لكل من تأخر زواجها 





عزيزتي الفتاة التي تأخر زواجها ولم يقدر الله لها الزواج بعد، اليك هذه الكلمات التي ربما تريح قلبك وعقلك من التفكير ..




تمر على الفتاة المؤمنة لحظاتٌ تشعر فيها بمشقة هذا الأمر على نفسها، فهي تريد أن يكون لها ما تأمله كل فتاة بحسب فطرتها، تريد أن يكون لها الزوج الصالح الذي تفرح به، وتأنس به، وتسقيه من حبها وحنانها، وكذلك يغدق عليها من عطفه وحنانه ورحمته، فتشعر حينئذ بنفسها، تشعر أنها في مملكتها الصغيرة، في بيتها ترتبه بيديها، وتضع أغراضه في الأماكن التي تريدها، إن هذه المعاني تهتف بقوة في نفس أي فتاةٍ صاحبة فطرة سوية، فربما جاءك الهم أحياناً من هذا التفكير ومن هذا الشعور، إنك تجلسين أحياناً وكأنك تعدين الأيام تلو الأيام، وترين السنوات تمر كذلك، وأنت تشفقين على نفسك من تأخر زواجك، فهي فطرةٌ لا يمكن إلغاؤها، ولا يمكن الإعراض عنها، لأنها مركوزةٌ في نفس كل إنسان سوي، فأنت يا أختي معذورةٌ فيما ينالك من هذا الهم وهذا الحزن، ولا لوم عليك فيه




ولكن: ماذا يصنع الإنسان بنفسه التي لابد أن ينالها شيءٌ من أعراض الدنيا من همٍ وحزن؟ فهذا لا إمكان لدفعه، ولذلك قال صلوات الله وسلامه عليه: (ما يصيب المسلم من نصب – أي تعب- ولا وصب –أي مرض- ولا هم ولا غمٍ ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه ) متفقٌ عليه.
إذن فهو تكفير السيئات ورفعة الدرجات بإذن الله عز وجل، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: (من يرد الله به خيراً يصب منه) خرجه البخاري في صحيحه، وقال صلوات الله وسلامه عليه: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي في سننه




فإن قلت: فهذا التفكير الذي يُشغل بالي وأقلقني وأشعرني بالغصة في حلقي فلا أعيش حياتي سعيدةً كما أريد وإن شاركت في الضحك مع شقيقاتي ومع أخواتي في الله، لا أجد أنني أضحك تلك الضحكة الصافية من قلبي، فالجواب: إن هذا عينه الذي تقدم هو دواء هذا التفكير، إنه أن تحولي تفكيرك إلى احتساب الصبر عند الله جل وعلا (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))[الزمر:10] إنه أن تنظري إلى عظيم الفضل الذي ينالك بصبرك وحسن ثباتك على دين الله جل وعلا، فهذا هو الذي لابد أن يكون للإنسان أن يجعل حزنه صبراً، وأن يجعل فرحه شكراً، فما منا وإلا يناله هذا الهم وهذا الغم، والمفلح هو من نظر هذه النظرة السليمة، قال الله تعالى: (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ))[الحديد:22-23]




فأخبر جل وعلا أن كل ما يصيب الإنسان من أمور الدنيا ومن ابتلاءاتها فكله بقدره العظيم، وهذا النظر هو الذي يدفع عن الإنسان الهم والغم على الحقيقة عندما يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فتقر نفسه، ويعلم أنه في حفظ الله جل وعلا، فإن الله جل وعلا حافظٌ عباده المؤمنين، قال الله تعالى: (( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ))[الروم:47]




