تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : خليل حاوي



سمو داعية
26/04/2010, 12:26 AM
ولد الشاعر اللبناني خليل حاوي (1919 - 1982) في (الشوير), ودرس في المدارس المحلية حتى سن الثانية عشرة حين مرض والده; فاضطر إلى احتراف مهنة البناء ورصف الطرق. وخلال فترة عمله عاملاً للبناء والرصف, كان كثير القراءة والكتابة, ونَظَم الشعر الموزون والحرّ, بالفصحى والعامية.




علَّم حاوي نفسه اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية, حتى تمكن من دخول المدرسة, ثم الجامعة الأمريكية التي تخرج منها بتفوق مكَّنه من الحصول على منحة للالتحاق بجامعة كامبردج البريطانية; فنال منها شهادة الدكتوراه. وعاد إلى لبنان ليعمل أستاذًا في الجامعة التي تخرج فيها, واستمر في هذا العمل حتى وفاته.




ومنذ بداياته, بدا شعر خليل حاوي وكأنه قد (أدخل رعشة جديدة على الشعر) [العربي], كما قال (فكتور هيغو) عن شعر (بودلير).




فقد ابتعد حاوي عن ارتياد الموضوعات الوصفية والمعاني والصور المستهلكة, واستضاء دربه الشعري بثقافته الفلسفية والأدبية والنقدية, وجعل النفس والكون والطبيعة والحياة موضوعَ شعره.




وشعره الأخير تعبير عن المجالدة للوصول إلى يقين نهائي, أو إلى مطلق دائم. وكان الصراع بين المادة والروح واضحًا في ذلك الشعر: صراع من أجل التحرر من المادة ومن الكثافة, وحنين إلى الشفافية النافذة التي طالما حلم بها شعراء سبقوه أمثال (ماللّري) و (فاليري) و (رامبو).


كانت الرموز قوام شعر خليل حاوي: رموز حسّية, ونفسية, وأسطورية, وثقافية. وقرب النهاية, عرف شعره الرموز المشهدية, التي ضمت في قلبها رموزًا متعددة ومتوالدة.


من دواوينه المنشورة:
(نهر الرماد) (1957), (الناي والريح) (1691), (بيادر الجوع) (1965), (ديوان خليل حاوي) (1972), (الرعد الجريح) (1979), و(من جحيم الكوميديا) (1979). وبعد وفاة الشاعر, نُشرت سيرته الذاتية بعنوان (رسائل الحب والحياة) (1987).

سمو داعية
26/04/2010, 12:33 AM
ومتى يُمْهِلُنا الجَلاَّدُ والسَّوطُ المُدَمَّى
فنموتْ
بين أيدٍ حانياتٍ،
في سكوتٍ، في سكوتْ
ومتى يَخْجَلُ مصباحُ الخفيرْ
من مخازي العارِ
والدمعِ المدوِّي من سريرٍ لسريرْ
ومتى يُحْتَضَرُ الضوءُ المقيتْ
ويموتْ
عن بقايا خِرَقٍ شوهاءَ،
عنَّا، عن نُفاياتِ المقاهي والبيوتْ
حُشِرَت في مِصْهَرِ الكبريتِ،
في مستَنْقعِ الحمَّى،
رَسَتْ في جَوفِ حوتْ
مُضْغَةً يجْترُّها الغازُ الجحيميُّ السعيرْ،
حشرجاتٍ تَتَعالى
سُحُبًا صفراءَ في وجه القديرْ
والضميرْ
ذلك الصوت المُرائي
كم يُرائي المستَجيرْ،
ذلك الجوُّ الجحيميُّ السعيرْ
في مداه لا غدٌ يُشرِقُ،
لا أمسٌ يفوت
غيرَ آنٍ ناءَ كالصَّخر على دنيا تموتْ
أتُراهُ كان لي دنيا سِواها،
كانَ لي يومٌ نضيرْ
وعرفتُ الحلمَ والإيمانَ والحبَّ القريرْ
نَبْضُ قلبينِ، وَزنْدٌ لَيِّنٌ،
وصدًى يهمسُه دفءُ الحريرْ،
وَصليبٌ وَرِعٌ فوق السريرْ
وخيالٌ يتحدَّى
عَتْمَةَ المجهولِ والسرَّ الكبيرْ.
أتُراهُ كانَ لي يومٌ معافًى ونضيرْ
أم حكاياتُ ثلوجٍ مَدَّها
البُحْرانُ في وَهْجِ الهجيرْ
كل ما أذكرُه أنِّي أسيرْ،
عُمْرُهُ ما كان عُمْرًا،
كان كهفًا في زواياهُ
تدبُّ العنكبوتْ
والخفافيشُ تطير ْ
في أسى الصمتِ المريرْ
وأنا في الكَهف محمومٌ ضريرْ
يتمطَّى الموتُ في أعضائِهِ،
عُضوًا فعُضوًا، ويموتْ
كلُّ ما أعْرفه أنِّي أموتْ
مُضغَةً تافهةً في جوف حوتْ

سمو داعية
26/04/2010, 03:58 AM
خَلَعَ الرمحُ سِنانَهْ
بين كفَّيْ خارجيٍّ
قطع الفلسُ لسانَهْ
وتجلَّى في ضميرِهْ
ومصيرِهْ
بارقٌ ينهلُّ
من ختم أَميرِهْ

