المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشاعر ابو القاسم الشابى



صباحك سكر
20/05/2012, 12:40 PM
أبو القاسم الشابي


سيرة ذاتية للشابّي


حياته :

و لد أبو القاسم الشابي نهار الأربعاء في الرابع و العشرين من شباط عام 1909 م في بلدة " توزر " التونسية . والده ، الشيخ محمد الشابي ، كان رجلاً صالحاً ، تولى القضاء في أنحاء البلاد التونسية خارج العاصمة لفترة امتدت بين عامي 1910 ، تاريخ توليه القضاء ، و حتى وفاته في العام 1929 . و كان من نتيجة ذلك أن الشاعر لم ينشأ في مسقط رأسه ، بل خرج منه في السنة الأولى من عمره مع الأسرة ، حين بدأ والده بالطواف في البلدان التي كان يعين فيها للقضاء و كان لهذا الطواف الذي دام تسع عشرة سنة أثره على الشاعر من جميع النواحي . فقد تعرض الطفل الناشئ ، النحيف الجسم ، المديد القامة ، السريع الإنفعال لجميع أنواع المناخ في البلاد التونسية ، من حرّ المدن الساحلية إلى برد الجبال المرتفعة ، كما تعرض إلى الاحتكاك بمختلف العادات و اللهجات بين أهل الشمال و أهل الجنوب ، و بين تلك البيئات و المدن التي تنقل بها الشاعر ، ما يقدر بمئات الأميال أحياناً .

و إذا كان هذا الترحال قد حرمه من الإستقرار في المدرسة الواحدة ، فقد أكسبه خيالاً متوثباً و غذى ذاكرته بصور البيئة التونسية المتنافرة و عمق تجربته الشعرية ، فأطلقه من حدود البيئة الضيقة ، و أكسبه تجربة إنسانية شاملة .

و قد أخذ الوالد على نفسه مسؤولية تعليم ابنه في البيت حتى بلغ الخامسة من عمره ، ثم أرسله إلى الكتاب في بلدة " قابس " ، حين انتقل إليها في مطلع العام 1914 . و لما بلغ الولد الثانية عشرة من عمره أرسله والده إلى العاصمة حيث التحق بجامع الزيتونة . و الزيتونة آنذاك في تونس ، كالأزهر في مصر ، أو النجف في العراق . و قد استطاع الوالد أن يؤمن لولده مسكناً متواضعاً في أحد بيوت الطلبة ، حيث يبيت طالب العلم بأجر زهيد ، و لكن الشاعر لم يكن راضياً على الإقامة في بيوت تلك المدارس التي لم تكن تسد سوى جزء يسير من حاجاته الضرورية ، ذلك لأنها كانت مقراً للفقر و المرض . أما في الجامعة نفسها ، فإن الشاعر لم يكن ميالاً إلى الدروس التي كانت تلقى في " الزيتونة " من علوم الأدب و اللغة و الفقه و الشريعة ، فالمنهاج لم يكن يتضمن دراسة الآداب و العلوم العصرية . كما أنّ شيوخ الزيتونة لم يكونوا راضين عن تطرف الشاعر و شذوذه ، و لا عن شعره .

و إذا كان جو الزيتونة لم يرق للشابي فلم يمنعه ذلك من تكوين ثقافة واسعة عربية بحتة جمعت بين التراث العربي القديم في أزهى حلله ، و بين روائع الأدب الحديث في البلاد العربية و في المهجر ، إضافة إلى ترجمات الآداب الأوربية التي كان المنفلوطي و العقاد و الصاوي ينقلونها إلى اللغة العربية و تنشر في الصحف التونسية . و قد تركزت رغبة الشاعر ، بصورة خاصة ، على الأدب العربي الذي نشأ في أميركا على أيدي المهاجرين العرب ، و تأثر به تأثراً بالغاً .