ولذلك خرج الترمذي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة) وقد قال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: (ليس أحدٌ إلا وهو يحزن ويفرح ولكن من جعل المصيبة صبراً وجعل الخير شكراً) فهذه هي الخصلة الكاملة التي تعينك على ضبط هذا التفكير، مضافاً إلى ذلك التيقظ إلى الفكرة نفسها فعندما ترد على نفسك فلا تتشاغلي بها يا أختي، ولا تمعني فيها، بمعنى أن لا تبقي جالسةً قد وضعت يدك على خدك مثلاً، ثم تسرحين في حالك وما أنت عليه وفي أمر تأخر زواجك إلى هذا الوقت وغير ذلك من الأفكار التي تداهمك، ثم يأتيك بعد ذلك الخوف من التعنيس وهل سأبقى على هذا الحال؟

فهذا نوعٌ من التهويل الذي يلقيه الشيطان (( لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ))[المجادلة:10] فادفعي ذلك بحسن توكلك على الله جل وعلا وحسن رجائك، ومتى شعرت بمثل هذا الشعور فافزعي إلى ربك، ارفعي يديك إليه، واسأليه من فضله، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (إن ربكم تبارك وتعالى حيٌ كريم يستحي إذا رفع العبد يديه إليه أن يردهما صفراً) أخرجه الترمذي في سننه




ومن هذا المعنى: التشاغل عن هذا التفكير بأي أمر ممكن حتى ولو كان بأعمالٍ مباحة، فإن قلت: فإن الأعمال العملية لا تدفع عني تفكيري، فالجواب: إنها أحد الأساليب لمضادة التفكير الذي يحزن الإنسان، ولكن لابد من أن تقطعيه من نفسك أصلاً، وذلك بتيقظك لهذه الأفكار عندما ترد عليك، وبذل الوسع في عدم الاسترسال فيها، نعم.. قد ترد على الإنسان فلا يستطيع دفعها فيفكر فيها شيئاً ما، وهذا أمرٌ لا يمكن دفعه، ولكن لابد من عدم المضي في هذه الأفكار حتى لا تنقلب حزناً وهماً وكآبةً كما أشرت في كلامك الكريم، ومن هذا المعنى يا أختي شغل نفسك بما يعود عليك بالخير والفضل، حتى ولو كان بتعلم بعض الفنون اللطيفة كفن الخياطة مثلا، فإن فيه تسليةً ومتعةً إلى جانب الفائدة التي تجنينها وإعداد نفسك كربة بيتٍ ناجحة بإذن الله




ومن هذا أيضاً المشاركة في تحصيل العلم النافع، وفي حفظ كتاب الله عز وجل، فهذا وإن كان عملاً ظاهراً، إلا أن له تأثيراً باطناً أيضاً، فإن انشغال النفس بهذه الأمور يوجب إشغالها عن التفكير بالأحزان والهموم التي لا طائل من التفكير فيها، بل مضرتها ظاهرة فإن الحزن له مضرةٌ على النفس وربما أدى إلى بعض الإحباط الذي قد يوصل الإنسان إلى قدر ٍمن الكآبة، فابذلي جهدك في ذلك، وتوكلي على الله جل وعلا، وأنزلي حوائجك به، وصلي صلاة الحاجة، واستعيني بربك عز وجل، قال تعالى: (( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ))[البقرة:45].
 




ولعل من الأسباب التي تعين على إتمام زواجك، أن تخبري بعض صديقاتك الصادقات الصالحات الناصحات لك، عن رغبتك في العثور على زوج صالح لتقوم هي بدورها في الإعانة على التعريف بك لمن يرغب في الزواج من أقاربها ومن لها علاقة بهم، مع ملاحظة أن يكون هذا الأمر مع من تثقين به من صديقاتك، أو يتم ذلك عن طريق والدتك مثلاً، فهذا أسلوب لطيف يمكن اتباعه ولا حرج فيه عليك إن شاء الله تعالى.

