المراهقة

يعرف علماء نفس النمو المراهقة بأنها المرحلة التي تبدأ بالبلوغ وتنتهي بدخول المراهق في مرحلة الرشد وفق المحكات التي يحددها المجتمع.(المفدى:1423). وتحدث فيها مجموعة من التغيرات في نمو المراهق الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ومن ضمنها التغيرات التي تطرأ على وظائف الغدد الجنسية، وهي فترة خصبة في حياة الإنسان إذ تنمو فيها القدرات البدنية والعقلية وتأخذ صفات المراهق في الظهور وتستمر في التطور إلى أن تصل إلى مرحلة الرشد حيث يباشر دوره في الحياة العملية باستقلال كامل وحرية مطلقة. ويترك النمو الجسدي أثرا نفسيا على المراهق فيشتد اهتمامه بمظهره وصحة جسمه ورشاقته ومحاولة جذب انتباه الآخرين إليه. أما في النمو العقلي للمراهق فيتضمن التغيير في القدرات العقلية العامة والخاصة وصولا به إلى مرحلة الاستعداد الوظيفي المتكامل، واهم ما يميز النمو العقلي في هذه المرحلة هو نمو القدرات والمواهب، كما تمتاز بتطور على صعيد الآراء والمواقف. ويمر المراهق بمرحلة نمو الانفعالات حتى يصل إلى مرحلة الرشد التي تتزن وتنضبط فيها انفعالاته.
وتتميز فترة المراهقة بأنها قد تكون عنيفة منطلقة لا تتناسب مع مثيراتها ولا يستطيع المراهق التحكم بها كما أن المراهق يسعى إلى الاستقلالية عن الكبار وتكوين شخصيته المستقلة وقد يلاحظ عليه انطواءه وتمركزه حول ذاته وخجله وإحساسه بالذنب أو الخطيئة. كما تتميز هذه المرحلة بفيض غزير من العاطفة والحماس.
وتختلف أشكال المراهقة من فرد لأخر باختلاف الظروف الأسرية والعادات الاجتماعية والأدوار الاجتماعية التي يقوم بها المراهقون في مجتمعهم.(زهران:1422)
وأي استراتيجية تربوية للتعامل مع المراهق لابد وأن تنبني على فهم هذه الخصائص واستيعابها، و إلا كانت النتيجة انفلات زمام الأمور من يد المربين وبالتالي انجرر المراهق نحو السلوكيات المنحرفة.
فالمراهقة هي مرحلة عمرية تمر بالإنسان مثلها مثل أي مرحلة عمرية أخرى لكن المختلف فيها هي التغيرات التي تحدث للمراهق والقرارات الصعبة التي ينبغي على الآباء اتخاذها لتنشئته إما بطريقة صحيحة أو خاطئة
وبالتالي ففترة المراهقة تعتبر من أصعب المراحل التي يمر فيها الفرد لأنه قد يتخبط بين محنة وأخرى أثناء محاولته تحديد هويته وتأكيد ذاته بين المحيطين به والمخالطين له ولا سيما أعضاء أسرته الذين قد يخطئون في تفسير خصائص نموه العضوي والانفعالي والاجتماعي. فقد تلجأ الأسرة إلى أساليب غير تربوية في رعاية المراهق الذي ينشأ بينهم حيث تلجأ إلى النقد واللوم أو التوبيخ، أو التهديد والوعيد بسبب سلوكياته التي تبدر منه ولا ترضيهم، دون أن يحاول أي منهم مساعدته على تعديلها أو تبديلها بما هو أفضل منها، مما يتسبب في النيل من كرامته وجرح مشاعره وطمس معالم هويته ، لذلك يجد المراهق سلوكياته دائما مرفوضة في رؤية الآباء ، بينما يجد سلوكيات أقرانه المماثلة لها مقبولة في رؤية الرفقاء ، مما يجعله يميل إليهم من أجل اكتساب الاعتراف بذاته في إطار جماعتهم 0
وهذه المؤثرات المتأتية من التفاعل مع الوسط البيئي، تولد في الشخص نوعاً من الحماس والشعور المعنوي، فقد يتجه إلى الزهد والتقوى، أو يميل في بعض الأحيان إلى التشكيك بالعقائد والتعاليم الدينية أو رفضها، وبطبيعة الحال يمكن للمربي الواعي أن يزيل مثل هذه الشكوك ويبدلها باليقين من خلال التوجيه والإرشاد المنهجي والعلمي الرصين.
كما نجد أن المراهق في هذه المرحلة ومع وجود الميل والرغبة الشديدة للدين، إلا إنه قد لا يطيق الأعمال والطقوس الدينية، فعندما يصلي، مثلاً، يسرع في صلاته، وبنفس الوقت يتجه وبشكل جاد في بعض الحالات إلى الاهتمام بأداء الطقوس، وخصوصاً عندما يلاقي تشجيعاً وإشادة من الآخرين في هذا المجال.
ونظرا لان مرحلة المراهقة مرحلة حرجة لأنها تعتبر مرحلة انتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الاعتماد على النفس ونتيجة للتغيرات الجسمية والنفسية التي تطرأ عليه فهو بحاجة إلى رعاية وعناية خاصة لذا يجب علينا نحن المعلمين كمربيين أن نتعامل مع هذه المرحلة بحذر وعلينا أن نحقق له احتياجاته والتي تتضمن :
1- الحاجة إلى الحب والأمان
2- الحاجة إلى الاحترام
3- الحاجة لإثبات الذات
4- الحاجة للمكانة الاجتماعية
5- الحاجة للتوجيه الإيجابي
وهذا لا يتحقق إلا إذا تعاملنا مع المراهق بالحوار والمنطق وتجنبنا عدم إحراجه أمام أقرانه بأن نقلل من أهميته أو نطلق عليه بعض الصفات غير المرغوب فيها أو تعريضه للعقاب الجسدي وجرح مشاعره أو الاستهزاء بتفاعله السلبي داخل الفصل. والتعامل مع المراهق بهذه الطريقة تجعله يسلك سلوكا متزنا ويتعامل مع المجتمع حوله بثقة مما يدفعه للتقدم والنجاح.
و الأسرة لها دور كبير في التصدي لمثل هذه المشكلات وحلها حتى لا تتطور وتتعقد ومن ذلك عليها أن تلم باحتياجات المراهق الجسمية والنفسية والاجتماعية والعاطفية والاقتصادية.فلابد أن تشعره بأهميته في المنزل وبقيمته وان تتيح له المشاركة بالرأي والحوار .