صباحك سكر
20/05/2012, 12:55 PM
دراستة وتخرجه

و في العام 1927 تخرج الشابي من الزيتونة و نال إجازة " التطويع " و هي شهادة نهاية الدروس في الجامعة ، لكنه أدرك أن الشهادة لا تؤمن له كسب المعاش الذي يرضي طموحه و يوافق ميوله ، و ذلك لأن آراءه لم تكن تتفق مع آراء شيوخ الزيتونة . فقرر ، بعد مراجعة والده ، أن ينتسب إلى كلية الحقوق التونسية في العام المدرسي التالي . و خلال تلك الفترة تزوج الشابي عام 1928 قبل أن يتخرج من كلية الحقوق . و عن هذا الزواج يحدثنا زين الدين العابدين السنوسي أحد الذين تربطهم بالشاعر علاقة وثيقة جداً ، و كان يعرف عن الشابي أكثر مما كان أهل الشاعر أنفسهم يعرفون عنه . يقول زين العابدين : " إنّ الشابي لم يكن حازماً أمره على الزواج ، و لكن والده كان يحب أن يتخذ ولده لنفسه عرقَ خلود و بقاء ، و الشيخ أحرص ما يكون على بقاء جذوره . مع أن الشاعر كان منكمش الفؤاد يتهيب الزواج بعقله المدرك " . و جاء الشابي إلى صديقه و معتمده في كثير من شؤونه يمشي على استحياء و قال له : " جئتك لاستشيرك … هل أتزوج ؟ " قال السنوسي : " و شعرت أنا بثقل مسؤولية الاستشارة

، فهو ينفض عن صدره تخوفه على قلبه المريض ثم هو يميل إلى الزواج إطاعة لأبيه . و من وراء ذلك كنت أرى من حديثه بأن الزواج من الميول البشرية الخالدة . " ثم أن الشابي تزوج " بالفعل و أرضى والده و ضمن لوالده ما أحب والده من الخلود ، و لكنه في سبيل ذلك ضحى نفسه وحدها ؛ و قد أشرف أبوه على تنسيق هذا الزواج و تعطيره و مباركته " .


و قد تضاربت الآراء في شأن نجاح هذا الزواج ، ففي حين يؤكد السنوسي أن الشابي كان في زواجه سعيداً موفقاً ، و أن زوجه كانت تعطيه كلّ ماوهبها الله ، و تشفق عليه و تترضاه ، يرى آخرون أن هذا الزواج كان فاشلاً .

زواجة

و لكن الشاعر ، على الرغم من أنه قد أقنع نفسه بضرورة الزواج إرضاء لأبيه ، و على الرغم من أنه رزق من زواجه هذا ولدين ، و على الرغم مما يرويه السنوسي عن نجاح زواجه ، فإن سلوكه العاطفي ، كما نرى من ديوانه ، لا يدل على أنه كان سعيداً في حياته الزوجية . ذلك أن المرأة الفاضلة التي تحدث عنها السنوسي ، و التي قبلت أن تكون زوجاً لرجل عليل ، مصاب بمرض في قلبه ، و توليه تلك الرعاية ، و تحيطه بتلك العناية الفائقة ، لا بد و أن تكون زوجة فاضلة . غير أن الشاعر لم يبادلها قط بما كان يلقى منها ، و لم يذكر شيئاً من عطفها و حنانها في ديوانه ، و لا خصها ببيت واحد يدل على محبته لها أو امتنانه لما كان يلقاه من حبها و حسن معاملتها . إن الزواج الشابي لم يهبه الإطمئنان الذي كان يحلم به ، فانقاد ، بعد عام واحد من زواجه ، إلى الحب الذي لم يعثر عليه مع زوجته ، فطلبه في حب فتاة خارج بيته ، كان قد عشقها منذ عهد الطفولة . و لكن الأقدار شاءت أن تموت الفتاة باكراً ، فترك موتها في نفسه أسىً عميقاً تردد في أشعار الفترة الأولى من حياته الشعرية . و ظل الشاعر يذكر هذا الحبّ لفترة طويلة سرعان ما حمل نفسه أخيراً على نسيانه ، فانتقل إلى حبّ جديد ثم إلى آخر فآخر .

بالإضافة إلى الصدمة التي تلقاها الشاعر في زواجه و في حبه الأول ، فقد تعرض إلى كارثة كبرى تمثلت بوفاة والده ، و لم يكن الشاعر قد نال بعد إجازة الحقوق . و شغل الشاعر الشاب بعلاج والده و الإهتمام به من الناحية المادية و النفسية . و حين أحس الشاعر بقرب وفاة والده ، انتقل به إلى مسقط رأسه " توزر " حيث توفي الشيخ الوالد في شهر أيلول من العام 1929 . و كانت وفاته خسارة كبرى هزت أركان الشاعر و بدلت نظام حياته ، بل كانت أكبر كارثة بتعرض لها في حياته و تؤثر على صحته و تصيب قلبه إصابة مباشرة . و بموت والده ، ألقيت على أبي القاسم أعباء مالية لم تمنعه من إتمام دراسته في كلية الحقوق في تونس و التخرج عام 1930 بإجازة الحقوق

صباحك سكر
21/05/2012, 08:18 PM
خصائصه الفنية:

نظم الشابي أشعاره في مدى ثماني سنوات أو عشر سنين في الأكثر. مما يلفت النظر أن الشابي ظهر فجأة كشاعر تام النضج كما يقول الحليوي أو على شيء كبير من النضج على الأصح وخصوصاً إذا قيس بأنداده المعاصرين حتى أولئك الذين كانوا أكبر منه سناً.

