مشاهدة النسخة كاملة : أحمد عبدالمعطي حجازي
سمو داعية
05/06/2010, 11:19 PM
أحمد عبدالمعطي حجازي من (مصر).
ولد عام 1935 بمدينة تلا - محافظة المنوفية - مصر.
حفظ القرآن الكريم, وتدرج في مراحل التعليم حتي حصل على دبلوم دار المعلمين 1955 , ثم حصل على ليسانس الاجتماع من جامعة السوربون الجديدة 1978, ودبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي 1979 .
عمل مدير تحرير مجلة صباح الخير ثم سافر إلى فرنسا حيث عمل أستاذاً للشعر العربي بجامعاتها ثم عاد إلى القاهرة لينضم إلى أسرة تحرير (الأهرام). ويرأس تحرير مجلة (إبداع).
عضو نقابة الصحفيين المصرية ولجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة, والمنظمة العربية لحقوق الإنسان.
دعي لإلقاء شعره في المهرجانات الأدبية, كما أسهم في العديد من المؤتمرات الأدبية في كثير من العواصم العربية, ويعد من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر.
دواوينه الشعرية: مدينة بلا قلب 1959 - أوراس 1959 - لم يبق إلا الاعتراف 1965 - مرثية العمر الجميل 1972 - كائنات مملكة الليل 1978 - أشجار الإسمنت 1989 .
مؤلفاته: منها: محمد وهؤلاء - إبراهيم ناجي - خليل مطران - حديث الثلاثاء - الشعر رفيقي - مدن الآخرين - عروبة مصر - أحفاد شوقي.
حصل على جائزة كفافيس اليونانية المصرية 1989 .
ترجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية والإنجليزية والروسية والإسبانية والإيطالية والألمانية وغيرها.
سمو داعية
05/06/2010, 11:23 PM
من قبل أن يذبح ، كان ميتا
يبكي ببغداد زمانا ميّتا
يبحث عن حجابه
عن شاعر ببابه ،
يسمعه .. أنت الفتى
فلا يرى إلا عيونا من لظىّ
تملأ جوف القصر رعبا صامتا
إلا قتيلا ، لم يمت ، ولم يزل
يسأل بغداد .. متى الثأر ، متى ؟
بغداد درب صامت ، وقبّة على ضريح
ذبابة في الصيف ، لا يهزها تيّار ريح
نهر مضت عليه أعوام طوال لم يفض
وأغنيات محزنه ،
الحزن فيها راكد ، لا ينتفض !
وميّت ، هيكل إنسان قديم ،
سيف على صدر الجدار ، خنجر من النضار ،
أردية ملوّنه ،
غطّت ضلوعا من هشيم !
وامرأة تغلق في وجه المساء بابها
نبكي على أخشابه أحبابها
وأوجه منقبات ، لا تبوح
بغداد سور ، ما له باب
بغداد تحت السطح سرداب
الفجر فيه ، في سواد أحرف على الورق
والشمس فيه ، واستدارة الأفق
وشمعة تراقصت من حولها سود الظلال
وسبعة من الرجال
جباههم مجرى عرق
وجوههم معتمات لا تبوح
عيونهم لا تستريح
تنفذ في السرداب ، تعلو .. حيث بغداد تنوح
تمشي على نقش قديم في الخشب
(( عاش العرب))!
. . . . . . .
وأزّ في نهاية السرداب باب
وشدت العيون نحوه ، كأنها حراب
صدى خطى ، أفسد وقعها الكلال
القلب دق
(( النسر حط في دمشق ))
(( عدنان طير لا ينال )) !
***
من قاع حفرتي أغني ، يا أوائل النهار
أحلم كالبذور في الثرى بعيد الاخضرار
وكلما يئست من بعثي ، ومن صدق المدار
ندى ثراي دمع بغداد الانتظار
***
من قاع حفرتي رأيت الشمس تأتي كلّ يوم
تأتي ، ولا ترحم نائما سعيدا طيّ حلم
تأتي ، ولو لم يدعها كف ، ولم يصل فم
تأتي ، فكم طفل مشى ، وكم طوى الثرى هرم
من قاع حفرتي ، سمعت قصتي تطوي البلاد
كالطائر الليلي تبكيني ، وتبذر السهاد
بغداد !
طفلك القتيل ساهر تحت الرماد
منتظر أن تكتبي بالفأس تاريخ المعاد!
***
الموت ليس أن توارى في الثرى
ولا الحياة أن تسير فوقه
الزرع يبدأ الحياة في الثرى
ويبدأ الموت إذا ما شقّه
فامنح هواك للذي يحيا ،
وأعط للتراب ما استباحوا خنقه
فلن تموت يا مسيح ! إنما
على الصليب ينتهي من دّقة !
