ابن رشيق القيرواني الأزدي

[~الفراشة الجميلة~]

ابن رشيق القيرواني الأزدي


ابن رشيق القيرواني
390 - 463 هـ / 1000 - 1071 م
الحسن بن رشيق القيرواني أبو علي.
أديب، نقاد، باحث، كان أبوه من موالي الأزد، ولد في المسيلة (بالمغرب) وتعلم الصياغة، ثم مال إلى الأدب وقال الشعر.
رحل إلى القيروان سنة 406هـ "مدح ملكها" واشتهر فيها.
وحدثت فتنة فانتقل إلى جزيرة صقلية، وأقام بمازر إحدى مدنها، إلى أن توفي،
وجمع الدكتور عبد الرحمن ياغي ما ظفر به من شعره في (ديوان - ط) بيروت.
كتبه (العمدة في صناعة الشعر ونقده - ط)، (وقراضة الذهب - ط) في النقد، و(الشذوذ في العلة)، و(أنموذج الزمان في شعراء القيروان).
(وديوان شعره - ط)، (شرح موطأ مالك)، وغيرها الكثير.

[~الفراشة الجميلة~]

يا ابْنَ حَبيبَ أَنتَ في غَفلَة ٍ
وَلَمْ تَجِىء ْ بِ?لْحُجَّة ِ الغالِبَهْ
لا يدفَعُ الإنسانُ خَيتامَهُ
إِلاَّ لِيقضِي حَاجَة ٌ غائبهْ
فَأعْطِهِ مَنْ شِئْتَ تَظْفرْ بهِ
فَإِنَّ فيهِ حُسنَ العاقِبَهْ

[~الفراشة الجميلة~]

دَعا بكِ الحُسنُ فَاستَجيبي
يا مِسْكُ في صَبغَة ٍ وَطيبِ
تِيهي عَلى البِيضِ وَ?سْتَطِيلي
تيهَ شَبابٍ عَلى مَشيبِ
وَلا يَرُعكِ اسوِدادُ لَونٍ
كَمُقْلَة ِ الشَّادِنِ الرَّبيبِ
فَإِنَّما النُّورُ عَنْ سَوادٍ
في أَعْيُنِ النَّاسِ وَالقُلُوبِ

[~الفراشة الجميلة~]

وَمُهَفْهَفٍ يَحْميهِ عَنْ نَظَرِ ?لْوَرَى
غيرانُ سكنَى المُلكِ تحتَ قِبابِهِ
أَوْما إِلَيَّ أَنِ ?ئْتِني فأَتَيْتُهُ
والفجرُ يرمُقُ منْ خِلالِ نِقابهِ
وَضَمَمْتُهُ لِلصَّدْرِ حَتَّى اسْتَوْهَبَتْ
مِنِّي ثِيابي بَعْضَ طِيْبِ ثِيابِهِ
فَلَثَمْتُ خَدًّا مِنْهُ ضَرَّمَ لَوْعَتي
وَجعَلتُ أُطفي حَرَّها بِرضابِهِ
فَكَأَنَّ قَلْبي مِنْ وَراءِ ضُلوعِهِ
طَرباً يُخَبِّرُ قَلبَهُ عَمَّا بِهِ

[~الفراشة الجميلة~]

يُعطى الفَتَى فَيَنالُ في دَعَة ٍ
ما لَمْ يَنَلْ بالْكَدِّ والتَّعَبِ
فَاطْلُبْ لِنَفْسِكَ فَضْلَ راحَتِها
إِذْ لَيْسَتِ ?لأَشْياءُ بالطَّلَبِ
إِنْ كانَ لا رِزقٌ بِلا سَبَبٍ
فَرَجاء رَبِّكَ أَعظَمُ السَّبَبِ

[~الفراشة الجميلة~]

لاحَ لي حاجِبُ ?لْهِلالِ عَشِيَّا
فَتَمَنَّيتُ أَنَّني مِنْ سَحابِ
قُلْتُ أَهْلاً وَلَيْسَ أَهْلاً لِما قُلْـ
ـتُ وَلَكِنْ أَسمَعتُها أَصْحابي
مُظهِراً حُبَّهُ وَعِنديَ بُغْضٌ
لِعَدُوِّ الْكُؤُوسِ وَ?لأَكْوَابِ