والشابي شاعر وجداني ، خالص ، وهو على صغر سنه شاعر مكثر مجيد ، ولقد أجمع الدارسون على أن الشابي قد طبع شعره على غرار المذهب الرومانسي. نشر مصطفى ربج سلسلة مقالات في مجلة الأسبوع التونسية عنوانها " الرومانتيكية والشابي " ثم جمعها في كتاب اسماه " شاعران" ولقد رأي مصطفى رجب الخصائص الرومانيكية تبرز عند الشابي في :

اللفظة – العبارة – الأسلوب – القالب – الدعوة إلى الطبيعة – الاستماع الى النفس – توسيع دائرة الشعر – ابتكار المواضيع – مسايرة روح الموضوع – تأثر العالم الداخلي بالعالم الخارجي – النزعة الانسانية.

جرى الشابي في شعره على أسلوبين : اسلوب فخم متين النسج جاء به في طوره الأول في الأكثر وخص به قصائده في الحكمة والرثاء والفخر ، ثم أسلوب لين سلس جاء به في القصائد التي طواها على أغراضه الوجدانية والخيالية. وكان من الطبيعي أن تضم قصائده التي على الأسلوب الأول الفاظاً جزلة والفاظاً غريبة وأن تكون متخيرة تدل على إحاطة بالقاموس العربي إلى حد كبير.

والشابي كأمثاله من الناقمين على عمود الشعر العربي ، وعلى الحياة العربية الأصلية ، أراد أن يتجنب الألفاظ الإسلامية النفحه العربية الملامح ليتبدل بها ألفاظاً وثنية الأصل عامية الاستعمال ، وخصوصاً في طوره المتأخر.

وتراكيب الشابي كالفاظة تجري مجريين: مجرى أساليب العرب ومجرى آخر كثير التحرر والانفلات من أساليب العرب يجب أن يكون التركيب صحيحاً متيناً. ونعني بالتركيب الصحيح أن تجري الجملة على أساليب العرب في الترتيب ووجوب التقديم والتأخير أو جوازهما وفي الاضمار وما إلى ذلك.

لم يمس زين العابدين السنوسي ولا مصطفى رجب " التركيب اللغوي عند الشابي " أما التليسي فمسه مساً رفيقاً لما قال : " اناقة التعبير ورصانته وأصالته هي الدعائم الأولى التي يقوم عليها اسلوب الشابي الذي امتاز ببعده عن الركة

( يقصد الركاكة ) التي أخذت على كثيرين من شعراء المدرسه الحديثة ".

- التليسي جانباً من قصيدة " تونس الجميلة " للشاب ثم علّق عليها بقوله " تقوم الرومانسية على الإيمان بالعاطفة وتقديس الشعور والاستخفاف بالعقل والتهوين من شأنه بل تحقيره لأنه يصيب الحياة بالجفاف فيفقدها أجمل ما فيها وأجمل ما فيها كان نتاجاً للعاطفة. وقد كانت العاطفة كل شيء في حياة هذا الشاعر الرومانسي ( الشابي ).

- الشابي خيالي التفكير خيالي التعبير يبحث عن مثل أعلى من صنع هذا الخيال فلا يجده في العالم الذي يعيش فيه فينقلب شاكياً باكياً ثم تصطبغ آراؤه وتعابيره بالأسى والحزن والكآبة والوجوم. وقد لاحظ زين العابدين السنوسي يوم كان عمر الشابي خمسة عشر عاماً أن الشابي قد امتلك ناصية الخيال ورغم انه سكت عن الخيال عند الشابي بعد ثلاثين عام وذلك في كتابة " ابو القاسم الشابي " لكنه يخبرنا " أن التصور عند الشابي قد كان صادقاً حقيقاً لمن عاشرهم وسكنوا نفسه وانطبعوا في روحه وهي اشباح لأناس حقيقياً لا خياليين فما كان ابوه رمزاً خيالياً ولا كانت عشيرة صباه بجنة شاعر أو حلم كاذب.

وكان للشابي خيال مولد موغل في الغرابة يصطنع من الأمور العادية مشاهد وقصصاً. ونحن عادة لا نقدر الأخيلة بما فيها من المادة بل بما فيها من الصور وبالقران الذي بين تلك الصور.

