 139 ـ 140.
(20) ايقالوى لفينو: (1923 ـ 1985) واحد من أكبر الكتاب المعاصرين في أوروبا، ترك روايات عديدة، وقصصاً ونصوصاً أدبية ترجمت إلى لغات عديدة من بينها العربية.
(21) جوزيف بونورا: دعوة إلى أدب كالفينو، ميلانو، 1987، ص164.
(22) جوزسيبو بونورا ـ كتاب دعوة إلى أدب كالفينو، ميلانو 1987 ـ ص130.
(23) غالي شكري، غادة السمان بلا أجنحة، ص28.
(24) نجلاء الاختيار، تحرير المرأة عبر أعمال غادة السمان وسيمون دي بوفوار ـ أطروحة بالفرنسية ـ السوربون ص76.
(25) حول حياة غادة السمان: غالي شكري، غادة السمان بلا أجنحة: عبد العزيز شبيل، الفن الروائي عند غادة السمان، سوسة، دار المعارف للطباعة والنشر، 1987.
(26) ج بونورا، كتاب دعوة إلى أدب كالفينو ـ ميلانو 1987 ص164.
(27) ضمن دراسة باولادي كابو بالإيطالية بعنوان التمرد والالتزام في أدب غادة السمان ص53
المصدر : منتديات ستار تايمز (http://go.3roos.com/ldr98uojizt)
Anfas Elfajer
11/09/2012, 05:36 AM
مجموعة كتب وروايات الأديبة غادة السمان للتحميل على شكل ملفات PDF
_____________________________________
اضغطي على الاسم للتحميل
--------------
الأبدية لحظة حب (http://go.3roos.com/yus26nw8spz)
------
شهوة الأجنحة (http://go.3roos.com/fsy365ogkrq)
------
بيروت 75 (http://go.3roos.com/qero49ebd49)
------
لا بحر في بيروت (http://go.3roos.com/v74ltdglfm6)
------
الرغيف ينبض القلب (http://go.3roos.com/5ecasjkaceq)
------
حب (http://go.3roos.com/usksalv4jtc)
------
الحب من الوريد إلى الوريد (http://go.3roos.com/oi95oja2eg6)
------
أعلنت عليك الحب (http://go.3roos.com/htz4gd6ktpg)
------
زمن الحب الآخر (http://go.3roos.com/glgrjldgn6o)
------
عيناك قدري (http://go.3roos.com/ly4vbucu3ve)
------
الحبيب الافتراضي (http://go.3roos.com/6ok9k9rcqyn)
------
أشهد عكس الريح (http://go.3roos.com/wsak0gb5ums)
------
البحر يحاكم سمكة (http://go.3roos.com/nk8kzrplvkd)
------
القمر المربع (http://go.3roos.com/iinscp0dg9w)
------
الأعماق المحتلة (http://go.3roos.com/gj9mk380wwk)
------
غربة تحت الصفر (http://go.3roos.com/t9mnnx0x2u7)
------
كتابات غير ملتزمة (http://go.3roos.com/qd9jpopnb90)
------
السباحة في بحيرة الشياطين (http://go.3roos.com/0wvd7vzsiwq)
------
صفارة إنذار داخل رأسي (http://go.3roos.com/uagumgy8cfm)
------
ختم الذاكرة بالشمع الأحمر (http://go.3roos.com/n2e3ssfq5qd)
------
اعتقال لحظة هاربة (http://go.3roos.com/qt0cv6kixhj)
------
الجسد حقيبة سفر (http://go.3roos.com/63vb46q0tgc)
------
الرواية المستحيلة (http://go.3roos.com/ykvt3cnis5e)
------
رسائل غسان كنفاني لغادة السمان (http://go.3roos.com/57zyslnc8u6)
------
رحيل المرافئ القديمة (http://go.3roos.com/6vxzo0vuckh)
------
ليلة المليار (http://go.3roos.com/xg0cut8ox3x)
------
ليل الغرباء (http://go.3roos.com/24sosvld4gc)
------
كوابيس بيروت (http://go.3roos.com/4i4fg2t59ha)
------
القبيلة تستجوي القتيلة (http://go.3roos.com/9vu5tm6xav4)
------
الرقص مع البوم (http://go.3roos.com/6amqx3vggpo)
المصدر : مواقع متعددة
Anfas Elfajer
12/09/2012, 02:54 AM
تـتـــــــــــــــمـة
___________
يتضمن الموضوع قصائد الشاعرة / غادة السمان كاملة ماعدا مااحتوى منها على كلمات غير مناسبة
+
عدة كتابات أخرى للأديبة
+
بعض المقالات التي كتبت عنها
+
دواوين وكتب الأديبة للتحميل في شكل ملفات Pdf
مصدر كل القصائد ..
الموسوعة العالمية للشعر العربي (http://go.3roos.com/er85isvvvn3)
ومصادر المقالات والكتابات الأخرى مكتوبة أسفل كل منها
تجميع وإعداد ... / Anfas Elfajer
لوليكي
07/10/2012, 10:56 PM
ما شاء الله روووووووعة
مشاركتك حلوة كتيير وتستاهلي الفوز ياقمر
الله يعطيك العافية
yma a7tajk
08/10/2012, 08:09 PM
ماشاءالله أبدعتِ الطرح
اختيار موفق
بارك الله فيكِ
• :032::f:
Anfas Elfajer
12/10/2012, 04:02 PM
ما شاء الله روووووووعة
مشاركتك حلوة كتيير وتستاهلي الفوز ياقمر
الله يعطيك العافية
تسلمي لي ياقمر
ومبارك لك حبيبتي
نورتي
Anfas Elfajer
12/10/2012, 04:20 PM
ماشاءالله أبدعتِ الطرح
اختيار موفق
بارك الله فيكِ
• :032::f:
تسلمي لي جوجو
ومبارك لك حبيبتي