***
بغداد طفلها على باب الدفاع
لم يغتمض جفناه ، لم يسكن بجنبه ذراع
مرتفع ، وثائر الشعر ، وطلول الجراح
كأنه يخطب في جنوده يوم الصراع
كأنه ما زال هاربا يعاكس الرياح
يا .. يا صلاح !
يا .. يا صلاح !
أطفال بغداد بجانب الجدار يهمسون
رد علينا ! ان صمتك الطويل ، يقطع الصبر الجميل
رد علينا ! ما الذي فعلت في عام الرحيل
يا قائد الثوار ! يا حيران بالحلم النبيل !
هل يجمع العرب الشتات ؟
هل يدفنون قاتلا ، من قبل أن يموت .. مات ؟!
يا .. يا صلاح !
إلى اللقاء ، لن نقول .. الوداع !
***
بغداد ليل ما به نجم
بغداد فجر لاهب جهم
يا أهل بغداد اخرجوا .. لا تتركوه !
بغداد أرض قلب المحراث في دروبها ،
فأنبتت مليون ساق
تزاحمت ، والنوم في عيونها ،
وفي ثيابها روائح الزقاق
تزاحمت ، ما ويله عبد الإله ،
من ثورة القتلى ، ومن ثأر الحياه !
الميّت المسكين يرمي الموت في وجه الجنود
يبحث عن باب النجاه
لا تتركوه !
لا تتركوه !
لا ترجعوا من قصره سود الودوه
سدوا عيونه التي أغلقها دون الصباح
شلّوا يمينه التي كم حفرت حمر الجراح
يا .. يا صلاح
باسم جديد عدت يا شعب العراق
يا أيها الطفل القتيل ، قد بعثت من جديد
يا أهل بغداد اخرجوا .. اليوم عيد
عدوكم ظلّ على باب الدفاع
ظلّ بلا ملامح ، بلا ذراع
ظلّ تعانقه الطيور ، فادفنوه !
سلّة ليمون !
تحت شعاع الشمس المسنون
و الولد ينادي بالصوت المحزون
" عشرون بقرش
" بالقرش الواحد عشرون ! "
***
سلّة ليمون ، غادرت القرية في الفجر
كانت حتّى هذا الوقت الملعون ،
خضراء ، منداة بالطلّ
سابحة في أمواج الظلّ
كانت في غفوتها الخضراء عروس الطير
أوّاه !
من روّعها ؟
أيّ يد جاعت ، قطفتها هذا الفجر !
حملتها في غبش الإصباح
لشوارع مختنقات ، مزدحمات ،
أقدام لا تتوقّف ، سيّارات ؟
تمشي بحريق البنزين !
مسكين !
لا أحد يشمّك يا ليمون !
و الشمس تجفف طلّك يا ليمون !
و الولد الأسمر يجري ، لا يلحق بالسيّارات
عشرون بقرش
" بالقرش الواحد عشرون ! "
***
سلّة ليمون !
تحت شعاع الشمس المسنون
و قعت فيها عيني ،
فتذكّرت القرية !
سمو داعية
16/07/2012, 01:39 AM
الموت في الميدان طنّ
الصمت حطّ كالكفن
و أقبلت ذبابة خضراء
جاءت من المقابر الريفيّة الحزينة
ولو لبت جناحها على صبيّ مات في المدينه
فما بكت عليه عين !
***
الموت في الميدان طنّ
العجلات صفّرت ، توقّفت
قالوا : ابن من ؟
و لم يجب أحد
فليس يعرف اسمه هنا سواه !
يا ولداه !
قيلت ، و غاب القائل الحزين ،
و التفت العيون بالعيون ،
و لم يجب أحد
فالناس في المدائن الكبرى عدد
جاء ولد
مات ولد !
الصدر كان قد همد
وارتدّ كفّ عضّ في التراب
و حملقت عينان في ارتعاب
و ظلّتا بغير جفن !
***
قد آن للساق التي تشرّدت أن تستكن !
و عندما ألقوه في سيّارة بيضاء
حامت على مكانه المخضوب بالدماء
ذبابة خضراء !!
---------
( يناير 1958)
سمو داعية
16/07/2012, 01:43 AM
هذا أنا ،
وهذه مدينتي ،
عند انتصاف الليل
رحابة الميدان ، والجدران تل
تبين ثم تختفي وراء تلّ
وريقة في الريح دارت ، ثم حطت ، ثم
ضاعت في الدروب ،
ظل يذوب
يمتد ظل
وعين مصباح فضولي ممل
دست على شعاعه لّما مررت
وجاش وجداني بمقطع حزين
بدأته ، ثم سكت
من أنت يا .. من أنت ؟
الحارس الغبيّ لا يعي حكايتي
لقد طردت اليوم
من غرفتي
وصرت ضائعا بدون اسم
هذا أنا ،
وهذه مدينتي !
------------
( يونيو ـ 1957م )