- الجد يغلب على ديوان الشابي ولا ريب في ان اتجاه الرجل كان جدياً حزيناً ولكن يبدو أن الشابي كان في ايام تلمذته قبل ان يعلم مرضه أو قبل أن يدرك خطورة مرضه يميل إلى الهزل والمعابثة ككل شاعر آخر أو ككل أنسان في صباه.

- أغراض الشابي محدودة في نطاقها فهي تدور في الوجدانيات وما يتبعها من التأمل في الحياة وكان الشابي منذ طوره الأول قد قال إنه عازف عن الفنون المألوفة التقليدية مكتف بما يعبرّ فيه عن شعوره ، فإذا أغراض الدائرة في ديوانه التأمل في الحياة الطبيعية ( الغابة ، العصفور ، الزنبقة ، الخريف ، المساء ) وفي الحياة الاجتماعية ( السياسية والوطنية والحياة الأدبية ) وفي الحياة الماورائية ( الله ، الموت ) ثم الموضوعات الوجدانيات ( رثاء أبيه ، المجد ) والموضوعات النفسانيات ( الكآبة ، الشعر ، الأمومة والطفولة ) ، ثم الغزل والحب.


مؤلفات الشابى:

ترك الشابي تراثاً شعرياً ونثرياً، غير قليل، كان أهمه:

1. الخيال الشعري

وأصل الكتاب محاضرة عن الخيال في الشعر العربي، نُشرت بعد ذلك في كتاب مستقبل عنوانه: "الخيال الشعري عند العرب". وقد أثارت آراؤه الجريئة في هذا الكتاب زوبعة من النقد والخصومة الأدبية في الصحف والمجلات التونسية، وعلى صفحات صحف عربية، أهمها مجلة "أبولو" المصرية. ولكن الشابي استطاع أن يخمد هذه الزوبعة في الصحف والمجلات، وإن لم يستطيع إخمادها في نفوس بعض الناس.

والكتاب مفقود اليوم في المكتبات، مع أنه الأثر الوحيد من بين آثار الشابي، الذي طُبع في حياته وأتيح للناس أن يقرءوه. وهو كتاب صغير الحجم، عدد صفحاته 141 صفحة، وقد تولت نشره دار العرب، للطباعة والنشر في تونس عام 1929.

والكتاب من حيث تبويبه، يحتوي على كلمة للمؤلف، ومقدمة للناشر، وسبعة فصول هي:

الفصل الأول: الخيال وأقسامه.

الفصل الثاني: الخيال الشعري، والأساطير العربية.

الفصل الثلث: الخيال الشعري والطبيعة.

الفصل الرابع: الخيال الشعري والمرأة.

الفصل الخامس: الخيال الشعري والقصة.

الفصل السادس: فكرة عامة عن الأدب العربي.

الفصل السابع: الروح العربية.

أمَا من حيث موضوعه، فهو دراسة نقدية مقارنة بين الخيال الشعري، عند العرب، وعند الأوروبيين.

2. ديوان أغاني الحياة

اعتزم الشابي نشر شعره منذ عام 1929. فعندما نُشر كتابه "الخيال الشعري" عند العرب، أعلن في صفحة غلافه الأخيرة، عن قرب صدور ديوانه "أغاني الحياة". الذي يبدو أن نشرة لم يتم لأسباب قد تكون مادية. ولكن بعد ذلك بأربع سنوات ظهرت إعلانات متتالية عن قرب صدور الديوان، في مجلة "أبولو" المصرية، ومجلة "العالم الأدبي" التونسية. وقد فتح باب الاشتراك في الديوان أمام القراء، مما يدل على أن حالة الشاعر المادية، كانت لا تكفي وحدها لطبع الديوان.

وكان الشاعر قد اختار لديوانه عنوان "أغاني الحياة"، واعتزم طبعه في مصر تحت إشراف وبتقديم صديقه الدكتور أحمد زكي أبي شادي، ولكن الموت عاجله قبيل تحقيق أمنيته بساعات معدودات، فقد قيل إن الشاعر كان ينوي إرسال مخطوطة الديوان بالبريد صبيحة اليوم، الذي توفي في فجره. ومنذ أن مات الشابي عام 1934، والقراء عامة والأدباء خاصة يترقبون صدور الديوان، الذي لم يتح له أن يظهر إلاّ في عام 1955، أي بعد واحد وعشرين عاماً. وعندما ظهر الديوان لاحظ أصدقاء الشابي والمتفرغون لبحث أدبه، أو حياته، أنه جاء خالياً من جميع الميزات الضرورية لطبع أي ديوان، فضلاً عن مميزات أخرى كانت موجودة في مخطوطة الديوان، فاستبعدت لأسباب كانت مجهولة.