وفي زمننا هذا قد يخطئ كثيرا من يطلب أن يكون أبناءنا المراهقين مثل الصحابة والتابعين في مراهقتهم فلا مجال للمقارنة بين حياتهم وبين ما نحن عليه الآن فقد كانت حياة الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم مليئة بالإيمان وكانت هممهم عالية وكانت التربية آنذاك تربية إيمانية يرتشفون الجانب الروحي مع حليب أمهاتهم فشبوا على ذلك في الكبر. أما شبابنا اليوم فالبعض منهم من تربوا على القنوات الفضائية ومنهم من ارتشفوا حنان الخادمة أو المربية منذ أن تفتحت أعينهم على الدنيا وحال بعض الأسر الآن أم تخلت وأب مشغول.وهذا لايعني بأي حال من الأحوال ألا تسعى الأسرة والمدرسة للاهتمام بالتربية الدينية وتقديم القدوة الصالحة لهؤلاء المراهقين.

وإشباع حاجاتهم بالطرق التربوية السليمة أمر ضروري إذ أن عدم إشباعها يجر إلى ازدياد متاعبهم ومشكلاتهم، وتكون مواجهة هذه الحاجات بالتوجيه والإرشاد وتقديم الخدمات المناسبة في البيت والمدرسة وكافة المؤسسات المعنية بذلك، سواء كانت خدمات إرشادية وقائية تهيئ الظروف المناسبة لتحقيق النمو السوي لهم ، مبنية على العلاقات الاجتماعية الإيجابية، أو خدمات إنمائية تنمي قدرات المراهقين وطاقاتهم وتحقق أقصى درجات التوافق. أو كانت خدمات علاجية تتعامل مع المشكلات الانفعالية والتربوية ومشكلات التوافق التي تواجه بعض المراهقين بتقديم الحلول العلاجية المناسبة وفق الأسس العلمية للتوجيه والإرشاد.
و تفهم حاجات المراهقين ومطالب نموهم يسهل التعامل معهم ويخفف من متاعبهم ويحل مشكلاتهم ولذا فإن من الواجب توفير الرعاية لهم في جميع المجالات الصحية والبدنية والعقلية والاجتماعية والانفعالية بشكل علمي مدروس.

وبذلك فإن من حق المراهقين على الأسرة وعلى التربويين وعلى الجهات ذات العلاقة أن يقدم لهم كل ما من شأنه مساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة الحرجة بسلام وبأقل قدر ممكن من آثار المشكلات والتناقضات التي يمرون بها وغرس الثقة بأنفسهم، وذلك بتبصيرهم بذواتهم وتعويدهم حسن المناقشة والإنصات، مع احترام ذواتهم وتقبل حديثهم وتعويدهم تقبل النقد بموضوعية. وتقديم المعلومات الدقيقة الكاملة عن حقيقة التغيرات الجسمية وما قد يصاحبها من آثار نفسية، وغرس اتجاهات إيجابية نحو هذه التغيرات ليقبلها المراهقون على أنها مظاهر طبيعية للنمو. وذلك تلافياً للاتجاهات السلبية التي تؤكد الرغبة في الانطواء ونقص الثقة بالنفس وعدم الاستقرار .كما أن الجمع والمواءمة بين الضبط والمرونة في قيادتهم، وتمكينهم من التغلب على مخاوفهم وخجلهم يساعد كثيرا في بناء شخصياتهم .
ونستطيع كتربويين أن نسهم في الكشف عن قدراتهم وهواياتهم وميولهم وتوجيهها مهنياً تبعاً للفروق الفردية، وغرس الاتجاهات الإيجابية والمفاهيم المجردة كالعدالة والفضيلة وتوظيف الأنشطة المختلفة لذلك وتوظيف ثقة المراهقين في بعض الأشخاص من الأقارب والمرشدين والمعلمين والمشرفين لتعزيز تلك الاتجاهات والمفاهيم.
كما أننا يمكن أن نسهم في توجيه المنافسة التي تقوم بين المراهقين توجيهاً سليماً حتى لا تتحول إلى صراع وتوتر وخلق العداوات.
ومن أهم ما يجيب أن نقوم به كتربويين خاصة المرشدين الطلابيين هو توعية المعلمين والأسر بمتطلبات وخصائص هذه المرحلة، فليس كل المعلمين يجيدون فن التعامل مع المراهقين وكثيرا ما كانت تأتي مشاكل الطلاب نتيجة لبعض أساليب المعلمين التي يفترض أن تكون أساليب تربوية. كما أنه ليست كل الأسر متعلمة وحتى المتعلمين منهم يحتاجون إلى التوعية .ويمكن أن نقوم بهذا الأمر أما بالنشرات التوعوية أو بإقامة محاضرات عن طريق استضافة المختصين بهذا العلم لإلقاء محاضرات تربوية لأفراد المجتمع
منقول.