سنبلة مشرقة
* منذ أحد عشر عاماً كانت تلك الليلة.. ليلة مشرقة في حياتي.. لا زلت أذكرها جيداً حيث تحدثنا عن الإسراف والتبذير في مجتمعنا وهو مجال ملاحظ ومشاهد.. إنها يعم لا نلقي لها بالاً.
كنا ثلاث نساء فقط في تلك الأمسية الجميلة ولامسنا الجرح المؤلم والنزف الدائم لأموالنا.. عندها تشاورنا أن يكون لنا دور في خدمة هذا الدين العظيم.. هنا صممت إحدانا وبقيت أنا وأخت واحدة.. إنتهى الحديث ومن ثم المجلس وقررنا العمل على قدر إستطاعتنا..
بدأنا بجمع مبالغ شهرية تصل إلى مائة ريال فقط، لم ينقص من أموالنا شيء ولا رأينا في ثيابنا قلة.. استمر عملنا أشهراً متتابعة ونحن ندخر مئتي ريال شهرياً وندفعها لصالح الأعمال الإسلامية الخيرية.. ثم يسر الله وتوسعت الدائرة وكثر الخير.. وبدأ الكثيرات يشاركننا في دفع هذا المبلغ الرمزي.. مائة ريال كل شهر.. حتى وصل ما نجمعه إلى مبالغ كبيرة معظمها من المعارف والأقارب والجيران..
بدأنا بإرسال رسائل إلى الخارج تحمل كتباَ في العقيدة بمعدل إرسال اسبوعي يقارب مئتي رسالة وأكثر من خمسين طرداً كبيراً يحوي أمهات الكتب إلى أنحاء العالم.. واستمر عملنا طوال سنوات ماضية.. نرسل من خلالها العقيدة الصحيحة والعلم النافع إلى جميع أنحاء العالم..
ورغم أن هذا هو عملنا لفترة طويلة ومستمرة إلا أنه تبقى لدينا خلال تلك الفترة فائض مالي عن حاجة الإرسال فكان أن أنفقناه في مشاريع أخرى عن طريق جهات خيرية معروفة.. إنه مشروع بدأ بمائتي ريال.. ولكن ألقي- أختي المسلمة- نظرة إلى بعفر الحصاد.. حفر تسعة عشر بئراً عادياً.. وحفر ثلاثة آبار أرتوازية تكلفتها ستون الف ريال وبناء خسة مساجد وإرسال ألوف من الكتب.. إضافة إلى مبالغ مقطوعة تدفع لمساعدة إخواننا المحتاجين في الصومال والبوسنة وغيرهما..
إنه مشروع صغير.. مائة ريال.. حتى بارك الله فيها وجعلها تنمو وتنمو وتنمو..
سنبلة مباركة
* ريعان الشباب كفراشة تنبض بالحياة.. لم يتجاوز عمرها السبعة عشر عاماً.. تحمل هم الدعوة.. وهم الأمة.. تتحرق شوقاً لرفعة راية الإسلام.. همها منصرف للدعوة.. عيونها تتابع المحاضرات ومتى موعدها ومن ستلقيها.. أما حفظ القرآن فقد إنصرفت بكليتها نحو حفظه.
حركة لا تهدأ فمن نصيحة رقيقة تهديها إلى إحدى زميلاتها إلى كلمة حلوة تدعو فيها لحفظ القرآن في مصلى المدرسة.. إلى قوة في إنكار المنكر وعدم الصبرعلى رؤيته.. أما المدرسات فلهن نصيب من دعوتها..
الله أكبر.. لا تراها إلا تتقلب في أنواع العبادة.
يوما أهمها أن ترى مديرة المدرسة لا تلبس الجوارب.. صعدت إليها وسلمت في أدب رفيع وشكرت المديرة على جهدها..
وقالت: نحن ندعو لك بظهر الغيب وأنت القدوة والمربية والموجهة.. ثم تبعت ذلك.. لا أراك تلبسين الجوارب وأنت تعلمين أن القدم عورة وخروجك ودخولك مع البوابة الرسمية عبر أعين الرجال يا أستاذتي الفاضلة..
طأطأت مديرة المدرسة رأسها وهي تعلم صدق نصيحة الفتاة فكان أن قبلت وشكرت.. وقالت في نفسها إن الكلمة الصادقة لها رنين ووقع في النفس..
فرحت الطالبة وهي ترى المديرة تستجيب لله ولرسوله وتعود من قريب.. وحمدت الله على قبول النصيحة.. ولكن هناك أمرا أهمها.. فكرت لمن تبثه.. ولمن تقوله..
* فاجأت مدرسة العلوم الشرعية وهي قدوتها ومربيتها بسؤال عجيب.. يا أستاذتي الفاضلة.. أين نصيب المستخدمات في المدرسة من الدروس وحفظ القرآن والمواعظ.. هيا لنبدأ معهن. قررت مع مدرستها أن تعلمهن قصار السور ويدعين لحضور المحاضرات المدرسية.. وبحثن عن داعية في المدرسة صاحبة صبر وجلد وسعة بال وقلن لها: هنا نساء في منزلة أمهاتنا.. لمن نتركهن؟؟
إنها فتاة الإسلام مباركة أينما كانت.. مباركة أينما حلت وارتحلت..