ولعل أهم ما افتُقد في طبعة الديوان هو تاريخ القصائد، وقد كانت كل قصيدة في مخطوطة الديوان، مرقمة بتاريخ هجري، يشمل العام والشهر واليوم، وأحياناً بملحوظات أخرى.

وليس التاريخ والترتيب وحدهما المفقودين في طبعة الديوان، بل طريقة إخراجه التي تلفت النظر وتثير الاستغراب، فعلى الرغم من تسمية الديوان بـ"أغاني الحياة" فإن الرسوم التي وضعت على غلافه لا توحي بأي معنى من معاني الحياة، فالعنكبوت، والجمجمة المعلقة، وغصن الشجرة المتكسر، واليد المقطوعة، ومظاهر العدم والفناء الأخرى البارزة في الغلاف … كلها لا ترمز قط، في أي مذهب من مذاهب الفن، إلى الحياة الدافقة، والشباب الجسور، اللذين يملآن قصائد الديوان، ويوحي بهما عنوانه بوجه خاص.

وعلى كلٍ، فإن ديوان الشابي وهو أهم مصدر لدراسة حياته، وهو إلى ذلك أمجد أثر وأعزه من آثاره، وخير وأعمق ما يدل عن عبقريته ونبوغه، جاءت طبيعية الأولى مشوهة مما حرم الباحثين والقراء من طبعة علمية دقيقة، من شأنها ـ لو ظهرت ـ أن تسهم إلى حد بعيد في رفع شأن الشابي، وتقدير شاعريته التقدير المنهجي الصحيح.

3. في المقبرة

هي رواية وجدت بين مخلفات الفقيد، وقد تحدث عنها الأستاذ زين العابدين السنوسي، في كتابه "الأدب التونسي في القرن الرابع عشر الهجري"، عند ترجمته لحياة الشابي فقال:

والشابي كثير المطالعة، حاد الذهن، وله باع طويل في النثر الشعري، قرأنا له فيه رواية حسنة بديعة، ناهيك أنها من نوع "الاعترافات" يقص فيها على لسان بطلها حوادثه وتأثراته النفسية. وهو نوع عزيز حتى عند الأمم المختمرة في نفسها الروح الروائية، لما يستوجبه من تقمص أشخاص الرواية في قلم الكاتب، الذي يضطر إلى وصف انفعالاتهم واضطرابهم النفسي الشاذ، خصوصاً وعلم النفس لم يصبح بعد عالماً معلوماً مضبوطاً.

4. رسائل الشابي

مجموعة كبيرة من الرسائل الأدبية القيمة، تبادلها الشاعر مع عدد من أدباء مصر وتونس وسورية، منها رسائله حول القصة في الشعر العربي، وقد راسل بها الدكتور علي الناصر، في حلب، ورسائل أخرى كاتب بها كلاً من الدكتورين الشاعرين إبراهيم ناجي، وأحمد زكي أبو شادي، صاحب مجلة "أبولو" المصرية. وأخرى كاتب بها كلاً من الشعراء محمد الحليوي، ومصطفى خريف، والمرحوم محمد البشروش في تونس.

5. يوميات الشابي

وهي مجموعة من المذكرات اليومية، التي سجل فيها الشاعر آراءه، وخواطره في شؤون حياته المختلفة،وفي كل ما كان يتصل بهذه الحياة من آلام وأفراح. وقد نُشر بعضها في مجلة "مكارم الأخلاق" الصفاقسية، بداية من عددها الثاني لسنتها الأولى.

6. جميل بثينة

محاضرة كان ينوي إلقاءها في النادي الأدبي، غير أن المرض حال بينه وبين ما يريد.

7. شعراء المغرب الأقصى

ظهر في عام 1929 في مراكش كتاب "الأدب العربي في المغرب الأقصى"، وقد تناول فيه مؤلفه الأستاذ محمد بن العباسي القباج، طائفة من شعراء مراكش المعاصرين بالترجمة والتعريف. وكان الجزء الثاني منه خاصاً بالشعراء الشبان، وقد تناول الشابي الجزء الأخير بالنقد والتحليل، وأعد في ذلك دراسة مستفيضة لتلقى كمحاضرة في النادي الأدبي". غير أن أحداً لم يحضر لسماعها من أعضاء النادي سوى اثنين ذهبا معه. جاء في يومياته بتاريخ 13 يناير 1930، قوله:

(ذهبت أنا والأخ زين العابدين، والأخ مصطفى خريف مساء اليوم إلى النادي الأدبي لإلقاء محاضرتي عن كتاب "الأدب العربي في المغرب الأقصى"، الذي طلب مني النادي الأدبي أن أبسط لهم رأي فيه، ولكننا لم نجد أحداً هناك).

