انه موسم ملكات الجَمَال، موسم الحفلات التي تدور فيها فتيات مبتدئات من دون العشرين من العمر، فوق حلبات سُلِّطت عليها الأنوار، لكي يتفرّج الناس عليهنّ مثلما يتفرّج تجار الخيول على الجياد الأصيلة ويبحثون عن فرس قابلة للترويض.
هل يستحيل على السنة أن تنتهي، ويتعذر على السنة الجديدة أن تبدأ، من دون انتخاب ملكات الجَمَال من كل صنف ولون؟ ملكة للفاكهة، وللسياحة، وللأناقة، وللجامعة الفلانية، وللطماطم، وللفستق، وللأزهار، وللمراهقات، وللشمال، وللجنوب، وللتمر هندي، وللنارجيلة، ولكل ما أنزل اللّه به من سلطان.
من أين يأتون بكل أولئك الْمُتباريات؟ ومَن يحشد لهم كل أعضاء لجان التحكيم؟ لجان مؤلَّفة من خبراء تجميل، ونجوم سينما، وصحافيين، وسيدات مجتمع، ومطربين، و"خراعي خضرة" أو "خيالات مآتة" عفا عليهم الزمن، ولم تعف اللجان!
تستعد الفتاة المسكينة للمناسبة منذ عدة أشهر سابقة، وكأنها تستعد لمناقشة أُطروحة دكتوراه في الفيزياء النووية. وتُحاط في بيتها برعاية خاصة من والدتها، حبيبة قلبها، ومن شقيقاتها وأشقائها وجيرانها وجيران الجيران. إنها تأكل بمقدار، وتمارس الرياضة، وتتحمّص تحت الشمس أو تحت المصابيح ذات الأشعة فوق البنفسجية، وتجرب تسريحات عدّة، وتوصي على فساتين عدّة لدى الخيّاطة، وتنام وتصحو على إيقاع الأحلام أو كوابيس اليقظة.
وعندما يحسم القضاء ويحل اليوم الموعود، تتصارع الفتيات المخدوعات وكأنهن مرشحات لمعركة انتخابية سياسية، مَن تفوز تدخل البرلمان، ومَن تخسر تتحسّر على الأموال التي وزعتها لشراء أصوات الناخبين الْمُخادعين.
الفوز معناه التاج، والتاج معناه أن تذرف دمعتين أمام الصحافة ثم تبتسم للكاميرات والأضواء، التي ستبقى مُسلَّطة عليها طوال السنة. والفوز يعني أيضاً الهدايا والسيارات والمجوهرات والمكافآت النقدية وعقود الإعلانات والرحلات المجّانية إلى الخارج.
وقد يأتي لها الفوز بعريس من ذوي الأرصدة. وقد تنتقل من حال إلى حال، وقد يسطع اسمها بين ليلة وضحاها فينتبه لها منتج سينمائي، أو صاحب شركة تسجيلات غنائية، أو مصمم أزياء على أقل تقدير، فتدخل عالم المجد والشهرة والثروة ودوامة الجنون الفضائي، الذي يبث 24 ساعة على 24 ساعة.
مسكينة هذه الفتاة التي يصقلونها ويرفعون شعرها على هيئة عمارات ذات طوابق، ويرسمون حاجبيها كسيفين تمرّدا على نجميهما، وينفخون شفتيها كما تنفخ إطارات السيارات، ويكسرون عظمة أنفها لكي تدخل في القالب الذي تتخرّج منه كل السحنات التي تشبه إحداها الأُخرى... مثل "باليت" الرسامة التي تختلط فوقها الألوان.
ويقولون لك، ضاحكين على عقلك، إنّ الانتخاب هذه السنة أخذ في الاعتبار المستوى الفكري للمتسابقات، وإن لجنة التحكيم طرحت عليهن أسئلة تتوخى قياس درجة الذكاء ومقدار المعلومات العامة. وإذا كان الأمر هكذا فإنّ آينشتاين، رحمه اللّه، يستحق أعلى جوائز الجَمَال، وأن موقع "غوغل" سيلبس التاج، بلا منافس.
حسناً، لنقل إنها حفلات للتسلية في أمسيات الشتاء الباردة، حين يلزم الناس بيوتهم ويتسمّروا أمام التلفزيون، حسناً.. إنّ الشبيبة تحب أن تتجمَّل وأن تنصقل وأن تلبس أحلى الثياب وأن تتهادى على الحلبات. حسناً، ما الضَّرر من انتخاب ملكة للسنة الجديدة لكي ترتاح تلك التي حملت التاج 12 شهراً، بأيامها ولياليها؟
المشكلة أنها "هَزُلَتْ"، كما يقول المتأدبون، وشتّان ما بين تاج جورجينا رزق الذي سرق وهج الكون، وتاج ملكة جمال التبغ المعسل أو ملكة الهواتف النقّالة، وغيرهما من ألقاب تُباع بالكيلوغرام.. ومبروك مُقدَّماً لكل الْمُغرّر بهنّ.
منقول