سنبلة الصحبة
* أثر الصحبة عجيب.. تأمل قول الله تعالى في سورة الكهف عندما رفع درجة الكلب برفقته للصالحين وذكره معهم: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم.. }.
أما هي فعندما توفيت صديقتها فقد جعلت عمرة ابنها الصغير عن هذه الصديقة.. أما الأخرى فإن لسانها يلهج بالدعاء والرحمة لها.
* بدأنا طريق الهداية ونحن في المرحلة الجامعية ثلاث قريبات جمعتنا القرابة وزادت المقاعد الدراسية ذلك الحب والود.. ثم تأصل كل ذلك محبة في الله.. بدأنا في جمع مبلغ بسيط من مرتباتنا في الجامعة به نشتري بعض الكتيبات والأشرطة.. وعلى الرغم من قلة هذا المبلغ إلا أن الله بارك فيه ليشمل ما نوزعه جميع أقاربنا ومعارفنا.. وبدأ ينضم إلينا بعض فتيات العائلة حتى تيسرت أمورنا ولم تعد المادة عائقا نحو شراء تلك الكتب والأشرطة.
* صاحبة طاعة وقيام ليل.. لا تترك النوافل.. وعندما تحدث زميلاتها في المدرسة الثانوية تحث فيهن روح العمل.. هيا نصلي.. متى نعمل إذا كبرنا وأصبح الوقوف صعبا والركوع مشقة والسجود بجهد.. نحن في زمن النشاط والقوة.. هيا نعمل ونجد في الطاعة قبل أن يدركنا الموت أو تدب إلينا الأمراض والأسقام والأوجاع.. وقبل أن تكثر مسئولياتنا من زوج وأبناء.
* ثلاث زميلات في الجامعة تعاهدن على حفظ القرآن كاملا.. وكان بينهن اتصال مستمر مساء كل يوم لتسميع ما حفظن.. دقائق معدودة وفي نهاية الأسبوع يكون التسميع لبعض الآيات.. من أول السورة ووسطها وآخرها ليسترجعن ويتأكدن من حفظهن.. كانت النتيجة من هذا الخير في شهر ونصف حفظن سورة البقرة.
* طريق يومي تسلكه يتراوح بين عشر دقائق وخمس عشرة دقيقة إنه طريق الذهاب إلى الجامعة والعودة.
قررت أن تجعل هذا الوقت لقراءة كتيب نافع ومراجعة قراءة ما حفظته من كتاب الله.. كثيرات يسلكن مثل هذا الطريق منذ سنوات ولكن دون فائدة.
سنبلة الحفيدة
* مدارس كثيرة بها خيرة المعلمات علما ودعوة ونشاطاً.. أما هي عندما عينت فإنها ارسلت إلى مدرسة تزخر بالمعلمات لكنهن نائمات.. فلا توجد محاضرات ولا دروس.. في البداية بدأت في التودد إلى المدرسات وقالت: هم أهم عندي الآن من الطالبات لأنهن داعيات خاملات آثرن الكسل والدعة.. فقط يحتجن إلى إيقاظ..
بدأت خطوات الإيقاظ بالكتاب والشريط والهدية.. حتى تحولت المدرسة إلى شعلة نشاط ومركز دعوة.. حمدت إحداهن الله وهي تردد كيف ضاعت مني خمس سنوات يومياً أقف أمام الطالبات ولم أدعهن وأحدثهن وأركز على تربيتهن!! إنها الغفلة اليوم والحساب غداً.
* شرعت المعلمة في بيان أضرار السفر والفساد والانحلال في بلاد الكفر.. وعقبت بدعاء صادق.. نسأل الله أن لا ندخلها ولا نذهب إليها..
ولم ينته الدعاء حتى تسلل من بين الصفوف صوت حمل هم الدعوة: نعم يا معلمة.. نسأل الله عز وجل ألا ندخلها إلا فاتحين!! لا فض الله فوك وجعلك وأبناءك من الفاتحين.
* تكد وتكدح للآخرة...- والله- إنها تركض للآخرة ركضا وتسعى الا سعياً.. فمن محاضرات إلى ندوات إلى نصائح. كل عمل خير لها فيه نصيب.
وفي نهاية كل شهر- علمت إحدى المدرسات من زميلاتها- أنها ترسل راتبها كاملاً لأعمال الخير.. نعم كاملاً وأقسمت لقد رأته- برباطه- ترسل به إلى كفالة أيتام وطبع كتب وتجهيز غاز..
جعل الله مستقرك جنات عدن أيتها المؤمنة ورفع درجتك وأعلى منزلتك وكثر من أمثالك.. ووالله لأنت حفيدة عائشة وفاطمة.
* اجتمعت معلمات المدرسة وقررن الدخول في (جمعية) مع بعض.. وكل منهن تتحدث عما ستفعل بالمبلغ عندما تستلمه أما هي فصامتة تنتظر ذلك اليوم.. حتى إذا استلمت المبلغ دفعت به لبناء مسجد.. لعله يصيبها الأجر والثواب.
.