8. السكبر

مسرحية ذات فصلين من نوع الاعتراف، وهي أصعب أنواع التأليف، كما هو المعروف عند أدباء المسرح.

9. الهجرة المحمدية

وهي محاضرة ألقاها في "نادي الطلاب" في توزر، في مناسبة ذكرى الهجرة المحمدية في عام 1351هـ. ونشرها تباعاً في مجلة "العالم" التونسية لصحابها الشاعر المرحوم سعيد أبي بكر، بداية من العدد السادس (الأول من يونيه 1932).

10. مقالات مختلفة

وللشابي، فضلاً عن ذلك كله، مجموعة كبيرة من المقالات والدراسات المختلفة. تناول فيها شؤون الأدب العربي قديمه وحديثه على السواء. وقد نشر بعضاً منها في حياته ولا يزال بعضها الآخر لم يُنشر بعد.

والمقالات التي نشرها كثيرة في عددها، رائعة في أسلوبها، دقيقة في بحثها وموضوعها. إضافة إلى ذلك فإن له المباحث والمقالات التالية:

أ. النفس التائهة: نشرت في النهضة الأدبية، 16 فبراير 1929.

ب. اليقظة الإسلامية الحاضرة، نشرت في الزمان 1929.

ج. الشعر، ماذا يجب أن يفهم منه وما هو مقياسه الصحيح: نشرت في العالم الأدبي، 1930.

د. أيها القلب، نشرت في العالم الأدبي، 1930.

هـ. أغنية الألم، نشرت في العالم العربي.

و. صفحات دامية من حياة شاعر.

ز. روح ثائرة، نشرت في العالم الأدبي.

ح. يقظة الإحساس، وأثرها في الفرد والجماعة: نشرت في العالم العربي.

ي. تعليق على مقال "الشعر في تونس"، نشرت في الزمان 1932.

ك. الشعر والشاعر عندنا، نشرت في العالم العربي.

ل. رد على نقد، نشرت في أبولو، مقال رد به على ناقده مختار الوكيل.

م. الماسة، الأدب العربي في العصر الحاضر، دراسة قدم بها ديوان الينبوع للدكتور أحمد زكي أبو شادي.

ن. لصوصية الشعر، نشرت في الزمان 1934، إجابة عن سؤال حول السرقات الشعرية.

ص. الفنون والنفس العربية: نشرت في المباحث.

هذا هو إنتاج أبي القاسم الأدبي خلال عمره القصيرة، وهذه هي مؤلفاته، التي عرفها أصدقاؤه وزملاؤه أثناء حياته وبعد موته. وأكثر هذه المؤلفات مجهول مصيره اليوم. كما أن بعض الأدباء التونسيين المعاصرين للفقيد يعتقدون بوجود آثار أدبية أخرى، غير تلك التي ذُكرت، وهم يظنون أنها لا تزال باقية فيما خلفه من تراث أدبي، عند أهله وأقاربه

صباحك سكر
16/07/2012, 12:52 AM
من أروع أشعار الشاعر أبى القاسم الشابى


إرادة الحياة


إرادة الحياة هي قصيدة نظمها أبو القاسم الشابي في 26 جمادى الأولى 1352 هـ/
الموافق 16 أيلول/سبتمبر 1933م.وقد تم استخدام جزء منه في النشيد الوطني لتونس.



إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ * فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر


وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي * وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر



وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ * تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر



فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ *مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر



كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ * وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر







وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ * وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر



إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ *رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر



وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ * وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر



وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ * يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر



فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ * وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر



وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ * وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر









وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ لَمَّا سَأَلْتُ : *" أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟"



"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ * وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر



وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ *وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر



هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ * وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر



فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ * وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر



وَلَـوْلا أُمُومَةُ قَلْبِي الرَّؤُوم * لَمَا ضَمَّتِ المَيْتَ تِلْكَ الحُفَـر



فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الحَيَـاةُ * مِنْ لَعْنَةِ العَـدَمِ المُنْتَصِـر!"









