مرحبا
التصوير الفني في الشعر الشعبي
هذه المقطوعه الشعرية بوابة الدخول للموضوع :
صحيح اني انسى الحوداث.. والملامح .. والأسامي
لما أكتب عن آلامي .. شعر ابعد ما يكون ..
عن مجرد جرح دامي .. والأساور .. والمرايه .. والهوى القاسي الحنون ..
عندي هموم القصيدة .. غامضة .. صعبة .. عنيده ..
وانت عاشق للوضوح ..
يتعبك بحري ظلامي ..
ودك بسري أبوح .. وانا آخر همي بوح ..
تكفى لا تزيد فـ خصامي .. وقلي ما تفهم كلامي ..
انا انسى .. الحوادث .. والملامح .. والأسامي ..
هكذا ببساطة يمكن لمن أحب الكلمة الشعرية العذبه أن يصف تعلقه بالشعر ..
فهو لا يشكل بالنسبة لمتذوقه أو قائله مجرد غرض غرض كتابي أو غزلي أو وجداني .. بحت
بل هو امتصاص كامل للمعنى والصورة والشعور اللحظي وقت كتابة القصيدة أو قراءتها ..
فلا يتوجب على كل من كتب شعرا أن يكون هائما بملهمته ..
ولايتوجب على كل من قرأ الشعر ولاحقه أن يكون يتغنى بليلاه ..
هناك من يتنفس مع الشعر المعاني والصور والتراكيب المختلفه .. وتستوقفه كثيرا
تلك اللوحات التي يرسمها الشاعر بين احساسه ونظمه و ابداعه في تجسيد الخيال
وهناك الطرف ونقيضه .. فإذا قلنا أن الشعراء يكتبون القصائد في شتى اغراض الشعر ..
ولو سلمنا جدلا أن الغزل هو احد اكثر تلك الأغراض طرقا من قبل الشعراء
بل و هي أكثر ما كتبت وقيلت
فنحن بذلك لانتجاهل أن هناك العديد من الأغراض الشعرية الأخرى التي قيلت
فيها اجمل الأبيات وأقواها أيضا ..
واستخدمت في بعضها أجمل التصاوير الفنيه , والتي تضاهي في بعضها
تلك التصاوير في الشعر الفصيح ..
ومنها ابيات يزيد ابن معاويه الشهيره والتي حوت صورة فريده في الشعر العربي
والتي يقول فيها ..
بكت لؤلؤا من نرجس
فسقت وردا
وعضت على العناب
بالبرد ..
الشعر الشعبي ايضا احتوى التصوير الفني وارتداه في حلل رائعه وفريده
ومنها .. ابيات لبدر بن عبد المحسن والذي يعد اكثر الشعراء
ابداعا في هذا الجانب .. يصف فيها شكل انسان يقدم لغيره شيئا لايملك
أن يقدمه لنفسه .. ولكنها تجسيد لمعنى :
التضحيــــــــــة
أرخي الستاير مابقى كود مشهد * كهل كفيف يشعل لغيره سراج
أو نجده في بيت آخر يصف الألم مع الرغبه في البكاء وبعيدا عن انسياب عزة الشاعر مع دموعه..
مفارق والذي يخليك لحظة بطفي مصباحي * تعرى الدمع ساعدني البسه الظلام ثياب
وفي صورة أخرى يصف فيها الشاعر روحه المجدبة من الفرح والمستأنسة بالألم حيث يضج بين
جنباتها مستوطنا أطرافها ببيتين تجعلنا نمسح كل الارشيف السابق في مخيلتنا للوحدة الموجعه ونراها في
حدود هذه الصورة
روحي خلا سكانها خوف وشــــــتات * وليل ملا قلبي ظــــــلامه يروعــــي
ماهي بصدري ذي مداهيل الأهــات *وماهي بجفنـــــي ذي مقابر دموعي
وعندما يسبح الشاعر في فضاءاته الواسعه يتمنى ان يقدم كل مايستحضره الخيال من آمال ممكنه ومستحيلة
أخذت من رمل المجرات غمطه * لأقدامك أمشي فوق نجمات وهلال
وعندما يصل به ذلك المستحيل إلى يأسه يصف ذلك
اليــــــــــــــأس
ياضارب بالصخر بذراع أجرد * بين بياض العظم مافاض هداج
لمن يضرب الصخر بذراعه ليفيض له النبع من خلاله .. فلا تجديه محاولاته الا ظهور عظام ذراعه
الجريحه والضاربه دون جدوى ..
آخر صوره للشاعر الزيد في بيت يصف فيه نظرة الوداع :
على متن السحاب المقفية ودعت لي غالي * وخيوط النور في عيني تذوب اقواس غرقانه .
ويستمر الشاعر في تشكيل المعاني الوجدانيه في صور أخرى عديدة
ومنها توجيه الرجاء لمحدثه .. بإزالة حجب الصمت وامطاره له بوابل من
العتـــــــــــاب
تكـــلم واحـــرق بالعتب طينــــي والواحـــــــي * عيوني لك مرايا لو تبي وافتح ضلوعي كتاب
وفي صورة شبيهه يرد شاعر آخر بوصف آخر جميل يوضح فيه مشهد لصعوبة القدرة
على الشكوى في حين أنه ايضا لايمكنه حبسها في داخله والبقاء مكلوما .. فيقول :
كني اللي حط بشفــــــاه جمر المليل * لاقدر يرميه للناس .. وأزرى يبلعه
فكانت شكواه هنا هي ذلك الجمر ..
ولكن يعود العتاب مجددا ليستجدي به الشاعر البوح من .. من يقفل دونه الابواب ويبقى
منغلقا على همومه .. فيشبهه بمن يحبس بكفيه النور ويرضى بالعيش في ظلام دامس
ويطالبه بمصافحة البوح لينجلي ذلك الظلام حينما يبدده النور ..
ياحابس النـــــور بكفوفك * سلم عسى ينجـــــلي همك
فألبس بتشبيهه ذلك الهم ثياب النور وجعله سجينا بين الايادي ..
ثم جعل البوح كفا تصافح ذلك الحزن ..فيجلوه
وعندما يدب القنوط في قلب المحزون .. يمني الشاعر نفسه بالنهايات السعيده
ويحثها على البحث عن مخرج .. بتشبيهه لانجلاء الغموم بذهاب الوهن عن جسد
شخص مريض اشتعلت فيه الحراره ومالبثت ان انطفأت وعادت اليه عافيته المفقودة
البحث عن الأمل
أو هو الجســـد .. لابد يعرق ويــــبرد * دور لروحك لحظة الضعف .. مخراج
الصورة الفنيه في البيت من الشعر .. تعني وجود منبع آخر يستقي منه الشاعر
معانيه التي يريد فيثري بها ابياته ويصنع من خلالها شكلا مختلفا
فلا يكرر تلك التصاوير التي عفا عليها الزمن واستهلكها الشعراء منذ الازل
فاغرقونا بالعيون السوداء .. بتشبيهها بعيون المهاة
او رصفهم للكلمات المعتادة ضمن قافلة القوافي .. ودون
ان تلمس احساسا مجسدا ومتقن التصوير يليق بمخيلة الشاعر في شعره ..
وهذا هو الفرق الذي نجده مباشرة منذ اول قراءه للقصيدة فنجدنا وقد حفظنا معظم
ابياتها دون ان نقصد ذلك لأنها تتسلل الينا من نوافذ الجمال التي تملكها ..
أو .. القاءها جانبا حيث اننا لم نقرأ فيها جديدا ..
تحياتي
eimie
رد مع اقتباس