[~الفراشة الجميلة~]

رَأَيتُ التَّعَزِّيَ مِما يَهيجُ
على ?لمَرْءِ ساكِنَ أَوْصَابِهِ
وَما نالَ ذُو أَسوَة ٍ سَلوَة ً
وَلَكِنْ أَتى ?لحُزْنَ مِنْ بابِهِ
تَفَكَّرَ في مِثْلِ أَرْزائِهِ
فَذَكَّرَهُ مَا بِهِ ما بِهِ

[~الفراشة الجميلة~]

وَمجنُونَة ٍ أَبَداً لَمْ تَكُنْ
مُذَلَّلَة َ الظَّهْرِ للرَّاكِبِ
قَدِ ?تَّصَلَ الْجِيدُ مِنْ ظَهْرِها
بِمِثْلِ السَّنامِ بِلا غارِبِ
مُلَمَّعَة ٍ مِثلَما لُمِّعَتْ
بِحِنَّاءِ وَشي يَدُ الكاعبِ
كَأَنَّ ?لْجَوَارِيَ كَنَّفْنَها
تَخَلَّجُ مِنْ كُلِّ ما جانِبِ

[~الفراشة الجميلة~]

أَيها المُوحِي إِلينا
نَفْثَة ?لصِّلِّ الصَّمُوتِ
مَا سَكتْنا عَنْكَ عِيًّا
رُبَّ نُطقٍ في السُّكوتِ
لَكَ بَيتٌ في البُيوتِ
مثلُ بيتِ العَنكبوتِ
إِنْ يهنْ وَهناً فَفيهِ
حِيلَتا سُكْنَى وَقُوتِ

[~الفراشة الجميلة~]

أَرَى الشيخَ إِبليسَ ذَا عِلَّة ٍ
فَلاَ بَرِىء َ ?لشَّيْخُ مِنْ علَّتِهْ
يَقُودُ على الحُبِّ مستَيِقظاً
وَيَأْتيكَ في ?للَّيْلِ في صُورَتِهْ
فَيُؤْتِيكَ ما شاءَ مِنْ نَفْسِهِ
وَيبلُغُ ما شاءَ منْ لَذَّتِهْ
وَمَنْ كانَ ذَا حِيلَة ٍ هكَذا
تَمَثَّلُ لِلمَرءِ في يَقظَتِهْ
فَلا تَدَّخِرْ دُونَهُ لَعْنَة ٌ
لأَنَّ رِضى اللهِ في لَعنَتِهْ

[~الفراشة الجميلة~]

لَكَ مَجْلِسٌ كَمُلَتْ بِشارَة ُ لَهوِنا
فِيهِ وَلَكِنْ تَحْتَ ذاكَ حَديثُ
غَنَّى الذبابُ فَظَلَّ يَزْمُرُ حَوْلَهُ
فِيهِ البَعُوضُ وَيَرقصُ البُرغُوثُ

[~الفراشة الجميلة~]

مَنْ ذَا يُعالِجُ عَنِّي ما أُعالِجُهُ
مِنْ حَرِّ شَوقٍ أَذَابَ القَلبَ لاعِجُهُ
وَمنْ يَكُنْ لِرَسِيسِ الشَّوقِ داخلهُ
يَكُنْ لِفَرْطِ الضَّنى والسُّقْمِ خارِجُهُ
كادتْ خَلاخِيلُ مَنْ أَهْوَى تَبُوحُ بهِ
سِرًّا وغَصَّتْ بِما فيها دَمالِجُهُ
فهاكَ مِنْ مُحكَماتِ القَولِ مُعلَمة ً
بِالشِّعرِ فيكَ وشَرُّ الشِّعرِ ساذَجُهُ
فَإنَّ حَوْلَكَ قَوْماً زادَ شِعْرُهُمُ
في البردِ حَتَّى أَصابَ النَّاسَ فالجُهُ

[~الفراشة الجميلة~]

وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ في السَّفينَة ِ والرَّدى
مُتَوَقَّعٌ بِتَلاطُمِ ?لأَمْواجِ
وَ?لْجَوُّ يَهْطِلُ والرِّياحُ عَواصفٌ
وَ?للَّيْلُ مُسْوَدُّ ?لذَّوائِبِ داجِ
وَعلى السَّواحلِ للأعادي غارة ٌ
يُتَوَقّعُونَ لِغارَة ٍ وَهِياجِ
وَعَلَت لأِصْحابِ السَّفينَة ِ ضَجَّة ٌ
وَأَنا وَذِكْرُكِ في أَلَذِّ تَناجي

[~الفراشة الجميلة~]

أَلشِّعرُ شَيءٌ حسنٌ
لَيْس بهِ مِنْ حَرَجِ
أَقَلُّ ما فيهِ ذَهَا
بُ ?لْهَمِّ عَنْ نَفْسِ الشَّجِي
يَحْكُمُ في لَطَافَة ٍ
حَلَّ عُقُودِ الحُجَجِ
كَمْ نَظْرَة ٍ حَسَّنَها
في وَجهِ عُذرٍ سَمِجِ
وَحُرْقَة ٍ بَرَّدَها
عَنْ قَلْبِ صَبٍّ مُنْضَجِ
وَرَحمَة ٍ أَوقَعها
في قلبِ قاسٍ حَرجِ
وَحَاجَة ٍ يَسَّرَها
عِنْدَ غَزَالٍ غَنِجِ
وَشاعِرٍ مُطَّرَحٍ
مُغلَقِ بابِ الفَرَجِ
قَرَّبَهُ لِسانُهُ
منْ مَلِكٍ مُتَوَّجِ
فَعَلِّمُوا أَوْلادَكُمْ
عَقَّارَ طِبِّ ?لْمُهَجِ

[~الفراشة الجميلة~]

أُشاوِرُ أَقْواماً لآخُذَ رَأْيَهُمْ
فَيَلْوُونَ عَنِّي أَعْيُناً وَخُدُوداً
وَلَيْسَ بِرَأْيي حَاجَة ٌ غَيْرَ أَنَّني
أُؤَنِّسُهُ كَيْ لا يَكُونَ وَحيدا
وَلا أَنا مِمَّنْ يَبْعَثُ السَّهْمَ رامِياً
إِلى غَرَضٍ حَتَّى يَكُونَ سَديدا
فَلا يَتَّهِمْ عَقْلي الرِّجالُ فإِنَّني
أعَرِّفهمْ أنِّي خُلقتُ وَدُودَا

[~الفراشة الجميلة~]

قَدْ أَحكَمَتْ مِنِّي التَّجا
رِبُ كُلَّ شيءٍ غيرَ جُودي
أَبَداً أَقُولُ لَئِنْ كَسِبْـ
ـتُ لأَقْبِضَنْ بِيَدَي شَديدِ
حَتَّى إذا أَثْرَيْتُ عُدْ
تُ إلى السَّماحَة ِ مِنْ جَدِيدِ
إِنَّ المُقامَ بمثلِ حا
لي لا يتِمُّ مَعَ القُعودِ
لا بُدَّ لي منْ رِحلَة ٍ
تُدني منَ الأملِ البَعيدِ

[~الفراشة الجميلة~]

أَرَى النَّاسَ مِنْ ضِدَّيْنِ صِيغَتْ طِباعُهُمْ
فَظاهِرُهُمْ ماءٌ وَباطِنُهُمْ نارُ
وَإِنَّ ?بْنَ عَبْدِالله قاضِيَ عَصرِهِ
لأَفْضَلُ مَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ وَيُخْتارُ
كَرِيْمٌ أَرادَ ?لله إِتْمامَ فَضْلِهِ
فَأَخْلاقُهُ أَرضٌ وَجَدْواهُ أَمْطارُ
لَهُ بَدَاهاتٌ حِينَ لا يَنْطقُ الوَرَى
وَرَأيٌ إذا ما استَعْجَز السَّيْفُ بَتَّارُ
وَلَمْ أَرَ بَحْراً قَط يُدْعَى بِجَعْفَرٍ
سِوَاهُ وَإِلاَّ فَالْجَعافِرُ أَنْهارُ