وفي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ * مُثَقَّلَـةٍ بِالأََسَـى وَالضَّجَـر



سَكِرْتُ بِهَا مِنْ ضِياءِ النُّجُومِ * وَغَنَّيْتُ لِلْحُزْنِ حَتَّى سَكِـر



سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاةُ * لِمَا أَذْبَلَتْـهُ رَبِيعَ العُمُـر؟



فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَـاهُ الظَّلامِ * وَلَمْ تَتَرَنَّـمْ عَذَارَى السَّحَر



وَقَالَ لِيَ الْغَـابُ في رِقَّـةٍ * مُحَبَّبـَةٍ مِثْلَ خَفْـقِ الْوَتَـر



يَجِيءُ الشِّتَاءُ ، شِتَاءُ الضَّبَابِ * شِتَاءُ الثُّلُوجِ ، شِتَاءُ الْمَطَـر



فَيَنْطَفِىء السِّحْرُ ، سِحْرُ الغُصُونِ * وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُ الثَّمَر



وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ * وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر



وَتَهْوِي الْغُصُونُ وَأَوْرَاقُـهَا * وَأَزْهَـارُ عَهْدٍ حَبِيبٍ نَضِـر



وَتَلْهُو بِهَا الرِّيحُ في كُلِّ وَادٍ * وَيَدْفنُـهَا السَّيْـلُ أنَّى عَـبَر



وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيـعٍ * تَأَلَّـقَ في مُهْجَـةٍ وَانْدَثَـر



وَتَبْقَى البُـذُورُ التي حُمِّلَـتْ * ذَخِيـرَةَ عُمْرٍ جَمِـيلٍ غَـبَر



وَذِكْرَى فُصُول ٍ ، وَرُؤْيَا حَيَاةٍ *وَأَشْبَاح دُنْيَا تَلاشَتْ زُمَـر



مُعَانِقَـةً وَهْيَ تَحْـتَ الضَّبَابِ * وَتَحْتَ الثُّلُوجِ وَتَحْـتَ الْمَدَر



لَطِيفَ الحَيَـاةِ الذي لا يُمَـلُّ * وَقَلْبَ الرَّبِيعِ الشَّذِيِّ الخَضِر



وَحَالِمَـةً بِأَغَـانِـي الطُّيُـورِ * وَعِطْرِ الزُّهُورِ وَطَعْمِ الثَّمَـر









"ويًَمشيْ الزَّمانُ، فتنموْ صُروفٌ * وتذْوي صُروفٌ، وتحْيا أُخَر



وتُصبحُ أحلامُها يَقْظةً، * مُوَشَّحةً بغُموضِ السَّحر



تُسائِلُ: أينَ ضَبابُ الصَّباحِ، * وَسِحْرُ المساءِ؟ وضوْئُ القَمر؟



وَأسْرابُ ذاكَ الفَراشِ الأنيقِ؟ * ونَحْلٌ يُغَنيْ، وغَيمٌ يَمُرّ



وأينَ الأشِعَّةُ والكائِناتُ؟ * وأينَ الحياةُ الَّتي أنْتظِر



ظمِئتُ إلى النُّور، فوقَ الغُصونِ! * ظمِئتُ إلى الظِلِّ تحْتَ الشَّجار!



ظَمِئتُ إلى النَّبْعِ، بَيْنَ المُروجِ * يُغَنّين ويّرْقُصُ فَوْقَ الزّهَر!



ظَمِئتُ إلى نَغَمَتِ الطُّيورِ، * وهَمسِ النَّسيم، ولَحْنِ المَطر!



ظَمِئتُ إلى الكونِ! أيْنَ الوُجودُ * وأنَّي أرَى العالَمَ المنتظر



هو الكَوْنُ، خَلْفَ سُباتِ الجُمود * وفي أثفُقِ اليَقَظاتِ الكُبَر"