* * *





كانَ يمشي مرِحًا،
يَزْهُو ويلهو ويَنامْ
نومَ طفلٍ
يَجتني من جنَّةٍ ما يشتهيهْ
حيثُ لا تُفزعُهُ
أظفارُ جنيٍّ كريهْ
حيثُ لا تصرخُ في عينيهِ
غصَّاتُ الفطامْ
كانَ يَلقى وجهَهُ الريّانَ
يلقى ما تعوَّدْ
وامّحى ما كان وَعْرًا شاهقًا
في صمتِ صخرٍ يتمرّدْ
لا يلبّي غيرَ جبَّارٍ
خفيٍّ يتوعّدْ

* * *





كانَ قبل اليومِ
غِرًّا يتَّقي طعمَ الحرامْ
يتَّقي منقارَ نسرٍ
ينهشُ الأكبادَ في طبعِ اللئَامْ

سمو داعية
28/04/2010, 02:12 AM
أتُرى هلْ جُنَّ حسِّي فانطوى الرعبُ
تُرى عادَ الصدى، عادَ الدُّوارْ؟
مَن تُرى زحزح ليلَ السجنِ عن صدري
وكابوسَ الجدار؟
اَلكوى العميا يغطّيها
سوادٌ رَطِبٌ، طينٌ عتيقْ
اَلكوى ما للكوى تنشقُّ
عن صبحٍ عميقْ
وصدى يهزج من صوب الطريقْ:
"هِيَ، والشَّمسُ، وضحكات الصغارْ،"
"وبقايا الخِصبِ في الحَقْل البوارْ،"
"كلُّها تذكر ظلِّي، تَعَبي"
"كَفِّي المغَنِّي للبذار"
"كلُّها تُغري وتُغري بالفرار".
طالما أغرى الصدى قلبي وجفني
طالما راوَغَني صوت المُغنِّي
طالما أدْمَتْ يدي جدْرانُ سِجني
طالما ماتَتْ على كيْد الجدارْ
ردَّ باب السِّجنِ في وجه النهارْ
كان قبل اليوم يُغري العفوُ
أو يُغري الفرارْ
قبلَ أن تصدأ في قلبي الثواني
لا صدى تُحصيهِ، لا حمَّى انتظارْ
قبل أن تمتصَّني عتمَةُ سجني
قبْلَ أنْ يأكُلَ جفنيَّ الغبارْ
قبلَ أنْ تنحلَّ أشلاءُ السَّجينْ
رِمَّةً, طينًا، عِظامًا
بعثَرتْها أرجلُ الفيرانِ
رثَّت من سنينْ
كيْفَ تلتمُّ وتحْيا وتلينْ،
كيف تخضرُّ خُيوطُ العنكبوتْ
تتَشهَّى عودَةً للمَوْتِ
في دنيا تموتْ؟
ما الذي يَهْذي تُرى؟
صوتُ المُغنِّي
لم يعد يخْدع كَفَّيَّ وجفني
لم يعد يخدعني العَفوُ اللَّعينْ
بعد أن رثَّت عظامي من سنينْ
هل أخَلِّيها، أُخلِّيها وأمضي
خاويَ الأعضاءِ وجهًا لا يبينْ
شبحًا تجلده الريحُ
وضوءُ الشمْس يُخزيهِ
وضحكاتُ الصغارْ
يتخَفَّى من جدارٍ لجِدارْ
ردَّ باب السِّجْن في وجه النهارْ
كان قبل اليومِ
يُغري العفو أو يُغري الفرار

سمو داعية
13/05/2010, 01:06 AM
أَغمضتَ عينيكَ عَلى رَمَادْ
أَغمضتَ عينيكَ عَلى سَوَادْ

* * *




تغُورُ في أَرضٍ بِلا سريرهْ
غُصَّاتُكَ المريرهْ

سمو داعية
04/08/2010, 12:40 PM
وعرفتُ كيف تمطُّ أَرجلها الدقائقُ
كيف تجمد، تستحيل إلى عصورْ
وغدوتُ كهفًا في كهوف الشطِّ
يدمغ جبهتي
ليلٌ تحجَّر في الصخورْ
وتركتُ خيل البحر تعلكُ
لحم أحشائي
تغيِّبه بصحراءِ المدى
عاينتُ رعب زوارقٍ
تهوي مكسَّرة الصدى،
عبثًا يدوِّي عبر أقبيتي الصدى
يلقي على عينيَّ ليل جدائلٍ
في الريح تُعولُ, تستغيثُ، وترتمي
غبَّ انسحاب البحرِ
يرسب في دمي
سمك مواتٌ،
بعض أثمار معفنة، قشورْ
ويدي تميع وتنطوي في الرملِ
ريحُ الرمل تنخرها،
وتصفر في العروقْ
ويحزُّ في جسدي وما يدميهِ
سكِّين عتيقْ،
لو كان لي عصبٌ يثورْ
ربَّاهُ كيف تمطُّ أَرجلَها الدقائقُ
كيف تجمدُ، تستحيلُ إلى عصور