ومن الأسباب الجيدة أيضاً أن يقوم بعض أوليائك كوالدك مثلاً بالتلميح لبعض من يثق به في شأن زواجك، ومن المعلوم أن التلميح يغنى عن التصريح، بل إن جماعة من أكابر الصحابة قد عرضوا بناتهم على من يرون أنهم صالحين وأكفاء للزواج بهن، ولا حرج في هذا ولا كراهة، غير أن أوضاع الناس وعاداتهم تمنع من مثل هذا الأمر في كثير من الأحيان، ولذلك فإن التلميح في هذا المقام لعله خير من التصريح به، ولابد أيضاً من تفهم ولي أمرك لمثل هذا الفعل، فإنك أمانة في أعناقهم ولابد من إعانتك، بل أن هذا يدخل دخولاً أولياً في قوله تعالى: (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ))[المائدة:2]. 




وأيضاً فإن من الأسباب الحسنة مثلاً أن يذهب بعض أهلك إلى بعض الشيوخ الصالحين من أهل المعرفة والدعوة إلى الخير، ليستشيره في مثل هذا الأمر فيكون هذا كالتلميح له ليعين على إيجاد الخاطب المناسب لك، وهذا أمر يمكن أيضاً اتباعه مع مراعاة الرجل المناسب لذلك.

والمقصود أن موضوع زواجك لابد من التعاون والتفهم والمبادرة المتزنة التي تكون سبباً في حل هذه المشكلة، ولا ريب أن المحاولة من حين إلى حين وفي وقتها المناسب، قد تجيء بالفرج من عند الرحمن الرحيم، فإن ذلك كله من باب الأخذ بالأسباب المشروعة التي توصل للمطلوب.

ولتعلمي – أختي الكريمة – أن أعظم سبب لديك هو التضرع إلى الله، والالتجاء إلى رحمته التي وسعت كل شيء، فمن يجيب دعاء المضطر إلا هو !! ومن يكشف الكرب والسوء إلا هو جل جلاله!!

فعليك بدوام التوكل عليه، وإحسان المعاملة معه تبارك وتعالى، وثقي وتأكدي أن الله حينئذ لن يضيعك وسوف يجعل لك الفرج والمخرج القريب، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً) أخرجه أبو داود في السنن، فاصبري وتصبري، ولن يضيع الله صبرك إن شاء الله جل وعلا.





ولعل أكثر الأمور أهمية والتي غلينا نصحك بها هي الاستغفار  ودعاء الله عز وجل. فالاستغفار سبب أكيد لتحصيل الأرزاق كما أخبرنا الله في كتابه فقال: ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا))[نوح:10-12]
فأكثري من الاستغفار والتوبة إلى الله مع إحسان الظن بالله تعالى، فإن الله يقول في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء) فأحسني الظن بالله وكوني على ثقة بأنه على كل شيء قدير، وأنه ودود رحيم، وأنه لا يعجزه شيء، بيده مقاليد السموات والأرض، لا يعجزه أن يرزقك زوجاً صالحاً طيباً، فأحسني الظن بالله حتى يكون هذا سبباً لجلب الرزق لك.




كما عليك الاكثار من الدعاء و سؤال الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، وأن يقدر لك الخير، ويرزقك الذرية الطيبة، واسأليه سؤال صدق واضطرار وتوجه، واجتهدي الأوقات التي يرجى فيها إجابة الدعوة، كالدعاء في ثلث الليل الأخير، وكونك في السجود وبين الأذان والإقامة والدعاء حال الصيام ونحو ذلك من الحالات والأزمان التي تستجاب فيها الدعوة، فأكثري من دعاء الله على الدوام، واجتهدي في هذه الأوقات خاصة، وأنت في هذا تمارسين عبادة جليلة لك فيها أجر عظيم، بل ربما فتح الله عز وجل عليك من اللذة والأنس بمناجاة الله تعالى ودعائه واستغفاره والتلذذ بالعبادة ما يُنسيك كل هموم الدنيا وكل رغباتها.
ونسأل الله تعالى برحمته التي وسعت كل شيء أن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، (( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ))[الفرقان:74]. 

















كانت السطور السابقة منقولة من عدة روابط: 


http://consult.islamweb.net/co...


http://www.islamweb.org/consul...


http://consult.islamweb.net/co...