وَمَا هُـوَ إِلاَّ كَخَفْـقِ الجَنَاحِ * حَتَّـى نَمَا شَوْقُـهَا وَانْتَصَـر



فصدّعت الأرض من فوقـها * وأبصرت الكون عذب الصور



وجـاءَ الربيـعُ بأنغامـه * وأحلامـهِ وصِبـاهُ العطِـر



وقبلّـها قبـلاً في الشفـاه * تعيد الشباب الذي قد غبـر



وقالَ لَهَا : قد مُنحـتِ الحياةَ * وخُلّدتِ في نسلكِ الْمُدّخـر



وباركـكِ النـورُ فاستقبـلي * شبابَ الحياةِ وخصبَ العُمر



ومن تعبـدُ النـورَ أحلامـهُ * يباركهُ النـورُ أنّـى ظَهر



إليك الفضاء ، إليك الضيـاء * إليك الثرى الحالِمِ الْمُزْدَهِر



إليك الجمال الذي لا يبيـد * إليك الوجود الرحيب النضر



فميدي كما شئتِ فوق الحقول *بِحلو الثمار وغـض الزهـر



وناجي النسيم وناجي الغيـوم *وناجي النجوم وناجي القمـر



وناجـي الحيـاة وأشواقـها * وفتنـة هذا الوجـود الأغـر









وشف الدجى عن جمال عميقٍ * يشب الخيـال ويذكي الفكر



ومُدَّ عَلَى الْكَوْنِ سِحْرٌ غَرِيبٌ * يُصَـرِّفُهُ سَـاحِـرٌ مُقْـتَدِر



وَضَاءَتْ شُمُوعُ النُّجُومِ الوِضَاء * وَضَاعَ البَخُورُ ، بَخُورُ الزَّهَر



وَرَفْرَفَ رُوحٌ غَرِيبُ الجَمَالِ * بِأَجْنِحَـةٍ مِنْ ضِيَاءِ الْقَمَـر



وَرَنَّ نَشِيدُ الْحَيَاةِ الْمُقَـدَّسِ * في هَيْكَـلٍ حَالِمٍ قَدْ سُـحِر



وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ * لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر



إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ * فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ

صباحك سكر
16/07/2012, 01:11 AM
قصيدة إلى طغاة العالم )
قصيدة معبرة كُتبت في ثلاثينات القرن الماضي لكنها تنطبق على كل الظَّلمة و الطغاة في كل زمان و مكان وقعت تونس موطن الشاعر فريسة للاستعمار الفرنسي سنة1861 م بعد استعمار الجزائر سنة 1830 م، وظل الشعب العربي في تونس والجزائر يقاوم الفرنسيين بشجاعة وبطولة فذة، حتى تحررت الدولتان، وأخذت البلاد طريقها إلى دعم حريتها وبناء حياتها.
وكان الشابي من دعاة الكفاح وملهبي الشعور الوطني، وقد سجل شعره مرارة الحكم وألم الحرمان من الحرية، والسخط العميق الحاقد على الاستعمار، وفي الأبيات التالية ترى صورة من أحاسيس الشاعر وأفكاره إزاء الطغاة والمستبدين.

ألا أيها الظالم المستبد* حبيب الظلام عدو الحياه
سخرت بأنّات شعب ضعيف* و كفك مخضوبة من دماه
و سرت تشوه سحر الوجود* و تبذر شوك الأسى في رباه
رويدك لا يخدعنْك الربيع *و صحو الفضاء و ضوء الصباح
ففي الأفق الرحب هول الظلام* و قصف الرعود و عصف الرياح
حذار فتحت الرماد اللهيب* و من يبذر الشوك يجن الجراح
تأمل هنالك أنّى حصدت* رؤوس الورى و زهور الأمل
و رويّت بالدم قلب التراب* وأشربته الدمع حتى ثمل
سيجرفك السيل سيل الدماء *و يأكلك العاصف المشتعل



من روائع قصائده

قصيدة " انا ابكيك للحب "

لست يا أمسي أبكيك لمجد أو لجاه
سلبته منّي الدّنيا وبزّتني رداه
فأنا أحتقر المجد وأوهام الحياة

أو لعمر بلغت منه الليالي منتهاه
وتلاشت في خضم الزمن الطّاغي قواه
فأنا مازلت في فجر شبابي أو ضحاه

لا ولا أبكيك يا أمسي إذا ما قلت "آه"
لنعيم لم ينل قلبي منه مشتهاه
فبنو الأيّام في الدّنيا كما شاء الإلاه

إنّما أبكيك للحبّ الّذي كان بهاه
يملأ الدّنيا فأنّى سرت في الدّنيا أراه
فإذا ما لاح فجر كان في الفجر سناه
وإذا غرّد طير كان في الشّدو صداه
وإذا ما ضاع عطر كان في العطر شذاه

وإذا ما رفّ زهر كان في الزّهر صباه
فهو في الكون جمال يملأ الأفق ضياه
و تُوشّي هذه الأكوان بالسّحر رؤاه
وهو في قلبي - الّذي عانقه الفجر - إلاه
عبقريّ السّحر ممراح وديع في سماه
ينسج الأحلام في قلبي بأضواء الحياة
ويغنّيني فأنسى في مسرّات غناه
كلّ ما في الكون من حزن وأفراح عداه